من الحزب

على طريق الشعب .. في مناسبة تشريع قانون التقاعد الموحد : خطوة .. يتوجب استكمالها

في جلسته الماراثونية الاثنين الفائت، الثالث من شباط 2014، اقر مجلس النواب قانون التقاعد الموحد لسنة 2014، الذي كان مجلس الوزراء قد احال مشروعه اليه في 3 ايلول 2013، فجاءت المصادقة بعد خمسة اشهر من المماطلات والتأجيلات.
وكان الملايين من المتقاعدين وعوائلهم ينتظرون بصبر فارغ صدور هذا القانون، الذي يشمل جميع العاملين في مؤسسات الدولة، سواء على الملاك الدائم ام من العقود، والعاملين في القطاع الخاص، املا في تحسين مواردهم المالية بما ينعكس ايجابا على اوضاعهم المعيشية، ويمكنهم من تلبية متطلبات الحياة المتزايدة، وما يصاحبها من ارتفاع في الاسعار ومن تضخم .
ونشير عموما الى انه صدرت في السنوات الاخيرة قوانين، كانت موضع تجاذبات سياسية، وجرى استخدامها كورقة في الصراعات ولكسب الانصار والمريدين، وحتى في الدعاية الانتخابية المكشوفة، ولذلك لم تكن بعيدة عن لمسات الكتل المتنفذة ومساوماتها وضمان مصالحها، فحملت هنات ونواقص كان يمكن تلافيها لو جرى التشاور واشراك ذوي العلاقة المعنيين والمختصين، وابعادها عن نزعة الكسب الضيق على حساب المصلحة العامة .
ولم يكن صدور القانون الذي نحن بصدده بعيدا عن هذه الاجواء، وعن حالة الجذب والشد، والمزايدات المكشوفة، من اكثر من طرف وجهة . فحمل في مواده ما هو ايجابي، فيما انطوت مواد اخرى على ما يثير الجدل، ويستحق الانتقاد.
ولقد كنا، خصوصا بعد المدة الطويلة التي استغرقها اعداد هذا القانون وتبنيه، نتوقع صدوره بصيغة اكثر نضجا، واكثر مقبولية من قبل المتقاعدين عبر تأمين حقوقهم الكاملة، وتلبية ما طالبت به الجماهير واوساط الرأي العام، لا سيما ما يتعلق بالرواتب التقاعدية للرئاسات الثلات والوزراء والنواب وذوي الدرجات الخاصة. وكنا واضحين في تأكيد ضرورة استبعاد القضايا موضع النقاش والاختلاف عن هذا القانون، والعمل على معالجتها بشكل منفصل بعد التوافق عليها، واقرارها في تشريع ملحق بالقانون المشرع. وهذا ما لم يحصل للاسف، لا في مجلس الوزراء ولا مجلس النواب، وبقي الامر قائما يتطلب المعالجة، وبما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية .
ولعل مما يحسب لهذا القانون، انه وحد الكم الكبير المتعلق بموضوع التقاعد، والمتناثر في قوانين وقرارات عدة. كما يحسب له شموله جميع المتقاعدين، بغض النظر عن فترة احالتهم الى التقاعد، اي قبل 1/1/2008 وبعده، اضافة الى شموله المتعاقدين مع مؤسسات الدولة، والعاملين في القطاع الخاص المطالبين باضافة خدماتهم التقاعدية المضمونة .
ومن القضايا البارزة الاخرى في القانون ان:
• طريقة احتساب الراتب التقاعدي فيه انصفت اكثر من 80 بالمائة من المتقاعدين، الذين لم تكن رواتبهم التقاعدية تتجاوز 225 الف دينار، ونصه على الا يقل الحد الادنى للراتب التقاعدي عن 400 دينار (مع اننا نرى الا يقل ذلك عن 500 الف دينار شهريا كحد ادنى) ورفع النسبة التراكمية في احتساب الراتب التقاعدي الى اكثر من 2,5في المائة سنويا عن كل سنة خدمة، وعدم دمج مخصصات المعيشة بها .
• مخصصات غلاء المعيشة منصوص عليها فيه، مع زيادة سنوية ارتباطا بنسبة التضخم.
• سقف الحد الاعلى للاستحقاق القانوني رفع فيه الى 100 بالمائة.
• دائرة المستفيدين من ورثة المتقاعد المتوفى توسعت، واضيفت حقوق اخرى للنساء العاملات .
• مخصصات الشهادات الدراسية (الدبلوم، البكالوريوس، والماجستير، الدكتوراه ) مثبتة فيه، وان استمر عدم المساواة في هذا الشأن بين العاملين في وزارات الدولة المختلفة، وهو ما يتطلب النظر فيه .
