من الحزب

حوار الرفيق حميد مجيد موسى مع " الحقيقة" بمناسبة الذكرى 51 لإنقلاب شباط الأسود / حاوره علاء الماجد

بدأ الصراع بين عبد الكريم قاسم وبعض زملائه من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار والشخصيات السياسية الفاعلة في الساحة السياسية من مختلف التيارات، بسبب التصرفات وبعض الإجراءات التي اتخذها عبد الكريم قاسم منها تفرده في السلطة، وفي السياسة العراقية. حيث تحول الصراع إلى صراع مسلح بين الفرقاء. وبعد أن أحس التيار القومي وحزب البعث بان عبد الكريم قاسم يمارس معهم عملية اقصاء وما اسموه بعدم تنفيذه ما تم الاتفاق عليه قبل الثورة وانفراده بالحكم، وبسبب من حقدهم على الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يريد للثورة ان تتجاوز مرحلة تسنم الحكم الى اقامة الدولة المدنية المؤسساتية وبناء الديمقراطية ، تحالفت هذه القوى ومعها بقايا العهد الملكي والامبريالية العالمية وعملاء الدول الاقليمية المتضررة من ثورة تموز مع بعضها لاسقاط الثورة وقد نجحت بذلك في 8 شباط 1963، في انقلاب دموي فاشي ادى الى ارتكاب جرائم يندى لها جبين الانسانية .
"الحقيقة" التقت الرفيق حميد مجيد موسى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي لتجري معه حوارا خاصا بمناسبة الذكرى الـ51 لانقلاب 8 شباط الاسود، وهنا نص الحوار:

هل تحتفظ ذاكرة الاستاذ حميد مجيد موسى بصور معينة عن أيام انقلاب شباط 1963 ، خاصة وانكم عضو في الحزب الشيوعي العراقي منذ خمسينيات القرن المنصرم ؟

نعم، 8 شباط يوم مشؤوم، وحقا مأساة كبرى حلت بالحركة الوطنية العراقية، وبقدر تعلق الامر بذاكرتي الشخصية، كنت في ذلك اليوم الاسود في بلغاريا، في بعثة حكومية، فلذلك لم اعش الفصول الدامية مباشرة، ولكني عشتها من خلال ما عانته عائلتي، حيث استبيح دار العائلة بالهجوم المبكر من قبل قطعان الحرس القومي الفاشست على البيت، وتفتيشه للبحث عن شقيقيّ اللذين جرى اعتقالهما لاحقا، وهما المرحوم عباس وعبد العظيم. وعانت العائلة من ممارسات البعث لاحقا لحين سقوطه. وقد بقي اخواني معتقلين في تلك الفترة، ونحن خارج الوطن وقد هزتنا الجرائم الوحشية للنظام الفاشي وكان لنا نشاط واسع للتضامن مع شعبنا. وحقا استطعنا ان نستنهض ونحشد حملة تضامن واسعة، ليس فقط في البلدان الاشتراكية وانما في الكثير من بلدان العالم، ونتيجة لمساهمتي الشخصية مع بقية رفاقي وزملائي الطلبة، صدر قرار بفصلي من البعثة الحكومية في ذلك الوقت، ولكن الحكومة البلغارية امتنعت عن تنفيذ هذا القرار ووفرت لنا مشكورة فرص اكمال الدراسة، وهذا احد مظاهر التضامن مع حركة شعبنا ونضال ابنائه.
على كل حال كانت مأساة الشعب كبيرة وكانت معاناتنا شديدة. كنا نستقبل الهاربين من بطش النظام ونسعى لتأمين الضيافة وفرص الدراسة والعمل خارج الوطن. وقد نجحنا الى حد غير قليل في حماية وضمان استمرارية نشاط الكثير من الديمقراطيين والحزبيين والشخصيات الوطنية. وكان للطلبة والمنظمات الحزبية خارج الوطن دور مجيد في دعم المناضلين داخل الوطن عبر الاعلام وحملات التضامن والدعم المالي، وفي فضح جرائم النظام امام الرأي العام العالمي. هذا ما علق بذاكرتي عن تلك الايام المشؤومة التي سعينا مع ابناء شعبنا لتقليص وتقصير عمرها. ولم يكن سقوط رجالات 8 شباط المدوي ومجرميه وحرسه "القومي" الا دليلا على كره الشعب لهم وتعاظم الاستياء من حكمهم، والذي مهد الظروف للانقلاب عليهم وطردهم شر طردة من الحكم في 18 تشرين 1963.

