وثائق وبيانات

بلاغ صادر عن الاجتماع الدوري للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في 17 نيسان 2015


ضرورة اعتماد استراتيجية متكاملة ومنهج جديد في التفكير
عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، يوم الجمعة 17 نيسان 2015 في بغداد، اجتماعها الاعتيادي الدوري.
افتُتح الاجتماع بالوقوف دقيقة صمت تكريماً لشهداء شعبنا الذين فقدناهم في معارك النضال والتصدي للارهاب وداعش، ولضحايا العنف والاعمال الاجرامية، وللراحلين عنا في الفترة الماضية من رفاق الحزب واصدقائه، ومنهم الرفيق الغالي دلمان ئاميدي الذي عمل سنوات طويلة عضواً في قيادة الحزب وقيادة الحزب الشيوعي الكردستاني، والفنان الكبير المبدع خليل شوقي الذي نوه المجتمعون بعطائه الثر لخير الانسان العراقي والوطن العزيز.
ناقش الاجتماع باستفاضة التقارير الانجازية التقويمية المقدمة اليه بشأن العمل القيادي للحزب وأداء المكتب السياسي واللجنة المركزية، وعمل لجان الاختصاص المركزية ولجنة الرقابة المركزية ومنظمات الحزب. كما توقف عند التقرير المالي مؤكدا ضرورة بذل الجهود لدعم مالية الحزب وتنظيم مختلف الانشطة والفعاليات والمبادرات لهذا الغرض، بما يمكن الحزب من النهوض بدوره المنشود والمرتجى.
وعبر الاجتماع عن تقديره وتثمينه للنجاحات المتحققة في كافة مجالات عمل منظمات الحزب داخل الوطن وخارجه، واتخذ العديد من القرارات والتوصيات لتحسين الاداء والارتقاء به ومعالجة الثغرات والنواقص، بما يضمن بناء منظمات متماسكة قوية ورصينة، لصيقة بالجماهير وهمومها، ومؤهلة للدفاع عن قضايا الكادحين وشغيلة اليد والفكر والفقراء والمحرومين، وعن مصالح الشعب والوطن العليا.
وتوقف الاجتماع عند الاحتفالات والفعاليات الواسعة التي اقيمت في مناسبة الذكرى الـ 81 لتأسيس الحزب، وعبر عن شكره وتقديره لكل من ساهموا فيها، داعياً الى مواصلة زخم الفعاليات لتحقيق نجاحات اكبر، ولتوسيع قاعدة الحزب وشبكة اتصالاته وعلاقاته وادامتها، خاصة في صفوف النساء والشباب والطلبة.
ودرس اعضاء اللجنة المركزية بتمعن مشروع اللائحة الداخلية الانتخابية للجان الحزب المحلية واللجان والخلايا المرتبطة بها. وبعد مناقشة مستفيضة للمشروع، اتخذوا القرار في شأنه بما ينسجم مع روح النظام الداخلي للحزب ووجهة تعزيز الديمقراطية الداخلية، سيرا على نهج الديمقراطية والتجديد. كما دعوا الى التهيئة المبكرة لاجراء انتخابات سَلسة، تسهم في تنشيط العمل الحزبي على مختلف الصعد ودفعه الى امام.
ودرس الاجتماع باستفاضة وحرص ومسؤولية التطورات السياسية في بلدنا منذ الاجتماع السابق للجنة المركزية (تشرين الثاني 2014)، وتوصل الى أن بلادنا تشهد تطورات وأحداثا كبيرة تضعها أمام تحديات جسيمة، يتوقف تحديد معالم عراق المستقبل الى حد بعيد على طريقة مواجهتها وتوفير متطلبات النجاح في تخطيها. ويتواصل في الوقت نفسه الصراع على الاتجاهات اللاحقة في بناء الدولة وادارة شؤونها، وعلى منهج الحكم ونمط التفكير المطلوبين.
وفيما زادت التطورات الاخيرة الوضع في بلادنا تعقيدا وتشابكا وصعوبة ، ورسمت له معالم فرادة ناجمة عن تداخل العديد من العوامل الداخلية والأقليمية والدولية، كشف الانكسار في الموصل وتمدد داعش، بصورة جليّة، رخاوة بناء مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، وفشل السياسات التي قادت إلى هذا الانهيار، ومسؤولية القائمين عليها من القوى المتنفذة بدرجات متفاوتة. كما جاء الانخفاض الحاد في عائدات النفط نتيجة هبوط اسعاره عالميا، وما نجم عن ذلك من صعوبات اقتصادية ومالية جمّة، ليبين هشاشة الاقتصاد الوطني وبنيته الريعية والنتائج المريعة لسوء الادارة وغياب التخطيط والفساد.
وفي حين يتجاذب القوى المهيمنة على العملية السياسية ميلان، احدهما يسعى لتدراك الامور لكنه يبقى يدور في اطار المنهج والادوات والوسائل ذاتها، والآخر يتشبث بكل ما في العملية السياسية من ثغرات ونواقص، يكمن نظام المحاصصة في اساسها، رغم ما عادت به على البلد من نتائج كارثية.. يبرز توجه آخر يسعى الى تكبير" كوة الامل "، وصولا الى التغيير والاصلاح ومعافاة العملية السياسية ووضعها على السكة السليمة.
فما يحصل في بلدنا يدلل على انه بعد مرور 12 عاما على التغيير، لم يتحقق ما تطلعت اليه وناضلت من اجله الجماهير الواسعة والاحزاب والقوى الوطنية والديمقراطية، وهو اقامة بديل ديمقراطي وبناء دولة مؤسسات وقانون ومواطنة.
تطورات المعركة ضد داعش والارهاب
بعد 10 حزيران 2014، وتمدد داعش واحتلالها العديد من المحافظات، دخلت بلادنا مرحلة جديدة ومختلفة، برزت فيها الى الصدارة مهمة وطنية لا تقبل التأجيل تتمثل في وقف توسع داعش وقهرها ومباشرة معركة قد تطول لاقتلاع جذور الارهاب من وطننا.
ان تهيئة مستلزمات الانتصار في هذه المعركة الوطنية الكبرى، تتطلب التوقف مليا عند اسباب ومقدمات ما حصل. فالامر، بغض النظر عن موجة الصراخ والتخوين والحديث عن مؤامرات داخلية وخارجية، ليس بعيدا عن اوضاع البلد العامة عشية اجتياح داعش، ليس بعيدا عن سوء الادارة حينذاك وسلوك الحكام ومنهجهم المفرّق والاقصائي والمتسم بالغطرسة والفردية، وحالة الاستعصاء في العلاقة بين الكتل السياسة الحاكمة والمتنفذة، والمناكدات في ما بينها وحتى بين اطرافها، وتغليبها مصالحها الخاصة على مصلحة الوطن في مواجهة ما يحيط به من مخاطر. كذلك العلاقة المتشنجة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، وبين الاولى وبقية محافظات العراق، اضافة الى حالة التوتر بين التشكيلات العسكرية وابناء المناطق الغربية والشمالية. هذا فضلا عن الاشارة الى التآمر الداخلي المدعوم من قوى اقليمية ودولية، وهو بالاساس من طرف بقايا النظام السابق والمتضررين من التغيير سنة 2003، الذين اتخذوا موقفا معاديا من العملية السياسية، ومارسوا التخريب بكل اشكاله ضدها ولاضعاف قدرات البلاد واشاعة اجواء عدم الاستقرار.
في غضون ذلك يظل العديد من الاسئلة عن اسباب ترك مدينة الموصل وغيرها من المدن تسقط بالطريقة المعلومة يبحث عن اجابات، في وقت تواصل فيه لجنة التحقيق في تلك الاسباب، الاستماع الى الافادات ضمن سقوف زمنية تبدو كما لو انها مفتوحة !
كما تبقى ساطعة حقيقة ان بناء القوات المسلحة قام على الاسس الخاطئة ذاتها المعتمدة في الحكم وفي بناء مؤسسات الدولة الاخرى، اسس المحاصصة المقيتة، وشراء الذمم والولاءات، والتفكير البائس في تكوين مراكز للقوى واستخدامها في المعارك السياسية.
