من الحزب

(الثقافة الجديدة) تحاور الرفيق حميد مجيد موسى، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، عشية حلول الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب

احتفاء بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي حملت (الثقافة الجديدة) طيفا من أسئلة متنوعة، بهدف محاورة الرفيق العزيز حميد مجيد موسى (أبو داود)، سكرتير اللجنة المركزية للحزب، في محاولة لتعميق فهم مغزى نشوء الحزب وضروراته الموضوعية والذاتية في بلد مثل العراق.

في البداية نرحب بكم، رفيقنا العزيز أبو داود، باسم هيئة تحرير مجلة "الثقافة الجديدة" ونشكركم على تفضلكم بإتاحة الفرصة للقاء والحوار حول هذه المناسبة العزيزة على قلوب الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين وكل من يعز عليهم بناء وطن حر وشعب سعيد، وما يمكن التوقف عنده من القضايا والإشكاليات الكبرى التي تستدعي المزيد من التعميق والتوضيح لفهم مغازيها الأساسية.

السؤال الأول: ربما سننطلق من سؤال على بساطته الظاهرية لكنه عميق في مضمونه وهو: ما مغزى ومعنى تأسيس الحزب الشيوعي في بلد كالعراق وبالذات في اوائل الثلاثينيات من القرن العشرين، حيث التخلف الاقتصادي والاجتماعي يضرب اطنابه، وحيث هيمنة نظام شبه اقطاعي – شبه رأسمالي وضعف الطبقة العاملة وحيث الهيمنة البريطانية الاستعمارية واضحة وتملي شروطها على حركة المشهد السياسي.

نطرح هذا السؤال وفي البال ما يردده بعض الباحثين من استنتاجات تشير الى تغليب دور العوامل الخارجية (ثورة اكتوبر وانتصارها) في تأسيس الحزب الشيوعي العراقي (أي انه منتج خارجي وليس ابن البيئة العراقية!)، على حساب العوامل الداخلية، التي يمنحونها، في العادة، دورا ثانويا في محاولة لإجراء فصل تعسفي بين المجموعتين من العوامل وإهمال الوحدة الجدلية بينها، ويتناسون، عن عمد، حقيقة ان العنصر المقرر في نشوء وتطور واضمحلال اية ظاهرة او عملية يكمن في نهاية المطاف في عواملها الداخلية.

 

- اولا شكرا لكم على هذه المبادرة، وأهنئكم بمناسبة ذكرى ميلاد الحزب الثمانين، واحيي دور (الثقافة الجديدة) خصوصا وهي قد احتفلت قبل فترة وجيزة بذكرى ميلادها الستين. فهي أحد أعلام الحزب الشيوعي العراقي وراية خفاقة للتبشير في الفكر التقدمي، فكر الاشتراكية، الفكر الذي يتبناه الحزب الشيوعي العراقي دفاعا عن مصالح الكادحين ومصالح شعبنا. فأتمنى لكم كل الخير والنجاح ومواصلة انجاز المهمة النبيلة.

الأسئلة التي أمامي أسئلة جادة وعميقة وكبيرة ولذلك أشعر ان الإجابة عنها تحتاج الى مجلدات! ولهذا سأحاول الاجابة عما هو أساسي وأتمنى أن لا يكون اختزالي وتكثيفي للإجابات مخلاً بالمحتوى.

الحزب الشيوعي العراقي ابن الوعي المبكر لأبناء وبنات الكادحين وممن ربطوا مصيرهم بهم

بداية، كان ظهور الحزب الشيوعي العراقي حاجة موضوعية ومحصلة لتصاعد النضال التحرري الوطني والتقدمي في العراق ونتاج لتطور الوعي التقدمي الاشتراكي العراقي. فالحزب الشيوعي لم يظهر فجأة وإنما هو حاصل تطور ونشاط مجموعة من الحلقات والمجاميع الفاعلة سياسيا وفكريا من أجل تقدم العراق، واستقلاله، وتحرره الوطني، فظهور الحزب، إذن، كان بمثابة انعطافة نوعية في مسار تطور الحركة الثورية الوطنية في العراق، منذ بدايات القرن العشرين. وكان ميلاده حدثاً استثنائياً، وكما قلت حاجة موضوعية، لمزيد من التقدم والفاعلية للحركة الوطنية العراقية. وكما معروف فان الفترة التي سبقت تأسيس الحزب كانت تعاني الكثير من النواقص، من بينها العفوية وفقدان البرنامج المتكامل ذو الإبعاد المختلفة. نعم كانت الابعاد التي ذكرناها اعلاه غائبة، الى حد كبير، في صفوف الحركة الوطنية والثورية التي سبقت نشوء الحزب.

هكذا، إذن، جاء الحزب بمثابة عامل فاعل لإدخال الوعي عبر عنصر التنظيم، والتخلص من العفوية عبر صياغة برنامج واضح المعالم، وكان هذا البرنامج لا يتحدث فقط عن الأهداف الآنية المباشرة وإنما يربط بينها وبين الآفاق البعيدة المدى لتطور المجتمع العراقي كجزء من المنظومة العالمية، من البشرية ومن المجتمع الدولي. بهذا النشوء وبهذا الظهور أحدث الحزب الشيوعي العراقي انعطافاً حاسما في مسار الحركة الوطنية والثورية العراقية، واثبت ذلك في جملة نشاطاته وأدواره في مختلف مراحل التطور السياسي العراقي. وعلى الدوام، كان للحزب مساهمته الفعالة ونشاطه الواضح في نضال شعبنا.

أما وان الحزب قد ظهر في عام 1934 فان هذا الظهور، وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات، لم يكن مفتعلا ولم يكن مجرد حدث صدفة، أو تقليد لموضة، كما يردد البعض. فالبحث في هذا الموضوع يتطلب العودة إلى أساس القضية. فالعراق منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أصبح جزءاً فاعلا وبشكل متدرج في المنظومة الرأسمالية العالمية، التي شهدت انتصاراً على المستوى العالمي في تلك الحقبة وارتبطت كل حلقات البشرية بها، بصرف النظر عن مستوى التطور المحلي. فلهذا أقول ان معالجة هذا الموضوع لا يمكن أن تتم بطريقة ميكانيكية، وإنما لا بد من الأخذ بالاعتبار ما أشرت له أعلاه، وهو ان بداية القرن العشرين شهدت سيادة السوق الرأسمالية والتحاق جميع البلدان، وبدرجات متفاوتة، بالمنظومة الرأسمالية وعلاقاتها الإنتاجية، مع بقاء علاقات إنتاجية قديمة الى جوارها، فلا يمكن، ونحن نتحدث عن التكنولوجيا ومنجزات العلم والثقافة وانتشارهما ان نتجنب الحديث عن تأثير وتفاعل منجزات العلوم الاجتماعية. ولذلك من غير المنطقي وضع الأمور بمقياس غير دقيق بالقول أن هذه الفكرة مصدَّرة، وتلك مستوردة، خصوصاً وان عباقرة علم الاجتماع العالمي يقرون بأن ما توصلوا إليه هو منتج أو حاصل تطور الفكر العالمي، وليس بمعزل عما سبقه، أو جاوره. بمعنى ان ماركس، المؤسس الرئيسي للماركسية وللشيوعية العلمية، لم يدعِ يوما بان ما توصل إليه وتبناه مقطوع الجذور عما سبقه من انجازات، وما حصل في بلدان أخرى من تطورات فكرية. فهؤلاء لا ينكرون فضل الآخرين عليهم، وليس بالضرورة أن ننكر فضلهم على الوعي وتطوره. وبالتالي، فان إنتاجهم هو محصلة تفاعل عوامل متعددة، فواقع الأمر ان الانجازات الفكرية هي لعباقرة الفكر، الذين ينتمون الى جنسيات مختلفة. ولذلك فإن من يقللون من شأن الدور الداخلي ويحرمون رجالات البلدان الاخرى من شرف أو حق أو دور المساهمة في بناء المنظومات الفكرية العالمية بحجة إن مساهماتهم ليست إلا (مثاقفة) أو تقليد أو مجرد استنساخ أو تكرار لأفكار ومناهج غريبة لا تربة لها في أوطانهم ووسط قضايا شعوبهم، ما هي إلا محاولات عقيمة لا علمية تشوه الحقائق لأغراض غير سليمة.

النبتة التي تزرع في أرض غير صالحة لا تنمو،

والفكرة التي لا تجد تربة خصبة لها، لن تعيش

الآن وبعد هذه الملاحظات المكثفة دعونا في هذا المجال ان نتحدث بالملوس اي عن العراق. فهو كما معروف ليس جزيرة منعزلة عن العالم، أو عن السوق الرأسمالية العالمية، بل شهدت بدايات القرن الماضي ترابط سوقه بمعنى توسع تجارته وارتباطاته الخارجية، وتبادل الثقافات، والمعلومات، والوفود والبعثات مع الدول الأخرى، وتأسست شركات في العراق، ومدت سكك الحديد، وفتحت الطرق وبناء الجسور والمؤسسات، وبناء المواني. كما نشطت شركات النفط في الاستكشاف والإنتاج وتمديد خطوط النقل والتصدير والتصفية وإنتاج الكهرباء والماء، وانتعشت بعض الخدمات الإنتاجية والورش الصناعية الوطنية والأجنبية. وبالمعنى العملي، أصبح لدينا عمال، كادحين، عصريين ومدنيين، وفئة متنورة، ومثقفين مندمجين مع ما يجري في العالم. ولدينا ثروة معرفية وتراث فكري انساني يعني بالفكر الاشتراكي أيضا، ويستند الى تراث فكري عراقي/عربي/إسلامي في العدالة والإنسانية والتقدم، وتراث انساني تقدمي عبر التاريخ. كل ذلك شكل الأرضية الخصبة لتلاقي الفكر الاشتراكي مع الحاجات الموضوعية للتحرر الوطني.

وهنا ثمة استدراك، فالتحرر الوطني ليس رأسمالية بل إن الكثير منه، في جوهره العميق، متناقض مع الرأسمالية والإمبريالية بل إنه هز أركان الكولونيالية والهيمنة الإمبريالية، ثم أن الكثير من المناضلين من أجل التحرر، معادون للرأسمالية ومناصرين للتقدم والتطور والعدالة الاجتماعية، لذا يمكن القول ان ظهور الحزب الشيوعي العراقي، هو ابن الوعي المبكر لأبناء الكادحين ولمن ربطوا مصيرهم بالكادحين، ذلك ان الفكرة التي لا تجد لها أرضية وقبولا لا يمكن أن تعيش، والبضاعة التي ليس عليها قبول، تبقى بائرة. ولكن ما بالكم في فكرة تضرب جذورها عميقا في الارض العراقية وتتحمل كل عوادي العسف السياسي وممارسات الأنظمة القمعية، من إرهاب وقتل وتعذيب، ومع كل هذا نراها تصمد طوال ثمانين سنة، وهي قابلة للحياة والصمود والاستمرار بالتحدي والنمو حتى يومنا الحاضر. أليس هذا دليلا على أصالتها وان تربتها صالحة وجذورها عميقة. فالنبتة التي تزرع في ارض غير صالحة لا تنمو، والفكرة التي لا تجد تربة خصبة لها، لا تعيش . لذا فإن سر نشوء وصمود الحزب الشيوعي العراقي تتلخص بأن جذوره عميقة في أوساط الشعب، وخصوصا في أوساط الكادحين وشغيلة اليد والفكر وكل الطيبين من أبناء وبنات شعبنا، لذلك واصل واستمر في العمل والنضال وما زال فتيا رغم الثمانين سنة من عمره.

