المنبرالحر

دور الإحصاء السكاني في عملية التنمية الشاملة / إبراهيم المشهداني

تشكل الإحصاءات السكانية الشاملة دورا هاما في رسم عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال توفير المعطيات البيانية أمام الجهات التخطيطية في إعداد الخطط التنموية الشاملة التي يحتاجها العراق للتخلص من كوابح التنمية ومغادرة الدوران حول نفسه.
ونظرة متفحصة لعمليات الإحصاء السكاني التي جرت منذ عام 1927 ولغاية الآن لم نلمس سوى إحصاءين اثنين تميزا بدقتهما النسبية، وهما إحصاء عام 1947 وإحصاء عام 1957 وهذا الأخير لا يزال قيد التنفيذ ومرجعية لتوفير المعلومات الشخصية للمواطنين وإصدار الوثائق التي تحتاجها الأجهزة الحكومية لتمشية معاملاتهم. أما الإحصاءات التي جرت في زمن النظام البعثي فقد طغت عليها السياسة الشوفينية للسلطة من خلال التمييز القومي بأبشع إجراءاته المتمثلة بإجبار الأكراد على تبديل ألقابهم من الكردية الى العربية لتغيير النسبة الديموغرافية في إ?ار سياسة التعريب التي مارستها السلطة في تلك الحقبة الزمنية.
لقد وضعت الحكومة خطة خمسية لأعوام 2008 –2013 ولم تر النور والخطة الخمسية لأعوام 2010—2014 وقد انحرفت عن مساراتها وتفادت فشلها بوضع الخطة الخمسية لأعوام 2013-- 2017 ولا احد يستطيع الجزم أن الأخيرة ستحقق أهدافها كاملة ولعل ابرز أسباب ذلك أنها بنيت على معطيات تخمينية تفتقر الى الدقة والموضوعية وبالتالي كيف يمكن تصور نجاح الخطة في إحداث قفزة تنموية في الاقتصاد، تعتمد في الكثير من عوامل نجاحها على إحصاءات سكانية غير متوفرة ومن بينها معدلات النمو السكاني ومعدلات الخصوبة الكلية والتفاوت السكاني بين المناطق الحضر?ة والمناطق الريفية ونسبة الذكور والإناث الى مجموع السكان ونسبة البطالة وخاصة بين الشباب والنساء وتأثير ذلك على القدرات البشرية الضرورية في أية عملية تنموية؟
لقد أعطت الخطة الخمسية الأخيرة بعض المؤشرات على هذه النسب فبينت مثلا أن نسبة البطالة بين الشباب الذكور للفئة العمرية المحصورة بين 15—29 سنة كانت 15،5 بالمئة أما نسبة الإناث فكانت 33 بالمئة وهذا يعني أن النسبة الكلية بين الجنسين تقارب الـ50 بالمئة وترتفع نسبة البطالة بين الشباب بارتفاع المستوى التعليمي والأمر الآخر في الخطة أن نسبة الذكور في عام 2011 كانت 60 بالمئة فيما كانت نسبة الذكور 40 بالمئة ونعتقد أنها مجرد أرقام تخمينية وإلا كيف يمكن تصديق هذه الأرقام وان حروب الطاغية وحروب الاحتلال والحرب الطائفية ف? عامي 2006و2007 وأعمال الإرهاب والميليشيات الإجرامية التي لم تتوقف أبدا، قد انصبت على الذكور خصوصا.
إن نسبة الأمية ودرجة الفقر في المجتمع وحتى العملية الانتخابية في العراق التي كان الإحصاء السكاني احد أهم الشروط الضرورية لإجرائها على قاعدة رقمية حقيقية حيث تم اعتماد إحصاءات البطاقة التموينية في العمليات الانتخابية السابقة وظهر فيما بعد وجود 750 ألف بطاقة تموينية مزورة، لا يمكن أن تعالج، إلا من خلال إحصاء سكاني عام وشامل يعتمد عليه في قياس درجة تقدم المجتمع ومستوى تطوره وفي إعداد الخطط الإنمائية، لذلك فقد آن الأوان لان تتوجه الحكومة الى الشروع في إجراء الإحصاء بإصرار وبنوايا طيبة بعيدا عن الاختلاف ح?ل إدخال الطائفة أو القومية ضمن حقول الاستمارة الإحصائية فماذا حصدنا من الطائفية السياسية خلال السنوات العشر الماضية يا سادة سوى الموت والدمار الاجتماعي والاقتصادي؟ وأية إشكاليات حول هذا الموضوع يمكن أن تحل وفقا للدستور خاصة وان وزارة التخطيط وهي الجهة المخولة بإجراء الإحصاء السكاني قد أعلنت مرارا وتكرارا عن اكتمال كافة الإجراءات الفنية واللوجستية لهذه العملية التي بدونها لا يمكن تحقيق أية خطة تنموية حقيقية يمكن أن تنهض بمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي وتغلق الى الأبد بوابات الفقر والجهل والأمية وما ي?تج عنها من إبعاد الموارد البشرية وطاقاتها الخلاقة عن أداء دورها في عمليات البناء الحضاري المنشود.