فضاءات

فاضل محمود وداعا / غانم حمدون

التقيت به أول مرة اواسط التسعينات في فندق تملكه عائلة الباقر في لندن لتسليم مبلغ لسيدة كانت على أهبة السفر الى بغداد. جلس مدير الفندق فاضل محمود معنا. ولا أدري لماذا كان يسمى فاضل محمود الكردي؟ مع أنه ليس كردياً ولعله كردي الأصل. والذي عرفته أنه من كربلاء. التقيت به ثانية مع طيب الذكر الشهم الأستاذ الدكتور عباس النصراوي بعد مراسلات ومكالمات عديدة فاذا به صديق حميم لفاضل منذ صباهما، اذ كان والداهما متجاورين في علوة لبيع الحبوب. ومنه أيضاً سمعت بخبر الرحيل الوشيك للعزيز عباس، لأن مرض الباركنسون قد إستفحل عليه فانقطع لأشهر عن الرد على الرسائل والايميلات والتلفونات. قررنا ان نرسل له رسالة قلبية وقعها اكثر من عشرة اقتصاديين مع فاضل. وبالصدفة اتصل بي الرفيق ابو داود فاخبرته بمشروعنا فطلب اضافة اسمه الى القائمة التي ارسلناها لتتلى عليه. وبقي فاضل يتابع اوضاع عائلة النصراوي.
استمرت علاقتي بفاضل، علمت انه كان عضواً في الحزب واختلف مع قيادة الحزب في البصرة في مواجهة مدير الميناء الذي تغيرت مواقفه من نشاط نقابة عمال الميناء جرياً مع تحول الزعيم عن التعاون مع الحزب واليسار. لكن فاضل ظل صديقاً متبرعاً للحزب ومؤيداً له. وهو من الاصدقاء العشرة الذين خولوني بالتوقيع باسمائهم في حملات التضامن مع مواقف الحزب.
تكاثرت امراض الشيخوخة علينا وكان الحصول على موعد مع الطبيب يستغرق، في منطقته حيث يقيم في مركز لندن، 15 يوماً بينما في منطقة سكني كنت احصل على موعد مع الطبيب خلال يومين اوثلاثة، فرجوته أن يلح بطلب موعد عاجل بالمبالغة بآلامه كي يحصل على موعد اقرب فأجابني أنه لا يطيق الكذب. وهذه الخصلة لازمته طيلة حياته وساعدت على انتشاله من براثن البعث بعد انقلابهم الاول العام 1963 لأن صاحب الشركة التي كان فاضل يعمل محاسباً فيها توسط للافراج عنه اعجاباً بعمله الجاد وصدقه.
هاجر فاضل الى لندن اواسط الستينات وحكى كيف ان الصدق قد أفاده في التعامل مع السلطات البريطانية. وبقي مديراً لفندق آل الباقر سنوات عديدة لحين بيعه فحصل على التقاعد.
كررت الطلب من بعض الاطباء الاصدقاء للاتصال به لتقديم النصح والمشورة حول وضعه الصحي ورافقت أحدهم لزيارته واتصل به رفاق اطباء عدة مرات، اجمعوا أن نمط حياته والوحدة والعزلة التي يعيشها لا تساعد على المحافظة على صحة مناسبة.
لديه ابن اخت مسؤول عنه رسمياً، يتصل به مرة في الاسبوع حسب الاتفاق بينهما او ينقله الى الطبيب والمواعيد الصحية الاخرى. ذات مرة أغمي عليه لمدة يومين ولم يشعر أحد بذلك ومن العجيب أن هذا الاغماء الطويل لم يقضِ عليه. اتفقنا منذ سنتين ان نتهاتف مرة واحدة اسبوعياً على الأقل ليطمئن احدنا على الآخر. ومنذ اسابيع اخذت اتصل به عدة مرات يومياً بسبب قلقي عليه لان جهاز التسجيل يرد بأنه غير موجود ولا يمكن الاتصال به. واخيراً كلفت الرفيق مناف الاعسم، بالاستفسار عن وضعه من الجيران او من بائع الفواكه والخضر امام منزله الذي رد على استفساره بالقول: تسأل عن فاضل العراقي؟ مات قبل 3 اشهر.
لفاضل الفاضل اطيب الذكر وتعازيّ لكل من يحبه.