إن الإشكالية والشيء المعيب يتمثلان في ان بعض الذين يحسبون أنفسهم مفكرين تقدميين أو ثوريين وقعوا في الفترة الأخيرة في بعض المطبات كنتيجة لحالة الإحباط التي تلت حالة الانهيار الذي حصل في الدول الاشتراكية. لذلك نلاحظ انهم يريدون تجريدنا من هذا المنجز الكبير، فهم لا يأخذون الظاهرة في حدودها وفي إطارها.

ومن المفيد الاشارة هنا الى اننا وعندما نتحدث عن ظهور الحزب الشيوعي العراقي، باعتباره منتجا عراقيا أصيلا، ابن الوعي المبكر لأبناء الكادحين ولمن ربطوا مصيرهم بالكادحين، فان هذا كله لا يعني إننا لم نتأثر بمنجزات وانتصارات الحركة الثورية العالمية وفي مقدمتها ما حصل في روسيا القيصرية، متمثلا بانتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في عام 1917. نعم لقد كان هذا الانتصار دليلاً آخر على سلامة وصحة الفكرة، في مساعدة الشعوب الى الاهتداء، الى الطريق الصحيح في تحقيق ما تطمح له من تطور وتقدم وخلاص من الاستغلال والظلم.

 

السؤال الثاني: انطلاقا من تحليله لطبيعة المرحلة باعتبارها مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، فان الحزب الشيوعي العراقي ومنذ نشوئه اعتبر ان سياسته التحالفية تشكل جزءاً عضويا من سياسته العامة وبرامجه وممارساته، باعتبار ان التحالفات احدى وسائل انجاز مهمات المرحلة هذه بغض النظر عن اختلاف اطوارها وتغير توازناتها. وطيلة عمره الثمانيني اقام الحزب تحالفات عديدة وبإشكال مختلفة، ولديه اليوم، بعد كل المنعطفات صعودا ونكوصا، تجربة ثرية في هذا المجال.

الان وبعد ثمانية عقود من الزمن وبعد هذه التجارب بحلوها ومرّها، ما هي الدروس الكبرى التي يمكن استخلاصها من هذه التجارب التحالفية مع الاخرين؟

وإذ نطرح هذا السؤال الاستراتيجي ننطلق من قناعة اكيدة بأهمية دراسة هذه التجارب بعين ثاقبة وذهن متفتح، فالمهم هو ليس هجاء التاريخ وتجاربه قدر توظيف دروسه الثرية بشكل صحيح. فالثوريون الحقيقيون هم اولئك الذين يتعلمون من اخفاقاتهم وصعوباتهم مثلما يستفيدون من نجاحاتهم للتقدم الى الامام.

- كما أشرت في مكان آخر فان المجتمع العراقي واجه خلال القرن الماضي وبداية القرن الحالي مهمات ذات طابع تحرر وطني ومهمات ديمقراطية، فمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية قطعت أشواطا، ولكن مع ذلك ما زلنا نواجه مهمة استكمالها. وفي أيامنا الحالية تعيش البلاد في ظل ظروف غاية من التعقيد والتشابك، فأحياناً تواجه الشعوب حالات من الارتداد، مما يؤدي الى تكريس ترسيخ مواقع وحالات كنا نتصور أننا قد تجاوزناها، مثلما هي قضية الاستقلال والسيادة الوطنية خصوصا بعد ما حصل في عام 2003 من احتلال وغزو.. الخ، فهذه القضايا تعيد للأذهان مجددا حرارة المهمة وأهمية ترسيخ الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية الحقيقية، وهذه لا يمكن أن تتحقق بـدون ان تندمج و تتداخل وترتبط بمهمات الديمقراطية بمعانيها السياسية والاجتماعية. نعم، هذا يعني أننا ما زلنا نعيش في مجتمع متعدد الطبقات والفئات والشرائح، وتوجد فيه مجموعة من الكيانات والأحزاب السياسية بعناوينها المتعددة، ومن هنا فلإنجاز هذه المهمات، التي لا تعني فقط ممثلي الشغيلة والطبقة العاملة والكادحين عموما، بل وتنسجم مصالحهم في هذا الأمر رغم نظرتهم بعيدة المدى، ورغم منهجهم الأكثر جذريه وثورية، مع طبقات وفئات اخرى تتطابق مصالحها مع مصالح الكادحين والشغيلة عموما في انجاز مهمات هذه المرحلة، هكذا اذن تتطابق مصالح هؤلاء في انجاز مهمات هذه المرحلة مع ممثلي فئات وطبقات اجتماعية أخرى، تتواجد في المجتمع العراقي. انه لصحيح إن ملموسية المهمات تتغير، وتتبدل تبعا للحالة والمرحلة والظرف التاريخي الملموس والطور الذي تمر به البلاد و القضية الوطنية عموما. ولكن في كل الأحوال لا يستطيع طرف ما، إن لم يكن مأخوذاً بالتطرف وواهما بالغرور والتعالي على الواقع، متعقل وواقعي إلا وان يبحث عن حلفاء لانجاز المرحلة، لذلك دخل الحزب في صلات وعلاقات مع من يرى فيهم الرغبة والقدرة والمصلحة الموضوعية في انجاز مهمات معينة في الفترة التاريخية الملموسة. فقبل ثورة تموز 1958، كانت هناك أشكال من التحالف بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وبعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 نشأت ايضا ظروف جديدة ومستحقات سياسية جديدة فأملت نوعا من الجبهات. ومع الردة الشباطية وما تلاها أيضا نتجت ظروف استدعت البحث مجدداً في قضية التحالف واستمر الأمر هكذا حتى يومنا الحالي.

بهذا المعنى فان مسألة التحالفات عادة ما تطرح، والحزب يبحث عن المرتكزات الأساسية السليمة لإقامة مثل هذه التحالفات الضرورية. وفي واقع الأمر نحن لا نتحدث هنا عن جبهة بشكل عام بل وملموس، و يجب أن نتجنب مزاج البعض المغالي والأحادي الجانب، المتطرف، والمتياسر، والذي يعتبر احيانا كما لو أن الجبهة أصبحت بالنسبة للشيوعيين مثل المرض، لصيق بهم لا يستطيعون الخلاص منه! في حين ان الجبهة مثلما هي ضرورية للآخرين فهي ضرورية ايضا للحزب الشيوعي. فالجبهة بمعناها الاعم هي البحث عن مشتركات وأهداف، يتم بناء تحالف محدد لانجازها. ثمة ملاحظة ضرورية هنا هي انه ليس كل جبهة تنسجم كلياً مع مشروعنا الفكري والسياسي، وإنما انجاز هذا المشروع، بمراحله المختلفة، يتطلب الدخول في تحالفات مع الآخرين كي تتقدم الى الامام في مشروعك، أما كيف تدار التحالفات، وهي ليست فقط علم وحاجة موضوعية، وإنما هي فن وإدارة، فهذا يتطلب جملة من المرتكزات والمنطلقات السليمة والتي توفر الكثير منها للحزب، عبر سلسلة تجاربه مع الجبهات. فهي جبهات انتخابات برلمانية في الزمن الملكي، تجربة تحالف كانت تهدف لانتصار الجمهورية والخلاص من الملكية ونظامها الكولونيالي، ولاحقا لحماية الجمهورية وفي التصدي لانقلاب 8 شباط وردته الفاشية، وفي الجبهة التقدمية والوطنية، وجبهات المعارضة العراقية في جبهة (جود) و(جوقد) و(المؤتمر الوطني) ولاحقا تحالفاتنا الانتخابية التي اقمناها في 2005 وفي 2010، وجبهتنا الآن عبر تشكيل (التحالف المدني الديمقراطي) والقوى المدنية العراقية، انها أشكال وتجليات متنوعة وتجارب غنية وثمينة لتجربة الحزب في التحالفات.

بعض دروس التحالفات

طبعا كل تجربة من هذه التجارب كانت توحي للحزب بمجموعة من الدروس غير ان الدرس الأكبر هو إن التحالف ضرورة ولكن ، ولكي يكون التحالف مفيداً ونافعاً للحركة الثورية، فانه يجب أن يبقى المتحالفون محترمين لاستقلال كل طرف من الاطراف المشاركة فيه، فكريا وسياسيا وتنظيميا. كما ان التخلي عن هذه الاستقلالية هو مدخل للإساءة للتجربة التحالفيه المعنية. والتجربة بينت انه متى ما حصل هذا الخلل عندها نكون قد عانينا الفشل والأخطاء، فقضية التحالفات في مضمونها وجوهرها هي ليست كلمة عابرة تقال مرة واحدة وتنتهي، أو هي عبارة تطرح كدرس نظري وانتهى الأمر، الامر ليس كذلك البتة، بل يجب أن تدار الامور بمنتهى الحذاقة والبراعة السياسية، لأننا ندخل في عمل يومي منهك، معقد، متشابك، يقتضي اليقظة والحذر والانتباه الى كل مجريات تطور الاحداث والمواقف السياسية، هذا المدخل هو الذي يقينا شرور التورط في الاستمرار في تحالف تخلى بعض اطرافه من الحلفاء عن مهمة انجاز ما تحالفت وتعاقدت عليه، ويجب اختيار الوقت المناسب لتجاوز ذلك. وبهذا المعنى فان التحالفات، وفق المنطلقات التي اشرنا إليها، هي ليست التزام مطلق ونهائي بالرغم من تصرفات الآخرين، بل هي ظاهرة سياسية مطلوبة، قابلة للتطور وللتعمق من ناحية، كما انها قابلة للتخلف والارتداد من ناحية ثانية. هنا تكمن براعة الحزب الثوري وجهده لترسيخ النهج المتصاعد التقدمي للتحالفات، وان يتصدى لأي مسعى لتجميد هذا النشاط او للرجوع والنكوص بفكرة هدف التحالفات الحقيقية.

طبعا كانت عندنا تحالفات ناجحة، وكانت لنا علاقات، رغم تعقيدها، مع القوى التي كانت تخشى في فترة من الفترات من الدخول مع الحزب الشيوعي العراقي بتحالفات بشكل مباشر وصريح . غير انه ورغم تلك الخشية فقد برع الحزب في مرونته وطراوته، واختار من يمثلونه وفي مسميات أخرى، انطلاقا من الاستجابة للحاجة الملحة لتجميع القوى الوطنية والديمقراطية، فلم يكن متمسكا ببعض الشكليات. هذه براعة في المرونة أثمرت نتائج ملموسة على الأرض تمثلت في تصعيد نواب له الى البرلمان الملكي، ولحضور أوضح وأوسع في الشارع وعبر النشاطات الجماهيرية والنضالات المطلبية. وحتى في (جبهة الاتحاد الوطني) التي سبقت سقوط النظام الملكي وما حصل من تعقيدات، كان الحزب واسع الأفق، مرنا، يستوعب الظواهر المعقدة، ويتفهم حذر وخوف وتردد بعض الحلفاء. وكان هاجسه على الدوام ضرورة تجميع اوسع القوى لانجاز مهمة ليست صغيرة، مهمة كانت لها ابعاد محلية وإقليمية ودولية كبيرة، تمثلت بخروج العراق من المنظومة التحالفية في منطقة الشرق الأوسط وحلف بغداد.. الخ. وهكذا كان الحزب الشيوعي العراقي يسعى أيضا لأن يتواصل التحالف ضمن (جبهة الاتحاد الوطني) بعد ثورة تموز لانجاز ما سطرته الثورة من مهمات لإعادة بناء العراق، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وبالذات دفع الثورة باتجاه البناء المؤسسي وخلق المؤسسات الديمقراطية، ولكن هذا لم يتحقق وللأسف الشديد، فقد تباينت المصالح، وظهرت الميول التآمرية وبرزت العلاقات الخارجية المؤذية ففتت (جبهة الاتحاد الوطني)، وخلقت محاور وخنادق استثمرها أعداء الشعب لإسقاط الثورة لاحقاً وذلك في انقلاب شباط الاسود عام 1963. إذاً تم تفتيت الجبهة وعدم القدرة على تشكيل جبهة واسعة. نعم، حصلت هناك جبهة لبعض القوى التقدمية واليسارية لكنها لم تتسع لكل المعنيين بحماية وصيانة منجزات ثورة 14 تموز، ودفع البلاء عنها، ومنع التآمر الشرس ضدها، وإطلاق مسيرتها نحو التقدم والصعود. كل هذا أثمر توفير مناخات مناسبة لتصاعد النشاط الرجعي التآمري الداخلي والخارجي لإسقاط الثورة والارتداد بها في 8 شباط المشؤوم. وهنا لا يمكن إلا أن نؤشر بأن الجميع يتحملون، بهذا القدر أو ذاك، بعض الأخطاء. كانت هناك بعض الممارسات والتوجهات المتشنجة والمتشددة التي عرقلت التقارب والوحدة وولدت الشكوك والمرارات. غير ان المسؤول الأول عن تفتيت (جبهة الاتحاد الوطني) هم اولئك الذين انخرطوا في مشاريع إقليمية بهدف فرض الوحدة الفورية، أو تحالفوا مع القوى الامبريالية في ذلك الوقت. وليس خطأ من قال بأن 8 شباط 1963 ورجاله جاءوا بقطار أمريكي.