ونحن إذ نتوقف عند ما حصل، علينا عدم نسيان السلوك الخاطئ للحكومة آنذاك من الاعتصامات والحراك الجماهيري الذي استمر اكثر من سنة في ست محافظات، وشارك فيه الملايين من المواطنين، الذين جاء القسم الاكبر منهم بنوايا سليمة، مطالبين بحقوق مشروعة ورافضين التمييز والاقصاء والتهميش.
وفي مجرى التصدي للتنظيم الارهابي جرى استنهاض الهمم ولملمة صفوف القوات المسلحة وابعاد بعض القيادات عنها، وتطوع الآلاف ضمن الحشد الشعبي وتشكيلات ابناء العشائر، وبدأ تنسيق افضل مع قوات البيشمركة، فيما حظيت المعركة ضد داعش بدعم خارجي كبير، تجسد قبل كل شيء في صدور قرارات مجلس الامن لتجفيف منابع داعش بشريا وماديا، وفي قيام التحالف الدولي.
وتحققت انتصارات عدة بفضل تضحيات مختلف الاطراف وبطولات منتسبيها، وتقديمها الشهداء. وقد اسهم ذلك في رفع المعنويات، وفنّد اسطورة داعش التي لا تقهر. وتم تحرير العديد من المدن والمناطق ومنها جرف النصر وآمرلي وسنجار وربيعة وديالى وجنوب كركوك والصمود في البغدادي وحديثة في الانبار، ثم ما احرز اخيرا بتحرير تكريت في معركة لم تكن سهلة مع عدو شرس، اسفرت عن نصر لا ريب فيه.
ان ما تحقق موضع اعتزاز وتقدير واشادة، لكنه ليس الانتصار النهائي بعد، ولا يفترض ان تؤدي النجاحات المحرزة الى الخدر وعدم اليقظة. فداعش مجرم وغدار، وان من الملح الاهتمام بمسك الارض وعدم اضاعة الجهد والوقت، الامر الذي يستلزم حسن التعامل مع ابناء هذه المناطق وتحفيزهم على الدفاع عن اراضيهم، والاسراع في اعادة الخدمات والبدء في اعمار المناطق المحررة وتقديم العون لعودة اهاليها من النازحين.
من اجل الانتصار على الارهاب
ان الانتصار على الارهاب وداعش يتطلب ردم كافة الثغرات التي يمكن ان يستغلها اعداء العراق وامنه واستقراره، ومن ذلك ضبط حركة الفصائل المسلحة في الحشد الشعبي وغيره، والاشراف على نشاطها وعملها وعزل العناصر المسيئة والمثيرة للنعرات الطائفية والتصدي بحزم لافعالها الخارجة عن القانون، وان يكون عمل تلك الفصائل في سياق الخطة العامة للدولة والحكومة، والاسراع في تشريع قانون الحرس الوطني لتنظيم حركة المتطوعين التي فرضتها ظروف المعركة ضد داعش، وكي يصار في نهاية المطاف الى حصر السلاح بيد الدولة. ولا يمكن تصور تحقيق تقدم حقيقي في ذلك من دون الاستمرار في اعادة هيكلة القوات المسلحة وبنائها على اسس سليمة ووفق معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية، وتأهيلها لتأخذ دورها كاملا، ودون غيرها، في الدفاع عن الوطن واهله وتحقيق الامن والاستقرار وحماية العملية السياسية والحياة الدستورية.
لكن ذلك كله يظل غير كاف ما لم يتم اعتماد خطة متكاملة متعددة الجوانب : سياسية واقتصادية واجتماعية واعلامية وثقافية ونفسية، تنسق جهود كافة الاطراف والجهات، وتتصدرها قيادة موحدة وفقا للدستور، توفر الاجواء السياسية الداخلية المناسبة، وتوظف عناصر الدعم والاسناد الدوليين على نحو افضل بالاستناد الى قرارارت مجلس الامن، وتواصل نهج الانفتاح على دول الجوار والخارج وتحسين العلاقات معها، والنأي ببلدنا عن كل ما يضعف وحدته الوطنية وعناصر قوته ، والعمل الحثيث على ان تكون المعركة ضد داعش هما وطنيا مشتركا، يحول في المستقبل دون ظهور داعش بمسمى آخر او باساليب جديدة.
ان الانتصارات المتحققة خطوات هامة على طريق تحرير كافة مدن الوطن ومناطقه من رجس الارهابيين، وتحقيق الامن والاستقرار، وتأمين عودة النازحين والمهجرين الى مدنهم وبيوتهم، والحفاظ على ارواحهم وممتلكاتهم، واعادة الاوضاع الطبيعية الى ربوع الوطن.
ومن الواجب ان يترافق حشد الطاقات جميعا في المعركة ضد داعش، مع مضاعفة الجهود للتخفيف من معاناة ضحايا الارهاب من أبناء شعبنا، وتقديم كل الدعم والاسناد الممكنين لمن استهدفتهم جرائم داعش البشعة ضد الانسانية، خاصة من الايزيديين وفي المقدمة النساء والسبايا والاسرى.
وفي هذا السياق تجدد اللجنة المركزية تضامن الحزب مع المطالب المشروعة لاهالي ضحايا مجزرة سبايكر، وتكرر المطالبة بالاسراع في التحقيقات الجارية للكشف عن حقيقة ما جرى، وتحديد الجهات والعناصر المشاركة في الجريمة والمتواطئة والمقصرة.
كذلك يدين الاجتماع جرائم تدمير المواقع الاثرية والتراث العراقي والانساني ودور العبادة.
المليشيات وحصر السلاح بيد الدولة
ويكتسب العمل الجدي والملموس من أجل حصر السلاح بيد الدولة، الوارد في البرنامج الحكومي، أهمية سياسية وعسكرية وامنية خاصة في ظل الأوضاع الراهنة الحرجة للبلاد. فلا رابط البتة يربط الحياة البرلمانية والديمقراطية بوجود الجماعات المسلحة المليشاوية، أيا كانت مسمياتها وعناوينها. ونحن نرحب بكل خطوة تتخذ لتحويل هذه الحقيقة الى واقع. كما يتوجب اتخاذ الخطوات الرادعة لأي تمرد على سلطة الدولة وهيبتها، ولأي مسعى يستهدف اضعافها، بما في ذلك التصدي بحزم لجماعات الجريمة المنظمة وعصابات السطو المسلح واختطاف المواطنين.
المصالحة الوطنية
وارتباطاً بالمعركة المحتدمة ضد الارهاب، وبما اصاب الوحدة الوطنية من تصدعات والنسيج الاجتماعي من شروخ، وباستمرار التأجيج الداخلي والخارجي، يكتسب موضوع المصالحة الوطنية اهمية فائقة. لا بل ان له الصدارة بين الاولويات التي تواجه الحكومة والكتل السياسية المشاركة فيها، وعموم قوى الشعب السياسية وجماهيره.
وترتبط الأهمية الراهنة للمصالحة وضرورتها بالدور المطلوب من جانب ابناء المناطق المكتوية بنار داعش، ما يستلزم توجيه رسائل تطمين لهم، ومد الجسورنحوهم، وتشجيع روح المقاومة المتنامية في صفوفهم، الى جانب تبديد قلق ابناء المناطق التي تتحرر من قبضة داعش ومخاوفهم من الوقوع تحت أي تهديد.
وإذ تعتبر المصالحة من اولويات وثيقة الاتفاق السياسي للحكومة، فلا بد أن ينعكس ذلك في مواقف وتصريحات الحلقات العليا في السلطات الثلاث والكتل السياسية، وان يتجسد في اجراءات عملية واضحة، ووان يتواصل السير في هذا السبيل حتى نهايته.
ان المصالحة الحقيقية التي ندعو اليها ونعمل من اجلها هي تكامل نهج ونمط تفكير وطريقة اداء وتدابير عملية واجواء ثقة، وهي مطلب آني ملح غير قابل للتأجيل في الظرف الراهن الذي يمر به عراقنا، ومن دون تنفيذه يصعب الحديث عن اي استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي ومؤسساتي.
