المنبرالحر

المشتركات بين اﻷنظمة القومية واﻹسلامية / د. علي الخالدي

لقد أناطت اﻷحزاب القومية واﻹسلامية اللثام ، من خلال ممارستها الحكم ، عن كل الحجب واﻷغطية ، التي تدثرت بها أمام ناسها ، من أن النظام الذي ستقيمه ، هو نظام فوق الميول واﻹتجاهات . نظام يجد فيه القوميون ضالتهم ، واﻹسلاميون نصرة مذاهبهم وطوائفهم . بهذه المقوﻻت المعسولة ، أنتعشت أﻷفكار القومية والمذهبية الطائفية بين بسطاء الناس ، فضيعت الوطن ، وغيبت الروح الوطنية ممن خدع بها.
بمعونة العامل الخارجي واعوانه في الداخل والخارج ، إستطاعت تلك اﻷحزاب التموضع واﻹنفراد بالحكم ، فأسرعت منفردة بسن قوانين وإصدار تعليمات بعيدة عن الشعارات التي خدروا بها شعوبهم ، فزادت من قوة وشائج تفردهم بالحكم . وباساليب قمعية بما فيها التصفية الجسدية للمطالبين بالديمقراطية ، صفوا حتى من كان مقتنعا أصلا بالشعارات القومية والمذهبية الطائفية من بين صفوفهم ، ليخلوا لهم الجو في تحقيق مآربهم الذاتية ، فارضين دكتاتورية قومية النهج ، وطائفية مذهبية في التعامل مع مكونات مجتمعاتهم العرقية ، ولم يكتفوا بسيطرتهم على مقاليد الدولة ، بل حولوا شعوبهم الى أدوات تسير بمحض إرادتهم ، شاغلين إياهم ببهرجة اﻷحداث القومية ، والمذهبية الطائفية المثيرة للجدل اﻹجتماعي ، على أساس ما نعطيها ، (إلا أرض جرداء ) ، فلم تصن الديمقراطية التي إدعت إشاعتها، ولم تحترم تواقيعها على المواثيق الدولية في صيانة حقوق اﻹنسان ، وكأنها مواثيق جاءت لنشر العداء للقومية وللإسلام في العالم .
بعد أن عاشت حكومات أنظمة اﻷحزاب القومية واﻹسلامية ، بحبوحة إرتفاع سعر برميل النفط (دول الشرق اﻷوسط) مع بداية سبعينات القرن الماضي ، الكثير منها، إهتم بنفخ جيوب القائمين عليها ومحسوبيهم ، عبر نُهب خزانة دولهم ومن السحت الحرام ، ولم يُصرف من اردات النفط الهائلة في تطوير وتنمية بلدانهم ، بل وسعوا رقعة الفقر في صفوف شعوبهم وإستثمروا ما سرق من ثروات شعوبهم في بنوك الدول الغربية التي تتحكم بالعولمة اﻹقتصادية ، وفي أسواق عقاراتها التي ركدت ، وتناسوا توفير خبزة نظيفة لمواطنيهم .