هل تحضركم بعض الاسماء للرفاق الذين تعرضوا للتهجير او اضطروا للسفر والهجرة الى اوربا الشرقية او بلغاريا؟

عديدون، ولكن الذاكرة لا تختزن الكثير، وفي تلك الفترة لم يكن بينهم قياديون، فقد تمكن البعث للاسف الشديد من اعتقال الكثير من القياديين والكوادر البارزة، لكن هذا لا يمنع من الاشارة الى ان الكثير من الذين اضطروا الى الهجرة هم من المناضلين الاشداء ضد الدكتاتورية.

كل ادبيات الحزب تشير الى وجود عدد من الضباط الشيوعيين المهمين المحيطين بعبد الكريم قاسم ، ما سبب التردد في تسلّم زمام الامور وتصحيح مسار الثورة ؟

دعنا نعالج المسألة بمنهجية علمية بعيدا عن العاطفة والرغبات. جريمة 8 شباط ليست ثمرة لحظة عابرة او بنت صدفة وانما هي واحدة من سلسلة محاولات اجرامية انقلابية، ومن مؤامرات قذرة كانت تدبرها قوى الشر من رجالات العهد الملكي المباد بالتحالف الوثيق مع العناصر القومية المتطرفة، وفي مقدمتها حزب البعث وباسناد ودعم من الدول التي تضررت مصالحها، الدول الاستعمارية، ودول المنطقة الاستبدادية. فالمعركة كانت بين قوى وطنية ديمقراطية ، تريد تقدم العراق وتحرير شعبه من العبودية، ومن الاستعمار ومن الظلم، وان تفتح الطريق لتطوره المتصاعد نحو تحقيق السعادة والرفاه والتقدم، وبين قوى الشر. فقوى الشر واسعة التحالف، لذلك كان الهاجس الاساسي عند الحزب الشيوعي هو تجميع القوى لحماية الثورة التي تواجه هذا الشر المستطير ودعم اركانها وترقية مسيرتها. وعبد الكريم قاسم كان بمثابة حليف للقوى الوطنية في موقفها ضد قوى الشر، ضد قوى التآمر، ضد قوى الردة، بالرغم مما كان عليه الزعيم من ممارسات خاطئة ومن تسلكات غير سليمة ومن سياسات حمقاء ورطت البلد في جملة من المشاكل. فهنا الاختلاف برأي قيادة الحزب لم يصل الى مستوى الدخول في صراع تناحري مع عبد الكريم قاسم حتى ولو وجدت بعض الاختلافات ،بعض الصراعات والمناوشات بين طرفي المعسكر الوطني، فليس كل اختلاف بين القوى الوطنية يجب ان يترجم الى انتفاضة وثورة على الحليف وانما كانت القناعة سائدة في ذلك الوقت ان هذه الاختلافات يمكن ان تعالج من خلال الضغط الجماهيري، من خلال الاتصالات، من خلال التوعية، من خلال استخدام المؤثرات الكثيرة، فكان النفس الطويل هو المعمول به من قبل الحزب وقيادته. المسألة ليست فنية، فما دام لدينا عسكريون وفي مواقع مهمة فلا بد ان ننقض على من نختلف معه على السلطة. هذا اولا، وثانيا لم تكن الظروف تستدعي هذا الفعل الجذري، فرفاق الحزب يلتزمون بقرارات القيادة، فضلا عن الوضع الخارجي والعلاقات العالمية. هذا موقف الحزب، لكن للاسف هذه العقلية، هذا الشعور بالمسؤولية الوطنية الواسعة لم يكن بالضرورة يلقى الصدى المناسب لدى من كان زعيما للحكومة او رئيسا للوزراء. واعني عبد الكريم قاسم الذي لم يأخذ هذا النهج السليم بالحلم الكافي وبالحكمة الضرورية لقيادة مسيرة الثورة الوطنية الديمقراطية. وكان المتآمرون في ذلك الوقت يسعون الى تأجيج الصراع وزيادة الفتنة بين عبد الكريم قاسم والحزب، واوغروا صدر عبد الكريم للاسف ضد الحزب ولكن كان في الحزب مجموعة من الرفاق تصوروا ان الامثل هو بالانقضاض او اسقاط عبد الكريم، لكن هذا كان رأياً لم تكن له الغلبة، هذه وجهة نظر لم يقبلها الحزب في اغلبية قيادته، بل كان المنطق الذي تحدثنا عنه هو المتحكم، هو السائد في السياسة الرسمية للحزب الشيوعي العراقي ازاء عبد الكريم قاسم.

