فضاءات

كفاح عبد الحمزة العطية : رحيل مبكر عن الشعر والشعراء / كاظم السيد علي

الديوانية.. ام الشعر والشعراء.. هذه المدينة الفراتية الاثيرة،اعطتنا واعطت الساحة الشعرية الكثير من ابنائها الذين تألقوا في سماء القصيدة الشعبية قدموا كثير من انتاجهم الثر، في المشهد الشعري في ابداعاتهم الغنية والجميلة في القصيدة او الموال والاغنية والابوذية والدارمي وفي سائر الاغراض الشعرية المتداولة في حياتنا اليومية.
في 8 ايلول 2002 خبا نجم ساطع من نجوم الادب اذ رحل علم من اعلام الشعر الشعبي ذلك هو الشاعر والانسان والمهندس كفاح عبد الحمزة العطية، فهو غني عن التعريف تخرج (العطية) من الهندسة ليصبح (مهندسا) حلم طالما كان يراوده، واخذته الوظيفة مهندسا في بلديات تكريت والديوانية والسماوة وبغداد، حتى ترك الوظيفة ليعمل في مجال المقاولات، لكنها لم تأخذه من الشعر الذي عشقه ونظمه وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره كتبه في جميع الوانه في القصيدة والابوذية والدارمي:
كش بره ما تسواش گطف الجگاره
يدور اعيوب الناس وعيوبه كاره
يقول عنه صديقه الشاعر والصحفي عادل العرداوي: "عرفته منذ ما يقارب 30 عاما مضت، كفاح ابن الفرات الاوسط، وربيب الدغارة، وسليل الديوانية العريقة، شب وترعرع هناك في مضارب أعمامه وأخواله (آل عطية) اصحاب الصيت العالي في المواقف الوطنية منها ثورة العشرين حيث كانوا بيرقا عاليا فيها فكفاح كان متألقا متفاعلا في حركة الادب الشعبي، وفي مدينته الديوانية، وكان له صوت بارز في الشعر الفصيح، وكان فاعلا متفاعلاً بين ادباء مدينته، في ندواتهم ونشاطاتهم بل حريص حينما يكون في بغداد على حضور فعاليات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في الاندلس".
هكذا كان كفاح.. الشاعر بقصائده يترقرق بشعره سلساً عذبا،فهو شلال من المحبة، طرق ابواب الشعر بكل فنونه فاحسن واجاد فيه، وهذا ليس من فراغ بل نهل من منهل عائلته المعروفة بشاعريتها المتمثلة بوالده وجده، فكانا شاعرين معروفين وفضلا عن ابن عمته الشاعر الشعبي الكبير السيد حميد القزويني، وخاصة في شعر غزل البنات الدارمي الذي كان يتداوله اوسع الشرائح في تلك الحقبة في مدينة (الحسجة) الديوانية:
ريشه ولگفني السيل بيا جالي ارسي
لبست سواد الناس كله اويه عرسي
فهنا نشاهده بإحساسه المرهف وتجاوبه المخلص مع الناس، وهذا ان دل على شيء وانما يدل على حبه الكبير لهم وتعاطفه معهم وهو يعبر عن الكثير من الحالات الاجتماعية والغرامية المعاشه يوميا في البيئة العراقية ومشاركته همومهم في الصد والهجر والوفاء والخيانة ونكران الجميل.
يمك عجيبه أشلون دفعتني الاقدار
سوت حچي الماصار يم عتبة الدار
وكتب كذلك متألما على تلك الايام الزاهية التي قضاها مع الاهل والخلان والاحبة من ابناء جيله معاتبا روحه الولهانة لها بعد العز والمجد اللذين كانا مرتبطان معا:
مغيمه وترعدين يا روحي بالصيف؟
مجد امس ما ينعاد مر مرت الطيف
جعل له حضورا دائما ومتفاعلا في المشهد الشعري الشعبي العراقي وخاصة بين زملائه ومعاصريه، فكان يساجل ويناظر في كل انتاجاته الشعرية وخاصة في الدارمي الذي اشتهرت به مدينته، والذي نحن بصدده والذي كتبه بلا حدود فهنا نتابع عندما كتب اليه صديقه الشاعر الرحل عباس عرد الخزاعي شاكيا له حالته قبل رحيل الحبيب قائلا:
بت بعد بالدلال بت لاچن انحيل
انگطع يوم الگال بس باچر انشيل
فجاء رد الشاعر العطية بالحال مجسدا لمأساته ولمرارته التي لاعلاج لها قائلا:
بت بعد بالدلال شبه السبيبه
امعالج انه وياه وابعد طبيبه
فشاعرنا كفاح تفرد عن جيله من الشعراء وذلك لعمق وعيه الثقافي الشعري فجاء مواكبا التقدم الحاصل في القصيدة الشعبية الحديثة على يد من سبقوه في مدينته كالأخوة السماوي وعلي الشباني ولطيف حسين وغيرهم من المبدعين في هذا المضمار الرحب، وهنا نراه في قصيدته الموسومة (الغضب) الذي كتب عليها "مهداة لي ولها وللآخرين " اذ انشد فيها قائلا:
غضب يتساقط ابأذني
وغضب ياخذني ويردني
يهدهدني الهوه.. يسمر يهدهدني
يكلي ادني
ينازع وجهك بگلبي..