كلا حكومتي النظامين عملا على بناء دول غريبة عجيبة ، ذات أنظمة معادية باﻹساس لحاملي هم شعوبهم ، قريبة لما يمليه عليهم العامل الخارجي ، ودول قريبة وبعيدة طامعة بخيرات بلدانهم ، كل حسب مذهبه . ولذر الرماد في العيون ، دأبت اﻷحزاب القومية على دغدغت عواطف جماهير شعوبها بشعارات قومية وهمية ، أما اﻷحزاب اﻹسلامية ، فوقفت وراء تطبيق شريعة المذهب طائفيا ، بقيادة اﻷخوان المسلمين والسلفية، خالقين صراع هز أركان مجتمعاتهم ، قاده من تبرجز من بين صفوفهم ( أغلبهم كانوا يحسبون على فقراء الشعب) مشكلين طبقة برجوازية هجينة، إمتلكت المال ووسائل إعلام تعمل على بلف شعوبهم من أن تطبيق النهج القومي واﻹسلامي ، سيقضي على الطبقات ويخلق مجتمع متجانس طبقيا ، عابر للطبقات يصون التعايش السلمي بين المستغل (بالفتح) و المستغل (بالكسر)، مما أحدث إشكالية بالمصالح المادية لمختلف الطبقات اﻹجتماعية ، بينما في حقيقة اﻷمر، كلاهما عبر عن مصالح سيطرة البرجوازية التقليدية ، ذات اللباس القومي أو الديني ، التي تعني ما تعنيه سيطرة البناء الفوقي على مسارالحركة اﻹقتصادية، أي سيطرة المصالح الذاتية للقائمين على النظام على ثروات البلاد ، وهذا يعني عمليا خلافا لما يتمنطقوا به ظاهريا ، من أن أنظمتهم تقوم بنقل مستوى الفقير الى مستوى الغنى.
لقد أثبت واقع ربط شعارات اﻷحزاب القومية ، واﻹسلامية المذهبية بالحكم ، تحول أنظمتها عن تمثيل مجتمعاتها إلى خدمة مصالح قوى محسوبة تنظيميا على الجماعات الحاكمة . مقابل ذلك لعبت القوى الوطنية التي لم يفل من عضدها التنكيل والسجون وحتى التصفية الجسدية ، دورا رياديا في تعبئة الناس من أجل وضع حلول عملية للخروج من اﻷزمات التي صنعها كلا النظامين (القومي واﻹسلامي) ، متحدية دفاعات حكوماتهم ، واضعة على عاتقها مهمة تصعيد حراكها المطلبي السلمي وتواصله ، حتى يتحقق التغيير واﻹصلاح لصالح الشعب والوطن ،وكنس تلك اﻷنظمة التي تطمأن مصالح القائمين على الحكم .
كلا النظامين شوها التعليم اﻷولي والجامعي عند تحديد رؤيتهم في مهمة التعليم ، فحولوا مناهجه لتتغنى بالقومية والمذهبية ، والطائفية ، ومع إحتساب الجوامع والحسينات المصدر الوحيد للمعرفة والعلوم ، بكونها تملك على حد ثقافتهم الحلول لكل المشاكل اﻹقتصادية واﻹجتماعية ، ولديها تفسيرات جاهزة لكل الظواهر الطبيعية . تتضح عملية التخريب في جميع مراحل التعليم ، مما أتاح لشخوصهم ذات الخطوط الحمراء التدخل في شؤونه.
كلا النظامين فتحا أبواب بلدانهم على مصرعيها أمام الرأسمال اﻷجنبي ، وأمام اﻹقتراض، من البنك الدولي ، ذو القيود المجحفة بحق الشعوب ، فبدأت اﻹحتكارات اﻷجنبية بإضعاف وتفكيك قطاع الدولة ، فتحولت مظلة الديون إلى منهك لمؤسسات قطاع الدولة ، التي تزايدت فيها اﻹدارة السيئة والغير مهنية ، مما حملوها خسائر، مهدت لبيعيها لمسؤولي اﻷحزاب والمتنفذين في كلا النظامين ،و لم يجدوا حلا للمشكلة إلا بمواصلة اﻹقتراض من المؤسسات المالية الدولية ، فادى هذا الوضع الى إشتداد اﻷزمة السياسية اﻹقتصادية ،وتنامي الصراعات الداخلية ، داخل جهازسلطتهم البيروقراطية وداخل أحزابهم الحاكمة. المعادبة أصلا للديمقراطية والعدالة ﻹجتماعية والمجتمع المدني، واضعين أجهزتهم التصدي لمهمة المطالبين باﻹصلاح والتغيير. بتحجيم تواصل مضمون الحراك المطلبي السلمي لجماهيرها ،التي أبت ان توقفه ومستمرة حتى اﻹنتصار على الظلم , وتحقيق العدالة اﻹجتماعية في كلا النظامين.