فضاءات

ورطة فنان عراقي في السويد / محمد الكحط

طارق الخزاعي فنان عراقي، حل به الترحال في السويد بعد معاناة طويلة، ولكن طموحه بالعطاء وإثبات الذات، وحبه للإبداع الفني وتطوره، كان هاجسه دوما، وهنا يبدو أنه قد تفتحت له الفرصة، ونال بعض ما أراده، لكن يبقى طموحه أن يكون هناك في بلده ليكون لإبداعه طعم ونكهة أخرى.
أينما تسير في السويد في الشوارع في المحطات في وسائط النقل العامة تجد صوره منتشرة ، فغدا نجما يحسب حسابه، نعم أنه اليوم هنا معروف أكثر من أي وزير أو نائب بالبرلمان أو حتى ممثل سويدي، فالتلفزيون السويدي يعيد كل يوم عدة مرات صوره والدعاية التي يقدمها، وبأسلوبه المحبب فغدا ماركة مسجلة، وتحول إلى معبود الجماهير هنا، وحتى نحن الذين نسير معه أحياناً في الشارع نحس بالضيق من كثرة المعجبات والمعجبين وهم يترجوه أن يلتقطوا صوره تذكارية معه، فكيف هو!!!
التقيناه لنتحدث معه حول السرّ في هذه الورطة وكيف حصلت.

أكبر معمرة في السويد معجبة بإعلانات الفنان العراقي طارق الخزاعي وأمتد هذا الإعجاب لحفيداتها ثم لزوجها ... قالت لي: أعجبنا بك لأنك تتحدث عن الحب وقيمه بكلمات ثم تقدم إعلاناتك بأداء يجبرنا على المتابعة والإعجاب... أنك ممثل فذ ...هذه الكلمات تجعلني أبذل طاقة كبيرة كي أكون في المقدمة بين محترفين عالميين يفوقوني بالخبرة والحرفية ... والمنافسة تخلق المبدعين دائما كما الرياضة تخلق الأبطال... تحية لهذه المرأة السويدية وعائلتها.

الطفل الذي يرتدي التي شرت اﻷخضر بكى حين علم بأن أخته وأخوه صوروا معي فلحقتني وصورنا معا وعادت الضحكة لوجهه... لحظات لها ألف معنى في روح الفنان ...جميل أن امنح السعادة للجميع.

س: الفنان طارق الخزاعي، أولاُ نريد تعريف سريع عن سيرتك الذاتية....؟
ج: بأختصار وتواضع أنا كاتب ومخرج مسرحي وممثل ومدرب مبارزة حاصل على الشهادة الدولية لإتحاد المبارزة العالمي.

س: متى غادرت العراق وما هي الأسباب...؟
ج: غادرت العراق بعد تعرضي للاعتقال والمحاكمة والسجن لمرتين متتاليتين وأخطرها تقديمي متهما بمحكمة الثورة السيئة الصيت بعد تأليفي مسرحية أنهض أيها القرمطي هذا عصرك. وسكنت الأردن وأسست فرقة مسرح جدارا بمدينة أربد وألفت مسرحية (جدارا تنهض نحو الشمس) وفازت بالجائزة الأولى بمهرجان البحر الأبيض المتوسط عام 1996.

س: وكيف وصلت السويد...؟
ج: وصلت السويد كلأجىء سياسي عن طريق الأمم المتحدة من الأردن، بعد تقديمي نص مسرحي بعنوان (الباحث عن الضوء) بمهرجان الفوانيس الدولي وكانت تتحدث عن معاناة المثقف العربي في بلد يحكمه دكتاتور أرعن.

س: المجتمع السويدي شبه مغلق كيف استطعت أختراقه في البداية...؟
ج: بواسطة الرياضة حيث كان كل الشباب الذين أدربهم من أصول سويدية فقط ومن ثم عن طريق الفن المسرحي وأخيرا عن طريق الإعلان التلفزيوني الذي منحني شعبية كبيرة بحيث غدت البيوت السويدية مفتوحة لي كواحد منهم ولا أخفي عليك, الكثيرون يعبرون عن الحب بالهدايا كما أعبر أنا عن حبي الكبير للمعجبين من الأطفال والصبيان بهدايا رمزية وطدت الحب ورسخت محبة المسرح والفن لديهم وهم جمهوري القادم.

س: وماذا قدمت من أعمال هنا...؟
ج: سكنت مدينة نيشوبنك وشاركت بكل مهرجاناتها الفنية وقدمت مسرحية شهريار وشهرزاد بمهرجان (بلا حدود) وفي سودرتاليا قدمت على خشبة مسرح (مسرح الحكاية) مسرحية (أحدب بغداد) مونادراما من تأليفي وإخراجي وتمثيلي ... ورفضت عدة دول عربية لدعوتي في مهرجاناتها لكونها تتحدث ضد النظم الدكتاتورية وتحذر الحكام من مصير أسود. وهي مستقاة من معاناة العراقيين أيام الحرب العراقية الإيرانية والغزو الأمريكي.

