- التفاصيل
-
نشر بتاريخ السبت, 16 أيلول/سبتمبر 2017 15:48
تتصاعد وللأسف الشديد لغة التحدي والمماحكات المرفوضة وتأليب الناس من جميع الأطراف والمكونات العراقية دون أن نلاحظ ما يدعو الى خطاب التعقل وتهدئة المواقف إلا ما ندر، وهذا ما ينذر بشر العواقب وعظائم ما سيأتي من زلازل ستحرق الأخضر واليابس، دون أدنى إحساس بما ستؤول إليه الأمور، حيث سيخرج الجميع خاسرا بعد أن يتجردوا من أي انجاز حققوه وخاضوا المخاطر للحصول عليه بعد أن بذلوا الغالي والنفيس وقدموا القرابين وأزكى الدماء من أجله.
أوجه خطابي هذا للعقلاء من السياسيين العراقيين الذين بإمكانهم إطفاء هذا الحريق الذي بدأت جذوته تستعر يوما إثر آخر، دون أي تدخّل عقلاني، الأمر الذي يدعو جميع العراقيين ممن يحكّمون العقل والمنطق من ذوي التجارب السياسية المثقلة بالمرارات أن يتذكروا حجم المآسي والويلات التي عانوها، يتبعهم البسطاء من ذات الشريحة أو الدين أو القومية أو الحزب، لأن التابعين هم الأخطر وهم الوقود الذي يحيل التعايش المطلوب إلى رماد لتلتهم النار الجميع وبالتالي لا أحد يحقق ما يراهن عليه من إنجازات أو امتيازات شخصية ضيقة، مستغلين وللأسف استغفال الناس، ليقودوا المركب إلى أتون العاصفة.
يبدو لي أن ما يجري في العراق من حالات شد وجذب بين إقليم كردستان العراق وبغداد بقيادة الساسة بكل مكوناتهم وانتماءاتهم له أهداف من الصعب تحديد مدى مصداقيتها أو نواياها المشبوهة، ولا نلاحظ وجود جبهة من العقلاء لإيقاف هذا التناحر الكلامي المتصاعد من داخل تلك المكونات، علما أن هناك من يصب الزيت على النار لتأجيج الوضع أكثر، لأسباب لا نود هنا ذكرها قد تكون وليدة وقتها وقد تعود لما تراكم من سياسات كارثية مرّت على العراق طيلة العقود الخمسة الماضية وما يزيد، لاستغلال هذه الفرصة الذهبية لتحقيق مآرب كانوا ينتظرونها منذ سقوط النظام البعثي الفاشي وهم يدفنون رؤوسهم داخل أتربة الوضع السياسي المرتبك بعد أن وجدوا لهم مواطئ قدم راحوا يمررون نواياهم الخبيثة والمعارضة أصلا للتغيير الذي حصل في العراق، ولعل القارئ الكريم يعرف من هم أولئك المتآمرين الذي تغلغلوا بقوة في مفاصل الوضع السياسي من خلال الحصول على المراكز والامتيازات التي تم توظيفها جيدا للانقضاض على الوضع السياسي بشكل شيطاني وغير مباشر لعودة عربة التغيير إلى الوراء بعد أن يكونوا قد حققوا أهدافهم المشبوهة، "وكأنك يا بو زيد ما غزيت".
ان قادة الكرد بما معروف عنهم من وطنية لا نشك بصدقها وتعلقها بقوميتها ممن يقودون مسيرة التغيير الآن من ذوي القرار السياسي أن ينتبهوا جيدا الى النتائج التي ستكون أعظم مما يتوقعون من حيث كوارثها وبلاويها الوخيمة وخسارة ما حققوه لمصلحة الشعب الكردي الذي عانى الكثير وقدم الآلاف من الضحايا على أيدي أزلام النظام البعثي المقبور، وكم عانينا معهم وبكينا كذلك على الصور المرعبة لضحايا حلبجة والأنفال وتصفية البارزانيين ومئات العوائل المذعورة من رجال ونساء وأطفال وهم ينتشرون في جبال كردستان جراء القمع البعثي والهجمات العسكرية البربرية، وهناك العشرات من الأمثلة التي تدعونا للوقوف مع شعب كردستان العراق على السواء مع كل من طالهم القمع البعثي المخيف من كافة شرائح المجتمع العراقي من أحزاب يسارية مناضلة وأحزاب قومية ودينية وغيرها لتشمل فاشية البعث وبلطجيته الجميع، فلا غرو أن نشارك الأكراد تخوفهم من المفاجئات التي تعيد الكرة مرة أخرى ليجدوا أنفسهم في فوهة بركان القتل والتشريد والتصفيات من جديد، وهذا حق مشروع في صيانة مكتسباتهم المعمدة بالدم والأنين واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي مثل هكذا هزات كارثية.
