- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 24 أيار 2017 15:36
الاحتفاء الكبير الذي استقبل به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية، وحجم الصفقات التي أبرمت والتي تجاوزت الأربعمائة وخمسون مليار دولار، تعد مؤشرا على حجم وطبيعة التحديات، التي تواجه المملكة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها المعاصر، نتيجة الصراعات الداخلية والخارجية التي تشكل هاجسا مقلقا لدى القائمين بالأمر هناك، مما اضطرهم إلى اللجوء لتعضيد العلاقة مع الولايات المتحدة، وزيادة زخمها وبث الحياة فيها من جديد، بعد مرحلة الفتور التي شابتها في السنوات الأخيرة من رئاسة اوباما، لأسباب عدة أهمها، الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست، والذي عارضته السعودية بشدة، مما انعكس هذا الموقف على طبيعة علاقتها مع حليفتها التاريخية الولايات المتحدة، وقد اعتبرت السعودية هذه الزيارة نصرا كبيرا لها، على غريمتها في المنطقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بسبب الصراع الجيوسياسي القائم بين البلدين في المنطقة، ومحاولة كل طرف منهما الاستحواذ على مجالات حيوية اكبر، وما يجري حاليا في (اليمن والعراق والبحرين والبنان) دلالة واضحة على حجم وطبيعة هذا الصراع الغير مباشر، الذي لبس رداءا طائفيا في الكثير من محطاته ..والملفت للنظر إن الملف إلايراني كان حاضرا بقوة في هذه الزيارة، وشكل احد المحاور الرئيسية لها..لكن السؤال هنا، لماذا توجهت المملكة العربية السعودية بكل هذا البذخ الغير مسبوق، إلى الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الوقت بالذات ؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب علينا الانطلاق من داخل المملكة، وما تعانيه من صراعات بين أفراد الأسرة الحاكمة، على السلطة والنفوذ، ونشوء مشكلة اقتصادية خطيرة، بسبب الحرب على اليمن، إضافة إلى وجود المارد الطائفي النائم هناك، والذي بإمكانه الاستيقاظ في أي لحظة، تماهيا مع الصراع الطائفي القائم في المنطقة، وبالأخص ما يجري الان في الجارة الخليجية البحرين، لذلك فهي بحاجة إلى عراب سياسي كبير وقوي، يكون صمام أمان لمرحلة ما بعد الملك سلمان، يمنع حدوث أي انشقاقات داخل الأسرة الحاكمة، قد تقود البلد إلى منزلق، يهدد بقائها على رأس السلطة هناك.. وعلى المستوى الخارجي فأن وجود الولايات المتحدة الأمريكية بثقلها السياسي وترسانتها العسكرية الكبيرة إلى جانب السعودية، سوف يساهم بشكل أو بآخر في حلحلة الكثير من المشاكل الإقليمية التي تعانيها المملكة، والتي وجدت نفسها طرفا فيها، نتيجة التجاذبات السياسية والطائفية مع إيران، فالسعودية ترى نفسها محاطة بخطر المد الإيراني من ثلاث جهات (البحرين والعراق واليمن)، إضافة إلى الأزمة السورية والتي تسعى السعودية إلى إيجاد حل نهائي لها، وفق رؤيتها السياسية الخاصة، والتي ترى بداية هذا الحل هو رحيل الرئيس الأسد الحليف القوي لإيران في المنطقة، وقد بدا هذا التناغم واضح من قبل الإدارة الأمريكية لهذه الرغبة السعودية، من خلال التصريحات التي سبقت زيارة ترامب لها مؤخرا، حيث دعت فيها الخارجية الأمريكية إلى رحيل الرئيس الأسد كجزء من الحل السياسي للازمة السورية.. أما اليمن فالسعودية بعد أكثر من عامين على حربها هناك مازالت تجد نفسها تخوض في مستنقع استنزف قدراتها الاقتصادية والعسكرية، لذلك فهي تبحث عن نصر عسكري كبير وسريع، تستطيع من خلاله فرض حل سياسي وفق رؤيتها ومصالحها، وهي بحاجة إلى الدعم العسكري الأمريكي في هذا الجانب.. وللعراق حصة في هذا التقارب الامريكي السعودي الجديد، فهو جزء حيوي في المعادلة السعودية، ووجود أمريكا حليفا سياسيا لها، سيمكنها من إقناع الاخيرة، في تبني بعض وجهات نظرها، بشان مستقبل العراق بعد طي صفحة داعش، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار، بأن أمريكا مازالت اللاعب الأكبر في العراق، على الأقل في صناعة القرار السياسي .. كل هذه الأسباب وغيرها جعلت من زيارة الرئيس ترامب تمثل صفقة تجارية كبيرة للولايات المتحدة، كانت سببا في إرغامها على تغيير بوصلة الإرهاب باتجاه إيران، مما دعا الأخيرة إلى الرد بصورة متزامنة مع هذه الزيارة، وتداعياتها الخطيرة على الأمن القومي الإيراني، وجاء هذا الرد بانتخاب حسن روحاني دورة رئاسية ثانية، في رسالة واضحة للعالم والمنطقة، على أن إيران قد اختارت السلام مع الغرب ، وإنها ماضية في سياسة احتواء العداء الأمريكي لها، من خلال سياسة حسن روحاني التي تعتمد الحكمة، وتجنب المواجهة المباشرة مع الغرب، وعدم التفريط بالمكسب السياسي الكبير الذي حققه، وهو الاتفاق النووي مع الدول الست، والذي يسعى ترامب إلى إعادة النظر فيه، واعتقد إن هناك ردا آخر سيكون لإيران مستقبل وباتجاه آخر، وهو إنها ستسعى إلى إيجاد صيغ جديدة لطبيعة علاقتها مع روسيا، الغريم التاريخي والتقليدي للولايات المتحدة، وقد تصل هذه الصيغ، إلى إقامة تحالف عسكري إستراتيجي طويل الأمد معها، سيؤدي على خلق توازنات سياسية وعسكرية جديدة، ويعمل على اعادة ترتيب اوراق اللعبة في المنطقة والعالم.