عدنان الصفار
نتيجة تغير الظروف والظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مرت على بلادنا، صدر العديد من القوانين والتشريعات عبرت بشكل وآخر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة التي حكمت بلادنا وعن التطورات الحاصلة على مستوى الأمم ونضالات الطبقة العاملة وكفاحها المستمر لنيل حقوقها المشروعة.
وتأتي إعادة قراءة مشروع قانون العمل الجديد في مجلس النواب ضمن هذا المفهوم العام لطبيعة القوانين التي تصدر عن الجهة التشريعية في بلادنا بعد ان مرت مسودات مشروع القانون بعملية مخاض طويلة ولعدة سنوات قبل أن يقدم بصيغته الأخيرة إلى مجلس النواب بدورته السابقة (أوائل كانون الثاني الفائت) التي نأمل أن لا تضاف إليه فترة طويلة أخرى إلى حين إصداره ووضعه موضع التنفيذ.
فكما هو معلوم انه منذ عام 1987 وصدور قانون العمل الجائر رقم (71)، ناضلت الطبقة العاملة العراقية من اجل تغييره واستبداله بقانون عصري تقدمي جديد يتناسب ومعايير العمل الوطنية والعربية والدولية ولائحة حقوق الإنسان. وكانت عملية التغيير الذي حدثت عام 2003 في بلادنا فرصة تأريخية، تطلعت طبقتنا العاملة وعموم شعبنا إلى ضرورة العمل على إلغاء القرارات والقوانين التي صدرت عن النظام السابق وبشكل خاص التي لا تنصف عمالنا وحقوقهم المشروعة التي اقرها الدستور العراقي الجديد.
وجاءت مسودة مشروع قانون العمل الجديد المقدم من قبل منظمة العمل الدولية في عام 2005 والمناقشات والتعديلات التي أجريت عليها والحوار الجدي والشراكة الاجتماعية الصادقة بين أطراف الإنتاج الثلاثة (العمال، أصحاب العمل، الحكومة) المتمثلة في الاتحاد العام لنقابات عمال العراق واتحاد الصناعات العراقي ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أسفرت هذه المناقشات عن التوصل إلى صياغة مسودة قانون عمل جديد تمت دراسته وإقراره في مجلس شورى الدولة وأحيل إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ شهر مايس 2010 لغرض دراسته وإحالته إلى مجلس النواب لإقراره.
إلا أن الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء السابق مع الأسف كان لديها ملاحظات وتعديلات لا تتوافق ومعايير العمل الجديدة والتي صادق عليها العراق رسمياً ولا تستند إلى رأي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي هي الجهة الحكومية الرسمية المطلعة على الاتفاقيات والوثائق الصادرة عن منظمتي العمل العربية والدولية، وبشكل خاص شمول القطاع العام بالتنظيم النقابي.
ومما هو جدير بالذكر أن الاتحاد العام لنقابات عمال العراق كان قد نظم حملة عمالية وطنية وعالمية من اجل الإسراع في إصدار قانون العمل الجديد وان يكون مُنصفاً وعادلاً للعمال العراقيين الذين عانوا من ظلم وجور الأنظمة الاستبدادية السابقة. وأصدرت الحملة نداءً بذلك وجمعت تواقيع تجاوزت الألف تأييد من مختلف شرائح المجتمع العراقي في مقدمتها فخامة رئيس الجمهورية السابق الأستاذ جلال طالباني وأكثر من ثمانين عضواً من أعضاء مجلس النواب العراقي في دورته السابقة وعدد من السادة الوزراء في الكابينة السابقة وعدد كبير من المثقفين والأدباء والأكاديميين والموظفين الحكوميين ومنظمات المجتمع المدني العراقي بالإضافة إلى أبناء الطبقة العاملة العراقية والاتحادات والمنظمات العراقية والعربية والدولية وعبر مواقع الانترنت المختلفة. المطلوب الإسراع بإصدار القانون الجديد الذي تطرقنا إليه والتعجيل في إقراره من قبل مجلس النواب بأسرع وقت والعمل على مناقشته داخل قبة المجلس بالمشاركة مع أصحاب الشأن وبشكل خاص ممثلي العمال وحركتهم النقابية التي هي أدرى بما يضمن حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة وينصفهم من جميع الوجوه وبشكل خاص إشراك القطاع العام والعاملين فيه لضمان حقوقهم (عمال العقود) مثلاً وحقهم في الانتماء للنقابات العمالية بعيداً عن القرار الجائر (150) لسنة 1987 وضمان حقوق مصالح العمال في قطاعات العمل المختلفة (العام والخاص والمختلط والتعاوني).
أن مجلس النواب كهيئة تشريعية وطنية مطالب بالإسراع في مناقشة قانون العمل الجديد وإقراره وعلى لجنة العمل والشؤون الاجتماعية التعاون والتنسيق مع الاتحاد العام لنقابات عمال العراق وإشراكه في كل المناقشات التي تعمل من اجلها والمتعلقة بالعمل والعمال كونه الممثل الشرعي والقانوني للطبقة العاملة العراقية، للعمل على انجاز هذا المشروع الوطني واعتباره مهمة وطنية من الدرجة الأولى. وكلنا أمل أن يتم ذلك بأسرع وقت من اجل حياة حرة كريمة لعمالنا، بناة ماضي وحاضر ومستقبل عراقنا العزيز.