لكنما التريث في اتخاذ قرارات من شأنها أن تخلق منعطفات خطيرة يقينا ستقلب الطاولة على رؤوس الجميع مثل الشروع بالاستفتاء، تحقيقا لمبدأ تقرير المصير، وهذا الهدف المشروع لا يختلف عليه اثنان من العراقيين من العقلاء وذوي الضمير الحي من المدافعين عن حقوق الشعوب المضطهدة، وخصوصا شعبنا الكردي المظلوم، إنما اختيار التوقيت غير المناسب والشحن القومي غير الموضوعي والمقصود أصلا بإمكانه أن يخلق أرضية لحصول شروخ كبيرة في النسيج العراقي وتحديدا اليوم، سيما أن هناك العديد من المتربصين بخلق فوضى كهذه ممن يرتدون جلابيب أحزاب ما بعد التغيير من ذوي الماضي المشبوه، والعراق يحتاج لأي جهد وطني للخروج من عنق الزجاجة التي حشر الطائفيون والمتحاصصون والفاسدون البلد ليعيش حالات من الفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها من مفاصل الدولة العراقية التي ما عادت بمواصفات الدولة العصرية لتكون خيمة للجميع لا أن تخلق بونا شاسعا بين مكونات الشعب العراقي، بسبب النظام الطائفي المقيت الذي أحال العراق إلى ذات الحالة إبان الحكم البعثي لتوزيع الامتيازات والمنافع على منتسبي تلك الأحزاب التي تقود العراق اليوم إلى المجهول وهم على مركب كثرت ثقوبه، ليغرق الجميع موج السياسة المتلاطم، فما أحوج العراقيين ببقاء اللحمة العراقية متماسكة، معتمدين على الفصيل الكردي الذي بإمكانه أن ينقذ السفينة من الغرق. ناهيكم عن الحرب المقدسة التي تخوضها الفصائل الوطنية من جيش باسل بكل صنوفه وحشد شعبي بطل وبيشمركة مقاتلة وغيرهم من ذوي الغيرة العراقية للتخلص من فلول الإرهاب ورعونته وتطهير التراب العراقي من نجس داعش ومجرميه، وهنا تكمن أولوية الحشد الوطني الذي ينبغي أن يكون ضمن أولويات الجميع وتأجيل باقي الملفات حتى تتضح الأمور وتنجلي الغيوم الكالحة.
لا يخفى على أحد ما للأذرع الطويلة من أطراف متعددة إن كانت محلية أو إقليمية أو حتى دولية أن تدس سمومها في الملف الكردي، إن كانت موافقة لما يحصل أو معارضة له، لكلٍ أجندته في البحث عن مصالحه، وهنا تكمن الخطورة التي ينبغي أن ينتبه لها جميع العراقيين الحريصين على استقرار الوضع السياسي المتشنج في العراق وخصوصا الأكراد لتعطيل مساعيهم بالاستفتاء ولو لحين، لتسد المنافذ للمتصيدين لهم ولكافة العراقيين وإيقاف حملات التشهير وتخوين طرف للطرف الآخر وعمليات الهجوم والهجوم المضاد الذي نلاحظه على فضائيات قد تزيد الطين بلّة، لتبقى أواصر العلاقة قوية ولمنفعة الكل بتقديم تنازلات من طرف الجميع.
إن هكذا مواقف وطنية لا تعتبر مساع للتخلي عن الحقوق المشروعة للشعب الكردي، إنما هو اقتدار حقيقي وصادق، وموقف انساني ستعم منافعه الجميع للخروج من هذه التلويحات الجبانة بسن أسلحة النحر وشحذ الهمم للاقتتال الأهوج، لان الجميع سيخرج مثخنا بجراحاته التي قد لا تندمل لحقب زمنية قادمة ليبقى المنتفع الأكبر من يغذّي مثل هكذا احتراب بين الأشقاء ممن يتشبثون بمصير واحد، وهذا هو السبيل الأمثل لتحقيق الأهداف الوطنية باستحقاقات لكافة الأطراف والتي سيشار لها بالبنان.