فضاءات

قداس برعاية أبوين من أبرشية السريان الكاثوليك في الموصل ببودابست / د. علي الخالدي

تسعى الحكومة المجرية وشعبها الى تقديم ما تستطيعه من دعم مادي ولوجستي للمهجرين قسريا في العراق ، وتأكيدا على موقفهم هذا دعت كنائس الشعب المجري وحكومته ، وفدا من مسيحي العراق في شهر حزيران للتداول في امكانية المساعدة والمساهمة في ترميم البيوت والكنائس ، التي دمرتها داعش ، بغية إعادة الحياة بالعودة اليها، وإقامة مناسكهم الدينية ، التي حرموا من ممارستها بعد أحتلال داعش لمدنهم وقراهم ، وفرض عليهم إختيار إعتناق اﻹسلام أو دفع الجزية ، وإﻻ حد السيف ينتظر رقابهم من باب إسلم تسلم ، فإختار الكثير الهحرة القسرية عن أرض اﻷجداد ، وفي أثناء تدنيس أراضيهم قامت داعش بسبي الكثير من نساء معتنقي الديانة غير اﻹسلامية من مسيحيين وايزيديين ليُباعوا في سوق النخاسة ، وليقتل بحد السيف الكثير من رجالهم . لقد فضل إيزيديو العراق ومسيحيوه الموت على التخلي عن معتقداتهم الدينية ، ومجابهة المصاعب والويلات والظروف القاسية في مخيمات اللاجئين التي تفتقر لأبسط شروط العيش اﻹنساني ، على ما عرض عليهم من حياة في ظل حكم داعش . و مع من سبقهم في الهجرة من الوسط والجنوب ، بسبب اﻹضطهاد والعنف الذي مورس بحقهم من قبل القاعدة وأخواتها ، وما تعرضت له كنائسهم ومراكزهم الدينية من تدمير، كالهجوم على كنيسة سيدة النجاة في بغداد ، وقتل المئات من المصلين فيها، وهم يدعون الرب أن يستجيب لدعائهم بحفظ العراق من كل مكروه . تكدس اﻵﻻف في كنائس كردستان، بينما بسبب اﻹضطهاد والملاحقات الفردية التي كان يقوم بها بعض المتشددين إسلاميا، في وسط وجنوب العراق أضطر الكثير منهم للهجرة إلى أماكم آمنة في داخل وخارج العراق ، خوفا من أن تمتد أيدي اﻹرهاب اليهم . هذا ما تطرق له اﻷبوان الذين ْأُسْتُغل وجودهم في المجر للحديث عن معاناة المهجرين قسريا في العراق ، وخاصة بعد إجتياح داعش واخواتها للموصل وسهل نينوى، فافترشوا اﻷرض والتحفوا بالسماء ، تاركين بيوتهم وممتلكاتهم وحتى وثائقهم الشخصية ومدخراتهم تعبث بها أيادي من يدعي نشر اﻹسلام بحد السيف ، والمحظوظين منهم تزاحموا في مخيمات وكنائس كردستان ، وحتى في مدارس أربيل ودهوك ، وأغلب أماكن اللجوء تفتقر لأبسط شروط الحياة اليومية . لقد أقرن اﻷبوان حديثهم عن ذلك بصور و سلايدات كشفت عن معاناة النازحين ، وعن مدى الدمار الذي لحق بمراكزهم الدينية وكنائسهم ومكتباتهم ، وبكل ما تعلق بالميراث المسيحي المتواجد قبل آﻻف السنين في المدن والقصبات التي أحتلتها داعش ، وما تلى ذلك من حرق بيوتهم ، بدافع إعاقة العودة اليها والسكن فيها . وقد تأكد أن وراء ذلك، تكمن نية تغيير ديمغرافي لتلك المناطق ، مما وضع الكثير منهم في حالة يأس إضطرهم ﻹختيار أماكن بعيدة خارج أرض أجدادهم ، فتشتت العوائل عن بعضها البعض في دول العالم التي إعتبرتها كما تصورت آمنة ، كل ذلك كان محور حديث اﻷبوين المطول والذي شد الذين غصت بهم قاعة كنيسة اليسوعيين في شارع ماريا وسط العاصمة بودابست ، وأنتهى حديثهم بعرض فلم عن ما حدث من دمار لبغديدا ، تحدث فيه المطران يوحنا.