وفي سياق السعي الى ذلك ندعو الى عقد مؤتمر وطني شامل، بعيدا عن الاستعراضات الخطابية والاعلامية. مؤتمر تساهم فيه القوى والاحزاب المؤسسة للعملية السياسية والمشاركة فيها، سواء كانت ممثلة في الحكومة اليوم او غير ممثلة، ويمكن توسيعه في وقت لاحق ليشمل قوى وشخصيات ومنظمات اخرى. ومؤتمر كهذا يتوجب التحضير الجيد له عبر لقاءات ومداولات ثنائية وجماعية، من أجل تهيئة الأجواء المناسبة وتقريب وجهات النظر وصولا الى إنضاج المقترحات والحلول، وان تتمثل مهمته الاساسية في تصحيح مسار العملية السياسية ووضعها على السكة السليمة، بما يفضي الى الخلاص من المحاصصة الطائفية - الاثنية، ويفتح آفاق بناء ديمقراطي حقيقي.
ويقتضي توفير المناخ السياسي الملائم لإنجاح المصالحة الوطنية ضبط الخطاب السياسي للمتنفذين والحاكمين بشكل خاص، واستبعاد الخطاب المحرض، الاستفزازي، المتشنج، والمؤجج للعداوات القومية والفتن الطائفية والنزعات العنصرية والتكفيرية، والالتزام بأعلى درجات الحذر والدقة في تناول القضايا العامة، خصوصا تلك المختلف عليها، لخلق مناخ وطني صحي يعتمد لغة الحوار والمكاشفة وتشخيص مواطن الخلل.
وان من بين الاجراءات المهمة المطلوبة لدفع عملية المصالحة إلى امام، إعادة النظر بوضع هيئة المساءلة والعدالة، على وفق روح الانصاف والمصالحة الوطنية، وتعديل قانون المساءلة والعدالة ووضع سقف زمني لانهاء العمل به، خصوصا وقد مرٌ على تشريعه والعمل بموجبه اكثر من عشر سنوات، مما سيسهل إعادة دمج أعداد كبيرة من المواطنين الذين لم يرتكبوا جرائم ضد الشعب العراقي. ومن الضروري هنا أن يلعب القضاء دوره كاملا ً في الأقتصاص ممن تلطخت ايديهم بدماء الشعب العراقي.
ان الظروف الراهنة تؤكد الحاجة الماسة لإجراءات شجاعة وجريئة لانجاح المصالحة، حيث ان الواقع يشير الى عدم اتخاذ خطوات تذكر حتى الآن على هذا الطريق، رغم الاعلان عن التقيد بالمصالحة وكونها ضمن برنامج الحكومة.
أزمة النازحين
اجبرت عصابات داعش بممارساتها الاجرامية الناس على النزوح والتوجه الى المجهول وسط ظروف صعبة، فتعاظم عدد النازحين عن مدنهم ودورهم بعد ما حصل في 10 حزيران 2014 ليقترب من 3 ملايين، هم بحاجة الى السكن والغذاء والرعاية الصحية.
ومما يفاقم معاناة هؤلاء المواطنين المنكوبين، عدم استعداد مؤسسات الدولة واجهزتها والمنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية للتعامل مع أعداد كبيرة كهذه، وتعامل البعض معهم وكأنهم خرجوا من بيوتهم في ظروف طبيعية، ومطالبتهم بتوفير الوثائق الثبوتية كافة! يضاف إلى ذلك ما اعلن عن فساد كبير في الاجهزة التي تقدم المساعدات لهم، وهو ما تجسد في حقيقة ان الكثيرين منهم لم يتسلموا المنح المخصصة من الدولة، فاضطر العديدون للبحث عن مأمن خارج الوطن.
إن واقع النازحين والمهجرين يمثل محنة انسانية ووطنية بمعنى الكلمة، وان معالجة ذلك ينبغي أن تستأثر بالأولوية لا بالنسبة للحكومة وحدها، بل ولعموم أبناء شعبنا على اختلاف انتماءاتهم، وأن تستثير فيهم مشاعر المواطنة الحقة وقيم التضامن الانساني الرفيعة، وهو ما نشهده فعلا في هبّة الدعم والاحتضان للنازحين من قبل اهالي المناطق التي نزحوا اليها، وتطوع المئات لتقديم العون والمساعدة لهم.
ان الحل الامثل يكمن من دون شك في تحرير المناطق التي سيطر عليها داعش، وتسهيل عودة الناس اليها، وتوفير الامان لهم وحماية مدنهم ومساكنهم، والبدء باعادة الاعمار فيها. وحتى يتحقق ذلك يتوجب على الحكومة والمعنيين مباشرة بشؤون النازحين مباشرة، العمل الجاد وتخطي الروتين والبيروقراطية وتلبية مطالبهم، التي تتركز في توفير سكن مناسب وايصال المنحة الشهرية بانتظام وتمكين الطلبة من اكمال دراستهم، الى جانب السماح للعاملين في مؤسسات الدولة بالعمل في الدوائر ذات العلاقة في المناطق التي نزحوا اليها، وتوفير رعاية صحية فاعلة لهم، ومنح النازحين كافة الهويات والوثائق المطلوبة، وعدم التمييز بين ابناء هذه المنطقة او تلك من النازحين.
ان التخفيف من معاناة النازحين مهمة تقع ايضا على عاتق الجهد الدولي، خاصة من جانب هيئات الامم المتحدة ذات العلاقة.
الاداء الحكومي والبرلماني
لقد جاءت الحكومة الجديدة حصيلة أوضاع معقدة وصعبة، وتوافقات سياسية، وتركة ثقيلة. ونظرا الى كونها خرجت من رحم الحكومة السابقة، وباشرت العمل على وفق ما كان سائدا في الفترة السابقة من آليات عمل ، ومن محاصصة طائفية - إثنية، وسعي لتكريس مفهوم "المكونات" بديلا للمواطنة العراقية، فان عوامل الضغط التي دفعت الى تشكيلها لا زالت قائمة.
وجاءت حكومة العبادي ابنة ظرفها الملموس، وهي تتصدى لعبء ثقيل يتمثل في تركة النظام المقبور، وما خلفه الاحتلال الامريكي، والآثار السلبية لسوء ادارة الحكومة السابقة للبلد. لكنها في المقابل حظيت بترحيب وتأييد واسعين دوليا وعربيا، واتخذت معظم القوى السياسية العراقية منها وتتخذ موقفا ايجابيا. وكانت التدابير التي اقدمت عليها حين مباشرتها العمل موضع ارتياح عام، كذلك التوجهات والالتزامات التي اعلنتها انسجاما مع وثيقة الاتفاق السياسي التي هي اساس برنامج الحكومة.
ويمكن الحديث عموما عن ان الحكومة الحالية اعتمدت خطابا ينحو الى التهدئة، ويفتح فضاءات للتعاون والمشاركة. لكن هذا لا ينسحب بالضرورة على الكتل المكونة لها، حيث ان العديد من عناصرها، فضلا عن اخرى خارجها، ما زالت تطلق التصريحات المؤذية، المؤججة والمثيرة للنعرات الطائفية والعنصرية، وكأنها لا تعي ان الوطن يئن، وانه في هذا المقطع الزمني تبرز الحاجة الى جمع الطاقات والامكانيات لدحر الارهاب، هذا الخطر الداهم الذي يهدد الجميع، وما من احد سيكون في مأمن من شروره اذا تمدد.
ومن المعلوم اننا سبق ان اشرنا الى ان حكومة العبادي، في ظرفها الملموس، قد فتحت " كوة أمل " يجدر ان تتوسع وتكبر لتعزيز السير على طريق التغيير والاصلاح المطلوبين، عبر اتخاذ اجراءات ومواقف من شأنها تجنب الأخطاء والخطايا التي وقعت فيها الحكومات السابقة وتسببت في فشلها، حسبما اعلن المسؤولون عنها بدون مواربة، ولكن بعد فوات الاوان وبعد ما الحقوه بوطننا من خسائر وما سببوه لشعبنا من مآسي. وهم الذين صموا آذانهم ازاء النصائح الصادقة والمخلصة التي كان يسديها لهم العديد من القوى والشخصيات الوطنية والديمقراطية. فالمطلوب الآن، في ظل حكومة السيد العبادي، ان تتسع دائرة التعاون والمشاركة، وان تكبر قائمة القوى والاحزاب والشخصيات التي يتم التشاور معها،وبضمنها المشار لها اعلاه، وان يغدو ذلك نهجا ثابتا وليس موسميا، نظرا الى ما تملكه هذه القوى من كفاءات وخبرات يمكن ان تساهم في بناء البلد وانتشاله مما هو فيه من ازمات.
