المنبرالحر

هل يوفر مشروع قانون التأمينات الاجتماعية قدراً من العدالة؟ / ابراهيم المشهداني

اصدرت الحكومة العراقية مشروع قانون التأمينات الاجتماعية لغرض تشريعه من قبل البرلمان ليصبح نافذا في الاول من كانون الاول القادم ، ويبدو للوهلة الاولى ان الحكومة وحسب المصادر الاعلامية قد استجابت لشروط او لنسمها (نصائح) البنك الدولي تماشيا مع رغبة مستشاري الحكومة مقابل قرض مالي مقداره مليار دولار فرضته ظروف العراق المالية ، ولأننا لا نقصد التشكيك بمقاصد الحكومة في تحقيق العدالة الاجتماعية لتلبية مطالب الشعب والحراك الاجتماعي الذي مضت عليه اكثر من سنتين الا ان مضامين هذا المشروع ذهبت الى ابعد من دور الدولة في تامين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لمجمل الشرائح الاجتماعية المتعبة التي تعاني معظمها من ضيق ذات اليد .
وليس ادل على ابتعاد الحكومة في هذا المشروع عن دورها في معالجة توفير الضمانات العامة للمواطنين ، من الاسباب الموجبة لهذا التشريع ، التي اكدت في مقدمتها على تعزيز التكافل الاجتماعي ويثور هنا السؤال المهم اين كان التكافل الاجتماعي في العراق بل في اية دولة في العالم كي يصار الى اصدار تشريع على قدر كبير من الاهمية لتعزيز هذا التكافل ؟ ولماذا نشأت الدولة بالأصل ان لم تقم بدورها في تشريع القوانين الضامنة لحياة المواطنين وتامين عيشها وتحقيق العدالة بين مواطنيها من خلال توزيع الدخول من كل حسب طاقته ومهاراته عبر اليات وادوات تطورت مع المسيرة التاريخية للمجتمع الانساني .
ولهذا وجدت من واجبي وحقي في التعبير عن ابداء الراي في النصوص التي وردت في متن المشروع وبما يلي :
• في الفقرة ( رابع وعشرون ) التي نصت على ان الاجر او معدل الراتب على اساس معدل الراتب الوظيفي او الاجر للمؤمن عليه خلال الـ(84)الاربعة وثمانين شهرا الاخيرة من خدمته التقاعدية. وفي هذه الفقرة لم يفرق المشروع القانوني المقترح بين الراتب والاجور من حيث القواعد القانونية التي تحدد كلا منهما فكلا منهما يحتسب على ملاك مختلف في الوصف والطبيعة هذا من جهة ومن جهة اخرى فان هذا النص جاء متعارضا مع قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 الذي احتسب الراتب التقاعدي على اساس معدل رواتب السنوات الثلاث الاخيرة ( المادة -1- البند السادس عشر ) مما يؤدي في التحليل النهائي الى قضم الراتب التقاعدي بما يؤثر على الوضع المعيشي الذي هو بالأساس في حده الأدنى في ظروف انخفاض القوة الشرائية الحقيقية للراتب الذي يتقاضاه المتقاعدون في الفترة الحالية، فترة الازمة المالية والاقتصادية للبلاد وتزايد الرسوم التي يدفعها المواطنون في مراجعاتهم اليومية لمختلف دوائر الدولة بما فيها المؤسسات الصحية بالإضافة الى الاستقطاعات من الرواتب التقاعدية التي تفرضها الدولة على المتقاعدين لتغطية نفقات الحشد الشعبي وغيرها من الكلف الاجتماعية المباشرة وغير المباشرة . يحدث هذا التراجع في الوقت الذي ينتظر المتقاعدون كما فقراء المواطنين عموما بما في ذلك الطبقة الوسطى كما يطلق عليها في الادبيات الاقتصادية والاجتماعية ، خطوات تخفف من اعبائهم المعيشية وتحقق لهم الافضل .
