فضاءات

كلمة جاسم المطيرخلال حفل تكريم الفنان العراقي علي فوزي في المقهى الثقافي العراقي بلندن

أيها الأصدقاء الكرماء..
لا بد من القول، أولاً، انني واجهتُ صعوبةً في أن افصح عن رأيي و افكاري في مقابلةٍ أو حوارٍ او في كتابة بضعة سطور عن دهرٍ طويلٍ من ابداع وعطاء الفنان العراقي علي فوزي. كان الأمر قد تطلب مني الشيء الكثير لبناء رأي عن ثمار فنون هذا الرجل الحائز على كل ملكات الكائن (الفنان – النشيط) منذ نعومة اظفاره.
أقول ،بصراحة تامة، ان ما طلبه مني الصديق الكريم فيصل لعيبي بالمساهمة المتواضعة بحفل تكريم علي فوزي لم يكن طلباً عاديا، بل هو فن من فنون الاستجواب والحديث والنقاش ينبغي ان يكون ممراً الى تاريخ هذا الانسان وفنونه المتعددة واكتشاف ثماره الكثيرة في العطاء المسرحي والسينمائي والتلفزيوني. الحق اقول انني توليت امر كتابة هذه السطور بصعوبة بالغة فقد وجدت نفسي مدعوا لكي اشهد بالنية الصادقة والكتابة الدقيقة عن انسان كان وجوده ،كله ، مغامرة عمل وكينونة افعال، فهو فنان استحق التقييم من خلال مستوى احلامه واعماله.. إنه جوهر من جواهر الابجدية الفنية العراقية.
اول شيء اقوله، هنا، بهذه المناسبة، انكم ايها القائمون بالحفل ابتكرتم بجدارة تستحقون عليها كل ثناء طريقة منهجية مجزية وعملية لتكريم الفنان المتميز وهو ما زال على قيد الحياة يواجه مشقات العيش و مشقات النفس العميق على سرير غربته محاطاً بالأدوية .
طريقتكم المتميزة تعبرون فيها عن حبكم لشخصيته ولتاريخه النضالي ولعطائه الفني.. يراكم بعينيه تمجدون اعماله ومساهماته مع الطليعيين العراقيين منذ خمسينات القرن العشرين لبناء شكل من اشكال انماط الحياة الفنية ببلاد الرافدين لتكون كتلة متطورة متوازية مع روح العصر والتقدم والديمقراطية من اجل صيرورة الانسان العراقي المعاصر صيرورة انسانية حقة.
يسمعكم علي فوزي بأذنيه في هذه الساعة كأنه يسمع موسيقى طيور تصنع صيرورتها بنفسها ، كما صنع برتولد برخت وموزارت وبتهوفن وبابلو بيكاسو ويوسف العاني وناهدة الرماح موسيقاهم بأنفسهم.
كل كلمة تقال بهذه الساعة عن الفنان علي فوزي ستكون مفرحة لروحه ، بل مفهومة من قبله بأن كلمات من يتحدث عنه هي كلمات غير عادية. إنها كلمات خاصة، بصدقٍ خالصٍ، ذات مدلولٍ حقيقيٍ بأن شعب العراق توفرت فيه الطرق الكثيرة الجديدة لإنجاب من يعبّر عنه ويدافع عن قضيته بالمسرح والسينما والصحافة والفنون التشكيلية ،بالشعر والنثر، بالرسم والنحت والغناء والموسيقى ، مثلما في سوح الفداء والمظاهرات وكل اشكال التعبير عن الحرية ،التي كانت تلمع بوجه علي فوزي بالرغم من أن وجهه عانى من صور القهر والاضطهاد والغربة، لكن معاناته كانت من النوع المعمِّر الفائق الانتاجية، مما سيكون له صيرورة اللقاء مع اجيال الطليعة الفنية القادمة.
لم يكن علي فوزي فعلاً وحضوراً متميزين فحسب، بل كان مقاوما باسلا كادحا مع النخبة التقدمية العراقية في زمان البؤس والقهر والعسف، قاوم بقوة الفن وبفعله، تراثاً وتجديداً، بالحركة على خشبة المسرح أو بالصبر امام الكاميرا. كانت حياته، كلها، منذ شوارع البصرة حتى المقهى الثقافي في لندن، تكويناً ثقافياً متواصلاً وتجسيداً معبراً ووجوداً مبدعاً وصيرورة خلاقة.
احسنتم يا مجموعة المثقفين العراقيين في لندن فقد عبرتم بأحسن التعبير عن روح وجسد علي فوزي ووفرتم باحتفالكم اسباب نمو روحه.. وفرتم له ظاهرة الرقي بجوهر فنونه من خلال منهجكم الافضل والاحسن بتكريم فنان عراقي لم يكن عطاؤه مزاجا او رغبة، إنما كان نضالا اصيلا اراد به استخلاص حقيقة مبادراته الشهمة الجريئة في معسكر المناضلين من اجل السلم والمحبة والحرية والديمقراطية بوسائل فنية مؤثرة.
كان علي فوزي قصة حياة ارادة حرة طليقة..
جعل الماضي في واقع الحاضر وسيجعل الحاضر سبيلا برؤية المستقبل..
كان علي فوزي نسيماً من نسائم الحرية داخل الوطن، وكان نسيما خارجيا متجها نحو الوطن من غربته .
لا بد ان تتحقق احلام حلم بها.. لا بد..
ختاما احييكم ايها الحفل الكريم.. شكرا لكم لإتاحة الفرصة الثمينة أمامي بنعمة الحرية و المشاركة معكم بسعادة الاحتفاء والتكريم بطاقة ابداع روح وجسد الفنان علي فوزي ..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القتها نيابة عنه الناشطة المدنية فوزية العلوجي فوزي يوم 28 – 8 – 2016