وثائق وبيانات

كلمة الشيوعي العراقي في الذكرى الحادية والستين لانتفاضة الشامية

الرفيقات العزيزات والرفاق الأعزاء
يا أبناء الشامية المناضلة/ الحضور الكرام
تحية المحبة والاعتزاز لكم جميعاً
أولى الحزب الشيوعي العراقي، القضية الفلاحية اهتماماً خاصاً، منذ نشأته في آذار 1934، لان أكثرية سكان البلاد كانوا يومذاك، يسكنون الريف، وقد سلبت أراضي غالبيتهم، وباتوا يعملون كمحاصصين لدى ملاكين وإقطاعيين، استحوذوا على الارض بفضل سياسات الحكومات الملكية الرجعية المتعاقبة، والمستعمرين الانكليز، الذين كانوا يستهدفون إنشاء حلف طبقي من هؤلاء الإقطاعيين وبرجوازيي المدن، ليكون القاعدة الاجتماعية لنظام الحكم المرتبط بهم، والمنفذ لإرادتهم.
في أواخر الأربعينات، وأوائل الخمسينات، اتسع نفوذ الحزب في الريف، حتى غدا نفوذاً مؤثراً في العديد من المناطق، واستطاع أن يكسب الكثير من الفلاحين إلى صفوفه، وان يكوّن دائرة أوسع من الاصدقاء الثابتين، ولم يكن ينافسه أي حزب آخر في نفوذه بين الفلاحين، وبفضل ذلك، تحول الريف العراقي تدريجياً من احتياطي كامن للحكم الرجعي، إلى رصيد كبير للحركة الثورية، وراحت الحركات الفلاحية تتفجر تباعاً تحت تأثير وقيادة الحزب الشيوعي العراقي بشكل أساسي، ففي هورين وشيخان وقف الفلاحون بقوة إمام تحايل الأغوات والسراكيل لسلبهم أراضيهم وتسجيلها بأسمائهم، واضطروا في المطاف الأخير إلى تسليم الأرض للفلاحين، ثم جاءت انتفاضة "أل ازيرج" عام 1951، وأعقبتها حركة فلاحي " دزه يي" في سهل اربيل، وبعد انتفاضة الشامية عام 1954، استمرت انتفاضات الفلاحين وتمرداتهم، فكانت انتفاضة فلاحي الخميسية في سوق الشيوخ، وتمرد فلاحي "الغموكة" على شيوخهم في الشطرة، وانتفاضة فلاحي "أل عكيل" في منطقة الفجر في الناصرية، وغيرها الكثير.
وكانت منظماتنا الحزبية في الريف، قد اعتمدت تكتيكاً ناجحاً وذكياً، يتلخص في أن لا تثير المعارك ضد جميع ملاكي المنطقة في وقت واحد، وإنما كانت تلجأ إلى شنها ضد هؤلاء واحداً بعد الآخر، وفي ذات الوقت كانت تتشاور مع المحامين الشيوعيين وأصدقائهم المنتمين إلى لجان معاونة العدالة، وتنبههم إلى مواقف الضعف لدى خصومهم من الإقطاعيين، وعلى هذا النحو الذي يمزج بين النضال السلمي والكفاح المسلح إذا اقتضت الضرورة، استمر الصراع ضد مغتصبي حقوق وأراضي الفلاحين.
وكانت أرياف الشامية هي البؤرة الثورية، الأكثر استعداداً لتحقيق طموحات الجماهير الفلاحية، كما كانت ملاذاً للكثيرين من كوادر الحزب الشيوعي، وأعضائه، من ضحايا الحملات الوحشية التي كانت تشنها السلطات الملكية المتعاقبة، الأمر الذي أدى إلى اندلاع هذه الانتفاضة الباسلة في الساعة العاشرة من صباح يوم 15/11/1954، وبأعداد غير متوقعة. وقد حظيت بتعاطف أهالي الشامية تضامناً ودعماً من جميع الشرائح الاجتماعية. كما جاءت الوفود الفلاحية من غماس والعباسية والطحينية بأعداد كبيرة أذهلت الأجهزة الأمنية آنذاك، وشاركت فيها أيضا، بحماس وفعالية جموع الطلبة ونساء الشامية الباسلات، وأصحاب المحلات البسطاء، فكانت بحق عملاً ثورياً رائعاً، وفعالية نضالية بطولية، هزت عروش الإقطاعيين، وحماتهم من السلطات الملكية الرجعية.
كان مطلب الانتفاضة الرئيسي هو قسمة (النص)، وقد رضخت الحكومة لمطالب الفلاحين، وأصدرت قراراً بقسمة الحاصل الزراعي مناصفة، وأطلقت سراح المعتقلين، وأعادت الطلبة إلى مدارسهم.
ما أحوجنا اليوم إلى الاستفادة من دروس وعبر الانتفاضة وسائر انتفاضات وثورات شعبنا، واهمها وحدة الصف الوطني ووضوح الرؤية والأهداف والالتحام بالجماهير الغفيرة في المدينة والريف، سيما في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها عراقنا الحبيب وهو يتعرض إلى الخطر الداهم المتمثل بـ "داعش" وبقية المنظمات الإرهابية، التي ما كان لها ان تدنس أرضنا وتحصد أرواح الأبرياء من أبناء شعبنا وتخرب اقتصادنا لولا سياسة التهميش والإقصاء والتفرد بالحكم التي اعتمدتها الحكومات السابقة، فمهدت بذلك الأرضية الملائمة لظهور "داعش" وتغولها، وهنا لابد من الإشادة بقواتنا المسلحة الباسلة وانتصاراتها المتواصلة وبكل من يقاوم هذا الفكر الظلامي وصنيعته "داعش" ومن يقف وراءها، وتقديم كل الدعم والإسناد لهم في هذه المعركة المصيرية وبموازاة الانتصارات والنجاحات العسكرية الكبيرة ينبغي تفعيل المصالحة الوطنية، عبر مؤتمر وطني تشارك فيه كل القوى السياسية والأحزاب المؤمنة بالديمقراطية وبإصلاح العملية السياسية، بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة ضد الفساد والمفسدين، وتوفير الخدمات الضرورية لأبناء شعبنا، والاحتكام إلى مبدأ المواطنة في إسناد المهمات والوظائف العامة، والخلاص من أس البلاء المحاصصة الطائفية والاثنية، فضلاً عن أهمية معالجة مشكلة النازحين، وضرورة إعادتهم إلى أماكنهم الأصلية بعد تحريرها وتعويضهم عن كل الخسائر التي لحقت بهم، جراء إعمال داعش الإجرامية والإرهاب المنفلت الذي سبقها.
إن انتفاضة الشامية المجيدة، ستظل علامة مميزة في السفر النضالي، العراقي ألفلاحي والوطني، وسيظل المشاركون فيها من أبناء الشامية الشجعان رموزاً للكفاح الذي لا هوادة فيه، من اجل حقوق ومصالح الفلاحين وكل الكادحين العراقيين.
عاشت الذكرى العطرة لانتفاضة الشامية الباسلة
ومجداً لكل مناضليها والمساهمين فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة ألقاها عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي محمد جاسم اللبان
في فعالية استذكار انتفاضية "الشامية" التي أقيمت الجمعة الماضية في القضاء.