المنبرالحر

من الثقافة يتبلورالوعي السياسي/ د. علي الخالدي

مرة أخرى ينأى المتحاصصون الطائفيون واﻷثنيون عن التقيد بنمط سلوك الحوار والنقد في هذه الظروف العسيرة التي يمر بها الوطن و الشعب ، فكم تمنيا عليهم ، أن ينهضوا بعبء العملية السياسية بعد إسقاط الدكتاتورية بجحافل قوى التحالف الدولي ، لتنضبط بخط سير سكتها الصحيحة بما يخدم ما تمناه اﻹثنان معا من وراء ذلك ، وهكذا برهنت اﻷحزاب اﻹسلامية والقومية ولعدة مرات ، نكران إسلوب الحوار في حل خلافاتهم ، بينما تستمر هيمنتهم المطلقة على الحكم تحاصصيا ، وتوجيه الثقافة بالشكل الذي تمليه مواقفهم السياسية ، لذا بقيت سجينة اﻷطر التي ﻻ ترغب بتحررها ، حاجبة عنها أجواء الديمقراطية الرحبة ، وضاغطة على مساحة النقاش وحرية الحوار الفكري ، فحولتها إلى شعارات سوقية تستخدمها لغايات صراع بينها من جهة ، وبين القوى الوطنية والمدنية من جهة ثانية ، ولهذا نلمس التمزق والتناحر بين صفوفهم ، حتى أضحت اﻹختلافات الحاصلة ليس لها صلة إطلاقا بقضايا الوعي والثقافة الوطنية ، فعقليتهم أغلقت كل مظاهر الحياة الجميلة في المجتمع وصارت ﻻ ترى ما هو أجمل في الحياة ، لذا لم تزهر أﻹبداعات الذاتية للثقافة ، ولم تعد قادرة على صناعة الفكر المتحرر، بسبب سيطرة سياسة اﻹعلام الحكومي لجعلها متموضعة في أحضان الفكر السياسي المتحجر . هذا ما يعكسه الوضع الذي يسود المناخ السياسي ، منذ تبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية المقيت ، وفتحه أبواب حولت مصالح سياسي الصدفة إلى أن تصر على رفض الفكر والعقل المتنور للمثقف العراقي ، قاطعين طريق النقد والحوار معه ، لحساب الطوائف والمذاهب ، فلفقوا التهم وكالوا اﻹتهامات على من يطالب بالتغيير الحقيقي واﻹصلاح مشفوعاٍ بمنطق التصفية الجسدية ، كما حصل للمفكر لكامل شياع و والصحفي هادي المهدي ، وللنقابي هادي صالح( أبو فرات ) وقبلهم السياسي المثقف سعدون ... ، وليومنا هذا يواصلون إسباع التهم الجاهزة ، وتكرار منطق سياسي الحكومات الرجعية والدكتاتورية ، لكل من يطالب باﻹنفتاح والديمقراطية باﻹلحاد ، حتى أن العلمانية وصفت بمعاداتها للدين من وجهة نظر بعض السياسيين الرابضين في مواقع القرار، التي أتاحت لهم فرص التفنن بالفساد والمحسوبية والتعالي بالوهم بأنهم من كان وراء حث الغرب ﻹسقاط الصنم ، وليس مصالحه الذاتية، كانت وراء إحتلاله للوطن ، وما صمته أزاء تشويهم للديمقراطية التي جاء بها لننعم ببحبوحتها ، وعن دوسهم على مواد الدستور في هذا الشأن ، ناهيك عن الهيمنة المطلقة للفكر السياسي المتحجر على الثقافة ، معتبرينها هي اﻹبن الشرعي للسياسة ، تراعاها حسب ما يمليه عقلها السياسي المرتبط بنهج حكومات ما بعد السقوط ، مما أدى الى حرف العملية السياسية عن سكتها الحقيقية وهذا ما أغرى حفنة من الدواعش ، بإستغلال تلك الظروف المصطنعة ، فقامت بتدنيس أرض ثلث الوطن ، في أجواء تخاذل المعنين من التصدي لهم ، مما زاد من ضياع إرتباط الهوية بالوطن لديهم وللطبقة السياسية التي تشكلت من عناصر هجينة، ﻻ تملك إسسا ثقافية ، مع تطعيمها برجالات خدمت الدكتاتورية ، على أن ﻻ يستفاد من القوى الوطنية التي قارعتها . لتصبح قاعدة توسعها جماهيريا ، مما خلق تناقضات بين اﻷحزاب قادة الطبقة السياسية الحاكمة نفسها من جهة ، وبينها وبين الشعب وقواه الوطنية التي همشت من جهة ثانية ، نتيجة تسابقها على خلق وسائل نصرة الطائفة ، و تجييش المجتمع طائفيا ومذهبيا ، وجعل تفاهماتهم البعيدة عن الدستور، نهجا لمسار العملية السياسية، حيث كان من مصلحة بعض القادة ، الظهور على المسرح السياسي كقادة لهذه الطبقة الهجينة في عموم العراق ، فإستطاعت أن تجد متسعا من المساحة لتكوين قاعدة مادية وميليشيات مسلحة ، كسرت ما متعارف عليه من حمل السلاح بيد السلطة فحسب ، تهدد به المثقف وتحط من مفهوم التمتع بما هو أجمل في الحياة فمنعت الموسيقى والمسرح وكل ما ينعش الحياة الثقافية ، بحجة أنها تعتمد الشريعة اﻹسلامية في حراكها بين الناس ، وبهذأ أضحت ممارساتها ، ﻻ تختلف من حيث الجوهر عن ما يريده الفكر السلفي وداعش من الناحية العملية ، مستغلة أجواء تبعثر قوى اليسار الوطنية على الصعيد الداخلي والعالمي الغير متصلة مع بعض على الصعيد اﻷممي، رغم زمن الكومبيوتر الذي قصر المسافات والزمن فيما بينهم.
لقد إتصفت هذه الطبقة السياسية الهجينة ، بإجادة فن المناورة وإنتاج ما هو خارج الفكر و ﻻ يتصل بالوعي واﻹنسانية الذي يطلان على المجتمع عبر الثقافة ، فهي لم تسلك مسارا ذا إتجاه واحد ، مؤطرا بأهداف طبقية أبعدتها عن الطبقة الفقيرة والمهمشة سياسيا وإقتصاديا، رغم إدعائها بتمثيلهما ، بينما تنسق خيوطها القائمة على المذهبة والطائفية والمصالح الذاتية فيما بينها ، محدثة شرخا واسعا بينها وبين الشعب من جانب الغنى ، وفق سياق يحاكي شكل سيادة اﻷحزاب المشاركة في الحكم ، فعلى المسرح السياسي تتمسك بنزاعات ثانوية ناشئة عن تناقضات غير متموضعة في زمان محدد ، فهي تعتمد على الضدية مع اليسار، و تحاول إحتواءه بشعارات مذهبية براقة على ثلاثة محاور، هي اﻹنشقاقات ، وسحب الحق من مالكه الشرعي.
إن الطبيعة الهجينية لهذه الفئات المؤمنة دينيا ومذهبيا ، إنعشت ثقافة اﻷحزاب اﻹسلامية سياسيا، وبصورة خاصة اﻷخوان المسلمين وأخواتهم من خلال تسييد التناقضات، وهي تبدو مستقرة من وجهة النظر السياسية على أصرارها في مواصلة العمل على ربط الحكم بمشاريع ﻻ تملك ثقافة بينية سياسية ، بغية المحافظة على تماسك جيناتها ، التي ستبقى مستقلة :كإستقلال مراجعها المذهبية بعضها عن بعض ، وقد تصل حد الحراب بينهما ، ﻻ يمكن إخماده ، إلا عبر إبعاد خالي الوفاض من الثقافة عن مواقع تحركها بحرية بين أوساط أطياف المجتمع ، فهي من تضع العراقيل أمام محاولة أخراج الوطن من كبوته ، ذلك ﻷن التمسك بالذاتيات يبعدهم عن تأدية الواجب الوطني ، ويجعلهم يحقدون على كل من يحاول تبني التغيير واﻹصلاح من القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني ، مما يحتم على قوى اليسار التصدي لذلك ، وأيجاد ما يصب في أنجع السبل نحو توحيد صفوفها لتصبح قوة أجتماعية ، تحركها اﻷهداف الوطنية العامة فحسب.