- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الجمعة, 08 كانون1/ديسمبر 2017 16:54
أعلن ترامب اعترافه بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وبذلك طويت صفحة جدال وتردد سياسي، استمرت لسنوات، منذ ان اتخذ الكونغرس الأمريكي قراره المثير للجدل عام1995، باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها ..هذا القانون الذي حاول تجاوزه وتسويفه ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة والأمريكية، تعاقبوا طيلة الفترة السابقة، خوفا من حصول تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية، قد تؤثر سلبا على المصالح الأمريكية في دول العالم الإسلامي، والعربية بوجه خاص.. هذا الخطوة الجريئة والإشكالية والمثيرة للجدل، بحجم طبيعة الشخصية الجدلية التي أثارتها، يبدو إنها لم تتخذ إلا بعد أن تم إجراء مسح استبياني غير مباشر، للمزاج العربي والإسلامي الراهن، وطبيعة الجو العام السائد هنا، ومدى حساسية وأهمية الموضوع بالنسبة للجمهور العربي الذي يشكل الشباب ثلثيه، وهذا ما أشار إليه الرئيس ترامب بقوله ( على الشباب الإسلامي والعربي تفهم الأسباب التي وقفت وراء اتخاذ هذا القرار).. حيث كان لمواقع التواصل الاجتماعية، الأثر الأكبر في استشعار الدوائر الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية لهذا المزاج العام، ولطبيعة ما يشغل العقل الجمعي لهاذين العالمين المعنيين بالقضية الفلسطينية والقدس على وجه خاص، لما تحمله من رمزية دينية ضاربة في أعماق التاريخ الإسلامي، ومن يتابع ردود الأفعال العربية والإسلامية التي تتلاحق على المستوين الرسمي والشعبي، يدرك إن ترامب الذي يصفه الكثيرين من خصومة بصاحب السياسة الانفعالية الرعناء، قد أصاب الهدف هذه المرة وبحرفية ودراية كبيرتين.. وكانت خطوته هذه في قد اتخذت في التوقيت الصحيح، بعد أصبح العرب والمسلمون يعيشون أسوأ مرحلة تاريخية يمرون بها في تاريخهم المعاصر، وتغير الأولويات بالنسبة لديهم، في مفاهيم الصراع ألاثني والأيدلوجي، وان هناك أبجديات جديدة في تحديد الأعداد والأصدقاء، بعد أن أصبح المعيار الطائفي هو المقياس في طبيعة العلاقات القائمة بين حكومات وشعوب تلك البلدان، إضافة إلى التشظي الذي يعيشونه على جميع المستويات، كتداعيات طبيعية وحتمية، لما حدث في سوريا ومصر واليمن وليبيا وتونس، من ثورات ما يسمى بالربيع العربي، والاحتلال الذي تعرض له العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والإرهاب الأعمى الذي ضربه نتيجة لهذا الاحتلال، وتجاوزه إلى سوريا فيما بعد ليحيلها إلى خراب..الملفت للنظر في هذه القضية، هو غياب شباب الربيع العربي عن الساحة هذه المرة، وافتقاد الجمهور العربي لتلك الحماسة التي استطاعت الإطاحة ببعض الدكتاتوريات الحديدية، التي جثمت على صدر الشعوب العربية لعقود، وحكمت بالحديد والنار، فالسؤال المهم الذي يفرض نفسه هو .. أين هم الآن ؟ وما هو دورهم في أي محاولة سلمية لتغيير الواقع الجديد الذي فرض على القدس؟ إن التفكير الجاد لحل هذا اللغز، قد يحيلنا إلى نظرية المؤامرة، التي يرفضها الكثيرون، فتلك العفوية التي أخرجت ملايين الشباب العربي من كلا الجنسين قبل سنوات قليلة، وغيرت الواقع السياسي والاجتماعي سلبا أو إيجابا، لدول تحكمها أنظمة شمولية، بعد أن عانت في ظل حكمها من البطالة ومصادرة الحريات وغياب الهوية.. نراها اليوم تختفي عن الساحة في أهم مفصل رافق العقل الجمعي العربي طيلة العقود السبعة الماضية، وهو القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، فهل الأيدي التي وقفت وراء ذلك الحراك الكبير بالأمس القريب، هي نفسها من كبلته هذا اليوم ؟ أم هناك جيل عربي ناشئ تربى على أدبيات العالم الجديد، عالم ما بعد الحداثة، ساهمت العولمة الفكرية في ترويضه وتحديد أولوياته ومفاهيمه الجديدة، وغيرت نظرته عن السرديات العالم الكبرى، وعن الدين والهوية والانتماء، فلم تعد تعنيه قدسية المسميات، وارثه الثقافي وقضاياه التي كانت تعد مصيرية، وأصبحت قضايا الإنسان المعاصر بعمومياتها هي من تحتل الأولوية بالنسبة لديه، وتشغل باله.. لكن بالمحصلة وبغض النظر عن ماهية الأجوبة التي يجب أن توضع لمثل هكذا تساؤلات، فأن ردة الفعل الشارع العربي الخجولة على تهويد مدينة القدس، تشير إلى أن الربيع العربي، لم يكن سوى مقدمة لخريف الأقصى.