من الحزب

حوار الرفيق رائد فهمي مع صحيفة البينة الجديدة

حاوره: حسين رزاق / وسام نجم

رائد فهمي .. وزير العلوم والتكنولوجيا السابق والقيادي في الحزب الشيوعي العراقي في حوار صريح جداً يؤكد لـ البينة الجديدة
الإرهابيون يستفيدون من الأزمات والتصدعات لتمرير مخططاتهم المعادية للعراق

رائد جاهد فهمي .. سياسي عراقي وقيادي رفيع في الحزب الشيوعي العراقي.. حفر اسمه عميقاً في سجل الشرف العراقي فعندما تولى حقيبة وزارة العلوم والتكنولوجيا في وقت سابق لم يتجرأ أحد ليتهمه بمثلبة او انه تورط ،حاشاه، بالتجاوز على المال العام.. وهكذا بقي نزيهاُ نقياً عذباً مثل عذوبة ماء دجلة والفرات وكيف لا وهو المناضل العراقي الشيوعي الأصيل الذي جاهد وناضل من اجل رسم صورة جديدة للعراق بعيداً عن الدكتاتورية والتسلط والنظام الشمولي المستبد.. وعرف عن رائد فهمي انه صريح جداُ ويقول ما في اعماقه بصدق وامانة وانه يمتلك نظرة ثاقبة ورؤية صائبة لما يحيط به ولهذا استطاع ان يؤشر المشهد السياسي الراهن بكل وضوح وبعيداً عن الضبابية والتسطيح التي يمارسها البعض من الساسة .. وللأمانة التاريخية فإن ثمة علاقة حميمة ووشائج محبة كانت تربط المناضل رائد فهمي بمؤسس هذا المطبوع الراحل (ستار جبار) وهو ما دعاه لأن يصف الراحل (ستار) بـ «القلم الصحفي الذهبي» والبينة الجديدة بأنها صوت الشعب الصادح..
في هذا الحوار الصريح جداً، ماذا قال السيد رائد فهمي ؟

كيف تنظرون الى المشهد السياسي الراهن؟

المشهد السياسي الراهن مقلق للمواطنين والسياسيين والمراقبين المحليين والدوليين، فهناك صراع سياسي محتدم ومتصاعد، و ازمات تتوالى واحدة بعد الاخرى. والانكى من ذلك والاخطر انها تنعكس على المواطن، من خلال التفجيرات التي يذهب ضحيتها الابرياء، حيث تفتح هذه الازمات ثغرة للمنظمات الارهابية وكل المتربصين بالعراق في الداخل والخارج ان يتحركوا ويمرروا مخططاتهم ويستفيدوا ويلعبوا على هذه التصدعات، كما ان لهذه الازمة اثار على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي وغيرهما، ونشهد اليوم حالة صراع وصدام مباشر بين مؤسسة مجلس الوزراء ومؤسسة مجلس النواب ما يؤدي الى تعطيل متبادل، فاصبحت الدولة كلها تعاني من هذا الخطر، وينعكس ايضا على الحريات والدستور، فوصلنا الى مرحلة ان كبار المسؤولين يتجاوزون على الدستور ويتخطونه.

هل انتم متفائلون ام محبطون؟

السياسي لا يمكن ان يحبط، بل استطيع ان اتفهم مشاعر الاحباط التي تصيب المواطن، لانه لا يتفهم ما يحدث من صراعات لا نهاية لها، ومن حق المواطن ان يشعر بالجزع من هذه الصراعات التي لا نهاية لها، حيث انها تدور بين الكتل السياسية دون ان تكون قضايا المواطن في صميمها، فالاحباط مفهوم ولكنه غير مطلوب من القوى السياسية، فالتفاؤل موجود وهناك امكانية لحل الازمة، لكنها تتطلب ارادة سياسية ووجهة سليمة. فاليوم اي طرف يستأثر بالقرار ستكون المحصلة كارثية، الارهاب يهدد الوطن ولا توجد قوى سياسية تقول انها مع الارهاب، فيفترض ما دام هناك اجماع ضد الارهاب، فيجب ان ينعكس ذلك في توليد جبهة واسعة معادية للارهاب في العراق، ولكن هذه الجبهة غير متحققة ولو على صعيد الموقف. فعناصر التفاؤل غير موجودة ولكنها قابلة لان توجد، والحلول تتحقق ولكن يجب ان يكون هناك نهج آخر للتعامل مع المشاكل السياسية، يقوم على المشاركة والتشاور مع القوى الاخرى المشاركة في العملية السياسية والحريصة عليها، لان العملية السياسية الان تدخل في دهليز مظلم في ظل ازمات متكررة ومتصاعدة.