لكن هذا أيضاً أعطى للحزب تجربة ملموسة في التعاطي والتعامل الواعي، المرن، مع التحالفات. طبعا التحالفات ليست بالضرورة أن تكون متكاملة. فأشكالها كثيرة، تبدأ من التحالف على برنامج متكامل، مرورا بتحالفات ذات طابع انتخابي، وحتى تحالفات جزئية، وما يميز الشيوعيون انهم استخلصوا الدروس المناسبة وتعلموا انه في كل جولة لتحقيق مطالبهم نراهم يبحثون، عبر التحالفات، عما يساعد على تحقيق هذا المطلب او ذاك. فقدرتهم متنوعة على الدخول في تحالفات متنوعة، وهذا مؤشر على النضوج والوعي والقدرة على التعامل مع المستحقات السياسية أكثر مما هو عمل مجرد، كما يريد البعض من المتياسرين المغامرين. فالحزب دخل في تجربة جبهة مع البعث بعد 1968 وكان يستهدف من وراء ذلك خدمة الشعب، ودفع المسيرة بالاتجاهات التي تؤمن الخلاص من دوامة الحروب الداخلية والدماء والمجازر ودفع عملية التنمية السلمية لمصلحة الشعب. غير ان الطرف الثاني لم يكن إلا غادراً وخبيثاً، فقد كان يريد أن يستفيد مما أنتجته الجبهة من زخم شعبي، داخلي وخارجي لصالح التحول ومن ثم ينقلب عليها لاحقا بعد أن تبلورت واتضحت مصالحه المعادية للتقدم الاجتماعي وللديمقراطية في لاحق الأيام، الأمر الذي دفعه لارتكاب مجموعة من الأخطاء والمجازر والسياسات الرعناء ضد الشعب وضد حزبنا أيضا وضد جيرانه أيضا. وكان على الحزب وهو يتابع التطورات أن يتوقى، أن يحذر أكثر، وان يتجنب الوصول الى تلك اللحظة بالانسحاب المبكر من التحالف أو قبل ذلك بالتنبه لضمانات داخلية وخارجية تقيه شر انقلاب الحليف على التحالف. وهذا ما قيمه المؤتمر الوطني الرابع للحزب (1985) وأشارت له بالتفصيل وثيقة التقييم التي صدرت عن المؤتمر. إذاً الخطأ لا يكمن في فكرة التحالف بحد ذاتها بل في إدارة هذا التحالف، وهذا أيضا أعطانا درسا عميقا استفدنا منه في علاقاتنا اللاحقة.

خصوصيات التحالف مع أحزاب كلها في المعارضة و التحالف مع حزب حاكم

 

صحيح أن التحالف مع أحزاب كلها في المعارضة يملك خصوصية تختلف عن التحالف مع طرف هو حزب حاكم، فهنا المسألة أعقد. فالحزب الحاكم لا يمكن إلا أن يتأثر بموقعه الجديد وما يحصل عليه من مكاسب وامتيازات، وبما تتشكل له من مصالح طبقية اجتماعية جديدة، وبما لديه من وسائل. ولهذا فان مهمة التحالف مع الحزب الحاكم عادة ما تكون أعقد وأصعب وتقتضي حذراً أكبر ونباهة أكثر. هذه أيضا كانت تصلح لما جربناه مع البعث، ويجب أن نستدل به لاحقا أيضا عندما نتحالف مع حزب وهو في الحكومة. وطبيعي الاشارة الى انه يجب أن تنتبه لحلفائك الآخرين ممن يشاركونك نفس الموقع وهم خارج الحكومة ولكنهم أيضاً يتحالفون معها، البعض من هؤلاء تتبدل سلوكياتهم وممارساتهم تبعا لتبدل علاقاتهم مع حزب الحكومة. لنعود للتاريخ مرة اخرى، بعد 11 آذار 1970 وما حصل كنا نتمنى على الأحزاب الوطنية الأخرى ان تتحد وتتعاون لكن بعضها استمرأت السلطة، غير أن ذلك الامر لم يستمر طويلا وبعدها صار الجميع ضحايا للنظام الدكتاتوري. لذلك اكرر القول أن قضية التحالفات ليست عملية بسيطة، بل هي في منتهى الصعوبة والتعقيد، وتقتضي المتابعة الدقيقة والوعي بالمتغيرات والتطورات التي تحصل على مواقف ومواقع الحلفاء حتى يمكن اتخاذ الموقف الصحيح، وفي الوقت الصحيح. وليس كل ما يصلح اليوم يصلح غداً، هذا ما يجب اخذه بعين الاعتبار على الدوام.

دائرة ذوي المصلحة في إنجاز المهمات الوطنية والديمقراطية ما زالت واسعة

على كل حال، نحن الآن نتعامل مع الأمور منطلقين من هذه الأرضية وهي أرضية غنية وواسعة، حيث نسعى لإقامة تحالفات ونعتقد إن دائرة ذوي المصلحة في إنجاز المهمات الوطنية والديمقراطية ما زالت واسعة في العراق، خصوصا وان الكثير من القوى والأحزاب، كما الناس عموما، قد اكتوت بنار الدكتاتورية، ومنتجات وإفرازات الاحتلال. كما ان هذه القوى تعارض كل نشاط إرهابي متطرف تكفيري متحجر متحالف مع الفساد والمفسدين، وتطمح لعراق آمن مستقر وسائر على خطى التنمية والتقدم .. الخ . إذاً ما زالت هناك أرضية واسعة للتحالفات، لكن هذه التحالفات ليست سهلة، وهي أيضاً ترتبط بنمط تفكير من ترغب في التحالف معه، أو عناوين التحالف. المشكلة تكمن في انك لا يكفي ان تعي ضرورة التحالف، بل المهم أن تنظر لمن تريد أن تتحالف معه فهل هو يعي اهمية التحالف او ضرورته؟ وهل هو بنفس الإدراك بضرورة التحالف؟ هذا عامل يجب أن تتعامل معه بدقة. هنا لا بد من الاشارة الى ان هناك نمطا من التفكير المتخلف، بل أقول اللاديمقراطي الذي يتحكم ببعض قيادات الكتل السياسية ذات المصلحة الموضوعية في انجاز مهمات المرحلة، الأمر الذي يعرقل إقامة تحالفات محددة على اسس صحيحة. وهذا ما حرمنا وتحول الى عقبة امام جهودنا كحزب وحركة ديمقراطية منذ 2003 اي منذ السقوط حتى اليوم الحالي. نعم كانت الأيام الأولى، وما زالت، تحتاج الى تحالف وطني ديمقراطي واسع. لكن استمراء البعض وخضوعهم للمصالح الحزبية الضيقة، وللمنافع الاقتصادية والسياسية الخاصة والضيقة، هو الذي دفع هؤلاء الى ارتكاب العديد من الموبقات، والى ترسيخ بذور المحاصصة الطائفية - الإثنية. لقد كان المطلوب قيام تحالف واسع يخرج البلاد من مرحلة سميناها الانتقالية، ويطلق الطريق للتطور، وللاستقرار، ويتمتع فيه كل أبناء الشعب بحرية العمل من ناحية، وبحرية المساهمة في صنع القرارات السياسية، وبحرية الاختيار، بعيداً عن الخوف، والتهديد، والخشية من الاخر ومن قادم الأيام..الخ من الامراض التي عشناها ونعيشها. هذا هو إحدى المشاكل والمتاعب الرئيسية التي يعاني منها المشهد السياسي العراقي الحالي، والذي لا نستطيع إلا أن نجعله عاملاً مهماً من عوامل التأثير على مجريات تشكيل التحالفات الوطنية. لكن ومع كل ذلك تبقى الضرورة قائمة ولن تقوم للعراق قائمة اذا استمر المتنفذون بالسير على نهجهم الحالي. كما لن يستعيد العراق عافيته واستقراره وأمنه وتطوره الطبيعي، بدون أن يعي ذلك المعنيون وبضمنهم متنفذون.

لا تنازلات في التحالفات تطول الاستقلال السياسي والفكري والتنظيمي للحزب

وأخيرا لا بد من الاشارة الى ان التحالفات ربما تتطلب تقديم بعض التنازلات المتقابلة، ولكن لا يجوز أن تكون تنازلات مخلة ومبدئية تطول الاستقلال السياسي والفكري والتنظيمي لكل طرف، بل تنازلات تكتيكية. وما زلنا نؤكد الاستراتيجي والمبدئي المتفق عليه من مهمات وأهداف، والتي نسميها مهمات المرحلة، فلماذا لا نجد الطرق، وكسب أكبر ما يمكن كسبه من "كعكة" التحالف. إذاً هي كعكة إذا كانت في الاتجاه الصحيح لأنها تؤمن النجاح لجميع الاطراف المشاركة حين تتحقق اهداف هذا التحالف. ويجب أن يفكر المتنفذون بحقيقة أن التفرد والتزمت والتعنت وتهميش الآخرين ما هو إلا مضرة وتصعيد للصراعات الثانوية وأذى لمسيرة البلد ومصالح الشعب.

أما اشكال التحالفات فهي كثيرة، لسنا في وارد فرض شكل معين على الآخرين، فهذا الشكل او ذاك لا يمكن اقراره مسبقا بل لا بد ان يكون محصلة حوار، محصلة عقل جماعي، وبجهود مشتركة لكل الأطراف. ولكن يمكن ان نجد من التفاهمات والتوافقات ما يسهل عملية التلاقي، والوصول الى صيغة تنفع البلد وتعينه على الخلاص مما هو عليه من مآسٍ ومن محن ومخاطر كثيرة تهدده بأسوأ الاحتمالات. ولأن البلاد على مفترق طرق، فان المطلوب من مَنْ بيده السلطة والموقع المؤثر ان يعي هذه المخاطر والتحديات ويعمل مع الاخرين للتغلب عليها، لا ان يستغل موقعه هذا ليتباهى بأنه حقق انجازاً كبيراً، فلا يوجد انجاز كبير لحد اللحظة، فالبلد كله في دوامة، وغليان واحتمالات مفتوحة. وإذا كان هناك من نجاح يسجل فهو ان يدرك الجميع وفي مقدمتهم القوى المتنفذة قبل فوات الأوان. ان الحاجة والضرورة ملحة للوصول الى حلول تجنب البلاد خيارات مرة ولا ديمقراطية. من جانبنا وشعورا منا بطبيعة الاوضاع وحجم المخاطر والتحديات التي تواجه البلاد والمجتمع العراقي قدمنا في حينه مشروع المؤتمر الوطني، ودعونا الى ضرورة الحوارات وأهميتها، وأكدنا ممارسة عمليات تهدئة تجنب البلاد ما لا تحمد عقباه، لكن القوى المتنفذة لم تتعاط مع هذه الفكرة بالملموس بل روجت لحلول ومفاهيم من قبيل "ميثاق شرف" لا تؤدي إلا الى اعادة انتاج الازمة في حين ان المطلوب هو تجاوزها.