• الزيادة في رواتب موظفي الدولة، كما يبدو جليا في القانون، ستجد انعكاسها في رواتب نظرائهم المتقاعدين اوتوماتيكا، دون الحاجة الى تدخل تشريعي جديد.
• الموظف البالغ 63 سنة من العمر سيكون مشمولا بالراتب التقاعدي، اذا كانت عنده خدمة لا تقل عن 10 سنوات .
لكن هناك سلبيات واضحة يمكن ان تؤشر في القانون الجديد، اضافة الى ما سبق ان ذكر بعضها اعلاه، حيث:
• اعطى الموظف الذي لديه خدمة لا تقل عن 25 سنة وبلغ الخمسين من العمر، حق طلب الاحالة الى التقاعد، اما اذا احيل ولم يبلغ الخمسين، فلا حق له في راتب تقاعدي!
• الغى المخصصات العائلية ( الزوجية والاطفال ) التي كانت مثبتة في قانون التقاعد الرقم 33 لسنة 1969 .
• ابقى التفاوت في رواتب المتقاعدين، كحصيلة للتفاوت الحاد وعدم التوازن الشديد بين رواتب الرئاسات الثلاث والعاملين فيها، ومعهم اعضاء مجلس الوزراء وبعض الوزارات التي لها امتيازات خاصة، واعضاء مجلس النواب، وبين رواتب العاملين في عموم مؤسسات الدولة الاخرى .
وهنا يكمن ما يستثير عدم الرضا والجدل المشروع بشأنه، ونعني ما جاء في المادة 37 من القانون ( التي كانت تحمل الرقم 38 في المشروع المقدم من مجلس الوزراء الى مجلس النواب) الخاصة باحتساب الراتب التقاعدي للرئاسات الثلاث ونوابهم واعضاء مجلس النواب، والوزراء، واعضاء مجلس الحكم والمجلس الوطني المؤقت والجمعية الوطنية، ووكلاء الوزارات والمستشارين واصحاب الدرجات الخاصة والمدراء العامين. فهذه المادة، رغم تقليصها امتيازات الشريحة المشمولة بها، وتضييقها الفجوة بين الحد الأعلى والحد الأدنى للراتب التقاعدين، لا تزال تتضمن استثناءات غير مبررة من بعض الشروط العامة، تترتب عليها امتيازات مخلة بمبادئ العدالة الاجتماعية. كما انها لم تأخذ بمبدأ "المكافأة"، بدلا من الراتب التقاعدي لأعضاء المجالس المنتخبة، ما يبرر المطالبة باجراء مراجعة لها وبما يحقق الانصاف والعدالة والاستجابة لمطالب الجماهير ومنظمات المجتمع المدني والراي العام .
ولكن يجدر لفت الانتباه، في شأن هذه المادة وغيرها مما له علاقة بالموضوع، إلى أن الراتب التقاعدي هنا يعتمد اساسا على الراتب الوظيفي، وهو ما يجب ان يتوجه اليه الاهتمام اساسا. ومن هنا تأكيدنا المطالبة بتشريع قانون للخدمة المدنية الموحدة، يعالج التفاوت الحاد في الرواتب، بما يجعله قريبا من المعايير العالمية، وعلى ان تؤخذ بعين الاعتبار الخبرة، وطبيعة العمل، اضافة الى سنوات الخدمة، والشهادة. ولذا طالبنا،ولا نزال، بتخفيض رواتب الرئاسات والنواب والوزراء وذوي الدرجات الخاصة بنسبة لا تقل عن خمسين في المئة، وباجراءات اخرى ضرورية لتقليل الهوة بين الرواتب، وبما يعالج جانبا من مظاهر الهدر في المال العام .
وتجدر الاشارة الى ان القانون اقر باصوات 217 من مجموع النواب الحاضرين البالغ عددهم 219 نائبا. ولنا والحال كذلك ان نقدر الدوافع الحقيقية لصراخ بعض النواب، الذين حاولوا على عجل التنصل من موافقتهم على القانون بكليته.
وعموما نرى ان هذا القانون يشكل خطوة مهمة على طريق تحسين احوال المتقاعدين، وان ما فيه من نواقص وثغرات، ينبغي ان لا يعرقل تطبيقه، كما يجب ان ياخذ السياقات السليمة في المعالجة، وفي المقدمة اقرار قانون جديد لسلم الرواتب، يرفع الغبن ويحد من التفاوت وينصف ذوي الدخل المحدود، الامر الذي سينعكس على رواتب المتقاعدين.
وتبقى الاولوية لتشريع هذا القانون الجديد، الذي تتوجب المطالبة باصداره في اسرع وقت.