- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 27 آب/أغسطس 2017 18:19
في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية الراهنة في العراق وآثارها السلبية المدمرة على الطبقة العاملة العراقية وعلى بنية سوق العمل العراقي. وبعد فشل تجربة "إصلاح" برامج الحماية الاجتماعية التي طبقتها الحكومة سابقاً، والتي تتوافق مع مقترحات البنك الدولي؛ لجهة ترشيد الإعانات والانتقال من الإعانات الغذائية الشاملة إلى برنامج للتحويلات النقدية تستهدف الفئات الأكثر فقراً، وعبر توسيع ما يسمى " شبكات الأمان الاجتماعي"، أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها عاجزة عن تحقيق حماية اجتماعية لائقة لعاملات وعمال وكادحي العراق وأسرهم، لذا وانطلاقاً من نصيحة البنك الدولي أيضاً، صاغت الحكومة قانونا جديدا للضمان الاجتماعي سمي بـ (قانون التأمينات الاجتماعية) وتعمل على إقراره بشكل سريع وهو شرط للحصول على قرض بقيمة مليار دولار أمريكي قبل نهاية العام الحالي .
أن تمرير مشروع القانون على ما يشكله من أهمية بشكل سريع تحت ضغط البنك الدولي مهما كانت الشروط والظروف أمر يتوجب التوقف عنده . فقانون التأمينات الاجتماعية من أهم أدوات التنمية الاقتصادية، الأمر الذي يحتم مشاركة كافة قوى المجتمع العراقي في نقاشه وإقراره وفي المقدمة منهم الحركة النقابية العراقية وممثلو منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية الوطنية والنقابات المهنية كافة .
أن أولى الملاحظات على مشروع القانون هو مخالفته للدستور العراقي وفق ما جاء في المواد (30) وما بعدها التي نصت على أن الدولة " تكفل " اولاًـ للفرد وللأسرة الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الاساسية للعيش في حياةٍ حرة كريمةٍ، وتؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم.
ثانياًـ تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، وينظم ذلك بقانون.
فيما جاء في الأسباب الموجبة لمشروع القانون " تعزيزا لقيم التكافل الاجتماعي والسعي المتواصل لتأمين العيش اللائق للمشمولين بأحكام نظم التأمينات الاجتماعية". وهذا يتناقض ومواد الدستور. أن الحماية الاجتماعية هي حق أساسي من حقوق الإنسان، وأن من حق جميع أفراد الشعب العراقي الحصول عليها وليس مشروع " تكافل اجتماعي " فالحكومة وضعت نفسها بعيدة عنه ولا تساهم بأي قدر من مهامها ومسؤوليتها تجاه ابناء شعبنا بمختلف شرائحه. حيث أن تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة لجميع العراقيين مسألة في غاية الأهمية للمساعدة على تعزيز الوحدة الوطنية بين مختلف أطياف النسيج الاجتماعي، بالإضافة إلى أنها تعمل على تعزيز الاستقرار الاجتماعي في أوقات الأزمات. ولا يفترض أن يحدث هذا بعيدا عن معايير منظمة العمل الدولية عنه خاصة تلك المتعلقة بالضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية وتحديداً الاتفاقية رقم (102) بشأن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي، والتوصية رقم (202) بشأن الأرضيات الوطنية للحماية الاجتماعية. وهذا يتطلب أيضاً مشورة منظمة العمل الدولية وخبرائها بهذا الشأن والتصديق على الاتفاقيات ذات العلاقة بأرضية الحماية الاجتماعية.
أن مشروع القانون يتضمن العديد من السلبيات التي لو شرعت لجلبت الكثير من المشاكل والصعوبات وفيها هضم لحقوق العاملين في مختلف قطاعات الإنتاج (العام، الخاص، المختلط) والنيل منها ومن أهم النقاط التي تعرض لها المشروع:
• دمج صندوق التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال مع صندوق هيئة التقاعد الوطنية. فيما لكل منهما نوعيته ومهامه ودوره الذي يختلف الواحد عن الآخر، وبشكل خاص حقوق ومصالح عمال العراق التي ستتحول إلى غير الغاية التي أنشئت من اجلها وتحرمهم من هذه الحقوق.
• زيادة نسب الاستقطاع ومصادر التمويل. وبشكل خاص زيادة نسبة الاشتراك للعمال من 5في المائة إلى 7في المائة بحجج واهية ستبعد مئات آلاف العمل عن الرغبة في الاشتراك في الضمان.
• العمال في القطاعين الخاص والمختلط، أثبتت التجربة العملية أن أصحاب العمل يحاولون قدر امكانياتهم ووسائلهم وبسبب ضعف الرقابة والتفتيش الحيلولة دون إنفاذ هذا القانون وعدم تشجيعهم العمال على تسجيلهم في دوائر الضمان. وتجربة تنفيذ قانون رقم 39 لسنة 1971 خير دليل على ذلك، والأرقام والاحصائيات الهزيلة بالمشمولين المثبتة لدى دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية هي أيضاً دليل ساطع.