ما هي علة السياسيين؟

العلة الابرز هي هذا النظام السياسي القائم على المحاصصة، والذي هو غير قابل لان يحقق الاستقرار والرؤية الموحدة سواء على الصعيد السياسي او الصعيد الاقتصادي، وغير قادر على ان يحقق كفاءة في بناء الدولة على اسس سليمة، وغير قابل على مكافحة الفساد، لا بل هو منتج ويوفر حاضنة للفساد. اذن هناك مشكلة رئيسة تتمثل في نظام المحاصصة، ونحن اليوم لا نخلق معادلة لمحاصصة مشاركة، فالمشاركة ضرورية لمكونات الشعب العراقي، بحيث يشعر كل مكون ان له حصة وانه مشارك في عملية صنع القرار السياسي من خلال ممثليه. نعتقد ان المشاركة يجب ان تكون على اساس هذا النسق، بينما المحاصصة تقوم على اساس التقاسم للمنافع وتقاسم النفوذ، وكأن الدولة عبارة عن كعكة كبيرة. وبالتالي لا توجد رؤية واهداف مشتركة، وهذا هو اساس المشكلة، وتجلياته مختلفة، فهذا الصراع الذي نراه الان ويحتدم، يؤدي الى ضعف تماسك البلد، وهذا الشكل من النظام يجعل المصلحة الوطنية قضية ثانوية بينما المصالح الفئوية هي الرئيسة.

هل تؤثر الخلافات السياسية على الخدمات المقدمة للمواطنين؟

هذا امر واقع، فهناك كثير من المناطق تشكو من سوء الخدمات. وعلى الرغم من وجود تحرك ونشاط لتقديم الخدمات للمواطنين بسبب الموسم الانتخابي، الا ان اعمال البناء وتوزيع المساكن والواقع الاقتصادي والاجتماعي ما زالت الى الان متردية. وإن كان هناك تحسن في خدمة معينة، فهذا يعتمد الى حد كبير على كفاءة دائرة معينة، اما كمنظومة فالخدمات متردية، وهذا تحصيل حاصل لعملية وضع الرجل غير المناسب في المناصب الخدمية، وعدم الاعتماد على الكفاءة والمهنية والخبرة، ما يؤدي الى انعكاسه على عملية صنع القرار وتأدية الخدمات وتأمين المعالجات السليمة.

من هو المسبب للازمات؟

الوضع الان يمكن تشبيهه بلوحة متشظية، فالبلد يتعرض الى تهديدات ومخاطر وصراعات كثيرة، فيفترض ان يكون هناك حوار بين اطراف الكتل السياسية من اجل ايجاد الحلول للازمات والتباحث والتوصل الى مشتركات، بينما نجد اليوم ان هناك تأكيد على نقاط الخلاف والانطلاق منها. ويتحمل المسؤولية عن ذلك هذا الطيف السياسي الصانع للقرار، ولكن المسؤولية ليست متساوية، لان هناك صاحب قرار رئيسي واخر ثانوي، فكل الاطراف الحاكمة في العملية السياسية والمتنفذة تتحمل مسؤولية معاناة المواطن. صحيح ان هناك تدخل خارجي ودول متربصة، ولكن اذا كان هناك عدو خارجي، فلماذا لا يتم بناء البلد من الداخل، ونحن لا نشك بوطنية كل القوى السياسية، ولكن يبدو ان المصالح الضيقة تعمي ابصارهم. وانا اقول ان استمرار هذا النهج من التعامل وهذا الشكل من البناء السياسي يعطل قدرتنا على حل المشاكل السياسية، لان هذا النظام لا يولد لنا الشروط الضرورية لتأمين الاستقرار والامن، وتأمين الرؤية السليمة للتنمية الاقتصادية وتحقيق مطالب الناس، وتأمين الكيان العراقي وتعزيز هيبته ودوره. ونأمل خلال الفترة القادمة ان تكون هناك مراجعة حقيقية للممارسة وللنهج السياسي السائد اليوم.

