المنبرالحر

أفراح تحرير الموصل تعانقت مع أفراح ذكرى ثورة الفقراء تموز المجيدة / د. علي الخالدي

تقييم أي حدث يجب أن يأخذ بنظر اﻹعتبار، الظروف الذاتية والموضوعية التي كانت سائدة في زمان ومكان الحدث ، وبعكسه يصبح التقييم مشوه ، بعيد عن الحقيقة . ومن هذا المنطلق سميت ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958 بثورة الفقراء ، لأنها جاءت لنصرتهم, وتماهت مع تطلعاتهم ، القاضية بتحقيق حياة حرة كريمة في عراق يسع لكل مكوناته ، في ظل نظام وطني متحرر من التبعية اﻷجنبية والمحورية ، ومن هيمنة فئة إجتماعية صغيرة أرهنت مشيئتها للأجنبي ، وتصدت للنضال المطلبي للجماهير الشعبية والكادحة بأبشع اﻷساليب القمعية ، بما في ذلك إستعمال القوة المفرطة ، في وثبة كانون1948 وإنتفاضة تشرين 1952وغيرها من المعارك البطولية ، التي خاضتها الطبقات المسحوقة لنيل حقوقها.
وسميت بالثورة الوطنية لكونها رسخت الهوية العراقية ، في التمتع بالثروة الوطنية وبإشاعة الديمقراطية والعدالة اﻷجتماعية ، وغيبت المفهوم القومي والطائفي للوطنية ، وابعدت المخاوف من سيطرة رجالها على إحتكار المال والسلاح ، وساوت في الحقوق والواجبات بين المواطنين .وبالرغم من معارضة قوى قومية ودينية ، عينت الثورة ، و بإصرار زعيمها إبن الشعب البار عبد الكريم قاسم ، العالم اﻷكاديمي عبد الجبار عبد الله الصابئي الديانة رئيسا لجامعة بغداد ، وقامت بإصلاحات ومنجزات شملت كافة اﻷصعدة السياسية واﻷقتصادية واﻷجتماعية ، فاتحة بذلك آفاقا رحبة أمام بناء عراق جديد ، وأنصفت المراءة بإصدارها قانون اﻷحوال الشخصية ، وغيرها من القوانين التي أغاضت القوى التي لا تريد الخير لشعبنا ، من القوى والدول القريبة والبعيدة ، والتي ضربت الثورة مصالحها ، فلا غرابة أن تعانق أفراح تحرير الموصل وكنس داعش من أرضها ايام اﻹحتفال بالذكرى السنوية لهذه الثورة المجيدة ، بسواعد المتآخين من جيشنا الباسل والبشمركة اﻷبطال مع بقية قواتنا اﻷمنية معيدين التآخي بين مكونات الشعب العراقي وجيشه الباسل صبيحة 14 تموز الخالد وبشكل و بشكل يتماهى مع فرحة الشعب عند إسقاط الصنم.
فاﻹنتصارات الكبيرة التي تفرح الشعب ترسم الفرحة في وجهوه كافة مكونه العرقية ، حيث تخرج الجماهير عن بكرة أبيها لتجوب شوارع المدن راقصة مبتهجة بكل إنتصار يتحقق لصالحها ، ولتؤكد للعالم أن مواطني العراق من مختلف منطلقاتهم المذهبية والعقائدية يجمعهم فرح اﻹنتصارات ، وإنها تتطلع الى اليوم الذي تُنسف فيه مقومات نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية أس بلاء الشعب ، والذي أوصل إلى أن تدنس داعش تراب أرضه ، عند تخاذل متبنيه في عملية التصدي لها ، واليوم أذ تعيد قواتنا المسلحة كرامتنا التي ديس عليها جراء ذلك التخاذل، والمضي قدما بتحرير المدن اﻷخرى ليعود المهجرين الى بيوتهم بعد إعمارها .ولكي تبقى الفرحة مستدامة والنجاحات متواصلة وأن ﻻ تذهب دماء شهداءنا في معركة التحرير سدى ،فإن ذلك مرهون بمحاسبة المقصرين ، وإتخاذ اﻹجراءات القانونية بحق كل من كان سبب في تسليم الموصل لداعش المجرم وكل الفاسدين والمفسدين الذين عاثوا بالمدينة فسادا.
واليوم أذ نحنفل بيوم اﻹنتصار نعيد الى اﻷذهان ما حققته ثورة تموز الخالدة لشعبنا ، ومطاليبه الحالية لن يرتفع سقفها فوق سقف ما حققته الثورة المجيدة سيما وإن بينهما مشتركات وطنية . أولها أن كلا الفرحتين كانت أدواتها وطنية، ولم تعتمد على العامل الخارجي في ساحة المعركة، لذا صبت في صالح فقراء الشعب من الفلاحين والكادحين ، الذين أزدادوا قناعة بأن الروح الوطنية التي تجمعهم ، هي القادرة فحسب على التخلص من كل أمر يمس باستقلال العراق السياسي واﻷقتصادي ، وعلى رفع الغبن الذي لحق بالوطن نتيجة تساهل حكام متبني نهج المحاصصة المقيت أمام الفساد والمحسوبية وإنفلات المليشيات السائبة التي كسرت إحتكار السلاح المتعارف عليه دوليا ليكون بيد السلطة ، في كلا الحدثين الثورة ، واﻹنتصار على داعش أغاضا القوى المعادية لمصالح الوطن، و كل ما تخشاه الجماهيرالفرحة باﻹنتصار، أن قواعدها في الداخل ، قد ترتدي ثياب النوم حاليا لتخلعه مستقبلا ، عندما تحين فرصتها لتبث سمومها وتنال من وحدة مكونات شعبنا، مستفيدة من إستمرارية مآرب النهج المحاصصاتي في السلطة ، فتسرق الفرحة من وجوهننا كما سرقت بتموز وبعيد إسقاط الصنم.
بعد أﻹنتصار على داعش ، صار لعراقنا وزن معنوي في المنطقة والعالم ، وهذا لن يرضي الطامعين به ، إذا لم يصاحب ذلك تحقيق مطاليب المتظاهرين في ساحات اﻹعتصامات ، بضرورة النهوض بالتغيير واﻹصلاح ، في أجواء ديمقراطية تعيد إلى اﻷذهان اﻷجواء الطيبة التي أحدثتها ثورة تموز عند إنبثاقها ، وخاصة روح التضامن بين الشعب وجيشه الباسل التي نراها حاليا حارة ، مع أملنا أن ﻻ يبرد التصدي لكل من يسعى لتهميش القوى الوطنية ومكونات شعبنا العرقية ، بإسم الطائفية والمذهبية ، سيما وإن أجهزتنا اﻷمنية واﻹدارية للدولة يعشعش فيها من يدق إسفين الفرقة على أساس طائفي ومذهبي ، فعقليتهم مغلقة تجاه أن يروا عراقا ديمقراطيا فدراليا موحدا ، تقود حكمه قوى مدنية ذات كفاءة ودراية بصيانة إنتصاراتها.