يناقش مجلس النواب في الفترة القريبة القادمة ميزانية عام 2014 بعد ان عرضتها وزارة المالية على مجلس الوزراء.. ان الملاحظات والأراء التي نشرت تعقيباً على تقديرات الميزانية لا تبشر بالخير بالنسبة لعموم كادحي شعبنا وانما هناك توقعات توصلنا الى التشاؤم نتيجة الاهمال المتعمد لبناء تنمية وطنية صحيحة.
فكما هو معلوم ان الواقع المتداعي والخطير الذي يعاني منه بلدنا خلال الفترة الماضية من تفاقم التفاوتات الاجتماعية واستمرار تعمق الفرز الطبقي والاستقطاب، وتعاظم التهميش الاجتماعي بات ينذر بتوترات اجتماعية قد يكون من الصعب السيطرة عليها فيما لو تفجرت التناقضات المكبوتة اليوم بفعل عوامل عديدة، بعضها يقع خارج الحالة الاقتصادية. مما يتطلب ان توضع برامج اعادة الاعمار والإصلاح الاقتصادي الحقيقي لتواجه هذه التحديات الكبيرة، وان أي تلكؤ في تنفيذ هذه البرامج سينعكس بشكل خطير على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وعلى مجمل حياة المواطنين، ويخلق حالة من الشعور بالإحباط واليأس لدى شرائح المجتمع المختلفة تهدد في حالة استمرارها، فرص نجاح هذه البرامج.
ان ضعف الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية، كالصناعة والزراعة في الميزانية هو خلل كبير وجدي. فيما المطلوب هو اعتماد سياسة واستراتيجية تواجه التحديات للاقتصاد العراقي والتي هي وليدة سنوات الحروب والحصار والاحتلال التي تركت بصماتها على جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والامنية.
وزارة الصناعة وحدها كانت تمتلك 192 شركة حكومية (قطاع عام) يعمل فيها ما لا يقل عن 600 الف عراقي يتكفلون بإعالة عوائلهم، وقد تعرضت معظم هذه الشركات بعد سقوط النظام السابق الى نهب وسلب وتخريب مما ادى الى تعطيلها وهي متوقفة حالياً. فأين حصة اعادة بنائها في ميزانية الحكومة للعام 2014؟. لا سيما ان ميزانية النفقات التشغيلية ما زالت تلتهم حوالي ثلاثة أرباع النفقات العامة وهي نفقات تجري على حساب الاستثمار، الأمر الذي يجعل الميزانية غير قادرة على خلق ديناميكية فعالة على مستوى النمو الاقتصادي الذي يشترط من بين ما يشترطه وجود استثمارات كبيرة تحتاجها البلاد حقاً في هذه المرحلة .
ان عدم اصلاح هذه الشركات (وفق خطة استثمارية صحيحة) والترويج لتنظيرات صقور الخصخصة الزراعية الى تصفية أي دور للدولة واخراجها من المجال الاقتصادي بأي ثمن هو عملياً التخلي عن الوظيفة الاجتماعية لقطاع الدولة بالتركيز على المعيار الاقتصادي وفكرة الكفاءة المعروفةفقط. ان ذلك سيؤدي إلى خلق اثار اجتماعية سلبية لا بل زيادتها، وهي الاثار التي تتمثل في تسريح عدد كبير من العاملين في هذه الشركات وزيادة حجم البطالة المتفاقمة اصلاً. لذلك فأن عملية الاصلاح ينبغي ان تكون متزامنه مع حملة اعادة الاعمار التي تساعد على تشغيل الايدي العاملة العاطلة حالياً. لا بل ان الاصرار على تخفيض الدعم المقدم لهذه الشركات طيلة السنوات السابقة سوف لن يوفر دعماً حقيقياً لهذه الشركات وبالتالي لن تتمكن من القيام بإعادة هيكلة حقيقية تخرجها من أوضاعها الصعبة. لا تعني ضألة المبلغ المخصص سوى شيء واحد هو ترك هذه الشركات تواجه الافلاس، وبالتالي توفر الحجة لنسور الخصخصة دون قيد أو شرط لتصفية هذه الشركات بذريعة إفلاسها!.
لذا من الافضل اعتماد اولويات مهمة وصحيحة لتحقيق مردودات ايجابية والتي منها:
1- العمل على تنمية الموارد البشرية كماً ونوعاً لكي تستطيع ان تلعب دوراً أساسياً من خلال تقديم الخدمات كالصحة والتعليم وتأهيل وتدريب القوى العاملة وتخفيض معدلات البطالة.
2- تنويع هيكل الاقتصاد العراقي لتوسيع قاعدته الإنتاجية وبالتالي التصديرية.
3- تعزيز دور القطاع الخاص وتوفير مستلزمات تمكنه من اداء دوره في اعادة الاعمار وتنمية الاقتصاد العراقي.
4- اعادة تشغيل الشركات الإنتاجية التي تأثرت بنيتها التحتية، وهناك جدوى اقتصادية في اعادة تشغيلها.
5- التوسع في اعمال المسح الجيولوجي في مختلف المناطق والبدء في اعمال التحري المعدني فيها.
6- انشاء مجمعات صناعية نموذجية (او واحد على الاقل) يسد متطلبات التكامل الصناعي.
7- تشجيع إنشاء المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة وإيجاد اليات تمويلية ملائمة لها.
8- التأكيد على دور الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية في المشاركة الفاعلة في عملية الإنتاج بأعتبارها الشريك الاجتماعي المؤثر وصاحب المصلحة الحقيقية في إعادة بناء الاقتصاد الوطني.
هذه الأولويات وغيرها الكثير هي من تساعد على اصلاح وإعادة بناء القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وتنمية الاقتصاد الوطني وتحل ازمة البطالة وتوفير الرفاهية لشعبنا العراقي. وإلا فأن الوضع بجوانبه المختلفة سيزداد سوأً وهذا ما لا نتمناه لوطننا وشعبنا وكادحيه.