- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 30 تشرين2/نوفمبر -0001 00:00
ولد الرفيق الشهيد فرانسو ميّا ( أبو حسن) في ناحية مانكيش عام ١٩٥٢، ودرس الابتدائية في مدارسها ثم اكمل المتوسطة والثانوية في دهوك وتلكيف وبغداد، نتيجة تنقل عمل شقيقه الأكبر الذي كان يتحمّل مسؤولية العائلة. أكمل دراسته الجامعية في كلية الزراعة ـ قسم الري، وتخرج مهندساً زراعياً عام ١٩٧٥. وبعد إنهاء خدمته العسكرية عّين في محافظة البصرة، قبل أن يرسل العام ١٩٧٦ في بعثة دراسية الى الإتحاد السوفيتي، حيث أكمل دراسة الماجستير. وحال إنطلاق حركة الأنصار الشيوعية لمقارعة النظام الدكتاتوري، ترك مقاعد الدراسة وإلتحق بها عام ١٩٨٠، وخاض عشرات المعارك البطولية ضد قوات السلطة التي كانت تهاجم القرى الآمنة، وتصدى للمرتزقة والجحوش، وشارك في معارك بشت آشان الأولى والثانية، ونشط في إعادة خطوط التواصل بين كردستان والداخل، لكنه استشهد في عملية إغتيال غادرة نفذها مرتزقة النظام البائد من الجواسيس والجحوش وذلك في يوم ٦ تشرين أول عام ١٩٨٥حينما كمنوا له في (قرية دهي) بعد أن قدّم النظام الرشى مقابل قتله. وقد تم دفن الشهيد حينها في قرية (كاني بلاف) في منطقة برواري بالا في مقبرة الكنيسة، ثم نقل رفاته لاحقاً الى مدينته الأم ومسقط رأسه مانكيش، حيث ووري الثرى هناك.
في ذكرى إستشهاده الثلاثين، إلتقينا بشقيقته ماركو بولص (رجاء)، التي قضت هي الأخرى معظم حياتها في النضال دفاعاً عن مصالح الشعب العراقي متحملة (هي وعائلتها وأقرباؤها) شتى اشكال المعاناة والاضطهاد والسجون والتضحيات والتشرد والغربة، فوجدنا الجرح مازال نازفاً ومؤلماً لفقدان ذلك الشاب اليافع المفعم بالحيوية والعطاء والمتدفق حباً وطيبة:
ـ كان الشهيد ذا شخصية قوية، ويتمتع بذكاء كبير، وذو طباع هادئة، ويتحلى بالأدب والصبر، وهذا ليس تقييمي له كونه شقيقي الذي احبهُ وأعتز به، لكنه الواقع الذي يشهد به كل الذين عاشروه وعرفوه عن قرب. ولعل تعلق أخي الشهيد وأفراد عائلتنا بهذا الفكر نتج عن انغمار أخي الأكبر (أبو فريد) منذ ايام شبابه في النضال الوطني، وحمله الأفكار الماركسية والوطنية.. كان فرانسو شابا جميلا بأخلاقه وثقافته والتزامه وبمبدئيته.
وتكمل شقيقته "ماركو" حديثها بعيون دامعة:
ـ لم تكن حياتنا سهلة ، فقد رحلت والدتي (شموني ججو) عام ١٩٦٢ اثناء الولادة، وكنّا حينها صغارا، ونشأنا في ظروف غير سهلة، وزادت معاناتنا اكثر مع ارهاب الأنظمة الدكتاتورية ومرتزقتها، لكننا لم نيأس وبقينا متشبثين بالفكر الوطني رغم التضحيات. رحل والدي بعد اشهر قليلة من اغتيال (فرانسو)عام ١٩٨٦، وكنتُ قد تعرضتُ انا وأخي باسل وبنات أختي للإعتقال والتعذيب ثم الملاحقة ومحاولات الإغتيال حتى ونحن في صفوف الأنصار، انها معاناة حقيقية عاشتها عائلتنا، وبالتأكيد مرّت ايضا على عشرات العوائل المناضلة.