لكن مع ذلك، ورغم كل العوائق والممارسات الخاطئة، سنبقى غير جزعين وغير يائسين أو محبطين، فتجربتنا ثرة وتوحي لنا بان البلاد قادرة على تجاوز مصاعبها في حال توحد جميع الحريصين على تطور البلد وأمنه واستقراره. نعم هناك حاجة لتجميع من هم قريبون لبعضهم كقوى التيار الديمقراطي والمدني، ونعتبر ما تحقق في هذا المجال انجازا بالاتجاه الصحيح، ليكون نواة لما هو أوسع وحقاً تأسس على هذه النواة تحالف أوسع انتخابي هو تحالف القوى الديمقراطية المدنية (التحالف المدني الديمقراطي). طبعا ما زلنا نواجه الكثير من المستحقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا يتطلب ان ننظر أبعد لكل من له استعداد لوضع العراق على السكة الصحيحة. فالتحالف هو عملية صعبة، ولكنها مضمونة النتائج إن أحسن إتقان إدارتها.

 

السؤال الثالث: تنظر الماركسية الى اشكال الكفاح (الاقتصادي، السياسي، الفكري.. الخ) التي يمارس الحزب نشاطه في اطارها في وحدة هذه الاشكال وفي ديناميكيتها وعدم فرض شكل على اخر بل اختيار الشكل النضالي الملموس استنادا الى التحليل الملموس للوضع الملموس. وبهذا المعنى فان الماركسية لا تفرض شكلا محددا فرضا مصطنعا بل تستمده من حركة الجماهير الملموسة وضعف الطبقات المستغلة (بكسر الغين) وممارسات السلطة الحاكمة والأساليب التي تعتمدها تجاه الحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية.

هل يمكنكم، رفيقنا العزيز ابو داود، ان تحدثونا وبالملموس عن الكيفية التي استطاع فيها الحزب، في ظل اوضاع متوترة وتناسبات قوى تتبدل بسرعة، ان يمازج بين هذه الأشكال دون ان يقع لا في فخ النزعات المتطرفة ولا في النزعات الانكماشية والتقوقع؟ وهل كان هذا التوليف صحيحا على الدوام ام حصلت بعض الاخطاء او الاخفاقات وما هي جذورها؟

 

- نعم أشكال النضال كما تفضلتم متنوعة، وهي تنسجم مع مستوى تطور واستعداد المعنيين في الكفاح من أجل التغيير، بمعنى انه وحين ننطلق من الحاجة الى التغيير الثوري لتقدم المجتمع وتحقيق المهمات المطروحة، لا بد أن نحفز ونفعّل نشاط ذوي المصلحة المباشرين لأنك لا تستطيع – كحزب- أن تقفز وتطرح شعارات كبيرة ذات بعد سياسي/ فكري، والناس لاهية عنك. عند ذلك ستقع في المغامرة الثورية وفي التطرف، وتصبح عبارة عن مجموعة من الثوريين المعزولين عن الجمهرة الواسعة من أصحاب المصلحة الحقيقية الذين ينشدون التغيير. لذلك شهدت الحركة الثورية العالمية الكثير من الممارسات الخاطئة تحت عناوين، من حلقات ومنظمات ثورية. إذاً لا بد لك وأنت تتحرك أن تتفاعل مع ذوي المصلحة الحقيقية، بتحريك الشكل الاقتصادي والانطلاق من مصالح الناس المباشرة، لأنه الأقرب الى وعيها، وهي بمستوى الوعي الذي عليه، لا تستطيع تلمس إلا المباشر. والنضال من اجل الهدف المباشر هو الذي سيربيها، وسيثقفها، ويساهم في توعيتها واكتشافها لمصالحها الملموسة، وسيدفعها للبحث عما هو خلف المباشر/ الاقتصادي، اي النضال السياسي بأهدافه الواسعة حيث تترابط هذه الحركات المتنوعة المنتشرة في مناطق مختلفة ويوحدها مع بعضها البعض.

اختيار الشكل النضالي الملموس طبقاً للظرف الملموس

إن هذا ليس أمرا مفتعلا وليست هو تراتبية مدرسية نتحدث عنها، وإنما نتحدث عن رؤية نظرية استخلصت تجربة التاريخ المعاصر كله، والحاجة الفعلية له. فحينما تخمد الحركة الثورية، لسبب أو لآخر، لا يمكن طرح الشعارات الكبيرة المتطرفة البراقة فهي لا تستطيع أن تستنهض الناس الذين يعيشون في وهدة الجوع والبؤس وغير ذلك، لا بد من أن يتم تحريك الناس/ الجماهير من خلال مطالبها، عبر تعريفها بحقوقها الطبيعية المشروعة وتدلها على الطريق الصحيح، طريق التنظيم، بمستوياته المعروفة، كالأحزاب، والنقابات، والجمعيات، والمنظمات الديمقراطية، والمجتمع المدني، الى آخره من الأشكال المتعارف عليها في العصر الحالي. والتجربة تشير الى أنه لا يمكن لأحد أن يفرض على الجماهير أو على الشعب عموما شكلا محددا دُبج أو صيغ بمعزل عن حركة الجماهير واستعدادها النضالي الثوري، وإلا سيكون هذا الشكل المطروح غريبا عن فهمها وقدرتها على التفاعل معه. لذلك حذر كلاسيكيو الفكر الاشتراكي، والفكر الماركسي على وجهة الخصوص، من أن أساليب النضال يجب ان لا تفتعل بل تكتسب وتصاغ من خلال الممارسة الفعلية للناس ودرجة استعدادها لتقبل هذا الشكل النضالي او ذاك في اللحظة التاريخية الملموسة. نعم، قد يكون لديك وعي متفتح تستطيع أن تلتقط ما هو أساسي ومهم، وناضج من الاشكال وتدفعه لكي يأخذ طريقه للتحقق باعتباره الأكثر تأثيراً، والأكثر مضياً للتفاعل مع الأحداث الجديدة.

في ضوء الملاحظات اعلاه يتوجب على الحزب الثوري، ذي السياسة الواقعية والنهج العلمي الصحيح، أن يعرف كيف يوفق بين اشكال النضال: الاقتصادي والسياسي والفكري، وان لا يضع واحدا بديلا عن الآخر او بمواجهته، بالقفز على المراحل أو بحرقها، وإنما أن يجد الدالة أو الصلة، صلة الرحم الوثيقة بين كل هذه الأشكال، ليصل الى مبتغاه، لأنك في آخر المطاف وأنت تناضل من أجل الحقوق والمطالب الاقتصادية - الاجتماعية المباشرة، مطالب الأجور وحق العمل، مطالب الصحة والسكن، احترام الحريات الفردية والجماعية.. الخ، لا بد لك أن تطمح الى أن يتأسس نظام سياسي، يؤمن تحقيق هذه المطالب والحقوق. لذلك فان انتقلت الى السياسة والعمل السياسي بشكل متداخل ومتناسق ومنسجم مع النضال الاقتصادي، وكان لديك مشروعك الفكري، فانه يتوجب عليك أن تطرح الامور ارتباطا بمهمات المرحلة المحددة في تدرجها وتداخلها وتشابكها، طبعا الحل الجذري سيكون متجسدا في المشروع الفكري المحدد. هنا تتداخل الاشكال وتخلق العناصر الواعية الثورية التي تفقه وتدرك وتعي بعمق مسارات النضال وتدرجه التصاعدي لحين طرح المشروع الفكري للتغيير وعدم الاكتفاء بتفسير الاوضاع السائدة.

تجنب الخلط بين أساليب النضال وأشكاله

من المهم هنا اثارة الانتباه الى اننا حينما نتحدث عن أشكال النضال يجب أن لا نخلط بينها وبين أساليب النضال، فهذه الاساليب تتنوع: سلمية سياسية، وأساليب عنفية. الشيوعيون يطمحون الى أن يحققوا أهدافهم بعيدا عن العنف، إذ أنه مفروض عليهم من قبل الطبقات المسيطرة، فهم لم يلجئوا الى العنف على مدى تاريخهم وابتداء، بل كانوا ضحايا عنف السلطات والطبقات الحاكمة للدفاع عن أنفسهم ومن أجل تحقيق أهدافهم لمصلحة الشعب والوطن. إن الشيوعيين ليسوا عشاق دماء، وليسوا عشاق أعمال سرية، ولا عشاق عمل مسلح وقرقعة سلاح.. فهم ابتداء إنسانيون سلميون. ولكن وعبر تاريخهم كانت تقع اعتداءات عليهم وكانوا يدافعون عن أنفسهم من عسف الطبقات الحاكمة الدكتاتورية، المضللة، المستبدة، الأوتوقراطية، عبر استخدام وسائل عديدة من بينها القيام بنشاط مسلح. إذاً لا بد أن نميز بين اسلوبين أساسيين من النضال: السلمية والعنفية.

نحن الآن نسعى لأن يترسخ على المستوى العالمي وعلى المستوى المحلي رفض العنف، واعتماد الأساليب السلمية. لأن العنف وأحد أشكاله الملموسة هو الحرب، هو دمار وخراب، المتضرر الأساسي منه الكادحون والشعوب. أما أصحاب الأطيان والرساميل، حتى لو تضرروا فإنهم قادرون على اصلاح أضرارهم. في حين ان هذه الجيوش الحقيقية من الكادحين والفقراء مصيرها الموت والخراب والبؤس والفقر والمرض. إن الشيوعيين هم الأكثر إحساسا بمخاطر الحرب لذا وقفوا ضدها. هكذا كان موقفنا من هذه القضية في مناسبات عديدة، من الحرب العراقية – الايرانية ومن غزو الكويت ومن الحرب والاحتلال في 2003 . لذلك كنا ندعو دوما الى الحلول السلمية، الى حوارات، الى تفاهمات تأخذ بالاعتبار مصالح الجميع. حتى حينما اضطررنا لرفع السلاح ضد الدكتاتورية، لم يكن ذلك رغبة في رفع السلاح بحد ذاته أو عشقا في التباهي بأننا حملة سلاح، بل اضطررننا الى ذلك نتيجة فاشية وجرائم النظام الدكتاتوري الصدامي البعثي ومؤسساته القمعية، والذي أوغل في دماء العراقيين عموما وفي دماء الشيوعيين خصوصا، بالقتل والاغتيالات والتعذيب والانفالات والمقابر الجماعية.. الخ، الأمر الذي جعل من الكفاح المسلح ضد هذا النظام أمراً مشروعاً وضرورياً، في تلك الفترة المفصلية.

خلاصة القول ان اعتماد الشكل العنفي من قبل الحركات الثورية لا يعني ان الثوريين يريدون ابتداء أن يرفعوا السلاح بل ان لجوءهم الى هذا الخيار هو نتيجة لمواقف الطبقات المسيطرة تجاه هذه الحركات. لنأخذ مثلا حالة أمريكا اللاتينية، فقد عانى الثوريون هناك من التدخل الأمريكي ومن الدكتاتوريات العسكرية الحاكمة، فلم يعطوهم فرصة للنضال السلمي، وبذلك لجأ هؤلاء الثوريون الى العمل المسلح. وما يثير الانتباه هنا ان بعض المغامرين جعلوا من العمل المسلح هدفا بحد ذاته وليس وسيلة من وسائل الكفاح المتنوعة. الأحزاب الشيوعية في كل الأحوال كانت ترى في هذا خروجا عن الطبيعي وانه مؤذٍ للحركة الثورية، وهذا ما حصل. ومع الاحترام للمزاج الثوري لدى بعض الثوريين، لكن كقانون حتى في تلك الفترة، كان الذهاب الى الكفاح المسلح قبل نضوج ظروفه، أمرا غير صحيح.

