وثائق وبيانات

بيان الحزب الشيوعي العراقي: مجداً لثورة 14 تموز الوطنية في ذكراها السادسة والخمسين

 

تحل علينا هذه الايام ذكرى ثورة الجيش والشعب المجيدة في الرابع عشر من تموز 1958، وبلادنا تمر بمنعطف خطير وتعيش ظروفاً صعبة ومعقدة، بعد أن تمكنت عصابات داعش الارهابية بدعم ومساندة حلفائها المحليين والخارجيين من احتلال مناطق واسعة في المحافظات الغربية - الشمالية، مستغلة ظروفاً وتوقيتات خاصة تراكمت فيها الاخطاء والاحباطات والتناحرات، اضافة الى حالة الفراغ الدستوري بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة.
ففي العاشر من حزيران الماضي جرى الانقضاض على الموصل و احتلالها، والانطلاق منها الى مناطق واسعة في كركوك وصلاح الدين وديالى، وسبق ذلك في الانبار. ودخل اليوم المذكور باعتباره يوماً فارقاً ومشهودا في المسار السياسي لبلادنا، لابد ان يترك تأثيراته وتداعياته الكبيرة على حاضر البلاد ومستقبلها. وجراء ذلك تشهد بلادنا تطورات واحداثا جساما، تضعها ومصيرها في مفترق طرق وتدفع بها نحو المجهول، وتعرضها الى المزيد من التهديدات والمنزلقات الخطيرة.
ولن نضيف هنا جديدا عندما نقول ان نهج المحاصصة الطائفية - الاثنية، والصراع على الثروة والنفوذ، والاستهانة بالتحذيرات المخلصة و المتواصلة من خطورة الاوضاع في البلاد وما ستؤول اليه السياسات الحكومية، والتوتر الدائم بين الاطراف الحاكمة، الى جانب استمرار التآمر الداخلي والخارجي لاجهاض احلام شعبنا وتطلعاته المشروعة الى اقامة نظام مدني ديمقراطي اتحادي، ان ذلك كله قاد الى ما نحن فيه من استعصاءات وازمات عميقة، ووفر اجواءً ملائمة للمتربصين من اعداء العملية السياسية بأفقها الديمقراطي للتحرك والنشاط، وشجعهم على تنفيذ مخططاتهم ومآربهم الشريرة.
واستثمر التحالف الارهابي الواسع الذي شكلت داعش رأس الحربة فيه الى جانب بقايا البعث الصدامي، هزال الاداء الحكومي بما فيه الاداء العسكري، والبناء الهش للقوات المسلحة الذي لم يكن بمستوى الحصانة، لمواجهة الاندفاعة السوداء من قبل المتطرفين والارهابيين محترفي الجريمة المنظمة.
واليوم، في ذكرى ثورة الرابع عشر من تموز، حريٌ بمن يريد مواجهة العصابات الارهابية وحلفائها وذيولها، وانقاذ الوطن من شرورهم وما يبيتون لشعبنا من مخططات سوداء، أن يستعيد دروس تلك الثورة الظافرة ودلالاتها ومنجزاتها الكبرى، سواءً كانت دروس الانتصار والصعود والبناء، ام دروس الانحسار والانكسار والانتكاس على أيدي انقلابيي 8 شباط الاسود 1963، أسلاف حلفاء داعش و مناصريها الجدد.
وتتصدر تلك الدروس التجربة الثرة التي أكدت ان الانتصارات الكبرى للشعوب تتحقق عبر استنهاض الجماهير الشعبية العريضة، في ظل قيادات وطنية ديمقراطية حقيقية مخلصة، وبرنامج سياسي- اقتصادي-اجتماعي واضح، يستهدف خدمة اوسع الفئات الشعبية وإنصاف الفقراء والكادحين وعموم ذوي الدخل المحدود. وان الانكسارات والهزائم هي توأم تناحر واحتراب القوى ذات الاهداف الوطنية المشتركة، ورديف الاستهانة بدور الجماهير الشعبية، وشيوع الفساد والتحلل في أجهزة الدولة، والاستئثار والتفرد وتكريس الاساليب الدكتاتورية في الحكم.
ان على من يريد الانتصار للعراق وشعبه، ان يتذكر الحركة الجماهيرية الواسعة التي اطلقتها ثورة 14 تموز وانخرط فيها الملايين من ابناء الشعب، وكيف تجسدت في اتحادات ومنظمات النساء والطلاب والشباب، وغيرها من الأطر المهنية والنقابية لفئات وشرائح المجتمع المختلفة.
وفي ذكرى ثورة تموز المجيدة لا يمكن الاّ ان نستذكر إنصاف الثورة للسجناء والمعتقلين والمبعدين السياسيين، وقراراتها الجريئة بالخروج من حلف بغداد، والغاء المعاهدات الجائرة المخلة بالاستقلال الوطني، وتصفية القواعد العسكرية البريطانية، وتحرير سياسة العراق الخارجية من القيود والاملاءات الأجنبية وبناءها مع مختلف البلدان على اساس مستقل متكافيء، وتحرير الاقتصاد والعملة العراقية من الكتلة الاسترلينية.
لقد جسدت الثورة اهدافها الاقتصادية والاجتماعية الجذرية باصدار قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958، وقانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وبالغاء قانون دعاوى العشائر. وفي وقت لاحق جاء انجازها الهام الآخر، المتمثل في تشريع قانون النفط رقم 80 لسنة 1961.
ودشنت الثورة منذ ايامها الاولى عملية واسعة للاعمار والبناء، واطلقت حزمة هامة من المشاريع الصناعية والزراعية والتجارية والعمرانية والثقافية، رغم ضآلة الموارد والامكانات المادية والبشرية آنذاك، وشدة وشراسة التآمر المشبوه الذي تعرضت له منذ اسابيعها الاولى .
اننا اليوم، في مناسبة الذكرى العطرة لثورة 14 تموز، نهيب بجماهير شعبنا لمناصرة ودعم القوات المسلحة الباسلة في تصديها للارهاب، باعتباره الخطر الاكبر والعدو الرئيسي للجميع. مثلما ندعو الجميع الى مواصلة الضغط وتصعيده، بكل اشكاله وابعاده السياسية والجماهيرية والدستورية، على المتنفذين لاجبارهم على الرضوخ لارادة الشعب، والكف عن المساومات الرخيصة على حساب دماء العراقيين، والعمل على تقويم المسيرة السياسية في البلاد من خلال تجاوز نهج المحاصصة الطائفية والقومية، والتوجه نحو إقامة حكومة وحدة وطنية، واجراء التغييرات الجذرية المطلوبة في السياسات المرسومة وفي طريقة الاداء وادارة شؤون البلاد، واعادة هيكلة القوات المسلحة، والسير بالبلاد صوب الديمقراطية الحقيقية.
وبالمثل يتوجب علينا جميعا العمل على فضح تجار الحروب، وسعيهم للعبث بالاقتصاد الوطني والتلاعب بقوت الشعب.
ستبقى ثورة 14 تموز 1958 خالدة في ذاكرة الشعب.
مجداً لها وللشهداء الأبرار الذين سقطوا دفاعاً عنها.

اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي العراقي
أواسط تموز 2014