هل ستأتي الانتخابات المقبلة بحلم التغيير المنشود ام ستبقى ذات الوجوه؟

ما دامت هناك ارادة شعب تقرر، فمن الخطأ ان تتم مصادرة هذا الرأي مسبقا، فاليوم الشعب امامه فترة انتخابات يستطيع ان يقرر فيها. وعلينا ان لا نقول له. ان النتائج محسومة، لان هناك تأكيداً على ان صوت الشعب، صوت الناخب، ينبغي ان يكون صوتاً عزيزاً، وهو حق من حقوقه ووسيلته في التأثير على الشأن العام، وينبغي ان يحسن التصرف به. وهناك ضغوط تمارس على المواطن من خلال وسائل الاعلام واغراءات تقدم اليه، كما ان هناك جهات تمتلك اليوم موارد هائلة، ولا يوجد قانون احزاب كما ان قانون المفوضية لا يضبط التصرف بالحملة الانتخابية أو يضع محددات كافية لها. وهناك ميل لاستخدام السلطة والنفوذ في الحملة الانتخابية. وهذه العوامل كلها تؤثر على نتائج الانتخابات، ولكنها لن تؤثر كما كان يحدث في الماضي، لان هناك عدد كبيراً من المواطنين يمتلكون موقفا اخر ولديهم وعي اخر. ولاحظنا ذلك في الانتخابات الاخيرة لمجلس المحافظات، حيث ان 67 بالمئة من المواطنين لم يذهبوا الى الانتخابات. فهناك شعور بان هذا الوضع غير مرضي، وان الذين منحوهم الثقة لم يكونوا اهلا لها، وان عملية التجديد مسألة مطلوبة ومقبولة. ولذلك فأنا اعتقد ان كثير من القوى السياسية تشعر بنوع من الخوف والتردد من خوض هذه الانتخابات لانها غير واثقة من الوضع القادم، فامكانية التغيير قائمة، ولكن لا نتوقع ان يكون التغيير بمستوى يقلب المعادلة السياسية كلها. نعم المشهد السياسي قابل للتغيير، وهذه الامكانية مرتبطة الى حد كبير بمدى استعداد الناس ومشاركتهم في الانتخابات. لذلك نجد ان هناك جهداً كبيراً يبذل لزرع الجزع لدى الناس.

لو تكررت ذات التشكيلة السياسية، فماذا تتوقعون ان يكون المشهد السياسي؟

اعتقد ان ذلك سيؤدي الى مزيد من التدهور. والقضية لا تتعلق بالوجوه السياسية فقط، وانما هناك نهج كامل، ويبدو لي ان هناك مصالح قد ارتبطت بهذا النهج، حيث هناك مصالح متنوعة وامتيازات، فاذا جاءت الوجوه نفسها فمن الصعب احداث انعطافة في الوضع السياسي. فان استنسخت الوجوه والاسماء الموجودة نفسها فالمواطن هو من يتحمل المسؤولية ويدفع الثمن.