هناك ايضا خطأ مقابل يتمثل في انه ورغم ان العدو يمارس العنف بأقصى درجاته ويقتلك، لكنك تجد هناك من يقول لك ان الكفاح المسلح مغامرة! هكذا إذن بمواجهة النظرة المغامرة اليسراوية التي ترفع اسلوب الكفاح المسلح الى مستوى الغايات وليس وسيلة، نجد هناك توجها يمينيا قوامه انك ورغم تعرضك - كحزب - الى القتل والارهاب البشع ما عليك إلا ان تنتظر الموت ولا تقرر، ولا تدافع عن نفسك وعن رفاقك ورفيقاتك. هذا حصل عندنا حيث كان بعض الرفاق القياديين حينذاك يرفضون أي تحرك للحزب باتجاه تعزيز بناء قوات الأنصار.. الخ.

الخص القول بأن الخطأين موجودان، ولكن على الحزب الواقعي، الملتزم بالفكر العلمي الثاقب، وبالنهج الصحيح، أن يختار ابتداء الاسلوب السلمي. لهذا حينما سقط النظام الدكتاتوري بفعل قوى خارجية، ونحن كنا منذ البداية نرفض خيار الحرب والاحتلال والغزو، لم نمتشق السلاح لأن موازين القوى اختلت في حينه، والشعب لم يكن مستعدا لرفع السلاح، وان الذين رفعوا السلاح في البداية كانوا في غالبيتهم، من بقايا النظام السابق وأزلامه ومن الارهابيين، هذا مع وجود بعض النفوس الطيبة التي اندفعت، خطأ، الى رفع السلاح.

من جانبنا واستنادا الى تحليلنا الملموس للوضع الملموس لم نمتشق السلاح لأننا اعتبرنا أن الوضع الجديد لا يسمح باعتماد اسلوب الكفاح المسلح، وإنما يجب أن نعمل على تكييف الناس سياسيا وفقا لهدفنا هذا. هذه الملاحظة لا تعني بأي حال أننا لم نقاوم الاحتلال بالمطلق، بل كانت المقاومة السلمية والتي ربما تكون أجدى وانفع في ظرف معين، هذا ما اعتمدناه في منهجنا، لأننا قرأنا اللوحة الفعلية التي تشكلت بعد 9/4/2003 بكل تفاصيلها وتناسبات القوى التي تحكمها والمزاج الجماهيري العام. فالناس كرهت الدم والقتل والدمار، ولها 30 سنة تجارب مع الحروب: الحرب العراقية – الإيرانية، الحرب مع الكويت، حرب ثانية وثالثة وهكذا. كان الناس غير مستعدين لذلك. ثانيا، توازن القوى لم يكن يسمح باعتماد هذا الاسلوب، صحيح ان الناس لم تكن راضية عن الاحتلال وتقول ان الاحتلال غلط. لكن هذا لوحده غير كاف بل كان لا بد من تهيئة الظروف والأجواء لإخراج المحتل بطرق سياسية، سلمية ما دامت متاحة، وهو ما حصل. عدا ذلك فان حلفاءك الذين لا تشك في وطنية بعضهم، كانوا غير مستعدين للكفاح المسلح ضد السلطة الجديدة او ضد الإدارة الجديدة. كما ان قسما من الساسة كان مستعدا لأن يلعق حذاء الأمريكان من أجل أن يعيدوه الى السلطة. لذلك نحن نميز بين هذا وذاك من أساليب الكفاح، بين العنفي واللاعنفي/ السلمي، لأن القضية تحتاج دائما الى وضوح ونضج وانتباه كي لا نقع في ما لا تحمد عقباه، والتورط بأسلوب ليس له ظروف ناضجة، أو مستلزمات كافية. وفي كل الأحوال فإن أي أسلوب من الاساليب يحتاج الى مستلزمات لا بد من توفيرها قبل الاقدام عليه.

اعود الى التذكير بقضايا العنف والسلم. فقد شهد العالم تطورات ايجابية ضد الحرب وضد العنف، وتمثل هذه سمة جديدة عاشها العالم، والرأي العام العالمي. فقد تنامى وبوضوح الضغط البشري، ضد العنف وضد الحروب، هذا عامل من جملة عوامل تتيح جميعها القول ان وسيلة الحرب هذه استبعدت (وليس انتهت) رغم استمرارها في بعض مناطق عالمنا المعاصر ورغم اصرار بعض القوى الامبريالية على هذا الخيار الحرب، ومن هنا القول ان ما حصل من تطورات بشأن الموقف من الحرب والعنف عموما يتوجب اعادة نظر في العديد من موضوعاته.

السؤال الرابع: طيلة التاريخ النضالي المديد للحزب الشيوعي العراقي كان لشريحة المثقفين الشيوعيين والديمقراطيين الدور البارز في بلورة مشروع التغيير ونشر قيم التنوير والحداثة التي طرحها وروج لها الحزب.

ومن خلال تجارب الحزب الملموسة بشأن المسألة الثقافية والمثقفين عموما، كيف تنظرون للعلاقة بين الشيوعيين العراقيين والثقافة والمثقفين ولدورهم في المسألة الثقافية وفي نشر أفكار الحداثة والديمقراطية عموما؟

- ابتداء اقول ان الحزب الشيوعي العراقي ليس مجرد مشروع سياسي فكري أو كيان تنظيمي منغلق، بل هو أيضا وبمعنى آخر مشروع ثقافي تنويري، حضاري، حداثي، وارتباطا بهذه الملاحظة فان تحقيق أهداف الحزب الشيوعي العراقي القريبة عموما والبعيدة المدى خصوصا ترتبط ارتباطاً عميقاً ومتلازما مع تطور الوعي. فبناء مجتمع الغد الاشتراكي لا يرتبط فقط بالتطور التكنولوجي والعلمي ووفرة الانتاج والإدارة، على اهمية ذلك، إذ أن كل هذا التطور المادي يحتاج الى مستوى ثقافي وعلمي عالٍ، هذا اولا، وثانيا، يحتاج الى وعي وإدراك ونضج عميقين لكي يتحقق النظام الجديد. إذن، ابتداء وانتهاء هناك أرضية لتداخل السياسي والتنظيمي بالثقافي، فلا يعتبر الحزب الشيوعي العراقي مشروعه خارج الثقافة وخارج كفاح المثقفين الوطنيين والتقدميين من أجل المعرفة، من أجل الوعي، من أجل التنوير والحداثة، من اجل العلم الصحيح وكل ما تعنيه الثقافة من تنوع في اختصاصات وميادين عديدة، لهذا تجد ان النظام الداخلي الأول للحزب، وفي وصايا الرفيق فهد بلورة ملموسة لموقف الشيوعيين والحزب الشيوعي والشيوعية من المثقفين ومن الثقافة، والاحترام والتقدير لهم وضرورة التفاعل معهم. ولن نستطيع، ونحن نواجه مواكبة الحياة وما تنتجه من تطورات على كل الأصعدة وما تطرحه من تعقيدات وتشابكات على المستوى الاجتماعي والنفسي والثقافي وعلى المستوى الأخلاقي، لن نستطيع أن نواكبها بعيداً عن منجزات الثورة العلمية والتقنية والثقافية. إذاً نظريتنا ليست جامدة، بل على العكس انها متطورة، وتطورها يرتبط ايضا بالإنتاج الثقافي. إذاً لا يكفي فقط أن نحترم مقدما ومسبقا الثقافة والمثقفين، وإنما نحن بحاجة الى المثقفين والى إنتاجهم الثقافي والإبداعي عموما. وبالتالي فان الأفكار الكبيرة والعظيمة لا تصل بسهولة ويسر الى المعنيين بها، إلا عبر المنافذ والمنابر الثقافية التقدمية. فهي الوسيلة الأساسية والمدخل الرئيسي لوصول الوعي والمعرفة والثقافة التقدمية الى أوسع أبناء وبنات الشعب، لنؤسس بالتالي الكتلة التنظيمية البشرية القادرة على احداث الانعطافات الاجتماعية، من هنا أعتقد أن ممارسة الحزب الملموسة كانت دائما، ولا تزال وستبقى ايضا، ذات علاقة متينة ووثيقة بجمهرة المثقفين، لأنهم رسل للوعي. وبدون التعامل معهم، بما ينتجون من تصورات ورؤى، وما يعدونه من بحوث ومن أدب وشعر ومن مسرح ومن سينما، يصبح من الصعب استنهاض وعي الناس وتطوير ثقافتهم وتنمية وعيهم.

إننا معنيون بالثقافة.. فلسنا حزباً للجهلة

ان الملاحظات المكثفة أعلاه تبين اننا معنيون بالثقافة لأننا لسنا حزبا للجهلة، فالجهل يتعارض مع مشروعنا الفكري والسياسي. لقد كانت للحزب على الدوام علاقة متينة بالوسط الثقافي بل ان المثقفين هم رموز كبيرة للحزب. هل نستطيع أن نقول ان فهد غير مثقف؟ أو ان الشبيبي غير مثقف؟ الكثير من رموز الثقافة العراقية من قادة الحزب. كما كانت علاقتنا بعمالقة الأدب والفن والثقافة عموما علاقة وثيقة تقوم على احترام متبادل، بل وثقة متبادلة. ولو عددنا رموز الثقافة العراقية على امتداد الثمانين عاما من عمر حزبنا لوجدنا ان أبرزهم كانوا على علاقة صداقة وتواصل وتفاعل واحترام متبادل مع الحزب، اننا ونحن نسعى لتخليص مجتمعنا مما هو عليه من تخلف وجهل وأمية وبؤس ثقافي وتدهور في المستوى الثقافي وفي المؤسسات الثقافية، نشعر أن احد مداخل الخلاص من الوضع السائد يكمن في النهوض الثقافي. لذلك نضع أمامنا - كحزب - مهمات كبيرة في هذا الميدان، لا لكسب المثقفين فقط، كما يحلو للبعض، وتحويلهم الى أدوات ناطقة باسم شعارات الحزب الشيوعي، فهذا منهج خطير، وتكمن خطورة هذا المنهج في انه يقرأ الأمور قراءة غير واقعية غير سليمة من جهة، كما انه من جهة ثانية مشروع سياسي حزبي ضيق، يستهدف عزل المثقف عن مطالب الشعب، عن السياسة.

إشكالية السياسي/ الثقافي.. لا جدار فاصلا بينهما رغم خصوصية كلا منهما

وانطلاقا من الملاحظات في أعلاه فإننا لا نعتقد ان هناك جدارا فاصلا بين السياسة والثقافة، فلا سياسة ناضجة بدون ثقافة، ولا ثقافة مؤهلة بدون تفاعل مع السياسة. لذلك نعتقد ان الحواجز المفتعلة التي توضع بين المثقف والسياسي تضر بالاثنين. فإن مارسها السياسي فهي تعبر عند ذلك عن جهله وضيق صدره، وبالتالي يصبح مشروعه الفكري معاديا للوعي والثقافة، أما إذا مارسها المثقف، فهو سيكون حينذاك مغاليا وبعيدا عن مطامح الشعب وغير متفاعل، بل نرجسي. ان المعادلة الصحيحة هي بناء علاقة جدلية بين السياقين: الثقافي والسياسي، مع احترام الاختصاصات الثقافية والخصوصيات السياسية، فالفن له مستلزمات، انه يأخذ بنظر الاعتبار القضايا الجمالية، في حين ان للسياسة مستلزماتها وشروطها، ولكن بمقابل هذا كله لا يجوز قطع صلة الرحم بين هذين السياقين ووضع الحواجز بينهما بل تأمين التفاعل بين الاثنين، واعتقد ان اصطناع جدار عال بين السياسي والثقافي سيكون مضرا للطرفين، بل هو مضر في نهاية المطاف، لمصالح الشعب والوطن ولمصالح التقدم الاجتماعي، فلا يمكن أن يتحقق اي تقدم اجتماعي إلا بتضافر وتماسك جهود المثقفين بعموم تخصصاتهم مع السياسة والسياسيين، مع تنوع اهتماماتهم. فهذا هو الذي يوفر للبلد القدرة والجبهة القوية للتغلب على الجهل وعلى التخلف وعلى الأمية وعلى ضعف الوعي، وهناك اليوم محاولات كثيرة لشد العراق الى أخلاقيات وتقاليد القرون الوسطى.