ثم تضيف:
ـ لقد كان موقفه من الأفكار الثورية التي حملها قضية حياة او موت، ولم يبخل بها في الساعات الصعبة، فقد كان في المقدمة شجاعاً، يروي عنه رفاقه الكثير من المواقف المشرفة، وقد بلور تعلقهُ بالأفكار الثورية عبر القراءة والمطالعة وسعة الأفق والروح الوثابة التي يتملكها الشباب. لقد تركت جريمة اغتياله غصّة في قلوب اسرته، وتعود تلك اللحظات والايام دوما وكأنها لا تريد مغادرتنا، فتوقظ في القلب سؤالاً مراً، لماذا كان علينا، وعلى آلاف العوائل الوطنية دفع هذا الثمن الغالي بأبنائها وبناتها، بالاعتقال والتعذيب وبالتهديد او التهجير، لماذا؟ وكيف كان سيكون حال العراق لو امتلكنا نظاما تعدديا حزبياً وأتبعنا اسلوب التبادل السلمي للسلطة واحتكمنا الى نظام الإنتخابات وحرية الأحزاب وحمل الأفكار؟ كيف كان سيكون وطننا؟ وهل كنّا سنقدم هذه القوافل من الشهداء التي كان يمكن لها أن تكون مشاريع محبة وبناء وإعمار وتقدم للوطن؟ إن البعث وأعوانه ومرتزقته وكل (الأغبياء) الذين ساروا خلفه، والدول الاستعمارية والإمبريالية والأحزاب العميلة للبعث وللأجنبي تتحمل وحدها الكوارث التي حلت بهذا الوطن إن كان بالأمس او ما نشهده اليوم.
اما ابنة شقيقته "النصيرة ندى كوركيس" فتقول:
ـ كنّا نقوم بعملنا الوطني في الداخل اثناء وجود الراحل (ابو حسن) في صفوف الانصار، وقد كان يُعد من الكوادر المتقدمة والمطلوبة (حياً أو ميتاً) من قبل السلطات، وكان لي الشرف أن اكون صلة الوصل بينه وبين قيادات الداخل عبر البريد الذي كنت انقله بالتنسيق معه وإيصاله الى بغداد، كان خبر اغتياله مؤلما لنا، فقد خسرنا رفيقا وصديقا وخالاً كنّا نحبه كثيراً.
وتضيف ابنة شقيقته الأخرى" تانيا كوركيس":
ـ نعم اني لم اكن كبيرة بالعمر يوم اغتاله الجبناء، لكني اتذكر تأثيره النفسي على العائلة، ففي تلك الأجواء اودعوني السجن وأنا في عمر (١٦) عاما ، وحكم عليّ بالاعدام نتيجة عملي السياسي، ثم خفف الى المؤبد، وبعدها افرج عني ضمن العفو العام ، وها انا اليوم على قيد الحياة بهامة مرفوعة أروي تلك الأحداث فيما الجبناء والقتلة المجرمون مختبئون في جحورهم القذرة . ويبقى السؤال المحيّر الذي آمل منه ايقاظ الضمائر وكشف الحقيقة يوما للناس: عن الكيفية والخطط والخبايا التي أدت الى الايقاع بالشهيد (أبو حسن) ومن ثم اغتياله بطريقة جبانة ، فهل كان الاندساس وراءها ، ام الجحوش او الخونة؟ ام أمر آخر؟ أتمنى ان تصحو تلك الضمائر يوما وتكشف المستور، وحتى لو لم تُعاقب على جرمها، لكن على الأقل ستطفئ النار المستعرة في صدورنا منذ (٣٠) عاماً.
الذكر الطيب للشهيد الغالي والنصير فرانسو ميّا (أبو حسن)
الراحة لوالديه الكرام، والمواساة لأفراد اسرته وعائلته الأعزاء
العار لقتلته المجرمين، ولمشاريعهم المدمرة لشعبنا ووطننا
النصر للقضية العادلة التي ناضل من اجلها الشهيد في ((وطن حــــر وشــــعب ســــعيد)) .