في قيادة الحزب في تلك الفترة، هل كان هناك رأي للاطاحة بعبد الكريم قاسم رغم شعبيته الواسعة آنذاك؟

نحن كحزب شيوعي دخلنا متحالفين مع عبد الكريم قاسم ومساهمين في انجاح ثورة 14 تموز في مرحلتها الاولى، مرحلة القضاء على النظام الملكي، واقامة الجمهورية وتحقيق الانجازات الاولى: التحرر من حلف بغداد، والخروج من الاسترليني واعادة ترتيب سياسات العراق الخارجية. ولكن هدف الثورة الحقيقي هو ليس هذا فقط، وانما هناك الكثير من المهمات والاهداف التي كان ينبغي مواصلة المسير لتحقيقها، وهي بناء دولة ديمقراطية دستورية يكون للشعب دور فيها، ويتمتع الناس بالحريات، كذلك تعالج القضية القومية. ونحن كنا نعاني من كل هذه المشاكل، وبنفس الوقت ايضا ان نستعيد ثرواتنا الوطنية وان نمنع تطاولات القوى الامبريالية بالتعدي على سيادتنا واستقلالنا وثروتنا الوطنية. هذه المهمات هي التي افرزت الخلاف الموضوعي مع عبد الكريم قاسم. بمعنى ان الخلاف كان داخل قوى الثورة وليس بين الثورة وقوى الردة وليس مع القوى المتآمرة التي تريد ان تسرق الثورة وتوجهها بالوجهة التي تريدها كما حصل مع المتطرفين القوميين والبعثيين الذي ارادوا فرض الوحدة الفورية والالتحاق بالجمهورية العربية المتحدة بدون مقدمات وبدون ضوابط. نعم في داخل الجبهة الراغبة في حماية الثورة، هناك خلاف وصراع. عبد الكريم قاسم لم يكن يرغب في تنمية الثورة، بل كان بطيئا، بل اكثر من هذا متلكئا، مترددا لا يريد ان تدفع المسيرة بالاتجاه الصحيح وهو تبني الديمقراطية كنظام سياسي واشراك الشعب فيها. لذلك بقي دوره الفردي وتعزز هذا الدور بالارتباط مع الصراع مع قوى الردة حينما شاغبوا وحرضوا وكذبوا وشوشوا واستغلوا احداث واخطاء وممارسات غير سلمية، كل هذا دفع بعبد الكريم قاسم للتعامل بشكوكية وعدم ثقة بسياسة الحزب وبالحزب، الحزب الذي احتضنته الجماهير وانطلقت نشاطاته وتوسع دوره. وكان الحزب معرقلا ومتصديا لمؤامرات قوى الردة، لكنهم بدأوا يصورون لقاسم أن هذه القوة ستكون ضده، لازاحته، للانقلاب عليه، في وقت كما اشرت في المقدمة، ان الحزب لم يضع في برنامجه لا اسقاطه ولا التآمر عليه، بل بالعكس كان يسعى لتطوير الجمهورية بالاتجاه الصحيح، تجاه مهماتها الحقيقية كثورة وطنية ديمقراطية. فبدأ قاسم التصرف بطريقة غير متوازنة للاسف وارتبط هذا الأمر بجملة احداث مأساوية اجادت قوى الردة والتآمر والامبريالية صناعتها واستغلت بعض الممارسات الخاطئة كما حصل في الموصل وكركوك، فبدأت للأسف الشديد حملة شعواء من قبل اجهزة الأمن وبقايا العهود السابقة التي تتحين الفرصة لايذاء الشيوعيين. وبدأ الخلاف يخرج عن اطاره الطبيعي في تباين وجهات النظر الى ممارسات غير طبيعية: اعتقالات ومطاردات والسكوت عن المجرمين الذين قاموا بحملة اغتيالات للكثير من المناضلين في مدن العراق المختلفة واعادة بعض رموز التآمر الكبيرة الخطيرة الى مواقعهم في المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية. وكل ذلك مهد وقدم المستلزمات المادية والسياسية والنفسية لنجاح انقلاب 8 شباط الأسود.

