- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الخميس, 11 كانون2/يناير 2018 16:39
إن الحديث عن سلبيات الساسة والمسؤولين من قبل الكتاب والنقاد، يتراوح عادة بين شد وإلحاح يصل أحيانا حد الانفجار، وبين صمت نسبي لايعد سكوتا او رضا او خنوعا، وهو لايعني أيضا أن الأقلام قد رُفعت والصحف قد جفت، او أن القضية قد أغلق النقاش فيها، وأن البحث في جوانبها والتقصي في جديدها وعجيبها وغريبها قد توقف، لاسيما أن جديدها أسوأ من قديمها، والعجائب والغرائب فيها باتت تحيق بأهل العراق وتحيط بهم وتطبق عليهم من جهاتهم جميعها. ولاينكر واقع الحال الذي وصل اليه عراقنا الجديد، وهو يتداعى بين حين وآخر الى شفا حفر عدة وليس حفرة واحدة، إن لم نسرع بإنقاذه سيتهاوى به المآل الى قعورها، حيث لا ينفع ندم ولا يشفع لوم ولا يسعف تقريع وساء مصيرا.
كما أن للمشاكل والمعوقات التي تفاقمت في العراق طروحات عديدة، وما أسهل عرضها في مؤتمر او نادٍ او وادٍ، ولكن البحث عن حلول ناجعة لها يتطلب السعي الحثيث والمثابرة الدؤوب وأحيانا.. التضحية. والأخيرة هذه ندرت وشحت في ساسة اليوم، ممن يعتلون كراسي الحكم وبيدهم الأمر في التشريع والبت في صنع القرار، فأغلبهم يرى في منصبه تشريفا لا تكليفا، وجاها لا مسؤولية، وصفقة لا واجبا، وبالتالي فهو يبني لنفسه صومعة ويصنع لذاته كيانا ويدخر لمستقبله ضمانا، تاركا البلاد تتداعى في مزالق الفساد والإهمال والخراب، حتى اضحى البلد متجرا تبضع فيه تجار السياسة حتى أفرغوا سلعته، وملأوا حقائبهم وقد أوشكوا على الرحيل.
والحلول لمثل هذه الحال ليست مستحيلة، مع أن السير في طريقها موحش لقلة سالكيه، فالأمل يحدو المواطن بصورة القائد وشخص الفارس الذي يتكفل الخوض في لج بحر تسيطر فيه حيتان الفساد، وما المظاهرات التي علا صوتها وصيتها منذ سنوات، والتي اتخذها العراقيون كدواء ما قبل الكي، إلا تعبير عن سخطهم وغضبهم على حاكميهم، بعد أن ملوا ألعوبة الضحك على الذقون. ولايخفى على أي حاذق مدى خطورة غضب المواطن وسطوته حين يثور على ظالميه وجلاديه، بعد ان يستنفد أساليب المطالبة بحقوقه المشروعة. وباحتساب المظاهرات حلا ناجعا وحيدا لما آل اليه وضع العراقيين، فقد كان لها نصيب في الطرح والشرح والنصح، ويقينا أن المظاهرات سلاح فاعل إذا ما أجيد استخدامه، بشرط توخي الدقة في المطالب والنأي عن تشعبها وشططها في قوالب غير ذي جدوى، فتأخذ حينها صورة التمرد والعصيان، الأمر الذي يجيز للحكومة حينها قمعها وإسكاتها.
ولما كان خروج المواطنين في السنوات الأخيرة الى ساحات تحريرهم من قيود القمع وغمط الحقوق حاجة ملحة وضرورية، فقد أتت تظاهراتهم بالمفيد من الكلام، والمختصر من النصائح والتوجيهات، مقربة الحلول البعيدة الى مديات أقرب على مرأى النظر، وتفاديا للوقوع في مطب الانتكاس او اللاجدوى من التظاهر -وإن كان طارئا- فإن نداءات الجميع -ولاسيما القياديين فيها- كانت تحمل نظرة بعيدة الأفق، فإصلاح مؤسسات البلاد الأمنية والتشريعية والتنفيذية والقضائية مجتمعة، جنّب المطالبين بها التفاف المغرضين والمفسدين المنتشرين في هذه المؤسسات، ووصولهم غيلة الى مالايخدم غاية التظاهر.
إن التظاهرات التي عم أجيجها قبل سنوات، باقية على رف قريب من متناول يد المواطن، وليس مستبعدا بل هو قريب جدا نهوضه ثانية وثالثة وعاشرة، لحين نيل مطلبه، فالتظاهر خلية نائمة، تكمن يقظتها بين غمضة عين وانتباهتها. فهل علم أولو أمر العراق أن يومهم لم يعد بعيدا، ويد المواطن ستطول حتما لتطالهم، كما طالت أيدي الأخيرين على حقوقه في بلده.