المنبرالحر

لمصلحة من تُعادى القوى المدنية والعلمانية في البلدان اﻹسلامية / د. على الخالدي

إمتازت أغلب البلدان اﻹسلامية في الشرق اﻷوسط بصفة تعدد اﻷديان والمذاهب ، ومع ذلك لم تلتفت حكوماتها لهذه الصفة التي إكسبت شعوبها ميزة تآخي وطني حضاري ، فنالت إعجاب شعوب العالم. إن هذه الصفة الفريدة التي ندر تواجدها في بلدان أخرى ، لم تكن بعيدة عن دور المثقفين اليساريين والعلمانيين والذين ﻻ زال دورهم يقف الى جانب إحترام المعتقد الديني ، وعدم المس به والتعرض له .هنا يحضرني موقف فيدل كاسترو عندما طالب البعض عند أعداد دستور جديد لكوبا بعد إنتصار الثورة فيها ، بحذف كلمة الله من الدستور عارض فيدل كاسترو إحتراما لعقيدة ومشاعرالمتدينين، وبذلك حافظت على وجودها في فقرات الدستور ليومنا هذا.
مع بروز اﻷحزاب القومية واﻹسلام السياسي في بلدان الشرق اﻷوسط حوالي منتتصف القرن الماضي ، تصاعدت المفاهيم المعادية للقوميات واﻷديان التي تعتنقها مكونات شعوب المنطقة. وأسقط أي إهتمام لهذه الميزة النوعية، وخصوصا عندما جعلت القومية فوق اي إعتبار وطني، بينما تبنت أحزاب اﻹسلام السياسي الشريعة اﻹسلامية كمصدر للتشريع ، و كلاهما خصا ذلك في دستور بلدانهم ، مما شجع على تصاعد نعرة معاداة اﻷديان السماوية اﻷخرى ، وتقييد حرية المعتقد والتقاليد اﻹجتماعية الموروثة التي تمارسها المكونات العرقية ، وتدريجيا إختفت ثقافة إحترام تقاليد اﻷديان ، بما يشرع من قوانين ، وما يصدر من تعليمات ، يقف وراءها رجال دين يفرضوها على الناس كافة ، رغم تضاربها مع التعاليم اﻹسلامية وتعارضها مع ما كان سائدا حتى أن البعض منهم تسامح مع من يكفر اﻵخر، وﻻ يقدم له أية لائمة، على ما يحدثه من تشويه وإساءة الى اﻹسلام ، مما أحدث شرخ في طبيعة التماسك اﻹجتماعي، فضاقت الحريات الفردية والعامة ، وقيدت حقوق اﻹنسان لما تحوية من مفاهيم طائفية مذهبية تضرب في الصميم مبدأ المساواة بين المواطنين ، وتشرعن الطائفية التي مزقت نسيج البلدان اﻹجتماعي ، وهي ﻻ تزال متعارضة مع الديمقراطية ومتناقضة مع إلتزامات أغلب الحكومات بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها.
،مجمل ما نريد قوله أن معظم حكام بلدان الشرق اﻷوسط اﻹسلامية ، يتبنون الجاه والمحسوبية ، وكل ما يهمهم هو أن يضعوا ايديهم على ربان السلطة للإبحار بأوطانهم الى مواقع يتطلعون فيها لمراكز مرموقة تُطمأن مصالحهم ، وقد يتعكز البعض منهم على ميليشيات كأداة تسعى لربط الحكم بالدين والشريعة ، وبأجهزة أمنية ، ﻻ تعرف سوى قمع شعوبها ، تستعمل القوة المفرطة لأي تحرك يهدف إلى اﻹصلاح ، مما جعل شعوبهم أن تتطلع إلى عامل خارجي ، يأتي ﻷنقاذهم ويخلصهم من جور دكتاتورية أنظمتهم ، دون أن تدرك تلك الشعوب أنها تبلط لنفسها و ﻷوطانها طريق السير نحو الهاوية ، ذلك أن العامل الخارجي ﻻ تهمه مآسي الشعوب بقدر تطمين مصالحه وهيمنته اﻷقتصادية على منابع النفط في المنطقة . هذا ما أكده قادة غربيون في أكثر من مناسبة ( ذهبنا للعراق بسبب مشكلة أمنية بحتة ، و لم نذهب لجلب الديمقراطية لهناك ) كوندليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا اﻷسبق.