ان توجها كهذا يتطلب اعادة النظر في الكادر المحيط بمركز اتخاذ القرار والابتعاد عن حصره بلون واحد، وتوسيع دائرته لتمتد الى الطيف العراقي الغني بابعاده السياسية والفكرية والقومية والدينية، وان يجري الاعتماد على العناصر ذات الكفاءة والمشهود لها بالنزاهة والوطنية والاخلاص للتجربة.
ومن جانب اخر تبرز الحاجة الى اتخاذ قرارات حاسمة، وهذا يتطلب الاقدام على خطوات جريئة، مدروسة، خطوات غير انفعالية كما كان يحصل سابقا، وبعيدة عن روح المناكدة والمصلحة الآنية الذاتية والحزبية الضيقة، والانفتاح على الفضاء الوطني الذي هو وحده الكفيل بانجاح الخطوات ذات البعد العام وغير المنكفئة على الولاءات الفرعية، ومنها الطائفية والمناطقية.
وفي رأينا ان من غير الممكن تحقيق انجازات ذات اهمية من دون اعتماد استراتيجية متكاملة، ومنهج جديد في التفكير، ونهج ديمقراطي، ومن غير الشروع في بناء دولة المؤسسات والقانون، والفصل الفعلي بين السلطات واشباعها بصلاحياتها.
كذلك يتوقف النجاح في هذا التوجه إلى درجة كبيرة على ادراك كافة الكتل السياسية مسؤوليتها الوطنية، وارتقائها الى مستوى التحديات والمخاطر المحدقة بالوطن، وكفـّها عن المناكدات والبحث عن المغانم والمكاسب الذاتية على حساب مصلحة الوطن والشعب العليا. فمثلما يتحمل رئيس الوزراء المسؤولية الاولى بحكم موقعه الدستوري، تتحمل الاطراف الاخرى مسؤوليتها، ومن غير المقبول ولا المعقول التهرب من ذلك كما كان يحصل سابقا وحتى الامس القريب. وان على الجميع الدفع في اتجاه عدم بروز الميول الفردية ونزعات التهميش والاقصاء.
ان الكثير مما تمت الاشارة اليه يخص ايضا مجلس النواب وعمله بشكل او بآخر. ونحن نؤشر في هذا السياق بطء المجلس في القيام بواجبه التشريعي والرقابي على نحو مقنع، خاصة في تشريع القوانين المهمة المنتظرة بصبر فارغ، مثل قانون النفط والغاز، وقانون الموارد المالية، وقانون العمل، والمساءلة والعدالة، والحرس الوطني، وقانون الاحزاب. كما نشير الى المحاصصة التي فرضتها الكتل الحاكمة في تشكيل اللجان البرلمانية وانتخاب رؤسائها، وهو ما اثر على ادائها، واداء البرلمان. ومن جهة اخرى يلاحظ سعي رئاسة المجلس لتأمين انتظام عقد الجلسات، الى جانب العديد من الملاحظات بشأن عمل اللجان البرلمانية ومدى ادائها واجبها التخصصي ومهمة انضاج مشاريع القوانين. ولا ننسى ان عمل المجلس واداءه يتأثران سلبا بالغياب المستمر، بمعدل ما لا يقل عن 100 نائب في كل جلسة.
من ناحية اخرى تتميز الدورة الحالية عما سبقها بحالة التعاون والتنسيق بين الرئاسات الثلاث وعقدها الاجتماعات المشتركة، بدلا عن حالة المقاطعة والمناكدة. ومن المفيد بالطبع انتظام هذه الاجتماعات واخراجها من طابعها البروتوكولي، لجهة معالجة مشاكل البلاد الملحة ومتابعة تنفيذ القرارات الاساسية، والحرص على تنفيذ القانون وروح الدستور. وينسجم هذا تماما مع الدور الفاعل والمطلوب من الرئاسات الثلاث، خاصة رئاسة الجمهورية، كونها راعية للدستور وسلامة تطبيقه والتقيد بروحه. ولا يقل اهمية عن ذلك دور القضاء، والحرص على استقلاله وادائه دوره الكبير، بعيدا عن الانحياز او ممالئة السلطتين التشريعية والتنفيذية.
حكومات المحافظات ومجالسها
تعاني مجالس المحافظات، والحكومات المحلية التي تقوم بتشكيلها بعد انتخابها كل اربع سنوات، من اشكاليات وصعوبات كبيرة تعيق أداءها عملها. فمعظم هذه المجالس، وهي موضع تجاذبات وصراعات بين الكتل المختلفة المكونة لها على المناصب ولتأمين المصالح الشخصية والحزبية الضيقة، تعاني من عدم استقرار اوضاعها، وبعضها يعاني حتى من شلل واضح في اداء مهامه. وقد انعكس ذلك سلبا على ما تقدمه المجالس للمواطنين في محافظاتها، خصوصا وهي مسؤولة عن تنفيذ العديد من المشاريع.
وفي ظل هذه الأوضاع القلقة للمجالس والحكومات المحلية، بوشر بتحويل صلاحيات عدد من الوزارات اليها، ما يؤدي إلى توسيع دورها ويضع تحت تصرفها مبالغ مالية كبيرة، في وقت يجري الحديث فيه عن حالات فساد في العديد من المشاريع المنفذة فيها. بل ان بعض الدوائر في بعض المحافظات وبحسب الارقام التي تنشرها هيئة النزاهة متورطة في حالات الرشى والفساد، اضافة الى تفشي المحسوبية والمنسوبية والعشائرية والمناطقية، وطغيان ذلك على عمل عدد منها.
ان وضع المجالس الحالي وما ينجم عنه من سوء ادارة وفشل في انجاز المشاريع وتقديم الخدمات واستشراء للفساد، تتحمل مسؤوليته الكتل المتنفذة المتصارعة. وان استمرارها في هذا السلوك وتدافعها على المناصب والمراكز والامتيازات، من شأنه أن يعرّض ايجابيات هذه التجربة إلى الضياع، ويحبط الآمال المعقودة عليها في تطوير النظام الاداري في البلد وتخليصه من المركزية، وبما يساعد على تقوية النظام الفيديرالي الديمقراطي في بلدنا.
" التوازن "
رغم الأذى الكبير الذي يلحقه نظام المحاصصة الطائفية والاثنية بعملية بناء الدولة ومؤسساتها، وما يسببه من تفريط بالمواطنة وتأجيج للتجاذبات والصراعات، فان الكتل الحاكمة تتمسك بهذا النظام وتصر على تكريسه وهي تتوجه نحو اعادة تقسيم الوظائف في الدولة العراقية على وفق منهج " لجنة التوازن " التي شكلها مجلس الوزراء وفقا لوثيقة الاتفاق السياسي.
ان هذا النهج الضار لا ينسجم مع مفهوم "التوازن" الوارد في المادة التاسعة من الدستور، التي تنص على ان:" تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ أو إقصاء".
فالممارسة الحالية تريد أن تفسر التوازن على انه حق للكتل المتنفذة وأحزابها الرئيسية في تقاسم مواقع السلطة المتعددة وبضمنها الهيئات المستقلة وجعلها حكرا لاعضائها ومن يوالونها، في حين تؤكد المادة الدستورية مراعاة التوازن "دون تمييز أو اقصاء". كذلك تتعارض هذه الممارسة مع الديمقراطية وروح الدستور، التي تشدد على المساواة بين العراقيين دون تمييز، وعلى كون تكافؤ الفرص حقا مكفولا لجميع العراقيين..
ان مفردة "التوازن" اللطيفة والناعمة " لا يمكن ان تخفي المرامي الحقيقية للكتل الحاكمة، ولا مساعيها المحمومة للاستحواذ على المغانم وتقاسمها. وهي وان نصبت نفسها وكيلا عن مكون معين بدون تفويض، فانها في ممارستها لا تمثل الا مصالحها واحزابها واختزال ذلك الى مجموعة من المريدين والمقربين.
كما ن طرح قضية "التوازن" مجددا، خاصة في الهيئات المستقلة، سيلحق ضرراً بالغا بادائها لمهامها، وسيعني ذلك عملياً التخلي عن مبدأ المواطنة، وابعاد المئات من الكوادر المؤهلة والمجربة تحت عنوان "التوازن". وهو ما يذهب بالضد من مقتضيات بناء دولة المؤسسات، التي تتطلب اسناد الوظيفة العامة على وفق معايير مختلفة تماما.