ما هو السبيل لعبور العراق من الازمة الحالية؟

ان طريقة المحاصصة وتقاسم اموال الدولة دون اهداف مشتركة، يجب ان نسعى جميعا الى تغييرها. ولا اقول ان هذا التغيير يحدث بين يوم وليلة، وانما على كل القوى السياسية المشتركة في الحكم، ان يكون لها برنامج مشترك ورؤية مشتركة يتفقون عليها. والامر الاخر ان الطابع التعددي في العراق يجب ان تكون فيه مشاركة حقيقية واستعداد لها، وتتضمن الحوار والتشاور وخصوصا في القضايا الكبرى، بدلا من نهج الاقصاء والصراعات المتصاعدة دائما. فمن اجل الخروج من الازمة علينا التوجه نحو استكمال عناصر الدولة المدنية، بمعنى التوجه نحو تكريس مبدأ المواطنة. وهذا يعني ان هناك تشريعات في الدولة، بعضها صادرة يجب تفعيلها، كقانون الخدمة المدنية، وقوانين اخرى يجب ان تشرع مثل قانون الاحزاب وغيرها. وهذه الامور تؤدي الى ترشيد الادارة فنخرج من طريقة الاستقطابات والاقطاعيات الموجودة. فالدولة الان متشظية سواء أكانت الدولة الاتحادية او المحافظات، وان حكومة الاغلبية التي يجري الحديث عنها يجب ان تتوفر فيها شروط، ومنها ان الاغلبية تتحول من اغلبية مكوّن وانتماء الى اغلبية سياسية يجب ان تستند الى برنامج سياسي يمثل كل المكونات، وليس محصورا بمكون معين كما يتصورون. اما من جانب المواطن، فان هناك17 بالمئة من المواطنين تحت خط الفقر و 6 ملايين امي. وهذه يجب ان تكون لها معالجات جدية، ومن ضمنها وجود تشريعات خاصة بالضمان الاجتماعي الذي يجب ان يكون متكاملا، وبعد تشريعه يجب مكافحة الفساد الذي يمنع من وصول الحقوق الى المواطنين بسبب المحسوبية والعلاقات والرشاوى. كما ان مكافحة الفساد ليست متعلقة بديوان الرقابة المالية والمفتش العام، وانما القضية اكبر من ذلك. فيجب ان يتم خلق ارضية يكون بموجبها الذين يتصدون للفساد قادرين على محاربتها، لاننا نرى اليوم تسترا على الفاسدين وترقية لهم الى مناصب اعلى بسبب المصالح الخاصة والمحاصصة. فيجب علينا التصدي في البداية للقاعدة التي ينمو من خلالها الفساد ويعاد انتاجه، ويجب ان يكون هناك توجه جدي لتنفيذ الخطط والاستراتيجيات المتنوعة بالاعتماد على الكفاءات الضرورية. اما بخصوص البنية الاتحادية للعراق التي تقر بوجود الاقاليم والمحافظات مع وجود صلاحيات غير قليلة لها، فانا اشجع على تفعيل العلاقة بين السلطة الاتحادية المركزية والمحافظات وفق قانون اللامركزية، من اجل ان تتمتع المحافظات بحقوقها وصلاحياتها وفق القانون، ولا نبقى في حرب ابدية وفي تجاذب بين الصلاحيات. فلتكن لدينا رؤية واضحة في هذا الموضوع، ولا اعتقد ان قوة المركز تكون على حساب ضعف المحافظات، وليست بالضرورة قوة المحافظة تتناغم مع قوة المركز، يجب ان يكون هناك توافق، فهناك اخطاء حصلت في هذا الجانب يجب معالجتها وفق اسس سليمة، من خلال تبديل القوانين وتقليل الروتين واجراء اصلاح اداري. ولا تتم هذه الاصلاحات ما لم يكن هناك مناخ مناسب ووحدة تصور واعتماد على الكفاءات وخلق مناخ خالي من التشنج، فالبلد الان يعج بالمشاكل ويفترض بالقوى السياسية ان يكون خطابها مهدئاً ومطمئناً. اما بخصوص المصالحة، فيجب ان ننتهي من هذا الملف ونفتح صفحة جديدة كما فعل الكثير من بلدان العالم وان نعامل الجميع وفق مبدأ المواطنة.