س: وحول الورطة كما سميتها أنا هل تتفق معي، وأزعم أنا أنها أجمل ورطة في السويد، كيف حصل ذلك، كيف حصلت الفرصة...؟؟
ج: الورطة الكبيرة هي حصولي على شهرة كبيرة وواسعة في السويد والدول الأسكندنافية لم أكن أحلم بها أطلاقا وتجاوزت حدود الواقع لأي فنان في العالم بلا مبالغة وفي بلد حضاري كالسويد وإلا كيف تصرف ملايين الكرونات لعمل إعلانات تلفزيونية وصور ضخمة تفوق صور ممثلي هوليوود ويلاحقني المعجبون والمعجبات كأني ممثل أو مطرب مشهور ؟!

س: الآن وبعد كل ما حصل، ما هو الطموح هنا وقد أصبحت نجما لامعا بلا مبالغة...؟
ج: طموحي هو التعاون مع شركات أنتاج عربية وبالتحديد من مصر والخليج وبالذات الأمارات العربية المتحدة مع رجال الأعمال العرب في السويد وشركات سويدية لعمل أفلام متنوعة ومسلسلات درامية وبرامج هادفة سيما وأن العرب أصبحوا يشكلون الجالية الأولى وأحلم بأداء أدوار كوميدية ودرامية تكشف موهبتي بالتمثيل ولازلت متفائلا ومنتظرا هذا اليوم.

س: والعراق هل غاب عن ذهنك، هل من مشاريع مستقبلية...؟
ج: لم يغب العراق عن بالي لكن العراق غيبني وخاصة قنواته الكثيرة التي تهتم بالفارغ والساذج من الأمور ولازلت أؤمن بأن هناك طاقات فنية رائعة لكن الجهل وعدم الاختصاص هو الذي يلازم المسؤولين على الفضائيات والأعلام والمسرح... عرضت سنة كاملة خدماتي المجانية وتجاهلوها بحكم الغباء سامحهم الله.

س: رأيك بالفنانين والمثقفين العراقيين هنا في السويد، عطائهم، أندماجهم، تواصلهم مع أبناء الجالية والوطن...؟
ج: الفنانون والمثقفون العرب في السويد بالذات لهم نتاج جيد ومبدعون ويحملون أفكارا جديدة وجريئة، ومنهم من يحاول الإسراع بعملية الصهر الثقافي بين العرب والسويديين، لكنهم بطيئون في الحركة وقليلو الإنتاج، والبعض منهم أستسلم لليأس بعد أول صدمة وهذا خطأ ...أمل ان نتواكب بالمسيرة مع فناني السويد بكل المجالات.

س: هل واجهت آراء السويديين بالشارع أو بمحل عام رأيهم بك ؟
ج: الحقيقة أن أراءهم تهمني من صغيرهم لكبيرهم، وخاصة السالب منها لكي أقوم مسيرتي، ولكن صدقني لم أجد إلا المحبة والتشجيع، وأعتقد أن بعض الأصدقاء المخلصين والمقربين لي خير شهود ...مرة قالت لي سويدية: أنت دخلت القلوب لأنك تبدأ بقصة حب تمنحنا الفرح ومن ثم تدعو للدعاية للبضاعة وتقنعنا بشرائها. ومرة قالت لي امرأة كذلك: أنت تمنحنا الضحكة والمتعة بثواني سعيدة والسياسيين يصدعون رؤوسنا بثرثرتهم. وكلمات ثناء من معجبين ومعجبات من أصول أفريقية ومن أمريكا اللاتينية وأسيوية وهندية وأفغانية وغيرهم يمنحوني حلو الكلام والبعض يعانقني ويقبلني.

س: هل أثرت الشهرة والمال على مركزك ومحيطك العائلي ؟
ج: لا أخفي عليك أن للشهرة لذتها الكبيرة وسلبياتها القليلة، وحين تأتي الشهرة وصاحبها بعقل كبير وأدراك ملتزم واع للعمل وللمحيط العائلي فلا خطر منها، فالشهرة بصراحة دائما تهدم العائلة لمغرياتها العديدة، لأن الفنان يصبح ملك الناس والشارع ورغم الغيرة من حلو النساء ألا أن زوجتي ساندتني بقناعة لتكون أحيانا المصور لأرشيفي الفني.

س: من تعتقد هم جمهورك الأكثر والأحب والذين يحيطون بك في كل مهرجان.
ج: الأطفال وهم قريبون لقلبي جدا والشباب جميعا فهم يظهرون عواطفهم وإعجابهم وكأني واحد منهم وأحيانا أشاركهم الرقص والغناء وفي كثير من الأحيان يتم أختطافي عنوة لأغني معهم سواء بالعربية أو السويدية مما أثار انتباه شركة الكومفيك فعملت لي إعلان سوف يعرض بأعياد الكريسمس (أعياد الميلاد ورأس السنة) القادم أغني بالسويدية ويشاركني خمسة عشر شابا وشابة الغناء والرقص وسيكون مفاجأة.
س: هل من كلمة أخيرة ؟
ج: تحية لكل العرب والعراقيين الذين آزروني فأحببتهم بلا حدود، وتحية خاصة للشعب السويدي الحضاري الذي منحني الحب الكبير وتحية للمخرج الرائع يوسف فارس وصديقي كرستر والى شركة الكومفيك والى الصديق الرائع رجل الأعمال هاروت آرتين الذي وقف بجانبي دائما وتحية خاصة لزوجتي أحلام القاضي ولولدي ظفار وصديق العمر الفنان عصمان فارس الذي شاركني بدء العمل الإعلاني بالسويد والى كل من آزرني.