السؤال الخامس: كان المؤتمر الوطني الخامس (مؤتمر الديمقراطية والتجديد) الذي انعقد خلال الفترة 12- 25/10/1993 محطة نوعية مهمة من محطات الحزب طيلة مسيرته المديدة. وهذا يطرح سؤالا ملحاحا: لماذا التسمية: (مؤتمر الديمقراطية والتجديد)؟ هل كان الحزب يعيش أزمة حقا اقتضت التجديد، أم ان ذلك كان ردة فعل لما حدث من تحولات دراماتيكية على الصعيد العالمي؟ ثم ما هي خلفيات القرار بعقد المؤتمر، والضرورات السياسية والفكرية والتنظيمية لهذا القرار؛ كي يمكن فهم المغزى العميق للتجديد الذي كان يراهن عليه الحزب آنذاك وما هي الآثار التي تركها المؤتمر على الحزب عموما وعلى طرائق عمله وخطابه وممارساته على مختلف الصعد؟

وارتباطا بالمؤتمر الخامس ايضا فانه وخلال هذه المسيرة الحافلة الطويلة ابتعدت أعداد من الرفاق عن الحزب لأسباب مختلفة، جرت محاولات عديدة من أجل تجميعها، وقد توجه المؤتمر الخامس بنداء الى الرفاق الذين يقفون بعيدا عن الحزب، مناشدا للاقتراب من بعض وشبك الأيدي معا. هل اتخذت إجراءات لتحقيق النداء و كيف كانت الثمرات؟

- لنقل بصراحة ان التسمية (مؤتمر الديمقراطية والتجديد) وعقد المؤتمر ذاته هما محصلة كل العوامل التي أشرتم لها في سؤالكم. طبعا لا يمكن اجتزاء الموضوع والمكابرة بشكل عام، فنحن كما أشرنا ونؤشر ذلك في النظام الداخلي، فصيل من فصائل الحركة الثورية العالمية، لذا لا يمكن ان نقول نحن بخير والآخرون في شر، فهناك مصائر تتداخل وبالتالي تتأثر فيما يجري في عموم الحركة، فالحركة الشيوعية العالمية وخصوصا في البلدان الاشتراكية واجهت أزمة حقيقية، هي أزمة الركود والجمود العقائدي ومتفرعاتها، ومنتجاتها التي تجسدت في البيروقراطية، والموقف السلبي من الديمقراطية، ومن القيادة الجماعية، وأججت خلافات وإشكالات لا حصر لها، على الاصعدة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية وهذه كلها وفرت ظروفاً لمواجهة ازمة حقيقية أدت الى انهيار بعض البلدان الاشتراكية، فهل نستطيع ان ندعي ونقول بأننا لسنا معنيين بما جرى؟ قطعا لا، لكن السؤال المطروح هو الى أي درجة نحن تأثرنا بذلك؟ وهل للحزب الشيوعي العراقي بعض الحصانات أو المناعات التي تقيه من كل هذا الذي حصل؟

مؤتمر التجديد والديمقراطية ابن ظروفه الملموسة

في معرض الاجابة عن هذه الاسئلة لا بد من الاشارة اولا الى ان كل هذا الذي حصل ادى الى انهيار بعض الأحزاب، وبعض الحركات انهيارا كاملا، فحدثت ردات عند بعضها وحلّت نفسها، وهنا ايضا ثمة سؤال يطرح نفسه وهو: لكن لماذا بقي الحزب الشيوعي العراقي صامداً وتعامل مع الحدث الجلل بتلك الروحية وبتلك السمات وبذاك النهج؟ هذه قضية اعتقد انها تحسب للشيوعيين العراقيين وما امتلكوه من قدرة على مواجهة التحديات والمنعطفات الصعبة.

هناك قضية اخرى تستدعي ايضا وقفة، كما معروف كنا قد خرجنا من محنة كبرى، وخسرنا مئات ان لم يكن آلاف الشهداء بين قتيل ومفقود، ومغيب، واغتيالات.. الخ، ليس فقط في حركة الانصار بل وفي الداخل، وتشهدون اليوم آخر قائمة لقافلة من الشهداء في حقبة النظام الدكتاتوري نشرت قبل أيام، كم من الرفيقات وردت في هذه القائمة، كم من الحزب الشيوعي المجيد وكم مناضلة مجيدة، فالحزب كان يعاني معاناة شديدة مما قام به البعث من سفالات، وما تركته تلك الجرائم الكبرى بحق الحزب من آثار وأزمة داخلية، للانتقال من التحالف الى العمل المسلح باعتباره اسلوب عمل رئيسي. هكذا كانت الأجواء غير ميسرة.

وهناك ايضا ازمة الحركة الشيوعية، فقد كنا نعاني مرارة التعامل معنا من طرف البعض ممن ساندناهم ودعمناهم سنوات طويلة ورأيناهم ينقلبون علينا ويديرون الوجوه عنا، ولا يتعاملون مع مصيبتنا كما كنا نتمنى أو نرغب، علما اننا لم نكن متهالكين على الدعم بل كانت لنا ثقة بأنفسنا، بحزبنا وبقدرة رفاقه ورفيقاته على مواجهة كل الصعوبات والتحديات والمخاطر.

نعم كانت الظروف قاسية جدا، وكان علينا ان نعيد النظر بأوضاعنا ونواجه التحديات التي طرحتها تطورات الاحداث على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، وان نكون كما يريده شعبنا منا، مناضلين حقيقيين صامدين متحدين الارهاب والقمع ومواصلين دروب النضال الصعبة بسياسة سليمة، وشعارات صادقة، معبرة عن الواقع، وبنهج ذي أفق. وقد تطلب هذا كله من الحزب عملا مضنيا، فكريا وسياسيا وتنظيمي أيضا، كانت تلك اياما عصيبة، الامر الذي تطلب من المعنيين، من كادر الحزب وقيادته، ان يكونوا في حالة اجتماع دائم يربطون الليل بالنهار للتفكير في أفضل السبل للخروج من هذه المحنة وتجاوز هذه الأوضاع، كي يبقى الحزب صامداً رغم ما كان يعانيه من قمع ومن نزف للدماء التي اريقت على طريق حرية الوطن وسعادته، سواء في الكفاح المسلح وظروفه الصعبة، ام في ظروف العمل في الداخل والملاحقات، او في التعذيب والانتهاكات. بل كنا نعاني حتى من الخيانات، هذه كلها كانت حاضرة في العمل الحزبي، الأمر الذي استدعى من الحزب أن يفكر عميقاً بما يجب عمله، وما يجب التخلص منه مما تقادم، واستهلك، وعاد بالياً، وغير مؤهل للحياة. وكان لا بد من بلورة حلول سليمة، مسترشدين بمنهجنا وبفكرنا وبما هو نير وأصيل فيه، لاستكشاف الواقع الجديد، وبالتالي رسم معالم المستقبل الجديد للحزب ومواصلة النضال دون كلل وبروحية جديدة وحزب معاصر، حقا كانت الظروف صعبة، وما انجزناه - كحزب - كان محصلة كل ذلك، ومحصلة الجهد الداخلي للرفاق والرفيقات الذين سعوا الى ان يكون (مؤتمر الديمقراطية والتجديد) يستحق هذه التسمية وهو يواجه مثل هذه المهمات المعقدة والمتشابكة؟ فكان علينا أن نتخلص من بعض التقاليد البالية داخل الحزب، حيث تربينا لسنوات على أسس اعتمدتها الكثير من الحركات الثورية والشيوعية، على أساليب عمل وممارسات معينة، كانت بعضها وللأسف تضيق على الديمقراطية، وعلى القيادة الجماعية، أو تحد من حرية الفكر والرأي، وتعودنا ورسخنا بعض اشكال التنظيم المركزية الشديدة أو يمكن تسميتها علمياً البيروقراطية. وكان لا بد ونحن نواجه كل هذه التحديات من اعادة النظر بكل هذه الأوجه، وبهذه الاشكال التنظيمية البالية، التي لا تستوعب الجديد في الحياة، وما يتطلع له الناس في هذا العصر.

هكذا تحول الحزب الى ورشة عمل، ولم يكن تفكيرنا محصورا بما يجري في داخل البلاد، على اهمية ذلك، بل وأيضا ما يجري في العالم (وقد اصبح قرية صغيرة) من تحولات خلال تلك الفترة. فقد شهد العالم تطورات علمية تكنولوجية، وتطور في الاتصالات.. الخ، وهذه كانت كلها حقائق وموضوعات تستحق ان تجد لها انعكاسا في فكر وسياسة وأشكال تنظيم الحزب الشيوعي العراقي وبالذات العلاقات الداخلية للحزب.

هذا كله هو الذي وضع أمامنا كلمة تلخص بأن الحزب أمام مهمة الديمقراطية والتجديد، فقد انعكس هذا كله حقا في خطابه السياسي، وفي شعاراته الرئيسية، وفي تصوراته الفكرية العامة وفي طريقة تناوله للقضايا الراهنة والبعيدة المدى، واستخلاصاً للتجربة التي عشناها وأيضا في حياته التنظيمية. وانعكس ذلك في برنامجه ونظامه الداخلي، وتصوراتنا عن المجتمع القادم، المستقبلي في ضوء الانهيار الذي تم في الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية. كل هذا كان يستدعي منا ان نطلق ورشة وجهدا فكريا مكثفا وعميقا يستوعب كل الطروحات التي تجري في العالم لكي نتوصل الى بلورة استنتاجات دقيقة ترفض الانهيار والإحباط واليأس والجزع من جهة، وتؤسس لتفاؤل جديد مبني على علم حقيقي وعلى تجربة من جهة اخرى، نعم، هذا كله كان يحتاج لان نتناول الكثير من المقولات، والكثير مما سمي بقوانين بناء المجتمع الجديد بنقد علمي بعيدا عن العدمية من جهة، وبعيدا عن التكلس والجمود العقائدي من جهة اخرى، وكنا نواجه في هذا الجهد مقاومة ليست قليلة من النزعتين ولكن كان الصبر والأناة وطول النفس هو الذي اعتمدناه، لأننا كنا نقدم على خطوة كبيرة تتمثل بتجديد الحزب واستعادة عافيته، وكان لا بد ونحن نقوم بذلك من ان ندير العملية ادارة سليمة لمصلحة الشعب وعدم التفريط بقوى الحزب ومن اجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي، لذا كان لا بد من التعامل بأناة وصبر ونفس طويل، وان ندخل في حوارات فكرية متأنية لكي نصل الى النتائج المطلوبة، والآن ومن افق يتجاوز عقدين من الزمن على انعقاد مؤتمر التجديد والديمقراطية في 1993 استطيع القول اننا استطعنا تحقيق غير قليل من القضايا التي عالجها المؤتمر المذكور والمهام التي حددها.