ما رأيك بالخلافات السياسية الجارية الان؟

ان الخلافات السياسية التي تحصل الان بالغة الخطورة وتتعدى مجرد التجاذبات السياسية، حيث لديها مردودات سلبية على البناء المؤسسي للعراق، من خلال تعطيل البرلمان وكثير من انشطة الحكومة تعاني الارتباك في اعمالها، وهذه بمجملها تؤدي الى ان كثيراً من الحقوق والضوابط والنصوص الدستورية يتم الالتفاف عليها، وربما يجري تقييد للحريات، واخرها ما يحصل في التصويت على الموازنة في البرلمان، والتي ادت الى ان تكون العلاقة بين الاقليم والمركز خطرة، اضافة الى ما يحصل في الانبار. فالتجاذبات والصراعات السياسية وصلت الى حد يهدد نسيج الوطن ويهدد السلم الاهلي، وكثير من المراقبين الدوليين يشيرون الى ان العراق اذا استمر في سلوك هذا الطريق، فإن امامه خيارين، اما التدهور الى صراعات قد تصل الى ما يشبه الحرب الاهلية، او يحصل هناك تقييد للحريات وبالتالي يحصل التفاف عليها، فهناك قلق دولي حيال الوضع في العراق.

كيف تقيم الوضع الامني في العراق؟

اعتقد ان الوضع الامني تتم معالجته ببعد امني وعسكري واستخباراتي، وهذا الامر مطلوب، ومع الجهود والتضحيات في صفوف القوات الامنية والشهداء في هذا المجال، الا ان هناك ملاحظات واشكاليات تثار في موضوع الكفاءة والادارة الامنية بل حتى تركيبة وبناء القوات الامنية والعسكرية تحتاج الى تعزيز وتجديد واعادة نظر بما يعزز قدراته المهنية وتماسكه وطبيعة ولاءاته. فبعض الاختراقات الامنية التي تحصل تكون بسبب الاشكاليات التي ذكرناها، ونحن ندعم ونساند القوات الامنية في مكافحة الارهاب والتضحيات التي يتم تقديمها في هذا المجال، وانا اعتقد ان معالجة الوضع الامني لا تتم فقط عبر الاجراءات الامنية، لان هناك مدن لا يمكن السيطرة عليها بواسطة الطائرات والتسليح الحديث، وانما يتم ذلك بواسطة الحل السياسي والاجتماعي، فيجب مكافحة الارهاب من خلال منظومة معالجات ببعد عسكري وسياسي واجتماعي وثقافي واعلامي وتعبوي، واحد اهم عناصرها خلق اجواء سياسية بعيدة عن الاحتقان. فالبلد يجب ان يبحث اليوم عن مصادر تعزيز الدولة المدنية وبناء دولة المواطن وخلق اجواء حوارات بعيدة عن الشحن الطائفي وبناء مقومات رؤية واضحة للتنمية الاقتصادية وحسن استخدام الموارد العامة ومكافحة الفساد وبناء الدولة وتشييدها على اسس سليمة.

أين التكنوقراط، أين الحزب الشيوعي، أين المستقلون؟

نحن موجودون، ولكن الكل يشعر انه لم يأخذ حجمه ودوره الحقيقي، ونحن نسعى الى تقديم الافضل لهذا البلد، الا انه ضمن هذه الاجواء الشاحنة للطائفية والتمييز والفوضى ومراكز النفوذ، تؤدي الى تضييق الخناق على التكنوقراط وعلى الاجواء السياسية وتضغط على كل اصحاب المشاريع الوطنية. والجانب الايجابي في هذا الموضوع، ان هناك كثير من الناس بدؤوا يدركون ان المسارات الحالية تقودنا الى الهاوية، وان رصيد هذه القوى لا يمكن ان يستمر طويلا.