الهوه من تبتعد يدني
يمن حبك سرج مهره
اعلى گيضك ينتظر خيال
ما نكفر.. نكلك چلمة التنگال
نكلك حد يصير ونگطع الآمال؟
يجتفني الشبچ للماي
وأكفر من اشوفك ماي
اگلك لو عزه الغربي..
يدك حيدار.. اگلك جاي
اگلك مرمرتني اهواي
من هذا عرف الراحل كفاح الشاعر بنشاطه الشعري الدائب وكثرة كتاباته الشعرية في القصيدة والدارمي والموال ناهيك عن اسهاماته في ميدان بحر الابوذية ولكنه فما كانت حالة اجتماعية او غرامية تمر من دون ان يكتب عنها بعفة روحه وطيبة ذاته وبقلب طيب مسامح وبعتاب شفاف لايعرف فيه شيئاً غير الحب،كما في هذا البيت التي جاءت به قريحته بمفردة مألوفة يستقبلها المتلقي بدون شرح المعاني.. انها مفردة الجميع:
عتابك يا حلو اعله الراس والعين
لان تدري بهواكم دوم ولعين
حبيبي عوف النقلك شين والعين
دكتله بجيتك كل يوم اليه
ان الصورة الشعرية التي ينقلها الشاعر كفاح العطية في كل انتاجاته الشعرية هذه مأخوذة ن الواقع المزري الذي يطوقه
ويحتويه، في زمن النظام الاستبدادي ففرض شمولية وأدت الى تخريب الوعي بأساليب العنف والتغريب اعني بها الحروب واسكات الرأي والرأي الاخر.
ومارس ارهابا لاهوادة فيه ضد كل طبقات المجتمع واطيافه السياسية في البلاد، القصائد الصادقة هي كالروح تنبض بالحياة وتتحسس بالخطر المحدق بها فنراها تختفي من سلطة الرقابة والمنع لانها تخشى المصادرة والتصفية،هذا ما لوحظ عند الشاعر كفاح فعندما التقيت بالكاتب ثامر الحاج امين حدثني عن الشاعر كفاح قائلا:" عندما عقد العزم ادباء وشعراء الديوانية على جعل اربعينية الشاعر حسن الشيخ كاظم (1929 – 1996) تأبيا شعريا،اخذت المساهمات تردنا لتنظيم المنهاج وكانت من بين تلك المساهمات قصيدة (سيف اجاويد) للشاعر كفاح عبد الحمزة العطية، توقفت عندها كثيرا لما تحمله من نقد قد يغيض السلطة آنذاك وبالتالي يحدث ما لا يحمد عقباه، وحين كاشفت الصديق كفاح بتحفظي على تلك القصيدة وجدته هو الاخر قلقا منها وايدني بسرعة على استبدالها بقصيدة اخرى لكن الاولى ظلت اسيرة لدي وحان وقت نشرها وفاء لكفاح صديقا وشاعرا واليك نص القصيدة (سيف اجاويد):
يعمي اصحه العشاير شالت ابعيد
وسيوف الزلم صارت جراريد
الفرات الچانت تهابه الطراريد
ابشرك.. گيش وتعبره المگاريد
وانت بهل العمر!! وتريد شتريد؟
يمعود!! دعوف الغيد للغيد
وخل لهل الفلوس الطرب والعيد
مرسوم اعله گلبك سيف اجاويد
مو كافي السفر ما بيك تشريد
غريب بموطنك ومجتف الايد
من يسوه!! التعب ومخاطر البيد
ومن يسوه !!
تهمل عينك عليه.. او تلوي الجيد
اصل خس وسماده شلون تسميد
هكذا كان كفاح العطية..الشاعر والانسان والعاشق للحياة وللناس ابن (الحسجة) الذي نتذكره بألم وحسرة على رحيله المفاجئ والمبكر عن الشعر والشعراء.