المنبرالحر

البحرينيون والعرب بين الضحك والاكتئاب / رضي السمّاك

في مطلع الاسبوع الفائت اُعلن في البحرين عن تأسيس أول نادٍ للضحك بهدف " مساعدة الناس للتغلب على الشعور بالخوف والغضب ، بعد أن جعلت مصاعب الحياة وتيرتها أكثر عصبية واكتائباً " على حد تعبير إحدى مؤسسيه والتي أكدت أيضاً ان المجتمع البحريني بحاجة ماسة لمثل هذه الأندية ليضحك ، وان الفكرة نبعت من " كيف لنا أن نجعل الانسان يضحك لوحده في أي وقت وفي أي مكان دون حاجة لأي أحد يُضحّكه " ، وتُضيف : وماعليه إن أراد أن يرتاح في أي لحظة سوى أن يأتي إلى " نادي الضحك " . ومن المصادفات المفيدة أنه بعد يومين فقط من هذا الخبر الظريف المُضحِك أورد استشاري الطب النفسي الدكتور السعودي علي جابر السلامة في محاضرة له بمركز كانو الثقافي في البحرين ذاتها معلومات واحصاءات خطيرة عن أحوال العرب وكثرة من شعوب العالم النفسية لا أحسبها صادمة ، إذ أكّد ان 40% من شعوب العالم يعانون من مشاكل واضطرابات نفسية ، لكن غالبيتهم بدلاً من أن يتعالجوا عنها عند الأطباء المختصين في المستشفيات والمراكز الطبية فإن 63 ٪ منهم يلجأون إلى المشعوذين والدجالين وضاربي الودع ومصممي " الرقية " أو الزار لإخراج الجن من الاجساد المتسببة في تلك الأمراض النفسية ، أو اللجوء لأضرحة أولياء الله الصالحين ، أو لفئة من رجال الدين المختصين بعمل حجبة أدعية أو خيرة لاشفائهم مما هم فيه . والاسوأ من ذلك يلفت المحاضر إلى ان 11 % من المرضى ينحدرون من ثلاث فئات يُفترض فيهم بأنهم أبعد الناس عن هذا النوع من العلاجات الخرافية الغيبية ألا هم السياسيون والرياضيون والممثلون .
على النقيض من ذلك فإننا لو تناولنا المجتمع البحريني على سبيل المثال ، لا الحصر ، أتذكر جيداً الحالة النفسية السعيدة التي عمت الشعب البحرينيين بمختلف فئاته غداة أعلان الملك مطلع العقد الماضي عن الغاء قانون أمن الدولة واطلاق سراح جميع المعتقلين بلا استثناء والذين اُعتقلوا بموجبه على مدى ربع قرن منذ حل البرلمان السابق ، والسماح بعودة جميع المنفيين وإعادة الجنسية أو جوازات السفر لمن سُحبت منهم ، وما أعقب ذلك من تصويت الشعب البحريني بالإجماع تقريباً على الميثاق الوطني لما تضمنه من نصوص مبادئ كمرشاد عمل ومرجعية لصياغة دستور ينص على فصل السلطات ، وسيادة واستقلال القضاء ، وحق الشعب في المشاركة في الشئون العامة ، وانشاء برلمان جديد من مجلسين أحدهما مُنتخب " انتخاباً حراً مباشراً " يتولى المهام التشريعية والثاني يتكون " من أصحاب الاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وشورى " وهو - النص - الذي فهم الجميع منه في حينه عند التصويت على الميثاق وقبل صدور الدستور لاحقاً على خلاف ذلك بأنه مجلس مختص فقط للشورى والتشاور وليس مجلساً يشارك المجلس المُنتخب في التشريع على قدم المساواة .. مهما يكن فكل ذلك أطلق فرحة عارمة أجتاحت قلوب البحرينيين برمتهم ، ولعل أصدق من عبّر حينها عن هذه المشاعر عدد من الاطباء العرب والبحرينيين في تصريحات لهم نشرتها في حينها الصحافة المحلية ، إذ أفادوا بأنهم لمسوا عن كثب حالة الحبور والفرحة التي أضحى عليها مرضاهم المزمنين المترددين عليهم أثناء أجواء تلك الانفراجات السياسية حتى ان العديد منهم بدا يتشافي تماما مما كان يشكو منه من أمراض . وبطبيعة الحال فإنه يدخل ضمن سياق تلك الآمال العريضة التي أطلقتها تلك الفرحة التاريخية العارمة وحلقت بهم الى عالم الاحلام والآمال العريضة في فضاء الأفق السياسي الرحيب تبدل أحوالهم المعيشية والسكنية والصحية والتعليمية بموجب تلك المبادرات والتغييرات السياسية المنتظرة خاصة وانها رفعت حرفياً شعار المناضل والشاعر التركي الكبير " إن أجمل الأيام هي التي لم تأتِ بعد ".