واذا كان قد حصل تمييز سابقا واقصاء وتهميش وابعاد، فان العلاج لا يكمن في تكريس ما هو خاطئ وسيئ، متمثلا في المحاصصة التي هي اساس البلاء.
الحريات العامة وصيانتها
شهدت الاشهر الاخيرة تجاوزات عدة، قام بها افراد ومؤسسات رسمية أو غير رسمية. ومن ذلك مصادرة الحق في الحياة، وعدم الارتياح الى التظاهرات المطلبية والتضايق منها، والتجاوز على الاعلاميين والصحفيين، وفرض الحجاب عنوة، والتمييز ضد المرأة، وعزل الطالبات عن الطلاب، وغير ذلك من المظاهر غير الحضارية. والامر الاسوأ هو اللجوء الى العنف لفرض ذلك،خصوصا من قبل جماعات فرضت نفسها بديلا عن الدولة، وصادرت القانون واحتكرته.
ولكي لا يتسع التضييق على الحريات العامة باشكال واساليب مختلفة، وبعضها يتستر بالدين، اصبح مطلوبا من مؤسسات الدولة كافة اتخاذ اجراءات حازمة في هذا الخصوص، ووضع الامور في سياقها الدستوري والقانوني، والتعامل بحزم مع أي انتهاك لحقوق الانسان. كما ان على الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني تصعيد الضغط باتجاه منع هذا التضييق.
الازمة الاقتصادية والمالية
يقف العراق واقتصاده في مفترق طرق، وفي حال استمرار الأوضاع الاقتصادية ومسارات السياسة الاقتصادية وتوجهاتها على ما هي عليها، فإن معضلات اقتصادنا ستتعمق، وسيؤدي ذلك الى تداعيات سلبية جدية على عملية الاعمار والتنمية. وستشتد مظاهر التفاوت والاختلال في البنية الاقتصادية - الاجتماعية، بكل ما تعنيه من تعميق لطابعها الريعي، ومن ضعف وانحسار مستمرين في دور ومساهمة القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية والخدمية، ورواج للنشاطات الطفيلية وتفاقم للتبعية الى الخارج والاعتماد عليه، اضافة إلى الطبيعة القلقة وغير المستقرة للعائدات النفطية الشديدة التأثر بتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية.
وفي الأشهر الأخيرة تزامنت احداث وتطورات سياسية وعسكرية واقتصادية مع ما تعانيه مؤسسات ومرافق الدولة من سوء إدارة وفساد، لتشكل بمجموعها حقيقة الوضع السياسي والاقتصادي العام للعراق. حيث أن العديد من الاحتمالات والمآلات، التي كان يجري التنبيه الى ضرورة اجراء ما يلزم لمنع وقوعها، والتحذير من مخاطرها، اصبحت واقعاُ ملموسا يشدد من أزمات البلاد. وقد بات ضروريا وملحا لمواجهة هذه الأزمات المتعددة الأبعاد والمستويات وحصر تداعياتها، ان تتخذ خطوات واجراءات حازمة على مختاف الصعد السياسية والاقتصادية والمالية والسياسية والتشريعية والمؤسسية.
لقد ارتبط توقيت تفجر الأزمة الاقتصادية والمالية مع احتلال " داعش " للموصل، وسيطرتها على بعض الآبار النفطية، وتعطيلها مصفى بيجي وإنتاج وتصدير نفط كركوك، وما نجم عن ذلك من إنخفاض في إنتاج وتصدير النفط. واقترن هذا بهبوط حاد وسريع في أسعار النفط، بلغت نسبته أكثر من 40 بالمائة في أواخر كانون الأول الماضي، قبل ان تعاود الصعود ببطء في الشهرين الماضيين. كما ان ذلك تزامن مع تزايد الانفاق على العمليات العسكرية وعلى رواتب متطوعي " الحشد الشعبي " وتلبية متطلبات أكثر من 3 ملايين نازح.
ويواجه الاقتصاد العراقي حاليا مستويين أثنين من المشاكل والأزمات، الأول ذو طبيعة مالية ونقدية، ويتطلب معالجات وحلولا آنية يتوجب تحقيقها في الأمد القصير أو المتوسط القريب، والثاني يتعلق ببنية الاقتصاد العراقي الاحادية والريعية، الواجب إعادة هيكلتها بتنويع قاعدة الانتاج الوطني عبر تعزيز وتطوير مساهمة القطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة وقطاع التشييد والبناء وتحديث وتطوير البنى التحتية. ويرتبط المستوى الأولارتباطا أساسيا بالموازنة العامة والسياسة المالية التي يتحدد على اساسها الانفاق الحكومي واولوياته وبنيته اما المستوى الثاني فيعتمد على الرؤى والخيارات الاقتصادية الاستراتيجية للدولة، وترجمتها في خطط التنمية الوطنية والخطط القطاعية والبرامج والمشاريع الموضوعة، والتي خصصت الاموال والموارد لتنفيذها فعلا. علما ان المستويين غير مستقلين عن بعضهما، نظرا الى أن الموازنة العامة هي أداة رئيسة لتنفيذ التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة للدولة، الصريحة والمضمرة.
أن اسباب الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية لا تنحصر في استباحة داعش لثلث الاراضي العراقية وفي الانخفاض الحاد لأسعار النفط، وإنما تعود ايضا وبصورة اساسية، إلى الفشل البيّن للسياسة المالية المتبعة على مدى سنوات، وفي سوء إدارة المال العام والتصرف به، إلى جانب الهدر في الانفاق، والفساد المالي والاداري المستشري والذي ادى إلى انفاق مئات المليارات على مشاريع فاشلة أو وهمية، وإغراق دوائر ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، بعشرات آلاف المنتسبين "الفضائيين"، فضلا عن تمتع الرئاسات واصحاب الدرجات الخاصة بامتيازات فائقة وبأنماط انفاق حكومي باذخة.
فلولا السياسات الخاطئة وسوء الادارة والفساد وغياب الرؤية التنموية والاستراتيجية العلمية الواضحة طوال السنوات الماضية، لما وجدت البلاد نفسها أمام مسلسل الأزمات هذا، وقلة الخيارات البديلة المتاحة لتجاوزها.
لذلك ليس مقبولا أن تتحمل الفئات والشرائح الاجتماعية الضعيفة والكادحة واصحاب الدخل المحدود والفئات الوسطى، أعباء الازمة، سواء من خلال خفض مداخيلها أم بزيادة الضرائب المفروضة عليها.
ورغم تصريحات المسؤولين بأن الاجراءات التقشفية لا تمس الفئات سالفة الذكر، فإن التأثير التراكمي لتأجيل صرف الزيادة في رواتب اصحاب الدرجة الخامسة وما دون في سلم الرواتب، وفرض الضرائب غير المباشرة، وخفض تخصيصات البطاقة التموينية، سيلقي عبئا كبيرا على هذه الشرائح.
واننا إذ نشدد على جعل الأزمة الراهنة مناسبة للدعوة الى الإسراع في اجراء المراجعات والاصلاحات الادارية والمالية، وتكثيف عملية مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال التي في ذمتهم، نحذر كذلك من اتخاذ هذه الأزمة مبررا للانقضاض على شركات ومؤسسات الدولة الانتاجية عبر الشروع بخصخصتها، عوضا عن التوجه بجد نحو تقديم الدعم لشركات وزارة الصناعة وللقطاعين الصناعي والزراعي، عن طريق العمل الجاد على تطبيق قانون التعرفة الكمركية، وتفعيل قرارات شراء منتجات الشركات العامة من قبل مؤسسات الدولة والقطاع العام.
موازنة 2015
لقد واجهت واضعي موازنة 2015 مجموعة تحديات تطلبت مراجعة اولويات الانفاق وإعادة ترتيبها وفق الظروف المستجدة، والقيام بعملية ضغط شديدة للنفقات الحكومية، والبحث عن مصادر ايرادية جديدة لتقليص عجز الموازنة الذي سيكون حقيقيا، وليس حسابيا كما في الأعوام السابقة، واللجوء إلى الاقتراض لتمويل العجز. وفي جميع هذه القضايا تكون الخيارات والانحيازات السياسية والمصلحية الفئوية حاضرة، لكنها غالبا ما تكون بصورة غير صريحة. ولقد نجح مجلس النواب في التصويت على قانون الموازنة العامة اواخر كانون الثاني 2015 بعد مخاض عسير. واعتمدت الموازنة سعر 56 دولارا لبرميل النفط، وحجم صادرات قدره 3.3 مليون برميل يوميا. وتم رفع الكمية المخمنة للنفط المصدر إلى هذا المستوى نتيجة الاتفاق بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، حيث بلغت كميات النفط المصدّر خلال العام 2014 اقل من مليونين وخمسمائة الف برميل يوميا.