حقا، لقد ساعد المؤتمر الخامس الحزب على النهوض بمهماته في العديد من المنعطفات، وقد قلت في فترة من الفترات انه لو لم يكن مؤتمر الديمقراطية والتجديد ليس بمعناه الحرفي التنظيمي فقط، بل بمعناه الفكري السياسي، الخطابي، وفي النتائج.. لو لم يكن كذلك لما استطعنا ان نتعامل مع كل هذه المهمات الكبيرة والخطيرة التي واجهتنا، بل لأثمرت الامور تشرذمات، ومناطحات لا عد لها ولا حصر، أما وان الحزب، رغم كل ذلك ظهر موحداً متماسكاً، واعدا وقادرا على التطور والنمو، وتحقيق انجازات، فاعتقد ان ذلك يمثل مأثرة كبيرة تحسب للشيوعيين العراقيين عموما، خصوصا عندما نقارن هذا بما حصل في بلدان اخرى.

وكما ذكرت سابقا فقد واجهنا مجموعة من الصعوبات والتحديات ونحن نعيد بناء الحزب او صياغة بعض مفاهيمه وتوجهاته الفكرية والسياسية والتنظيمية، فالقضية لم تكن سهلة ابدا لأن ردود الفعل عند البعض كانت مبهمة في بعض الاحيان وكانت سلبية في أحيان أخرى، او ساعية للانتظار كذلك دون ان تدرك ان الوضع لا يحتمل الانتظار، لكن المشكلة هنا ليست مع اولئك الذين تعاملوا مع عملية التغيير من منطلق حسن نية، بل مع أولئك الذين هربوا من السفينة كما يقال تصوراً منهم انها ستغرق! لكنها لم ولن تغرق، ولتبرير مواقفهم هذه فقد وقع هؤلاء في العدمية وفي الارتداد عن النهج الفكري العلمي الاشتراكي السليم وعن منهجية المادية الجدلية والمادية التاريخية، فقد اعتبروا الفكرة كلها من الفها الى يائها خطأ في خطأ! وان تجربتها من البداية حتى النهاية كانت خطأ في خطأ! مثل هؤلاء صعب التعامل معهم، يعني عودتهم الى الحزب، فقد صارت لديهم قناعات اخرى، غير اننا لسنا في وارد الدخول في معارك رغم ان البعض وللأسف لا يجد نفسه الآن إلا من خلال الهجوم على الحزب الشيوعي العراقي. اما الفريق الآخر فقد ناصب الحزب الخلاف والعداء قبل ذلك حينما انتقلنا الى المعارضة، وذلك باعتماد نهج سياسي مؤذ لم تزكه الحياة، وبموقف حزبي لا نظامي ولا اصولي خارقا لكل الاعراف والتقاليد الحزبية التي تعود عليها الشيوعيون، وانخرط في عمليات تكتل وتخريب للحزب.. الخ، في حين ان الحزب لم يعد يرفض النقاش الداخلي والحوار واختلاف الرأي كما كان في السابق، بل يؤكد ضرورة ان يجري وفق الاصول التنظيمية المتعارف عليها داخل الحزب، فقسم من هؤلاء الرفاق وعى التجربة، وبرئوا مما وقعوا فيه من احباط وجزع واقتنعوا بان بالإمكان التواصل وعودة قسم منهم، اما القسم الآخر الذي تحدثنا عنه أولاً فهؤلاء خضنا معهم نقاشاً عميقاً وأستطيع القول ان الأغلبية الساحقة منهم عادوا الى صفوف الحزب.

عملية التغيير لم تكن سهلة

من الضروري الاشارة الى اننا واجهنا لاحقا متاعب وصعوبات، فعملية التغيير في الحزب جرت في ظروف صعبة، ففي عام 1993 كانت امكانيات الحزب في ايصال ما انتجه المؤتمر الخامس الى كل رفاقه وأصدقائه صعبا، حيث كانت ظروف العراق قاسية جداً وكان محرما تداول اي كتاب او مطبوع، فعزل العراقيون في داخل الوطن بمعنى ما عن كل ما كان يجري حولهم في العالم، إلا النزر القليل الذي كان يصل، كان هناك عدد غير قليل من من لم يتابعوا ماذا جرى وما هي التغيرات والتطورات التي حصلت على صعيد الحزب والحركة عموما، وهذه كانت مهمة كبيرة تواجه الحزب وقيادته وكادره وهو ينفتح بعد سقوط الدكتاتورية لإعادة بناء منظماته ليس فقط بمعنى اعادة الصلات بل وإنما، وهو المهم، التأسيس لفهم أوضح وأحدث وأعمق للتغيرات التي طرأت في سياسات ونهج الحزب وخطابه وبرنامجه ونظامه الداخلي، اضافة الى ما حصل على الصعيد العالمي من تغيرات عاصفة، هذه كانت مهمة كبيرة واعتقد اننا تجاوزناها ونجحنا فيها.

ومع كل هذا استطيع القول ان اهم شيء حققناه هو ان المؤتمر الخامس وما تلاه من مؤتمرات اسست الى حقيقة ان التغيير والتطوير بمعنى التجديد والدمقرطة يجب ان يكون قانونا اساسيا في حياة الحزب، فهو ليس حدثا يقع لمرة واحدة وينتهي، انه عملية متواصلة تراكمية مستمرة دون توقف ما زالت الحياة تتطور، والواقع يتغير وبالتالي توازنات القوى تتغير، وبما ان المشاكل والقضايا والعمليات الاجتماعية تتطور وتتجدد، فانه لا بد ان يكون الحزب الشيوعي العراقي مؤهلاً لمواكبتها ومتابعتها، والانسجام والتفاعل معها لاتخاذ المواقف الصحيحة، سواء على الصعيد الفكري او السياسي او التنظيمي او على مستوى الخطاب السياسي. لقد كنا نريد ان نرسخ هذا المنهج، واعتقد ان التجديد اصبح تقليدا يتطلب منا ان نرعاه وان نناصره على مختلف المستويات، ذلك لأنه انجاز كبير قد حققناه وقد وضع الضوابط والمستلزمات لمنع الارتداد لأزمان الركود والجمود العقائدي.

طبعا، ونحن نرسخ هذا المفهوم، مفهوم التجديد والديمقراطية ونسعى لجعله قانونا دائما في حياة الحزب، وحاجة دائمة، فإننا لا نستطيع ان نهمل ونتناسى بعض الميول الخاطئة وبعض النزعات غير الصحية، فالديمقراطية تعني التفاعل مع آراء الآخرين، وتعني الاعتماد على ضوابط، فليس كل فكرة مهما هبت ودبت يمكن ادراجها في اطار التجديد المطلوب، بل هناك منهجية علمية تفحص ما هو التجديد، وما هو التخريب والارتداد هذا أولا، وثانيا، ليست الديمقراطية هي انني أملي على الحزب رأيي الخاص دون الأخذ بالاعتبار التفاعل مع الآخرين وآراء الآخرين، او الاحتكام الى النظام الداخلي في اتخاذ القرار، فالإصرار على ان "رأيي هو الصحيح" و ان " الآخرين كلهم على خطأ" فهذا مرض لا يمكن شفاؤه، علما انه وضمن عملية التجديد والديمقراطية، لا يمنع الحزب اعتزاز الرفيق برأيه، ولكن عليه ان يحترم القرار ورأي الآخرين حتى يقتنع اما بالاستمرار بطرح رأيه او التراجع عنه، هذه ايضا واحدة من المشاكل التي تواجهنا في اعادة البعض الى صفوف الحزب الذين يفرضون شروطاً مسبقة او افكارا خاصة كمقدمة أو كشرط لعودتهم الى الحزب، وهذا غير ممكن طبقا للنظام الداخلي للحزب او استنادا الى تجربته التاريخية في التعامل مع قضايا من هذا النوع.

السؤال السادس: خلال الفترة التي تلت اسقاط النظام المقبور في 9/ نيسان 2003 حدثت تطورات كثيرة، وهذه التطورات ولدّت وقائع جديدة وعناصر جديدة، وخلقت شروطا جديدة، تسمح بالاستنتاج بأننا دخلنا مرحلة جديدة ومتقدمة في الصراع الدائر حول افق التغييرات المطلوبة، وطبيعتها، وقواها المحركة والمعركة الدائرة منذ ذلك التاريخ حول شكل ومحتوى الدولة الجديدة وطبيعة الصراع المتعدد الاشكال والأبعاد، المحتدم، وخصوصا حول المهام الملموسة لهذه المرحلة في ظروف العراق الخاصة وأشكال تجلي التناقض الرئيسي.

هل يمكنكم، رفيقنا العزيز أبو داود، أن تعطونا نبذة مختصرة حول رؤية الحزب الشيوعي العراقي لمضمون وطبيعة المرحلة الراهنة وجوهر الازمة البنيوية المتعددة الصعد التي انتجتها وغذتها وعمقتها ممارسات القوى المتنفذة وطبيعة نظام المحاصصات الطائفية – الاثنية. لقد بينت تجربة اكثر من عقد ان البلاد تحتاج حقا الى بديل اخر يشكل نفيا لنظام المحاصصات. وهنا يطرح السؤال الآتي: ما هي برأيكم القوى الاجتماعية والسياسية المحركة والقادرة على تحقيق مهمات هذه المرحلة؟ وما هو موقع التيار الديمقراطي والمدني في هذه العملية خصوصا وان البلاد تتحضر للانتخابات البرلمانية القادمة التي ستعقد في 30/4/2014؟

- تحدثنا في الأجوبة السابقة عن اننا ما زلنا نواجه مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية، وهذا يعني ان هناك فئات وطبقات اجتماعية ذات مصلحة في انجاز هذه المرحلة وما تتضمنه من مهمات. طبعاً هناك من لا تنسجم مصالحهم مع انجاز هذه المهمات، من اولئك الذين ارتبطت مصالحهم بالرأسمال العالمي، كبرجوازية كومبرادورية، هكذا يسمونهم، فهم وكلاء للرأسمال العالمي في تصريف بضائعه، وخدماته في الداخل. ان هؤلاء لا يهمهم ولا يعملون لتحقيق الاستقلال الاقتصادي أو الاستقلال السياسي، واحترام السيادة الوطنية، أو انعاش الصناعة الوطنية، او لتأسيس حياة اقتصادية سليمة. وهناك السراق وما أكثرهم في الوقت الحاضر، من الفاسدين ليس فساد الضمائر والأخلاق وإنما فساد الذمة المالية والاقتصادية. ان هؤلاء لا يرغبون في بناء قاعدة انتاجية وتحقيق استقرار انتاجي وتقديم خدمات انتاجية وتنويع اقتصاد، وإنما ثرواتهم وأرباحهم ترتبطان ببقاء الفساد والبيروقراطية والفوضى، كما أن هناك طفيليين من كبار رجال الإدارة، الذين اندمجت مصالحهم بمصالح الطفيليين والفاسدين والسراق، أو مع بعض الرأسماليين عديمي الذمة والضمير من المقاولين أو التجار أو (القومسيونجية) المضاربين، فهؤلاء لا يرغبون ولا يريدون تحقيق تنمية اقتصادية – اجتماعية صحيحة لأن مواقع هؤلاء مؤثرة في الوقت الحاضر. كما انهم يجدون لهم سنداً في القوى الأجنبية ومؤسساتها الاقتصادية، وفكرها الذي ينشد ويصر على الانفتاح الليبرالي المنفلت وعلى النهج المتوحش في ادارة الاقتصاد واستغلال الناس.