• يؤخذ من المادة 17/ثالثا ان مشروع القانون قد اباح تشغيل الاحداث في القطاع الخاص فيما رفضته القوانين العراقية والقوانين الدولية التي اكدت عليها منظمة العمل الدولية وكافة القوانين واللوائح الدولية بما فيها منظمة الامم المتحدة وان دور الدولة في هذه المسألة ينعكس قبل اي شيء اخر في توفير الدعم لإكمال الاحداث فرص التعليم ومن الضروري في هذا المجال متابعة الاحداث المتسربين من مقاعدهم الدراسية وتقديم كل اشكال الدعم لعودتهم الى مقاعد الدراسة واستمرارهم فيها وايجاد اشكال من التنسيق مع اسرهم لتحقيق نتائج ملموسة ومن الضروري جدا لتحقيق هذا النجاح ايجاد حلول لإشكاليتين في هذا الاطار الاولى اعادة النظر في المناهج الدراسية وجاذبيتها والاشكالية الاخرى توفير الدعم المادي لأسرهم وهذا ما اكد عليها المشروع في العديد من مواده القانونية .
• في المادة 33/ ثانيا وضعت الحكومة نفسها في تناقض واضح مع قانون الخدمة المدنية النافذ الذي قضى بمنح الموظف المعين على الملاك الدائم كامل راتبه الشهري في حال تمتعه بالإجازات الاعتيادية فيما سعى مشروع القانون موضوع البحث الى قضم نصف الراتب وفي تناقض حتى مع النظام الذي وضعته الحكومة ذاتها والذي يسمح للموظف التمتع بإجاه لمدة خمس سنوات بكامل راتبه الاسمي .
• القانون يربط في مقاربة عجيبة بين شرائح اجتماعية متفاوتة بشكل كبير في طبيعة المهن التي يمارسونها وفي نوع المخاطر التي يتعرضون لها وكذلك يربط بين طبيعة العمل في القطاع الخاص الذي يعاني من الضعف، بحيث ان الدولة تحدثت اكثر مما عملت في تدعيم القطاع الخاص واقتصاد السوق دون وجود رؤية محددة وواضحة الى طبيعة هذا الاقتصاد وكيفية بنائه ما قاد الى اهمال القطاع الحكومي الذي يعد القطاع الوحيد تاريخيا الذي يقود الاقتصاد العراقي وبالتالي فان توحيد التشريعات بين قطاعين المسافة بينهما كبيرة يعطي نتائج غير محمودة العواقب .
• ان الغاء مجموعة من القوانين ذات الفضاء الواسع مثل قانون مؤسسة الشهداء رقم 2 لسنة 2016 وقانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم 4 لسنة 2006 بما فيها قانون الخدمة الجامعية وقانون تعويض المتضررين من جراء العمليات الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الارهابية رقم 20لسنة 2009 . ان هذه القوانين تغطي شريحة واسعة من ابناء شعبنا الذين عانوا لثلاثة اجيال من القمع الصدامي الذي صفى مع سبق الاصرار عشرات الالوف من ابناء وبنات شعبنا ومثلهم من شهداء الاعمال الحربية والاخطاء العسكرية فضلا عن ان من مرودات هذا التشريع على الفضاء الجامعي الذي سيفقد من جرائه ، اذا ما تم تطبيقه بهذه الصيغة ، المئات من الاكاديميين واساتذة الجامعات عماد اية نهضة مرتقبة تخطط لها الدولة لإعادة بناء البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
• كما استغرق مشروع القانون المقترح في تخفيض الاستحقاقات التقاعدية للمتقاعدين وخلفهم امعانا في الضغط على اوضاعهم المعيشية فقد نصت المادة(50 ) منه في الفقرات اوب و ج من اولا وكما يلي :
ا- (65) في المائة اذا كان المستحق واحد .
ب- (75) في المائة اذا كانا اثنين ويوزع بينهما بالتساوي
ج- (85) في المائة اذا كانوا ثلاثة فاكثر ويوزع بينهم بالتساوي
فيما كانت النسب للاستحقاق ذاته الواردة في قانون التقاعد الموحد المادة 28اولا ولنفس الترتيب 80 في المائة و90 في المائة و100 في المائة .
واخيرا وليس اخرا اذا كان الهدف من هذا التشريع تخفيض النفقات وتقليص العجز في الموازنات السنوية وربما بحسب وصايا البنك الدولي او صندوق النقد الدولي ضمان تسديد ديونها الممنوحة للعراق للتخفيف من ضائقته المالية فان بالإمكان تحقيق هذا الهدف بسن التشريعات الملزمة والحازمة المحددة لرواتب ومخصصات المستويات العليا في السلطات الثلاث والكثير من ابواب الانفاق غير المبررة والحزم في مكافحة الفساد والفاسدين واستعادة الاموال المنهوبة بعد عام 2003 فالأسماء والعناوين معروفة للدولة واجهزتها الرقابية. وهذا ليس بمستحيل اذا توفرت الارادة السياسية.