بماذا تنصح السياسيين؟

اعتقد ان عناصر الحلول كلها لابد ان تتم على اساس مشروع ذي طابع مدني، وارضية دستورية على الاقل بالمشتركات الموجودة فيه. والامر الاخر ان العراق لا يمكن ان يحكم ويدار ويتحقق افق زاهر فيه بسيطرة طرف واحد، بل يجب توفير اجواء حوارات وقدرة على الاستماع للآخر وعدم الغائه، والسعي لتفكيك الازمات. ولا اقول ان هناك حلولاً سحرية لكل المشاكل، لان هناك مشاكل لا يوجد فيها اجماع، ولكن ربما يتم حلها من خلال عنصر الزمن او توفر الرغبة المشتركة في الوصول الى حل لكي لا تتحول الى قنابل موقوتة ومتفجرة تزعزع استقرار البلد وتشيع عدم الامن. فالبلد يمتلك الكثير من الثروات ولديه المقومات لكي يكون افضل بلد في المنطقة، فنظراً الى ما لدينا من قدرات بشرية ومادية وجغرافية. الا ان مشكلتنا تتمثل في الادارة السياسية وادارة الموارد، ولكن الحل بيدنا، صحيح ان هناك قوى متربصة وطامعة، الا ان العراق بما يمتلكه من ثروات قادر على ان يواجهها ويبني نفسه ويقيم دولة سليمة ويحسن استخدام اقتصاده. وكل المراقبين السياسيين يجمعون انه لا يمكن حل الازمات في العراق ما لم يكن هناك توافق ما بين المصالح الشخصية والمصلحة الوطنية، فيجب ان تكون هناك مصلحة مشتركة للجميع، وهذا الامر يتحمله السياسيون من خلال قدرتهم ومهارتهم في جمع كل الاطراف السياسية في اطار نظام اتحادي نظام ضمان الحريات ونظام المشاركة ونظام يؤكد على التنمية الاقتصادية الشعبية.

برأيك لماذا لم يقر مجلس النواب مشروع الموازنة الى الان؟

اسباب تعطيل اقرار الموازنة سياسية، حيث وصلنا الى مرحلة من الخلافات السياسية حد مقاطعة البرلمان. لكن البرلمان ميدان للتحاور وصراع الاراء، والمصلحة الوطنية والمواطن اولى من المصالح الحزبية الضيقة، فان لم تكن هناك موازنة في البلد، فكيف يمكن تنظيم عملية الانفاق، وبالتالي سيؤدي ذلك الى غياب الجانب التنموي والاقتصادي وغيرها. ان أهم قانون في كل برلمانات العالم هو قانون الموازنة، فان لم يتم اقرارها الان، فسوف يتم تأجيلها الى ما بعد الانتخابات القادمة وتشكيل الحكومة الجديدة، وهذا يعني ان البلد سوف يبقى بلا موازنة لمدة سنتين تقريبا.

لكننا سمعنا تصريحات من مسؤولين كبار تقول انهم سيقرون الموازنة في حال استمرار التعطيل.

انا استغرب من مثل هذه التصريحات، حيث ليس من حق السلطة التنفيذية ان تتحكم في السلطة التشريعية وصلاحياتها، فهناك نسبة 1 من 12 من موازنة العام السابق يمكن اطلاقها شهريا من الموازنة من اجل صرف الرواتب اي الميزانية التشغيلية. فهذا التصريح خطير ويعني الخروج صراحة عن الدستور.

هل من كلمة اخيرة؟

اوجه كلمة للمواطنين واقول لهم ان الانتخابات محطة مهمة ونأمل منهم ان يشعروا ان المشاركة فيها واجب وطني وان التغيير لن يجري بمعزل عنهم، فاذا شعروا ان واقعهم الحالي غير مرض وان هناك كثير من الامور بحاجة الى اصلاح، فعليهم المشاركة في الانتخابات، وانا احثهم على المشاركة وعلى ان يعرفوا ان اصواتهم عزيزة وثمينة فلا يفرطوا بها، ولا يصوتوا الا لمن يكون ثقة وامينا ونزيها وكفوءا، وان لا ينجرف المواطن وراء وسائل الاغراء، لانه سيدفع الثمن في ما بعد من خلال سوء الخدمات وتردي الوضع العام للبلد والخسائر في الارواح.