وبلغت الايرادات التخمينية للموازنة حوالي 94 ترليون دينار، تشكل الايرادات النفطية منها نسبة 83.6 بالمائة. اما النفقات العامة فقد بلغت حوالي 119.5 ترليون دينار، موزعة إلى 41.2 ترليون للموازنة الاستثمارية، اي ما نسبته 34.5 بالمائة من اجمالي النفقات، و78.2 ترليون للنفقات الجارية، اي ما نسبته 65.5 بالمائة. وتسجل هذه التخمينات انخفاضا عن تخمينات موازنة 2014 نسبته 32.7 بالمائة في الايرادات و31.6 بالمائة في النفقات العامة. ورغم اجراءات تقليص النفقات ظل العجز المخمن مرتفعا حيث بلغ 25.4 ترليون دينار، اي ما نسبته 21.3 بالمائة من اجمالي النفقات العامة. ومن المتوقع أن يكون العجز في الموازنة فعليا هذا العام، وليس حسابيا وتخطيطيا كما في الاعوام السابقة
ويترتب على تغطية عجز الموازنة اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، ما يزيد من حجم المديوني. وكثيرا ما تغيب، عند الترويج لخيار تنفيذ المشاريع بالآجل، الاشارة الى أن هذه الطريقة في التمويل ترفع سقف المديونية، وعلى الأغلب تزيد تكلفة المشاريع. لذا يجدر الانتباه إلى محاذير تزايد أعباء خدمة الدين، وضرورة اعتماد سياسة حكيمة ومتوازنة عند اللجوء إلى الاقتراض باشكاله المختلفة، خصوصا من الخارج.
لقد خصصت في موازنة 2015 نسبة 34.5 بالمائة للانفاق الاستثماري، وهي نسبة تزيد على مثيلاتها في الموازنات السابقة. وهذا جانب ايجابي، لكن معظم هذه المبالغ ستذهب لتغطية مستحقات الشركات النفطية وللانفاق العسكري، وهذه استخدامات ليس لها تأثير يذكر على القطاعات الاقتصادية المحلية. اما ما تبقى فيتوجب صرفه بصورة سليمة وفعالة على المشاريع، وفق اولويات تنموية. وللاسف لا يتوفر ما يضمن عدم تكرار ما حدث في السنوات السابقة، من تدنٍ في مستوى الصرف والتنفيذ. فذلك يتطلب الارتقاء بعملية دراسة جدوى المشاريع، والاشراف عليها، ومتابعة تنفيذها.
ومن المتوقع أن تتأثر النشاطات الاقتصادية سلبا بموازنة 2015 نظرا لطبيعتها الأنكماشية. واذا لم تتخذ اجراءات فاعلة لتنشيط القطاعات الانتاجية والخدمية العامة والخاصة، وتشجيع الاستثمار الخاص الوطني والخارجي، ومكافحة الفساد والهدر بصورة حازمة، فستشهد معدلات النمو الاقتصادي للقطاعات النفطية وغير النفطية تراجعا كبيراً، وتتقلص فرص العمل ويتراجع سعر صرف الدينار وتنخفض القدرة الشرائية للدخول.
إن الموازنة العامة تمثل القوة المحركة الرئيسية للاقتصاد العراقي، لكنها فشلت حتى الآن في ان تلعب دورا تنمويا. ومن الصعب ان يطراً تحسن جدي في دور الموازنة اذا لم يتم تبني وتطبيق إستراتيجية تنموية حقيقية. وهذا يمر عبر اصدار خطة التنمية الوطنية بقانون، وضمان انسجامها وتوافقها مع الخطط الاستراتيجية القطاعية. وفي هذا السياق تستحق التوجهات الرامية إلى تطوير التنسيق والتكامل بين السياستين المالية والنقدية الثناء، ومثلها تفعيل دور البنك المركزي في دعم النمو والاستفادة من الاحتياطي لهذا الغرض بطرق واساليب لا تتعارض مع قانونه.
وفي ما يخص تسعيرة الكهرباء التي اعلنتها الوزارة اخيرا، فانها اصطدمت برفض شعبي واسع. ولم يكن ذلك مفاجئا، لأن التسعيرة جاءت مرهقة للشرائح ضعيفة الدخل والفقيرة، وثقيلة على شرائح واسعة من الفئات المتوسطة ايضاً. وعلى رغم سلامة مبدأ الربط بين سعر الوحدة ومستوى الاستهلاك بصورة تصاعدية، إلاّ أن التدرج في رفع سعر وحدة الاستهلاك لا يمثل وحده عبئا كبيرا على الدخول، ذلك ان الزيادة في اسعار الكهرباء جاءت متزامنة مع فرض ضرائب ورسوم جديدة، وارتفاع في الأسعار ناجم عن الانخفاض في سعر الدينار، وتلكؤ في دفع الرواتب وانحسار في النشاط الاقتصادي وارتفاع في مستويات البطالة. اضافة الى استمرار عجز الدولة عن تجهيز الكهرباء لمدة 24 ساعة، وارتفاع تكلفة شرائها من اصحاب المولدات الخاصة.
لذلك نطالب باعادة النظر فيها بما يوسع من هامش دعم الدولة للفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود، مع تأكيد حق الدولة في جباية اجور ورسوم مناسبة لقاء الخدمات الفعلية التي تقدمها.
التصدي للفساد
لم يعد الفساد امرا يخفيه احد من المسؤولين في السلطات المختلفة، وان سعى بعضهم الى التخيفف منه ومن آثاره، حيث انه تفشى في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وفي المركز كما في المحافظات، كما وجد انعكاساته في المجتمع، وغدا اخطبوطا مخيفا وخطرا داهما لا يقل في عواقبه عما يسببه الارهاب وداعش، فاحدهما يغذي الآخر.
وازاء هذه الحقيقة المؤلمة، بات التشديد على موضوعة مكافحة الفساد أمراً في غاية الأهمية، خاصة مع تقلص الواردات المالية للبلد.
وان الشرط الأساسي الواجب توفره لتحقيق تقدم في التصدي للفساد، هو وجود ارادة سياسية حازمة لاتخاذ القرارات والاجراءات اللازمة لمعاقبة الفاسدين والمفسدين، وتطبيق القوانين ذات العلاقة واعادة بناء الاجهزة المعنية وتخليصها هي نفسها من الفساد اولا، واسناد المهام الى العناصر الوطنية المخلصة التي ثتت خلال السنوات الماضية نزاهتها وقدرتها على حماية نفسها من اغراءات المال والسلطة.
كما اصبح واضحا الآن ان المكافحة الجدية لا بد ان تبدأ من قمة السلطة، وان تشمل جميع المسيئين والمتلاعبين بالمال العام، كبيرهم وصغيرهم، بغض النظر عن موقعهم الوظيفي ومسؤوليتهم السياسية والاجتماعية والدينية.
وأكدت تجربة السنوات الماضية ان المحاربة الجذرية للفساد تتطلب منح العملية بعداً مجتمعيا، عبر إشراك قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني ورموز وشخصيات وطنية ثقافية واجتماعية، وعدم الاعتماد حصرا على دور الدولة وآلياتها وجهاتها الرقابية، وانما ينبغي حشد طاقات وقدرات مجتمعية واسعة إلى جانبها في حملة وطنية شاملة لمكافحة الفساد.
الاوضاع في الاقليم والعلاقة مع الحكومة الاتحادية
يواجه الاقليم في راهن الحال، شأن العراق ككل، متطلبات التصدي لداعش وتهديداته الارهابية، وقد حشد بالفعل الكثير من موارده البشرية والمالية اضافة الى الدعم الدولي، لمحارية التنظيم الارهابي. وخاضت قوات البيشمركة ضده معارك ضارية ضده وقدمت شهداء وجرحى في هذه المعركة الباسلة. فيما تحققت انتصارات شاخصة تمثلت في ايقاف تمدد داعش وابعاده عن مدن وقصبات الاقليم. كذلك تتوجب الاشادة بجهود البيشمركة وتضحياتها في تحرير سنجار وبعشيقة وربيعة وآمرلي، وفي كركوك وديالى.