تداخلت مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية وهيأت الظروف المناسبة للإطاحة بعبد الكريم قاسم، حيث يقول البعض ان قاسم كان يعتقد أن بعض حلفائه الشيوعيين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الوثوب إلى الحكم، وخاصة بعد تزايد نفوذ الحزب, بعد ذلك الشعار الذي كان يردده الكثير من الشيوعيين ومؤيدي الحكومة في إحدى المسيرات (عاش الزعيم عبد الكريم، حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيم) وجعلته يصمم منذ ذلك اليوم على تحجيم دور الحزب وسحب السلاح من منظماته ما أدى الى ضعف مقاومة الانقلابيين واسقاط الثورة، ما مدى صحة هذه المعلومة؟

حقاً، 8 شباط جريمة كبرى بحق الحزب اساسا، جريمة كبرى بحق الوطن والشعب وبحق ثورة 14 تموز ولكنها ايضاً استهدفت القوة الاساسية التي ناصرت هذه الثورة، وهي الحزب الشيوعي العراقي، وكان الهم الاول للانقلابيين ومن ساندهم وآزرهم هو ملاحقة الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يمثل بالنسبة لهم الخطر الاكبر الذي يهدد مصالحهم في العراق وفي المنطقة. هكذا أكدت الوثائق التي نشرت لاحقا والصادرة عن السفارات البريطانية والامريكية، كما كانت المخابرات الاقليمية، واجهزة اعلامهم قد سلطت جام غضبها ونارها، بعد اعدام عبد الكريم قاسم في اليوم الثاني من الانقلاب، على الحزب الشيوعي وضرورة ملاحقته كي لا يستعيد زمام المبادرة وينقذ الثورة. فكانت الخسائر فادحة، آلاف الشيوعيين، قادة الحزب، سكرتير الحزب، اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية، والكادر العمالي، والمحليات، نعم خسائر رهيبة، وكبيرة، الحزب يعاني منها حتى يومنا الحالي، خسائر لا تعوض. تلك جريمة كبرى بحق الانسان وبحق الشيوعيين. وما رافق تلك الاعدامات والقتل والتعذيب والاغتيالات والمطاردات للشيوعيين وللكثير من الوطنيين الثوريين. فهذا فعلا خلق ضعفاً حقيقياً في قدرات الحزب وقدرات القوى الثورية في العراق، هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، بل ومن المكابرة وعدم الواقعية نسيانها وتجاهل تأثيراتها حتى في الفترات اللاحقة. نعم، الحزب عانى، ولكن معاناة الحزب والمآسي التي لحقت بالحزب والديمقراطيين واليساريين العراقيين لم تدفعهم الى الهرب من ساحة المعركة ولا الى الاحباط، بل كانوا جديرين بثقة رفاقهم الذين استشهدوا وتمكنوا من رفع الراية ومواصلة المسير والسعي الى زعزعة النظام الفاشي، نظام 8 شباط. واعتقد أن في المبادرات الرائعة للمنتفضين في تموز فيما سمي بحركة حسن السريع، واحدة من الاشارات والادلة المبكرة، ومن التحقوا بالثورة الكردية ورفعوا السلاح، وغيرهم من الذين صمدوا في ريف الفرات الاوسط وشنوا الغارات على قوات الحرس القومي، وتمكن من تمكن من كوادر الحزب الذين سلموا من الاعتقال والتعذيب من ان يعيدوا بناء التنظيمات الحزبية في كل ارجاء العراق.