لكن ماذا لو قُيّض اليوم لمجموعة من الباحثين النفسيين وباشراف أطباء واساتذة نفسيين واساتذة ان يجروا بحوثاً اقصائية على عينات من المجتمع البحريني لقياس ما طرأ على أحواله النفسية خلال 17 عاماً منذ مطلع العقد الماضي ؟ هل ياتُرى سيخرجون منها بثبات تلك الحالة من السعادة الوهمية على حالها والتي كان عليها الشعب البحريني بمختلف فئاته غداة مبادرات الانفراج السياسي وصدور الميثاق ؟ وما هو مقدار أو نسبة تبدلها ؟
وهكذا كما نرى فإن حالات الاكتئاب وشتى صنوف الاضطرابات النفسية والاحزان لا تستبد بالمرء - أو حتى الشعوب - جزافاً أو تحدث على حين غرة بلا مقدمات ، بل ثمة - إلى جانب الاسباب العائلية والاجتماعية بالطبع - عوامل سياسة هامة تدفع الشعوب بوجه عام وشعوبنا العربية تحديداً ، عدا استثناءات ، نحو الشعور بالسعادة أو " التعاسة " ، ولعل مؤشر السعادة العالمي لعام 2017 خير مصداقية على ما نقول ، ففي حين تصدرت كل من النرويج والدنمرك وآيسلندا وسويسرا وفنلندا( وهي بالمناسبة نفس الدول التي تتصدر قائمة الدول الأقل فساداً في العالم في العام ذاته والمعروفة أيضاً بعراقتها الديمقراطية ) المراكز الخمسة الاولى على التوالي بين العشرين دولة التي على رأس قائمة الدول الأكثر سعادة ، في حين خلت أي دولة عربية أو خليجية من المراكز العشرين . ويعتمد ترتيب دول العالم في القائمة على قياس جملة من المؤشرات من أهمها : الحالة النفسية للسكان ، الناتج المحلي للفرد ، نسبة انتشار الفساد في بلدانهم ، مدى وجود رقابة فعلية لمكافحته ، ظروف العمل ، استقلالية ومستوى الحياة المعيشية للافراد ، معدل أطوال أعمارهم ، حريتهم في اتخاذ القرارات الحياتية ومدى استقلاليتهم في أعمالهم .
ومن نافلة القول أن هذه المؤشرات هي وحدها التي تعطي مصداقية لأي دولة عربية في أي حملة تشنها على الفساد والمفسدين ، وحينما تحقق أي دولة عربية مستويات ايجابية متقدمة في هذه المؤشرات عندها يمكن الاطمئنان ان شعوبها بدأت تغادر فعلاً من حالة الشقاء والاكتئاب ، وهي في الغالب كما رأينا أسبابها سياسية اجتماعية ،ولن تبقى بعدئذ إلا الحالات الخاصة التي لا تشكل نسبة مُقلقة ذات شأن في مجتمعاتنا العربية ، ومن ثم يمكن لأندية الضحك عندئذً أن تؤدي دوراً مُكملاً في علاج الاطباء النفسيين لمرضاهم العرب.
ولو ان مشكلة شقاء وتعاسة الشعوب يمكن حلها بمجرد تأسيس أندية للضحك لكان الحزب الشيوعي العراقي -على سبيل المثال - الأجدر والأسبق لتأسيسها لسهولتها المبسطة بدلاً من شعاره التليد " وطن حرٌ وشعبٌ سعيد " الذي جعل منه شعاراً استراتيجياً طويل الأمد ومازال يناضل تحت رايته منذ عقود طويلة .