وقد برهنت التجربة على الحاجة الى لملمة الصفوف وتوحيدها، وتعزيز اللحمة الوطنية داخل الاقليم والتنسيق والتعاون الافضل بين القوى والاحزاب الكردستانية، ومواصلة مكافحة الفساد والبيروقراطية وحماية الحريات وتحسين الخدمات. فمن شأن ذلك كله تمتين الجبهة الداخلية، وتوفير مصادر دعم اضافية الى جبهات القتال، التي تتطلب هذا التنسيق والوحدة والتعاضد.
وفي هذا السياق لا بد من مواصلة التنسيق الامني للاقليم مع الحكومة الاتحادية والقوات الامنية العراقية، وهو ما تبين دوره وجدواه نظرا الى ان المعارك القادمة ضد داعش تتطلب تمتين التعاون وتبادل الخبر والمعلومات والتنسيق الميداني، خصوصا عند بدء تحرير مناطق كركوك التي يحتلها ارهابيو داعش، كذلك محافظة الموصل.
واذ تتجه العلاقات بين الاقليم والحكومة الاتحادية الى المزيد من الانفراج، ويخلي التوتر والجفاء مكانه للتعاون والتنسيق ، فان المطلوب هو الاستمرار في ذلك عبر المزيد من الحوار واللقاءات، وتطوير الاتفاق النفطي الموقع بين الطرفين، وصولا الى اتفاق نهائي يقطع الطريق على المتربصين والعنصريين والشوفينين، الذين لا تروق لهم عودة الاوضاع الى حالتها الطبيعية بما يخدم مصلحة كافة الاطراف، ويخدم في المحصلة الشعب العراقي وامنه واستقراره وتقدمه.
على ان اوضاع الاقليم تحتاج الى مزيد من العناية لجهة توزيع افضل للدخل، وتطوير الحياة الديمقراطية في الاقليم، وبناء مؤسساته التي تراعي مصالح جميع ابنائه.
التيار الديمقراطي
لقد طرأ نوع من الخفوت في عمل ونشاط التيار الديمقراطي بعد الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب، وشخص حزبنا في اجتماع اللجنة المركزية السابق (خريف 2014) كون التيار الديمقراطي يمثل النواة الصلبة للتحالف المدني الديمقراطي، واعتبر ان من المهمات الاساسية لمنظمات الحزب عموما السعي لتقوية التيار، ولترسيخ مكانته وتوسيع دائرة التحالفات داخله والانفتاح على اوساط مدنية وديمقراطية جديدة، خصوصا المنخرطة في النشاطات الجماهيرية المطلبية وفعاليات الحراك المدني، وزيادة صلاته الجماهيرية وتبني المطالب المشروعة لمختلف الشرائح عبرمبادرات ونشاطات وفعاليات سياسية واجتماعية وثقافية متنوعة، مع ايلاء اهتمام خاص لتطوير اداء هيئات التيار الديمقراطي القيادية، وتفعيل فروعه وتنسيقياته داخل العراق وخارجه.
وما يعزز اهمية هذا التوجه وضرورة العمل جديا على ترجمته إلى ممارسات عملية وخطوات ملموسة، اتساع دائرة الاوساط التي خيبت آمالها احزاب الطائفية السياسية المتنفذة، بفعل سوء ادائها في الحكم وتورط الكثيرمن عناصرها في الفساد السياسي والمالي والاداري على نطاق واسع، وفشل مشروعها السياسيٍ على مختلف المستويات: في الحكم وفي عملية بناء الدولة وإدارتها، وفي تأمين حاجات الناس وتحسين ظروف معيشتها، وتوفيرأجواء الأمن والاستقرار، وفي الحفاظ على اللحمة الوطنية وتمتينها.
وتعمل هذه الاتجاهات في تطور الأوضاع على ايجاد استعدادات أكبر لدى اقسام متزايدة من المجتمع، لتقبل طروحات التيار المدنية الديمقراطية والتفاعل ايجابيا مع فعالياته ومبادراته.
وقد تركزت الجهود خلال الأشهر الماضية على تنشيط عمل هيئات التيار وتنسيقياته في اتجاه تعزيز دوره السياسي، والسعي لوضع آليات عمل داخلية واضحة للتحالف المدني الديمقراطي، سواء ما بين القوى والشخصيات المنضوية داخله، وما بين اعضاء مجلس النواب والهيئة السياسية للتحالف المدني الديمقراطي. وقد طرأ بعض التقدم على هذا الصعيد، ما يستوجب ترسيخه ومواصلته. ويشكل تطوير عمل التيار الديمقراطي عاملا رئيسيا في ضمان تحقيق اي تقدم في هذا الاتجاه.
ولقد شهد عمل بعض تنسيقيات التيار تطورا ملموسا، تمثل في قيامها بسلسلة من الفعاليات الناجحة، التي اكتسب بعضها طابع الانتظام والحضور الجماهيري. وتوفرت مؤشرات موضوعية تؤكد وجود آفاق واعدة للتوسع، شريطة التحلي بالمبادرة والانفتاح والاستمرار في تعزيز البناء التنظيمي الداخلي على اسس سليمة.
وان من الضروري الشروع منذ الان بالتحضير لانتخابات مجالس المحافظات، ووضع خطة تحرك مبرمج لحزبنا ولهيئات التيار لهذا الغرض.
الحراك الجماهيري
شهدت الأشهر الماضية حراكا جماهيريا واسعا شاركت فيه فئات وشرائح اجتماعية في بغداد والعديد من المحافظات، مطالََـبة بالحقوق وضغطا على اصحاب القرار كي يستجيبوا الى ما هو مشروع وعادل من حقوق اقرها الدستور والقوانين االنافذة.
وشمل الحراك ودوافع انطلاقه عناوين كثيرة منها احوال البلد العامة، وما يواجه الناس من صعوبات ومشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، وموضوع الحريات والحيلولة دون مصادرة بعضها او تقييده تحت اي مسمى، والشكوى المتواصلة من عدم المساواة ومن التمييز في اعتماد الوظيفة العامة والتعيين في مؤسسات الدولة، ومن سوء ونقص الخدمات، وتفاقم البطالة وتزايد اعداد العاطلين لا سيما من خريجي الجامعات، وتفشي الفساد والرشى، والتفاوت الكبير في الرواتب بين الدرجات العليا والدنيا في السلم الوظيفي، والرواتب والمخصصات الكبيرة للرئاسات الثلاث والوزراء وذوي الدرجات الخاصة، وحجب رواتب منتسبي شركات التمويل الذاتي، ومثلها منح الطلبة، وقضايا القبول في الجامعات، والتلكؤ في تسديد مستحقات الفلاحين عن تسويق منتجاتهم وخصوصا من الحنطة والشعير والرز، ومسألة حماية المنتوج الوطني، وتأمين حقوق المتقاعدين والسجناء وضحايا انقلاب 1963، وقضايا النازحين والمهجرين، والقضايا المهنية للعديد من الفئات والقطاعات، وغير ذلك.
وكان الحراك العمالي الاوسع والاكثر انتظاما، وقد جاء بعد حجب رواتب العاملين في شركات التمويل الذاتي التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، وهو ما تطورت مطالبه من مجرد اطلاق الرواتب وتحويل تلك الشركات الى التمويل المركزي، الى اصل المشكلة المتمثل في سياسة الحكومة وتوجهها نحو خصخصة شركات القطاع العام واحالة العاملين فيها على التقاعد الاجباري. وقد حقق هذا الحراك العديد من اهدافه ومراميه، وحمل الحكومة على مراجعة مواقفها واطلاق الرواتب، رغم التسويف والمماطلة من الجهات ذات العلاقة،كذلك بتفعيل قوانين التعرفة الكمركية لحماية المنتوج الوطني.
ولا بد من الاشارة الى تنامي الحراك الطلابي وشموله العديد من المؤسسات التعليمية في مدن ومحافظات عدة، وتزايد اعداد المساهمين فيه، مما يعكس وعيا متناميا باهمية الحراك لانتزاع المطالب وتصحيح الاوضاع في مؤسسات التعليم.
