- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 09 شباط/فبراير 2016 19:55
برحيل الرفيق عزيز سباهي (أبو سعد) رحلت عنًا قامة شيوعية ووطنية شامخة، وصحفي وكاتب وباحث مرموق ومتنوع الإنتاج وغزيره. وكذلك فهو فنان مبدع حالت ظروف ذاتية وموضوعية دون بروز إبداعه، فهو إلى جانب كونه خطاطاً معترفاً ببراعته فهو رسام أيضاً.
ولكن هل رحل المناضل عزيز سباهي نهائياً، كما يرحل يومياً الكثيرون؟ كلا وألف كلا! لقد رحل أبو سعد بجسده ولكن أفكاره وإبداعاته باقية وستبقى إرثا خالداً. فقد ترك لنا تراثاً ثريا سيظل يتحدث عنه، ويذكرنا به، ويبقيه حياً دائم الحضور بيننا وتتحدث عنه الأجيال القادمة، متجسداً ذلك في خمسة عشر كتاباً بين مؤلف ومترجم، هذا إلى جانب العديد من الأعمال والدراسات. وقد غطى إنتاجه ميادين الفلسفة والتاريخ ومختلف فروع الاقتصاد والحياة الاجتماعية والإثنية. ولم تقتصر بحوثه على شؤون العراق بل شملت بلداناً عربية وأجنبية أيضاَ.
ومن أبرز مؤلفاته التاريخية كتابه الكبير"عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"، وبصدور هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة، التي تجاوزت (1500) صفحة من القطع الكبير، أصبح لدى القارئ، ولأول مرة، تاريخ مدونّ ومطبوع يغطي حوالي ستة عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي. وبذلك توفر مصدر مهم للثوريين ولجميع المناضلين من أجل غد أفضل، ولجميع الباحثين في تاريخ العراق المعاصر بشكل عام وتاريخ الحزب الشيوعي العراقي بشكل خاص. وكان لي شرف تقديم قراءة نقدية موسعة لكتابه المذكور، وقد صدرت القراءة في كتاب تحت عنوان "محطات مهمة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي".
إن حياة الرفيق عزيز سباهي النضالية، بوصفه كادراً شيوعياً، زاخرة بالنشاطات السياسية الوطنية في مختلف الظروف وأصعبها، فكان كاتباً نشطاً وبارزاً في صحافة الحزب الشيوعي العلنية والسرية وعضواً في هيئة ومجلس تحرير مجلة "الثقافة الجديدة" لسنوات طويلة. وشغل عضوية اللجنة الاقتصادية المركزية للحزب الشيوعي العراقي خلال السنوات 1974ـ 1978. وأصبح عضوا في قيادة تنظيم الخارج وفي لجنة العمل الأيديولوجي المركزية في السنوات الأخيرة من الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.
وقد تعرض الرفيق عزيز سباهي خلال نضاله من أجل حرية وطنه وسعادة شعبه إلى ثمانية عشر عاما من السجن والإبعاد، بما في ذلك سنوات عديدة قضاها في سجن نقرة السلمان الصحراوي وفي سجن بعقوبة الانفرادي، وتحمل صنوف التعسف والاضطهاد الذي تعرض له السجناء الشيوعيون العراقيون. واضطر للهجرة من العراق في عام 1978 أثناء تعرض الحزب الشيوعي العراقي للقمع الوحشي من قبل النظام الدكتاتوري المقبور. لقد استفاد سباهي من إقامته في السجون لتطوير إمكانياته، فطوّر لغته الإنكليزية وأغنى معارفه، حيثما أمكن ذلك.
لقد التقيت الفقيد عزيز سباهي لأول مرة في سجن بعقوبة الانفرادي في عام 1957 وقد قيدت رجليه بسلسلة حديدية، لأنه كان من ضمن المحكومين بالأحكام الثقيلة. وكان على وشك إنهاء محكوميته البالغة عشر سنوات ليتم إبعاده بعدها إلى ناحية بدرة لمدة ثلاث سنوات، لم يقضها حيث تحرر في إثر ثورة 14 تموز المجيدة. وتجددت لقاءاتنا في سبعينات القرن الماضي لاهتمامنا المشترك بالحركة الفلاحية والمسألة الزراعية وفي الثمانينات في لجنة العمل الأيديولوجي وكونفرنسات تنظيم الخارج للحزب في براغ. وقد زارني في أواخر القرن الماضي هنا في الدنمارك، عندما كان في مرحلة جمع المعلومات لكتابة تاريخ الحزب، واستمر التواصل بيننا بالرسائل والتلفونات والايميلات.
الرفيق عزيز سباهي مدرسة في الأخلاق والخصال الحميدة فهو جم التواضع، زاهد، متسامح ومرن، يتقبل الرأي المخالف وكذلك الانتقاد برحابة صدر، حسن الإصغاء، مثابر، مجتهد، قارئ نهم، ناكراً لذاته ومهذب الألفاظ. لقد كان إنساناً رائعاً، وهذا ما يبقيه، إضافة إلى أفكاره وإبداعاته، حياً في ذاكرتنا وضمائرنا.
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتوجه بأحر التعازي والمواساة لرفيقة دربه وشريكة حيات العزيزة ليلى الشيخ (أم سعد) وأبنائه الأعزاء سعد وسامرة وزياد، ونعزي الأصدقاء الأعزاء عبد الإله سباهي (أبو صبحي) شقيق الفقيد وكوثر (أم صبحي) وصبحي وجميع أهله ومحبيه وقرائه.
ونعزي أنفسنا والشعب العراقي لخسارة قلم مكرس للحرية والعدالة والمساواة والسلام، ليس للشعب العراقي بكل مكوناته فحسب، بل وللشعوب العربية والبشرية جمعاء.
الذكر الطيب للفقيد الغالي عزيز سباهي والصبر والسلوان لذويه ولجميع محبيه.
* الكلمة التي ألقيت في الحفل التأبيني الذي أقيم للفقيد عزيز سباهي في كوبنهاكن
يوم 7 شباط 2016