- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 02 تشرين1/أكتوير 2017 14:54
اتسمت الساحة السياسية العراقية مؤخرا بالمناوشات الكلامية المغلّفة بالتهديدات وتصفية الحسابات بين من كانوا بالأمس القريب حلفاء ومتوافقين بشكل كامل، قبل أن تبرز خلافات من هذا الطرف أو ذاك، ولكلٍ مبرراته وأهدافه ونواياه وتبريراته ومزاعمه، ليظل المواطن العراقي من كل المكونات دون استثناء في حيص بيص، يواجه أمرا لا ناقة له فيه ولا جمل، لكونه وبسبب قلة الوعي وافتقاد الكوابح السياسية والفكرية، ظل موزعا بين هذا الطرف وذاك، والنزاع يتصاعد ويأخذ أبعادا خطيرة يوما بعد يوم، دون أن نجد من يهدّأ من فورة البركان من كافة الأطراف إلا ما ندر، لتبقى التهديدات والتهديدات المضادة سيدة الموقف، لتصل إلى التلويح بالحرب ورسم الحدود بالدم وتجيّيش الناس لخوض صراع وطني وطني دونما أية مبررات أو أسانيد أو منطق، والجميع يعلم أن العراق وفي هذا الظرف تحديدا مستهدف من اطراف إقليمية ودولية وحتى من أبناء العراق المعترضين على الوضع السياسي ما بعد التغيير، ممن لهم اجندات شيطانية من شأنها أن تصب الزيت على النار الملتهبة أصلا، وهم يتربصون لما تؤول هذه المطاحنات، أملا في عودة ازلام النظام البعثي الفاشي والاطاحة بالوضع الراهن، ومما يعزز هذا الكلام، سيل التصريحات التي نسمعها ونشاهدها على ألسنة بقايا أزلام صدام القاطنين في إقليم كردستان العراق وفي الأردن والامارات، وغيرها وهم في مخابئهم الذليلة، رغم أن العراق مبتلي بحرب مقدسة ضروس ضد قوى الارهاب والتخلف من التكفيريين وغيرهم، والجيش الباسل بكل صنوفه والحشود الشعبية والعشائرية والبيشمركة تخوض جميعا حربا مباركة من أجل الوجود والحفاظ على هيبة العراق عزيزا كريما.
لتأتي مبادرة المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في الوقت المناسب وهي تدعو الى التهدئة والتعقل ومراجعة المواقف بتغليب الروح الوطنية على النزاعات الضيقة، والوقوف بوجه من أسماهم البيان "الحربجية" أي تجار الحروب الذين لا يهمهم العراق بقدر ما تعنيهم جيوبهم المملوءة بالذل والخيانة واموال السحت الحرام.
ومما جاء في البيان: " وزاد الأمور تعقيدا بعد إجراء الاستفتاء أن جهات معروفة، محلية وخارجية، عمدت إلى خلط الأوراق وإثارة المشاعر، وإطلاق دعوات متطرفة ومهيّجة غايتها قطع طريق المعالجة العقلانية والواقعية للوضع الناشئ..."
إن المتربصين بالعملية السياسية العرجاء أصلا بسبب تكريس الطائفية ونظام محاصصة مقيت وإحياء المبدأ البعثي سيء الصيت والذي عانى منه العراقيون وأولهم من يتسيّد سدة القرار الآن من أحزاب الإسلام السياسي قبل غيرهم، حين كانوا في صفوف المعارضة، ذلك أنهم مستمرون في توزيع الغنائم بين منتسبيهم وحتى الجهلة منهم على حساب الكفاءة والقدرة في القيام بالمهمة المناطة، وحتما أن هكذا وضع بائس وخطير سيقود البلاد الى منزلقات لا حصر لها، ليتفشى الفساد والرشوة والاستحواذ على المال العام والتغطية على الفاسدين، بل وحتى تسهيل تبرئتهم وتهريبهم خارج العراق، ليصبح جل من يقود العملية السياسية أمام اتهامات خطيرة بحدوث هكذا منزلقات، وما نحن بصدده اليوم، ما هو إلا افرازات ونتائج للتخبط الذي يعيشه الوضع السياسي، لينسحب إلى اضعاف العراق وتغليب الانتماءات الطائفية والعرقية على الانتماء الحقيقي للوطن وانتشاله من فوضى تضرب اطنابها وبقوة في كل مفاصل الدولة.
ما أحوجنا إلى أن نستفيد من التجارب الوطنية لأحزاب نزيهة تتسم بالعقلانية والحكمة وبعد النظر، وما بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي إلا مساهمة وطنية جادة وفاعلة في نزع فتيل الاحتقانات قبل أن تصل لمديات لا تحمد عواقبها القاتلة، والجدير بالذكر أن البيان اقترح مجموعة من الأسس التي ينبغي العمل عليها تلافيا للنتائج التي قد تنجم من هذه المشاحنات من "اجل الخروج من أزمة الاستفتاء وتجاوز تفاعلاتها وتداعياتها"، من هذه الأسس:
*استبعاد التصعيد بكل اشكاله.........
*دعوة حكومة الإقليم على إيجاد مخرج آمن ومقبول من الوضع الخطير القائم منذ الاستفتاء...........
*رفض المطالب غير المسؤولة لمن يدفعون في اتجاه نوع من الحصار على الإقليم.............
*مباشرة الحوار عاجلا دون شروط مسبقة.............
*دعوة الأمم المتحدة للإسهام في تيسير إطلاق هذا الحوار...........
*اتخاذ خطوات سريعة لمعالجة عوامل التوتر والاحتقان في المناطق المتنازع عليها............
*تعزيز التعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في مجال مساعدة النازحين.........
ويضيف البيان: "اننا على ثقة من أن سعيا كهذا الى الحل الوطني للازمة القائمة، عبر الحوار الجاد والصريح، من شأنه أن يغلق منافذ العراق أمام التدخلات الإقليمية والدولية..."
لينتهي البيان بالقول: "غير اننا ندرك في الوقت نفسه أن مسلسل الأزمات لن ينتهي ما لم يتم التخلص من نهج المحاصصة المهلك، وما يرتبط به وثيقا من فساد وسوء حكم وإدارة"
هنا ينبغي أن أخاطب الطبقة المثقفة من العراقيين وجمعيات المجتمع المدني وكل المنظمات المدنية والحقوقية وسواها وبشتى انتماءاتهم بالتحرك بقوة في الاسهام كلٌ ضمن وسائله وادواته بإخماد النار التي اخذت تتصاعد لتلتهم كل شيء، ومما يؤسف له أننا نلاحظ ثلة من المثقفين والإعلاميين كردا وعربا وتركمانا، يسعّرون المشهد الملتهب، ولا نعرف سببا منطقيا لذلك، هل لجهل وتبسيط لما يجري، أم هناك نوايا لا نعرف أهدافها ونواياها القاتلة.