المنبرالحر

السلم في كردستان / علي عرمش شوكت

ما اشبه اليوم بالبارحة عندما يضطر الوطنيون العراقيون لرفع شعار" السلم في كردستان" ازاء محنة الاستفتاء في كردستان. هذا الشعار الذي بادر برفعه الحزب الشيوعي العراقي عام 1962 على اثر نشوب قتال بين الحركة الكردية وحكومة ثورة 14 تموز. وكان ذلك الشعار انطلاقاً من قراءة ناصحة ونظرة ثاقبة وحرص وطني، خشية من تداعيات قتال الاخوة على مأل الوضع السياسي في البلد. وسرعان ما تجسدت تلك المخاوف بصورة دامية في انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963 . واليوم ترتفع الاصوات المخلصة ذاتها وفي مقدمتها صوت الحزب الشيوعي العراقي ، من خلال مذكرة قدمت للرئاسات الثلاث. لتحذر من تداعيات مشكلة الاستفتاء في كردستان، الذي ينطوي على قيام الدولة الكردية، وفقاً لاستمارة التصويت.
تبدو نتائج الاستفتاء بمثابة القبض على كرة النار التي كلما استمر المسك بها، كلما مضى حريقها الى عمق مؤلم، وتنطبق عليها ايضاً صفة كرة الثلج التي كلما تدحرجت كبرت. ولهذا اقتضى الامر الى الاسراع بايقاف مخاطرها ، سيما وان تجار الحروب متربصون لمثل هذه المناسبة ، وقد غدا صوتهم يدعو بلا تحفظ لاشعال فتيل القتال بين ابناء شعبنا، خلف مغالطة فاضحة عنوانها الحفاظ على وحدة البلد متجاهينن مخرجات القتال التي سمزق العراق شعباً وارضاً ولا يمكن ان تفرز وحدة وطنية باي شكل من الاشكال.
ان الدعوات للحوار تعترضها عُقد قاسية، منها الاتهامات المتبادلة بخرق الدستور، وكذلك غياب القدرة على التنازلات المتبادلة، ولا ننسى وجود تعدد مواقع القرار في الحكومة، هذا اذا لم نزد عليها الارتباط لبعضها بالاجندات الخارجية، التي لاشك انها تبحث عن مصالح جهاتها التي لا تمت باية صلة بهموم شعبنا العراقي بكافة اطيافه. وهنا يتطلب البحث عن الحكمة والحنكة والوطنية العالية لادارة الازمة. وتاتي الرؤية الرامية الى التفاوض من دون شروط. كعلاج معتدل لمغادرة حالة الاستنفار والتحشيد والركون لامر التنازلات المتقابلة التي غالباً ما افضت الى حل اعقد واعظم المشاكل في التاريخ السياسي الدولي.
فلنتبحر في اعماق الشروط المسبقة المطروحة من كلا الطرفين بغية وضع الحقائق في نصابها الصحيح , وعلى سبيل ذلك ، نشير الى موقف الجانب الكردي المتمسك بنتائج الاستفتاء ، ذلك بمعناه الاعمق الاعتراف مسبقاً بالدولة الكردية المزمعة قبل بدأ الحوار !!، دون الادراك بان اعتراض الجانب العراقي هو اصلاً على نوايا قيام الدولة الكردية التي تبينت من خلال عملية الاستفتاء غير معزز دستورياً.
اذن لم يبق ما يقتضي التفاوض حوله. اما الشرط المسبق الذي تطرحه الحكومة لكي يتم التفاوض المتمثل بضرورة الغاء الاستفتاء. وهنا ينبغي معرفة حقيقة الورطة التي ادخل القادة الكرد انفسهم بها والتي تتجلى بتعشيم شعبهم بقيام الدولة الكردية على اثر الاستفتاء، واذا ما اقدموا على الغائه فسوف تسقطهم جماهيرهم لامحال، وبالتالي لا امل بقادة يفتقدون للشرعية ولا يركن للتفاوض معهم ، وعليه كيف يؤمل من هؤلاء ان يعالجوا الجرح الوطني الذي تمخض عن الاستفتاء،
وبعد هذا وذاك، ما العمل ؟؟ اذن فتح الحوار ينبغي ان يكون بصيغة وطنية اي اشراك كافة القوى الوطنية العراقية وبخاصة القوى المدنية الديمقراطي المجردة عن اية نزعات طائفية او عنصرية بمؤتمر وطني عام، ودون شروط مسبقة خارج القواعد الدستورية، وعلى الحكومة ان تتعهد بتلبية كافة الحقوق الدستورية للاخوة االكرد، مقابل ان يقوم السيد البرزاني بخطوة تاريخية على غرار ما اقدم علية " كارليس بوتشيمون " رئيس اقليم كاتالونيا الاسبانية، الذي علق نتائج الاستفتاء قائلا : ، لكي تتمهد لنا فرص الحوار مع الحكومة الاسبانية. نعني هنا بان التعليق يختلف عن اللالغاء الذي يواجه صعوبة لا يستوعبها ولا يقدم عليها القادة الكرد. وبعد الابتعاد عن هذه الشروط المسبقة، سيقوم السلم في كردستان ويتجنب الشعب العراقي تكالب القوى الاقليمية على العراق بذرائع مخادعة خطرها سوف لن ينجو منه احد .