لقد أقيم القداس للصلاة وطلب اﻹستجابة من الرب بأن يمنح المسيحيين القوة والصبر على تحمل المعاناة التي إكتنفت حياتهم اليومية نتيجة الظروف غير اﻹنسانية التي واجهتهم وتواجههم صيفا وشتاءا . ومما جاء في حديت اﻷبوين من أبرشية السريان الكاثوليك في الموصل عن دور المسيحيين في نشر الثقافة والعلم بين صفوف العرب ، وذلك بترجمة ما وقعت عليه أيديهم من كتب يونانية تختص في هذه العلوم الى اللغة العربية ، لتضاف إلى كنوزهم الثقافية الحضارية التي ورثوها عن أور وبابل و نينوى ، وهم بهذا يشعرون بإﻹفتخار لتواصل إلتزاماتهم اﻹنسانية والوطنية تجاه المكونات التي تعايشوا وإياهم على المحبة والغفران.
وإستجابة لطلب أحد المؤمنين برغبة حاضري القداس سماع شيئ من تراتيل دينية باللغة اﻵرامية ، وخصوصا أنهم لم يتعرفوا على ألحانها . قاما اﻷبوان بأنشاد عدة تراتيل ، وجدت التماهي لحنيا مع تراتيل كنائس مجرية فإنغمسوا بها دندنة ، مما أعطى نوعا من البهجة والتعاطف اﻷخوي بين الحاضرين ، لكن آثار ما شاهدوه بقيت متمسكة بذاكرتهم ، فالبعض منهم غالبه البكاء على مشاهد الذبح الذي كان يقوم بها رجال داعش وهم يتصايحون بعبارة الله وأكبر التي أضحت ملازمة لكل عملية إرهابية يقوم بها متشدد إسلامي في أوروبا مما نشر اﻹسلام فوبيا في تلك الدول ، ومع ذلك ﻻ تجرأ المرجعيات الدينية اﻹسلامية على تكفيرهم ، واﻹكتفاء بالقول أن أعمالهم ﻻ علاقة لها باﻹسلام.
في أجواء التعاطف اﻷخوي والمحبة التي سادت أجواء قاعة الكنيسة ، واصلت فرقة الكنيسة اليسوعية ، إنشاد تراتيل باللغة المجرية . في نهاية القداس أعتبر ما جمع من تبرعات لصالح المهجرين ، وﻹعادة بناء وترميم كنائسهم وبيوتهم . هذا وقد يواصل اﻷبوان إقامة قداديس في المدن المجرية لتي سيزورانها لنفس الغرض ، والتي ستنتهي هذا اﻷسبوع.
ﻻ يفوتنا هنا أن نذكر أنه في نفس المساء اقامت السفارة العراقية في بودابست ، وفي أرقى الفنادق ، تواصلا مع تقليدها السنوي حفل إفطار، للجالية العراقية ، كانت كلفته، أحق به المهجرون العراقيون قبل غيرهم لتخفيف معاناتهم وبؤسهم.
ومما يجدر ذكره أن هكذا فعاليات تضامنية مع المهجرين قسريا في العراق تقام بين فترة وأخرى في الكنائس المجرية يرسل ما يجمع من مال كمساعدة للاجيئين العراقيين ، هذا وفاتنا ذكر أن الوفد المسيحي كان برئاسة غبطة البطريرك على الكلدان في العالم لويس روفائيل ساكو ، تلبية لدعوة من الكنيسة الكاثوليكية في المجر والحكومة المجرية ، عرض بها ما يعانيه المهجرون على شخصيات دينية رفيعة وحكومية ، منها رئيس وزراء الحكومة المجرية فكتور أوربان ، الذي شدد في لقائه على تقديم كل ما من شأنه تخفيف معاناة المسيحيين في العراق .