هذا ما يدلل على أن أمريكا على مر العقود تعادي الشعوب التي تتطلع للديمقراطية ، وتقف بالضد منها . ولم نر عبر تاريخها أنها ساندت الوطنيين من مدنيين وعلمانيين ، بل تعمل كل ما من شأنه عرقلة مكشاركتهم في حكومات تشكلها بعد إجراء عملية التغيير ، بينما تستأنس عند إدارة الحكم من قبل أحزاب قومية أو إسلامية طائفية خصوصا إذا كانوا من عائلة اﻷخوان المسلمين ، أو من لبس ثوبهم من اﻷحزاب اﻹسلامية ، فتقدم المساعدات المادية واللوجستية لمواصلة حكمهم ، لكون هناك لغة مشتركة يجري التفاهم بها معهم لتمرير مشاريعهم في المنطقة وعلى راسها مطامعها بخيرات شعوب المنطقة ، لذا نراها تقف في صف معاداة اﻷحزاب والحركات الوطنية ، وتضع العراقيل أمام تصاعد المد المدني العلماني في تلك الدول، لغياب إمكانية إيجاد لغة مشتركة وإياهم على حساب المصالح العليا للشعب والوطن.
إن أغلب القادة العرب حتى بعد التغيير، يشبهون أسلافهم في السلوك والتجاوز على القانون واﻷعراف بإستخدام منطق المحافظة على الدين ، ولو إختلفوا عن بعضهم بالمظهر والورع الظاهري ، عبر المتاجرة والمزايدة على تطبيق التعاليم الدينية والشريعة اﻹسلامية ، ويظهروا إزدواجية في التطبيق ، عبر مواقع القرار التي يعملون على إحتلالها في الحكومة، فينشرون الفساد والمحسوبية في أجهزتها فيضيع الحق والنزاهة ، وتُقع بلدانهم ضمن قائمة الدول التي غابت عنها الشفافية والعدالة اﻹجتماعية ، وتتحول الى ساحة تغلي بالصراعات اﻹجتماعية ، لكون أغلب القائمين على مواقع القرار ﻻ يضيرهم لو أستخدمت أراضي أوطانهم كساحة لصراع الدول البعيدة والقريبة منها ، لكونهم ضمن المنظومة التي تشكل جزءاً من هذا الصراع وامتداداته المناقضة لمصالح شعوبهم ، هذا ما يُفترض أن تفهمه شعوب المنطقة ، كي تتصدى وتفرض إرادتها عليهم ، بالمطالبة بالتغيير واﻹصلاح بشتى الوسائل بغية تغيير جذري للواقع الراهن، وألّا تخشى من ما يثيره البعض من أن سلطتهم مهددة بقوى مدنية وعلمانية ملحدة على حد تعبير الكثير من رجال الدين الذين ينطقون بلغة مشتركة في هذا الشأن مع الرجعية والدول الطامعة بإقتصاديات بلدانهم علنا بين أوساط بسطاء الناس وتلاميذهم ، و بفعل ذلك حدث إستقطاب في مجتمعاتهم ، أستغل من قبل داعش وأخواتها ، فإستطاعوا أن ينشأوا عدة أوكار أرهابية في المنطقة ، متلقية الدعم وأﻹسناد من بعض دول المنطقة نفسها . تسعى أمريكا حاليا أن تحيط بها وتضعها تحت إشرافها ، لذا تسعى للإشراف على الطرق الرابطة بين هذه الدول ، عبر شركاتها اﻷمنية ، بحجة مكافحة بؤر اﻷرهاب ، وعلى أساس إستثماري، لكن في حقيقة اﻷمر هو أن يتم التواصل مع قواعدها بسرعة . لتحكم سيطرتها السياسية واﻹقتصادية على المنطقة ، التي تسعى لتنفس شيئا من نسيم الديمقراطية الحقة . علينا ألّا ننسى الكذبة الكبرى التي كان يطلقها هتلر وگوبلز كلما أحسا بالضيق: "افتروا، ثم افتروا، ثم افتروا، لعل بعض افتراءاتكم تعلق بأذهان الناس.