انتفاضة او ثورة معسكر الرشيد بقيادة حسن سريع، باعتقادكم هل كانت ردا على الانقلاب، وهل كان هنالك اتفاق مع قادتها؟ ام انها كانت ردة فعل قوية لرفاق عسكريين شيوعيين للجرائم التي ارتكبها البعثيون بحق الحزب وابناء الشعب؟

هي كل هذا، هي ردة فعل غيارى ثوريين على ما ارتكب بحق شعبهم وحزبهم من جريمة كبرى. حركة حسن سريع هي عمل منظم بحدود معينة بادرت اليه منظمات الحزب او بقايا تنظيم الحزب العسكري والمدني، ولكن يجب ان تؤخذ هذه الحركة في ظروفها ضمن الاوضاع الملموسة فبعد ما حصل للحزب بعد الضربة القاسية التي حصلت وتشتت المراكز الحزبية لم يكن بالامكان الحديث عن قرارات مركزية او ادارة مركزية لكل النشاط الحزبي، ولكن الحركة هي واحدة من التجارب المجيدة. الشيوعيون حينما يصابون بضربة يبادرون كل من موقعه للملمة الرفاق والمنظمات والتوجه للقيام بمبادرات، فالمجموعة كانت على صلة مع قيادة الحزب، ولكن تلك الايام السوداء لم تمكن الحزب من تنظيم هذه اللقاءات بتواتر وسلاسة كي يتم التشاور بما يتوازى وينسجم مع كل عمل من هذا النوع من انتفاضة عسكرية. فكان زمام المبادرة بيد المجموعة العسكرية التي تصدت للمهمة، وكان هذا عملا مجيدا. طبعاً الان نتحدث بعد 51 سنة، نتعامل مع الأمر كونه ارهاصة ثورية كبرى استجابت لنداء الضمير وردة فعل على الجريمة ورغبة في اعطاء فرصة اكبر لتجميع القوى وتوحيد الجهود للانقضاض على نظام الانقلاب. نعم هذا عمل مجيد، فحركة حسن سريع مؤشر على ان الشيوعيين وغيرتهم الثورية الوطنية تدفعهم لعدم الاستسلام والقنوط والاحباط، بل ان الاحداث المأساوية تشحذ همم الغيارى لاعادة البناء ومواصلة المسير خدمة لقضية الشعب.