ان الحراك الجماهيري وغيره العديد من الفعاليات الجماهيرية، تشير بوضوح الى اهميته في انتزاع الحقوق ووقف اي تماد في التجاوز عليها، وعدم انتظار هبة ومكارم الحكام. كما انه ضروري للضغط من اجل تنفيذ الوعود الانتخابية، وما يعلن من برامج للحكومة والكتل السياسية.
ان ما اقدمت عليه هذه القطاعات الجماهيرية الواسعة يشكل مدخلا صحيحا لادراك حقوقها والاصرار على المطالبة بها وحمايتها من التهميش والتقزيم والمصادرة. كما أنه ينسجم تماما مع الدستور، طالما بقي حراكا سلميا لا يلحق اي ضرر بالاموال والممتلكات العامة والخاصة.
ومن المرجح أن تؤدي السياسة التقشفية التي اعتمدتها الحكومة لمواجهة التقلص في ايراداتها المالية إلى توسيع دائرة الاحتجاجات والحراك الجماهيري، نظرا للآثار السيئة التي ستتركها الاجراءات المتخذة لتقليص النفقات وتعظيم الموارد، وما يستتبع ذلك من فرض ضرائب مباشرة وغير مباشرة على الخدمات المقدمة للناس، فضلا عن تضاؤل فرص العمل.
ويلقي هذا على عاتق القوى الوطنية والديمقراطية خاصة، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، مهمة رعاية ودعم هذا الحراك السلمي والسعي الى تنمية الوعي في اوساط اجتماعية وشعبية واسعة، ومساعدتها على ادراك اهميته وضرورته والمساهمة فيه كوسيلة مجربة لتصحيح الامور باتجاه وضعها على الطريق السليم.
ويمثل هذا الحراك شكلا من أشكال الضغط الشعبي والجماهيري الذي ينبغي العمل على الارتقاء به من حيث مضامين مطالباته، وتوسيع قاعدة المشاركة فيه ليشكل مع الدور الفاعل لمنظات المجتمع المدني والأشكال الأخرى من الضغط الشعبي، عاملا في بناء قاعدة جماهيرية واسعة تتمكن من تعديل موازين القوى والدفع في اتجاه فتح "كوة الامل " على فضاءات اوسع، وتحقيق التغيير والاصلاح المطلوبين واقامة الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية المستقلة.
وعلى رغم تعقيدات الأوضاع والاختلال في موازين القوى لغير صالح القوى المدنية الديمقراطية، فان هناك مؤشرات متزايدة في اتجاهات تطور الأوضاع على وجود استعدادات أكبر لدى اقسام متزايدة من المجتمع لتقبل الطروحات المدنية الديمقراطية والتفاعل ايجابيا مع المبادرات والفعاليات التي تحمل عناوينها.
تطورات المنطقة
تحفل منطقتنا بكم هائل من التطورات والصراعات، و تعاني من عدم الاستقرار وتنامي النشاطات الارهابية. ولم يستطع البعض من بلدانها تلمس طريقه نحو اختيار حر وديمقراطي لانظمة الحكم فيها وفقا لخيارات شعوبها، وبما يتيح بناء حياة يظللها الرفاه والحرية والتقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وبرزت في الفترة الاخيرة احداث وتطورات تركت آثارها على دول المنطقة وشعوبها، وادخلت هذا الجزء من العالم مجددا في اتون الحرب، وما تسببه من خسائر بشرية واضرار في البنى التحتية وتدمير لما عمرته وشيدته شعوب المنطقة، بكدحها واموالها.
ان حالة الاستعصاء في العديد من الدول ومعاناتها من ازمة الحكم، تعود اساسا الى نهج وسياسة العديد من حكام المنطقة، ونهجهم اللاديمقراطي وفرضهم انظمة حكم دكتاتورية وفردية، تصادر الحريات وتحجب حق تشكيل الاحزاب وبناء المؤسسات الدستورية التي تمكن المواطنين من اختيار حكامهم وممثليهم بحرية تامة.
وهذا بالتأكيد لا ينفي دور التدخلات الخارجية واستراتيجيات عدد من الدول ومساعيها الخبيثة الى ادامة حالة عدم الاستقرار وتحقيق مصالحها، والسعي لابقاء هيمنتها على شؤون المنطقة والتحكم بمجرى التطورات فيها، وبما يبقيها ملتهبة ومجالا لتسويق اسلحتها وادامة نفوذها، ودعم الحكام الموالين لها، واستمرار دعم الغطرسة الاسرائيلية وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني.
ان نهج الحكم في عدد من البلدان هو المسؤول الاساس عن الكثير مما تعانيه شعوبها، على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعن حالة الاقصاء والتهميش والتمييز وحالة الفقر والمستوى المتواضع للعديد من مؤشرات التمدن والحضارة.
وقد كان هذا في اساس التحرك وانطلاق الهبات الجماهيرية في العديد منها، وهذه وان لم تحسم لصالح اجراء تغييرات جذرية تستجيب لمطامح شعوب المنطقة، فان من الانصاف القول انها كانت روافع لمواصلة العمل وتحفيز ملايين الجماهير على مواصلة الكفاح لتحقيق غاياتها وطوحاتها.
وفي هذه المعارك المفتوحة يبقى مهما بالنسبة للقوى الوطنية والديمقراطية وقوى اليسار الحقيقي، الدفع في اتجاه تغيير موازين القوى وحسم الامور لتحقيق تغييرات جذرية تصب في مصلحة الشعوب وكادحيها.
وفيما المعركة تحتدم على الخيارات يبقى العديد من القوى يقاوم ويرفض الخروج من مسرح الاحداث، رغم ما سببه الحكام من مآس ومظالم، وما تسببوا فيه من خسائر بشرية، وما يحصل في اليمن مثال على ذلك. فبعد استعصاء الحل سلميا حاولت اطراف معينة حسم المعركة لمصلحتها عن طريق القتل والعنف، وهذا بدوره قاد الى تدخلات عسكرية. وطبيعي ان شعوب المنطقة، وشعب اليمن بالذات، هي من يدفع الثمن غاليا.
ان الحرب المجنونة الدائرة في اليمن والتدخل الخارجي العسكري والاقتتال الداخلي يجب ان يتوقف فورا، وان تلجأ كل الاطراف، وبمساعدة الامم المتحدة الى طاولة المفاوضات، وتقدم التنازلات المتقابلة، وتتوصل الى حلول سياسية تجنب اليمن والمنطقة ما هو اخطر، خصوصا وان الحرب قد تفتح الشهية لتدخلات اوسع من دول الاقليم ومن خارجه، وهي المتحفزة على الدوام للاقدام على ذلك دفاعا عن مصالحها ومآريها، وما تدعيه من الحفاظ على امنها الوطني الذي لا حدود له عند بعض منها.
ان على القوى الخيرة في المنطقة واصوات الاعتدال، من دول ومنظمات واحزاب، ان تدفع في اتجاه عودة الحياة الطبيعية الى اليمن والى ليبيا، ووقف التدخل الخارجي في شؤونهما وتمكين شعبيهما من بناء مستقبلهما وفقا لارادتهما الحرة.
على صعيد آخر فتح الاتفاق النووي بين ايران والدول الكبرى وامريكا على وجه الخصوص الباب لاخماد بؤرة للتوتر في المنطقة، وصولا الى تحقيق الاتفاق النهائي وبما يساعد على رفع العقوبات عن شعب ايران وتسخير الموارد لتحقيق التقدم والازدهار.
وفي رأينا ايضا ان الاوان آن للتوصل الى حل سياسي وسلمي للازمة في سوريا، يقوم على حوار وطني شامل يجمع كل القوى المناهضة للتدخلات الخارجية والمنظمات الارهابية، لصيانة الوحدة الوطنية وتحقيق السلام وفتح طريق التغيير الديمقراطي في البلاد.
ويجدد حزبنا في هذه المناسبة موقفه الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، خاصة حقه المطلق في اقامة دولته الوطنية المستقلة على ارض وطنه.
ويحيي الحزب نضالات عموم شعوب المنطقة وقواها الوطنية والديمقراطية والاحزاب الشيوعية واليسارية، ويجدد تضامنه معها من اجل اقامة انظمة وطنية ديمقراطية، تؤمّن الحرية والتقدم، وتلحق الهزيمة بالتطرف والارهاب.