فضاءات

رومانيا.. الحريق الذي اسقط الحكومة / ترجمة واعداد: حازم كويي

لم يكن الحدث في العاصمة الرومانية بوخارست اكثر من حفل موسيقي في عطلة نهاية الاسبوع نهاية الشهر الماضي، لكن قدحة من النار اشعلت الحفل كله، حيث لقى فيها 30 شخصاً حتفهم، اضافة الى اكثر من 150 جريحاً.
الصدمة اصابت جميع انحاء رومانيا، خاصة بعد معرفة تفاصيل الحادث، فتحول الامر الى غضب عارم ضد النظام والذي ادى الى سقوطه.
ويبدو ان هناك اكثر من نار ادت الى سقوط حكومة رئيس الوزراء (فكتور بونتا)، حيث تجمع الآلاف من المواطنين المحتجين، وتحت هذا الضغط الشعبي قدمت الحكومة بعد ايام عدة استقالتها.
والسؤال المطروح (لماذا؟)
يوجد نوعان من الاخطاء التي اسهمت في الازمة، خطأ كامن وخطأ مكشوف. المكشوف؛ كان الخطأ البشري المرتبط مباشرة بالنتائج المترتبة على الحدث، في حين تنشأ اخطاء كامنة بسبب الظروف ونظام الحكم الذي يجعل ذلك ممكناً.
هذا الجزء من الحدث، الذي وقع في مبنى الحفلة الموسيقي المُدمر، انكشف سرُهُ، كون المبنى يفتقد الى المقومات الاساسية لضمان عدم وقوع الحريق (لم تكن توجد مخارج هروب للحالات الطارئة). وكان الامر مرتبط بالرشوة والفساد، الذي اقدم عليه مالك المبنى، حيث جرى اعتقاله، ووجهت له تهمة القتل.
الا ان الشعب الروماني تلمس وبغريزته، أن النظام السياسي كان السبب في هذا الخطأ المخفي، الذي يجب تغييره كي لا تتكرر مثل تلك التراجيديا مستقبلاً.
بعد ايام عدة من الحدث نشر اندريه سوسا، (مالك أحد أنشط النوادي الليلية في بوخارست) رسالة مفتوحة على صفحة الفيسبوك، أشار فيها، الى سهولة الحصول على ترخيص، مع بساطة عمليات التفتيش الرسمية للاندية من الناحية الصحية ومتطلبات السلامة التي يجب توافرها قانونيا.
انتشرت هذه الرسالة بسرعة كالنار، وارتفعت فيها صحوة الشعور الجماعي للناس بمعاقبة المسؤولين من اجل تغيير حقيقي ودائم وتحسين النظام.
في اليوم التالي خرج الرومانيون في بوخارست والمدن الكبيرة الاخرى الى الشوارع، مطالبين بوضع حدٍ للفساد وعلى جميع المستويات الحكومية.
وكان الاحتجاج كبيراً ضد ثقافة (التسامح السيئة) امام الرشوة التي ادت الى إرباكات مالية اصبحت مُعدية، وتوجهت اصابع الاتهام الى رئيس الوزراء ووزير الداخلية بعمليات غسيل الاموال والتهرب الضريبي، اضافة الى اساءة استخدام الاموال العامة، والتي سيتم على ضوئها تقديمهما الى المحاكمة.
هذه الشروط المؤجلة التي ادت الى الازمة لها مديات بعيدة، فالفساد منتشر على أعلى وأوطأ المستويات، وهناك مخاوف ان تفقد البلاد ذوي المؤهلات العالية والموظفين في القطاع الصحي (يهاجر الكثير منهم الى بلدان اوربا الغربية).
واصبحت نسبة الشيخوخة عالية يقابلها قلة الدعم المالي والصحي، يلاحظ فيها ايضاً ضعف الاداء الاقتصادي للدولة.
وهذه ليست المرة الاولى التي ينتفض فيها الشعب ضد الفساد، فالبعض منهم يتذكر انتفاضة عام 1989 او الحدث الاكثر طراوةً عام 2012 في الاحتجاجات ضد سياسة تقشف الحكومة السابقة التي مهدت الطريق لحكومة فكتور بونتا.
الحريق الذي حصل عبارة عن قطرة سقطت على برميل محمل بسنوات من الغضب المتصاعد ضد سياسة الحكومة، حذرت الشبيبة منها، التي تنادي وتناضل من اجل ديمقراطية قوية تضع حداً للفساد.
لقد ثبت ان التضامن المدني للرومانيين سيكون فعالاً جداً، رغم اهمية الانتباه الى التعامل مع نشوة الانتصار بحذر.