كيف يمكن الاستفادة من دروس وعبر انقلاب شباط في ظروف البلاد الراهنة؟

الانقلاب، وما سبقه وما ترتب عليه من نتائج يمثل حالة توفر لكل المخلصين امكانية استخلاص الكثير الكثير من الدروس كي لا يقعوا في نفس المطبات التي وقعت بها الحركة الوطنية والثورية العراقية، أن أحسنوا استلهامها، وان اتقنوا فحصها ودراستها . فالفُرقة وتصاعد الأمزجة الذاتية والمصلحية وتغليب الحزبية الضيقة وعدم التشاور والتنسيق فيما بينها وعدم حل الخلافات الثانوية عن طريق الحوار، بالتأكيد سيكون هذا رصيدا لاعداء مسيرتنا، كما حصل حينما تعنت عبد الكريم قاسم وتجاهل وسادت لديه الشكوك وعدم اليقين، رغم وطنيته التي لا نشككك فيها، ورغم طيبته ونزاهته وهذا شيء ثاني. لكننا نتحدث بمسؤولية سياسية عن مصائر الوطن. أن التفرد وعدم التشاور وسماع مشاغبات وفتن الاعداء والمغرضين والانتهازيين والوصوليين ادت الى ما ادى اليه الوضع، بحيث ان عبد الكريم قاسم وهو في اللحظات الأخيرة الحاسمة والجماهير تتقاطر على شارع الرشيد ووزارة الدفاع، والجموع تحتشد عارية الصدور تطالب بالسلاح وتنظيم المقاومة، تراه مترددا وتقوده الشكوكية وعدم اليقين وهذا ما أدى الى قتله بهذه الطريقة الاجرامية المأساوية وقتل من كان معه. ومن كان معه؟ اليوم مناسبة لأعيد ما ذكره المتآمر عبدالغني الراوي الذي التقته جريدة "الحياة" اللندنية بشخص غسان شربل، وهو صحفي بارع، سأله عن هذه الاحداث فقال: جئنا بعبدالكريم قاسم وخوفاً من بقائه حيا لان ذلك سيعني تداعيات وتأثيرات فقررنا اعدامه بأسم محكمة صورية في الاذاعة مع من كان معه، من كان معه؟ كان معه المهداوي وطه الشيخ أحمد... وقال بالحرف الواحد: قلنا لهم قولوا طلبكم الأخير، فهتف الاثنان في تلك اللحظة العصيبة: عاش الحزب الشيوعي العراقي، عاش الشعب العراقي، وكان عبدالكريم. معهم يسمع، هذا درس للتاريخ، من بقي الى اللحظة الحاسمة، من لم يتخاذل ولم يخن ولن يتردد واخذ يهتف: عاش الشعب العراقي عاش الحزب الشيوعي العراقي. وهذا مسطر في جريدة الحياة على لسان قائد العملية ومدبر عملية الاعدام، عبدالغني الراوي، نائب رئيس الوزراء في حكومة الانقلاب. نلاحظ في تلك اللحظة هذا الذي حصل.الشيوعيون اوفياء إذاً للوحدة الوطنية، رجاحة العقل، الحذر من الاعداء الحقيقيين، وعدم الحساسية المفرطة من الرأي المعارض، ليس كل اختلاف عداوة، ولا يترجم كل تباين هو تآمر، الاعداء غشاشون لا يتورعون أن يستخدموا أقذر واسوأ الافعال ولكن الاصدقاء هم من يتكلمون الحقيقة دون مواربة ودون نية سوداء بل نية صادقة، المهم بالنسبة لهم مسيرة البلد، سلامة الوطن، حقوق الشعب، فكيف يمكن ان نبني نظاما ديمقراطيا بدون ان نشارك في حمايته وبدون أن نؤمن مصالح ذوي المصلحة الاساسية في بنائه؟ نعم العدو خبيث ولا يتورع عن ارتكاب المجازر، فلا نتصور ان الارهابيين الان هم بعيدون عمن سبقهم من مجرمين، فهؤلاء الارهابيون قسم كبير منهم هم ورثة اولئك المجرمين الحقيقيين في شباط الأسود. نفس المدرسة. نفس العقلية، انه كره الناس، كره الحرية، كره الديمقراطية هذا الذي يقودهم لارتكاب هذه الجرائم، وضحاياها هم ابناء الشعب والمخلصون لهذا الشعب

