المنبرالحر

غرامشي والثورة الروسية / ترجمة واعداد: حازم كويي

بدأ غرامشي نشاطه السياسي اثناء الحرب العالمية الاولى عندما كان شاباً يدرس في قسم اللغات في جامعة تورين.
في حينها كتب انتقاداته في الصحافة الاشتراكية لا عن الحرب الدائرة فقط ،وانما ايضاً عن الليبرالية الايطالية، الثقافة القومية والكاثوليكية.
عمل غرامشي في بدايات عام 1917 كصحفي في صحيفة اشتراكية محلية(نداءالشعب) في تورين وكذلك في صحيفة افانتي (الى الامام) ،كتب فيها عن ثورة شباط الروسية معتمداً فيها على ترجمات لمقالات ووكالات انباء من لندن وباريس.
وبغية الحصول على معلومات موثوقة عن احداث بتروغراد ، طلبت قيادة الحزب الاشتراكي من مندوبها أودينو مورغاي السفر الى هناك والاتصال بالثوريين،لكنه لم يفلح في ذلك وقفل راجعاً.
وعبرغرامشي في العشرين من نيسان 1917 بخبر مقتضب في أفانتي عن حماسته لاحداث الثورة الروسية ،التي توضحت لديه ،كون هذا الحدث سيجعل الطبقة العاملة الايطالية تقف الى جانب ايقاف الحرب بالارتباط مع ثورةالبروليتاريا الروسية، التي ستغير اسس العلاقات العالمية.
فالحرب العالمية على أوجها والتحشيد العسكري وجاهزيته في ايطاليا كان له التأثير الكبير على الشعب، وبقي غرامشي ملازماً جبهة الصحافة بمقالاته عن تطورات الحرب والموقف منها، عكس رفاقه الذين كانواعلى خطوط جبهة الحرب.
وكتب في احدى مقالاته (ملاحظات عن الثورة الروسية) وخلافاً لمعظم الاشتراكيين في ذلك الوقت،عن فهمه للثورة الروسية كثورة فرنسية جديدة وعمل بروليتاري من شأنه ان يؤدي الى الاشتراكية، وميز غرامشي الثورة الروسية عن نموذج اليعقوبيين* كونها ثورة برجوازية، وحلل الاحداث في بتروغراد واضعاً برنامجاً سياسياً للمستقبل ومواصلة الحركة بأتجاه الثورة العمالية وكسر النموذج اليعقوبي.
في الشهور اللاحقة من عام 1917 تسارعت الاحداث لتكون في صالح البلشفيين حيث اعلن غرامشي في 28تموز من نفس العام عن دعمه الكامل لـ "لينين" وكما سماه (السياسي المكسيلمياني)* واصفاً ذلك كاستمرار للثورة وايقاعاتها والاصرار على مواصلتها والتغلب على البرجوازية العالمية والانتصار عليها.
وكتب غرامشي عن زيارة وفد روسي لايطاليا في آب عام 1917 للتباحث حول امور الحرب العالمية الجارية آنذاك، سنحت للوفد فرصة اللقاء مع تجمع للاشتراكيين الايطاليين في تورين، مرحبين ومتضامنين مع الثورة الروسية.
وكان الوضع في تورين سيئاً، فالخبز غير متوفر وفي نهاية آب من ذلك العام تفاقمت الازمة المعاشية التي سببتها الحرب، وخرج العمال من المصانع حيث توقفوا بعد الظهر عن العمل، طافوا فيها شوارع المدينة مهاجمين الاسواق والمخابز، دون ان يصدر بيان في هذا الاتجاه, توسعت فيها الانتفاضة بشكل مفاجئ، بعدها سيطر الجيش على الوضع عدا اطراف المدينة حيث وضعت المتاريس، واستمرت اعمال نهب المتاجر. اما مدينة بورغوسان باولو والتي تعتبر معقلا للاشتراكيين ،فنهب المحتجون فيها الكنيسة، مُشعلين النار فيها، واطلقت الشرطة النار على الجماهير المحتشدة واشتد الصراع للوصول الى مركز المدينة، دون ان يحالفهم النجاح، سقط فيها عشرات القتلى نتيجة اطلاق النار على المتظاهرين وجرى اعتقال اكثر من 1500 شخص.
وفي اليوم التالي تواصلت المظاهرات دون وضع الحواجز، وتوقفت الثورة فجأة عندما جرى اعتقال العشرات من قادة الاشتراكيين، بعدها توقفت صحيفة (غيردو ديل بولو) لتعاود الصدور في الاول من ايلول 1917 برئاسة انطونيو غرامشي الذي حل محل ماريا غيو ديسا، التي جرى اعتقالها.