• زيادة السن التقاعدي للعمال والموظفين من 63 سنة إلى 65 سنة في القطاع العام والخاص والمختلط والتعاوني وهذا يشكل عبئا على العاملين وخاصة العمال نتيجة طبيعة عملهم من دون مبرر وانما لزيادة نسب الاشتراكات لميزانية الهيأة . وأيضا لا يشكل حافزاً لدعم الشباب وتقليل حجم البطالة المتزايدة.
• الإجحاف الذي يلحق بالمرأة العاملة الراغبة في التقاعد في حالات خاصة. حيث نصت الفقرة ثانياً من المادة (35) على أن للمؤمّن عليها المتزوجة أو الارملة أو المطلقة الحاضنة لأطفالها أن تطلب احالتها الى التقاعد على ان لا تقل مدة خدمتها التقاعدية عن (20) عشرين سنة، فيما كانت في القوانين السابقة (15) سنة.
• حرمان العمال المتقاعدين من امتيازات أقرها قانون الضمان رقم 39 لسنة 1971 وخاصة فرع الخدمات الذي يمنح العمال والعاملات المتقاعدين امتيازات غير قليلة ويكون للحركة النقابية دور فاعل وأساس ومشارك في موضوعة الضمان الاجتماعي.
• آليات احتساب الخدمة التقاعدية ومكافأة نهاية الخدمة وطريقة دفعها للعمال والموظفين. حيث اعتمد معدل الراتب أو الاجر : معدل الراتب الوظيفي او الاجر للمؤمّن عليه خلال الـ (٨٤) الاربعة وثمانين شهرا الاخيرة من خدمته التقاعدية. فيما كان في القانون النافذ خلال ال (36) شهراً الأخيرة. وهذا يحرمهم من مما لا يقل عن 10في المائة من حقوقهم التي دفعوا عنها توقيفات تقاعدية . بالإضافة إلى أنه لا يجوز ان يزيد الراتب التقاعدي على (80) ثمانين من المائة من اخر راتب وظيفي او اجر تقاضاه المؤمّن عليه في الخدمة التقاعدية فيما نص عليه القانون النافذ على إمكانية وصوله إلى 100 في المائة.
• أن مشروع القانون المقترح يعمل على تمرير سياسات بيع القطاع العام وإحالة العاملين كافة فيه إلى التقاعد بمسميات مختلفة وذلك لصالح قطاع خاص يسعى إلى الربح السريع على حساب القطاعات الاقتصادية المنتجة ولا يملك رؤية اجتماعية. فيما المطلوب من الحكومة اعتماد خيارات سياسية استراتيجية ضمن عقد اجتماعي جديد يسعى نحو تحقيق التنمية الشاملة عبر العمل على تطوير القدرات الإنتاجية والبنى التحتية الممكنة لعملية التحول الاقتصادي نحو قطاعات تصنيع عالي الإنتاجية وخدمات ذات قيمة مرتفعة، وتعزيز انتقال رأس المال واليد العاملة من اقتصاد قائم على الريوع والأنشطة الاقتصادية الهامشية إلى اقتصاد صناعي يعتمد على التكنولوجيا.
هذه الملاحظات وغيرها توجب مناقشة مواد مشروع القانون تفصيلياً، وهذا ما يتطلب إقرار قانون جديد قائم على أسس التضامن في التمويل وتحمل المخاطر، قانون يؤكد على دور الدولة في تحقيق الحماية الاجتماعية لمواطنيها وتكفل توفير الإطار القانوني الملائم وضمان وجود إدارة ثلاثية التمثيل تعمل في جو من الشفافية والمسؤولية.
أن إقرار قانون بمثل هذه الأهمية في ظل غياب سياسات واستراتيجيات تنموية واضحة ومتفق عليها، بل وفي غياب نموذج تنموي يقوم على المشاركة، ويضمن عملية إعادة توزيع عادل للدخل في البلاد، وفي ظل عدم اعتماد سياسات ضرائبية تصاعدية تتحمل فيها الفئات الاجتماعية الأكثر ثراء قسطها من كلفة إعادة اعمار البلاد لن يؤدي وظيفته الحقيقية، بل سيكرس التفاوت الاجتماعي ويؤدي إلى انفجارات.
وفي هذا المجال ندعو الاتحادات العمالية والمنظمات النقابية المهنية وقوى المجتمع المدني والقوى السياسية الوطنية والاكاديميين وكافة المعنيين بقانون التأمينات الاجتماعية لبناء أوسع اصطفاف وطني يدعم تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة، ويؤكد على دور قوى المجتمع الفاعلة المختلفة كطرف أساسي في هذا المجال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*الاتحاد العام لنقابات عمال العراق