الخسائر الكبيرة التي تكبدها الحزب جراء انقلاب شباط، لم يجر تقييمها بما تستحق من قبل الدولة. ولم يجر انصاف السجناء السياسيين الشيوعيين، ضحايا الانقلاب لحد الان، ما تعليقكم على ذلك؟
يهمنا ان الشعب يقيمها، ان ذوي الضمائر الحية يقيمونها، ان الوطنيين يقيمونها، واعتقد ان الشعب قيمها عالياً ويعتز ابناء الشعب بمسيرة الابطال المناضلين الذين كرسوا حياتهم وضحوا بأنفسهم من أجل قضية الشعب.
سابقا كانت الحكومة مترددة في انصاف ضحايا انقلاب 1963 من السجناء السياسيين وسعينا مع المخلصين، مع الاحزاب الأخرى، وصدر قرار البرلمان باعتبار ضحايا انقلاب 1963 مشمولين بقوانين مؤسسات الدولة، مؤسسة الشهداء، ومؤسسة السجناء. الان المهم كيف نفعل هذا، سبق وان استحصلنا أمراً ديوانياً من رئاسة الوزراء يعتبر شهداء الحزب الشيوعي العراقي وبضمنهم شهداء 1963 شهداء يستحقون التكريم، وادرجت اسماؤهم في مؤسسة الشهداء، ولكن بعض المحافظات تلكأت وبعض الموظفين ترددوا في تنفيذ هذا الأمر. للأسف الشديد اما بسبب البيروقراطية او بسبب الحساسية المتجذرة في نفوس بعض الموظفين.
الان بعد صدور هذا القانون الجديد ونشره في الجريدة الرسمية اعتقد لم يعد هناك أي مبرر او أي مسوغ يمنع فروع مؤسستي السجناء السياسيين والشهداء من ترويج معاملات ضحايا ذلك الانقلاب المشؤوم ، وذلك اليوم الأسود.

اصدر البعثيون كتاب (اضواء على الحركة الشيوعية) باسم سمير عبد الكريم، وقد اشار هذا الكتاب الى معلومات كثيرة في فترة الانقلاب ، هل تمت مناقشة محتويات هذا الكتاب على ضوء الحقائق التي حصلت فعلا في تلك الفترة ؟

المقصود من اصدار هذا الكتاب كان تشويه تاريخ الشيوعيين وتضليل الناس والافتراء على سياسة الحزب ومواقف قيادته ورفاقه، فهو يريد ان يمزج السم بالعسل، يستند بشكل مجتزأ الى بعض الوثائق الحزبية ويفسرها ارتباطا بتقولات مجموعة منهارة او عدد صغير من الخونة لما يخدم تعزيز روح العداء للشيوعية وللحزب الشيوعي. الرد على هذا الكتاب هو مواقف الحزب الحقيقية الرسمية، فمن يرغب بمعرفة الحقيقة عليه اللجوء الى وثائق الحزب وهي المصدر الرئيسي والى تصريحات ولقاءات قادته فهم الاولى بتفسير مواقفهم من ان يفسرها شخص مشبوه بنوايا سيئة. الآن عندنا كتاب الرفيق عزيز سباهي من ثلاثة اجزاء (عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي) وهو سرد وتحليل وعرض للتطورات في العراق وخصوصا في هذه الفترة الهامة من تاريخ العراق المعاصر؛ 14 تموز وانقلاب شباط الاسود وما تلاه من تطورات وما رافقه وما سبق هذه الاحداث من صراعات ذات طبيعة فكرية وسياسية. في الكتاب عرض لمواقف الحزب الجوهرية والاساسية وفيه تشخيص سليم للكثير من مواقع القوة والضعف في مسار الحركة الوطنية العراقية، فاعتقد هو بمثابة رد مباشر على ذلك الكتاب المشوه. وتضاف لكتاب الرفيق سباهي التعليقات التي قدمها الرفيق جاسم الحلوائي، كما ان هناك مذكرات العديد من الرفاق التي اضاءت هذا الجانب او ذاك من جوانب تلك الفترة المظلمة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرتها الزميلة "الحقيقة" في عددها الصادر أمس السبت 8 شباط 2014