ووصف غرامشي لينين في اشارة موجزة (يمثل لينين دون شك كيف تكون اشتراكيا معبرين عن حماسنا له، اما كيرنسكي فهويمثل الشؤم التأريخي) .
وعندما زحف الجنرال كورنيلوف بقطعاته نحو بيتروغراد لاحلال النظام فيها ضد الثوريين، علق غرامشي عنها، كون الثورة بدأت بفهم وعيها، مشيرا الى ان لينين هو محرض هذا الوعي بندائه للنفوس النائمة.
واستمرت الازمة السياسية في ايطاليا، خاصة بعد الخسائر العسكرية في معركة كابورتيو نوفمبر1917،اضافة الى موقف الاشتراكيين الايطاليين حول مسالة الدفاع عن الوطن، حيث اخذوا بالابتعاد عن مواقفهم المحايدة سابقاً، مطالبين البروليتاريا بالدفاع عن الوطن المُعرض للخطر.
ونتيجة هذا الوضع الجديد نظمت مجموعة من الثوريين في الحزب، الذين كانوا بالضد من الحلول الوسط، اجتماعاً سرياً في مدينة فلورنسا لمناقشة مستقبل الحزب السياسي، لعب فيها غرامشي كمندوب عن تورين دوراً مهماً، وقف فيها الى جانب آمادو بورديغا وآخرين، وانتهى الاجتماع مؤكدين فيها بقوة على المبادئ الثورية العالمية والموقف المعارض للحرب.
وحلل غرامشي بتفاؤل الاوضاع الاخيرة في بلاده وخلفيات الثورة الروسية، مقتنعاً بان الوقت قد حان بانتصار الثورة البلشفية في روسيا، وكتب في ديسمبر مقالاً بعنوان (الثورة ضد الرأسمال)جاء فيها: "الثورة البلشفية هي بلاشك استمرار لثورة الشعب الروسي، التي حاول فيها خصوم لينين ابقاءها راكدة ليتربعوا على السلطة بطريقتهم الدكتاتورية".
وكتب ايضاً عن كيفية فهم موضوعات ماركس من ان الثورة الاشتراكية تنجح عندما تتوفر فيها قاعدة اقتصاد رأسمالي، لكن المناشفة برروا ان روسيا لم تصل الى هذه المرحلة بعد، كون المجتمع الروسي لم يصل الى الرأسمالية المتطورة، تتطلب الضرورة ان تقوم البرجوازية لبناء اسس الرأسمالية قبل بناء الاشتراكية. الا ان الثوريين تحت قيادة لينين كما يقول غرامشي رغم التزامهم الصارم بالماركسية، كانت لهم وجهات نظرعلى بعض الفرضيات في رأس المال.
وكان الوضع الاقتصادي والمعاشي في روسيا سيئاً، فتكاليف نفقات المعيشة باهظة، واكثريةالناس تموت جوعاً، كبدَت فيها الحرب حياة 10 ملايين انسان، وازاء هذا الوضع توحدت الاصوات في البداية بشكل ميكانيكي ثم روحياً في اتجاه الثورة الاولى.
فالارادة الجماعية للشعب غذت الدعاية الاشتراكية التي فسحت المجال للطبقة العاملة الروسية، التي عاشت وضعاً غير طبيعي في تأريخها، كسرت اغلال و قيود العبودية لتسرع في تطوير وعيها الجديد ولتصبح شاهداً على عالم المستقبل القادم، علاوة على ذلك فأن هذا الوعي قد حصل في دول كانت الرأسمالية العالمية مثل انكلترة في كامل تطورها.
ورأى غرامشي في لينين والبلشفية تجسيداً لبرنامج تجديدي متواصل للثورة معبراً عن امكانية تحقيقها في ايطاليا.
بعد عشرين عاماً توفي غرامشي في سجون الفاشية الايطالية، صاحب النظرة التفاؤلية، الذي وضع الاسئلة لمستقبل اكتوبر، كتبها في دفاتر السجن والمعنونة بـ (الطرق الجديدة).
لقد عاشت الثورة الروسية في قلب وذاكرة غرامشي حتى وفاته في نيسان عام 1937.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•اليعقوبيون:ويعرف باسم نادي اليعاقبة الذي كان الاكثر نفوذا خلال الثورة الفرنسية وكانت له فصائل بارزة في البرلمان وهما حزبا الجبل والجيرونديون.
•نسبة الى ماكسميليان روبسبير، السياسي الفرنسي وأحد أهم الشخصيات المؤثرة في الثورة الفرنسية، كان خطيبا بارعا، أُعدم فيما بعد.
•من مقال لـ : الفارو بيانجي ودانييلس موسي