لكن في المقابل هناك اغلبية الشعب من الكادحين، العمال والفلاحين الفئات الوسطى من المثقفين والكسبة.. الخ، فهناك قسم من هؤلاء يعاني من بطالة مكشوفة، وقسم اخر يعاني من بطالة مقنعة، وجميع هؤلاء يعيشون في اجواء عدم الاستقرار ويعانون من شظف العيش ومن الخشية من قادم الايام. كل هؤلاء ينشدون ان يستقر المجتمع، وأن تتأسس علاقات طبيعية فيه، وان تتوافر ضمانات وان تقدم خدمات وان يتحقق الامن.. الخ. وهناك اوساط من البورجوازية الوطنية تعاني من هذا كله. لاحظوا الآن الصناعة الوطنية العراقية تعاني من مشاكل جمة، فقد دمرت، وهناك مئات بل آلاف من المصانع الكبيرة والصغيرة والورشات الصناعية معطلة، ولا تملك مقومات اعادة الإنتاج، ولا القدرة على التنافس مع الانفتاح العشوائي في السوق العراقية على البضائع الأجنبية، بل حتى (الزبايل) الأجنبية التي تأتي، عادة ما تكون مستهلكة، متقادمة، انتهت مدة صلاحياتها.

جبهة القوى ذات المصلحة في انجاز مهمات المرحلة الوطنية الديمقراطية كبيرة وواسعة

ولكنها مشتتة!

إن هذه الحقائق المهمة كلها تؤسس الى ان جبهة المناضلين او الفئات والطبقات الاجتماعية ذات المصلحة في انجاز مهمات المرحلة الوطنية الديمقراطية كبيرة وواسعة لكنها للأسف ليست موحدة. فما زالت تعاني التشوش والارتباك، وما ساعد على ذلك هو انتشار وباء الطائفية والمحاصصة الطائفية – الاثنية، فهذا السلاح، هذا الوباء هو الذي تمكن من استغلاله الطفيليون والبيروقراطيون والكومبرادور بشكل ناجح، ووضعوا الحواجز والخنادق والموانع التي تمنع أو تضعف اهتمام الناس بمصالحها الاجتماعية - الطبقية الخاصة، فبدلا من توحد هذه القوى على أساس هذه المصالح، بقيت مشدودة الى انتماءاتها وولاءاتها الثانوية، البدائية، الطائفية، العشائرية، الفئوية، الجهوية، المناطقية، على حساب مصالحها الوطنية.

لهذا فنحن معنيون بالنضال وبذل الجهود لتجميع كتلة ذوي المصلحة في انجاز مهمات هذه المرحلة، رغم التشوهات الطبقية التي حصلت في صفوف هذه المجاميع نتيجة جملة عوامل، فقد انهار قطاع الدولة، وتحول كثير من الصناع الى باعة متجولين أو بروليتاريا رثة ومتسكعين، وطالت هذه التحولات الطبقة الوسطى والفلاحين، لقد حدثت عملية تشوه وتشابك وتداخل، ولكن رغم ذلك كله فان هذا التشابك لا يمنع وجود الملامح الرئيسية لهذه الطبقات والفئات. نعم نحن بحاجة الى ان تتبلور تلك الملامح والمصالح موضوعياً، فهي ليست قرارا إداريا، ولا قضية رغبوية، إرادوية، بما يساعد تلك الطبقات والفئات على تشخيص وتحديد مهماتها، أو اهدافها. أقول، رغم ذلك كله ما زالت الحاجة ماسة الى نشاط سياسي واضح ومتقدم، وهنا يلعب الدور الذاتي مكاناً مهماً، وله موقع استثنائي في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، في بلورة ما هو مشترك وعام وبناء جبهة موحدة تواجه النهج الخاطئ القائم على نظام المحاصصات الطائفية - الاثنية، جبهة تعلو من شأن المواطنة والوطنية، والمصالح الوطنية العليا على حساب الانتماءات الثانوية، على حساب المحاصصة الطائفية - الاثنية، وتجعل بالتالي تيار التقدم هو الأقوى والأكبر. لذلك نحن نعول كثيراً على هذا الجهد رغم معرفتنا بان الوضع معقد وشائك.

يريدون للعراق ان يبقى مصدرا للنفط ومستوردا للسلع البائرة

علينا ونحن نخوض نضالنا على هذه الجبهة ان نواجه قضيتين خطيرتين. القضية الاولى هي ان العراق ليس جزيرة منعزلة فالرأسمال العالمي والدول الإقليمية لها دورها وتمارس تأثيراتها وتعبث ليس فقط بالسياسة العراقية ولا بالتوجهات الفكرية العراقية وإنما بالاقتصاد العراقي، وبالتوجهات الاقتصادية العراقية بل هي ذات مصلحة في الابقاء على هذا الوضع. بالمقابل كل الدول المجاورة والإقليمية (عدا ذات مصلحة في اللحظة الراهنة) لا تريد الاستقرار في العراق، وان لا تتبلور مطالب الناس الطبيعية، وبالتالي تتبلور الطبقات والعلاقات الاجتماعية. فهذا البلد لا يريد العراق ان يستقر انتاجه النفطي، وذاك البلد يريد ان يستمر العراق في دوامة أوضاعه فكل له تصوراته. والقضية الثانية هي ان ما يثير الانتباه ان آخر من يعي هذا كله هم بعض العراقيين الذين يملكون مفاتيح ادارة السلطة، فتراهم يكررون نظريات بالية، ويطرحون مفاهيم لا رابط لها في الخصوصية العراقية الملموسة، بل يستنسخون مفاهيم ونظريات ومقولات وتوجهات اقتصادية دون ان يمتحنوها على أرض وتربة العراق، وهذا ما يزيد المسألة تعقيدا، نعم هؤلاء اضافة لأولئك في الدول المحيطة وما بعدها، كل منهم يريد العراق أن يظل في هذه الفوضى ليبقى سوقا ينتج النفط ويستورد البضائع البائرة من دول جوارنا وغيرها.

التيار الديمقراطي حامل بديل لتغيير الواقع وليس إعادة إنتاجه

نعم للتيار الديمقراطي بديل عن هذه الفوضى، ولكن على هذا البديل ان لا يكتفي بنقد الواقع، وهو مأساوي، وقبيح، ولا يكتفي بالإشارة الى معاناة الناس وهي مريرة، وإنما والاهم هو مصداقيته - بالمناسبة جملة اعتراضية - لأن الآخرين لم يعودوا يستحون من تبني نفس الشعارات الرائجة التي يطرحها التيار الديمقراطي وفي مقدمتها شعار العدالة الاجتماعية، وتقديم الخدمات، وتحسين الصحة ورفع مستوى التربية.. الخ. لهذا على التيار الديمقراطي ان يثبت ذلك بالمصداقية التي تتجلى في سلوك أركانه وأعضائه وعلاقتهم الوثيقة بالناس أولا وبما يمتلكون من صفة اليد البيضاء، ومحاربة الفساد، وأن يقدموا البدائل والحلول والمعالجات الملموسة، وليست الشعبوية الشعاراتية.

هنا نختلف عن الآخرين، وهنا يتضح الخلاف، ماذا نريد لكي نعالج المشكلة الآنية في هذه المرحلة؟ أعتقد ان البرنامج الذي طرحه (التحالف المدني الديمقراطي) يفي ببعض هذه المتطلبات، وعليه وهو يخطو بقوة وبثقة أن يسعى لتحقيق حضور في البرلمان القادم، ممثلا لإرادة الشعب وطموحه في التخلص من الفوضى الاقتصادية والمأساة الاجتماعية، وأن يسعى جادا لاستصدار تشريعات، وللقيام بتحركات حقيقية ناشطة وفعلية لتلبية مطالب الناس، واليوم وحيث يحضر هذا التحالف للمشاركة الفاعلة في الانتخابات، يتوجب عليه أن لا يغيب عن التفاعل مع الشارع العراقي، فالأساس هو تقديم البدائل الناضجة لتغيير الواقع والوعي وليس رفض الموجود السيئ والمعروف، لأن المتورطين في ما آلت اليه أوضاع البلد هم أيضاً لهم صوت عالٍ في نقد منتجاته السيئة، لكن السؤال هو من المسؤول عن هذه المنتجات السيئة؟ خذ مثلا هذا الذي جرى في البرلمان أخيرا، كقانون التقاعد، من هم الذين صوتوا على الفقرة 37؟ هل هم الأشباح أم أنهم كثرة من اعضاء البرلمان ممن ملأوا شاشات الفضائيات زعيقاً وصراخاً متظاهرين بحبهم للشعب؟!! ورفضهم الاستغلال ولكن ماذا قدموا؟ قدموا الصيغة المعروفة، الصيغة السيئة، لو كانوا يملكون ذرة من العقل والواقعية لصاغوا فقرة مقبولة وفق المعايير الوطنية والعالمية والقانونية والشرعية والدستورية لتخليص البلد من هذه الدوامة، لكن ماذا عملوا بالملموس؟ لقد اصروا على صيغة تضمن مصالحهم الذاتية الخاصة فقط، وحاولوا جاهدين لإلهاء الناس بدوامة من القضايا الثانوية هادفين بذلك لإبعادهم - اي الناس- عن الانتخابات وتحضيراتها، خوفا وتجنيا من أن تقلب الطاولة عليهم؟

السؤال السابع: ارتباطا بالسؤال اعلاه ايضا وانطلاقا من جملة الحقائق الجديدة التي اكسبت الأزمة البنيوية التي تعيشها بلادنا ملامح إضافية منذ الاحتلال وتكريسه دولياً بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483، توصل الحزب الى بلورة استنتاج في غاية الاهمية النظرية والتطبيقية، ينطلق من حقيقة انه " في ظل التوازنات السياسية الداخلية والدولية الدافعة بقوة لصالح التطور الرأسمالي بصورته الليبرالية الجديدة الأكثر غلوا، ينصب نضالنا في المرحلة الراهنة على تجنيب شعبنا مصائب رأسمالية وحشية وإنجاز أهداف ذات طابع وطني عام عبر أوسع تحالف اجتماعية سياسي".

 

تحتاج هذه القضايا، رفيقنا العزيز، الى المزيد من التوضيح والتعميق، فما هي الاسس التي استند اليها الحزب للتمييز بين "رأسمالية متوحشة" و"رأسمالية غير متوحشة"؟ وهل يمكن الحديث عن "تنمية مستقلة" ذات مضمون رأسمالي في ضوء ظروف بلادنا التي تحتل موقعا تابعا ضمن الاقتصاد الرأسمالي العالمي، وتندمج بشكل متعاظم في التقسيم الدولي الرأسمالي للعمل نتيجة الطابع الريعي للاقتصاد العراقي؟

 

- لقد شهد العالم في العشرين سنة الماضية بل حوالي ما يقارب الربع قرن تحولات كبيرة، دراماتيكية، بعد أن انهار الاتحاد السوفيتي السابق وبعض الدول الاشتراكية، وانفردت امريكا بنهجها كقطب أوحد، وسعت دون هوادة لتعميم مفاهيمها. وبالمقابل انحسر مؤقتا والى حد كبير نفوذ الحركة العمالية العالمية، والحركة الثورية المناهضة للرأسمالية، ما أدى الى تجبر وتمادي الرأسماليات في العالم للتراجع حتى عن بعض المكاسب التي تحققت للطبقة العاملة وللشعوب تحت ضغط وجود المعسكر الاشتراكي ونضال الطبقات العاملة والكادحين في البلدان الرأسمالية. فتحتَ ضغط المد العارم للحركات الثورية بعد الحرب العالمية الثانية، في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وانتصار حركات التحرر الوطني، ونضالات الطبقات العاملة في البلدان الرأسمالية المتطورة تحققت الكثير من الضمانات والانجازات والمكاسب، ولكن هذه كلها جرى ويجري الغاؤها من طرف الطبقات الرأسمالية المسيطرة في هذه البلدان، وعملت هذه الرأسماليات بالاقتصاد ما يحلو لها، والى ما يؤمن الاستغلال المنفلت للطبقة العاملة، وللكادحين وتقليص حقوقهم دون رادع ودون وازع من ضمير.

"الرأسمالية المتوحشة" ابنة الليبرالية الجديدة

عمليا هنا وفي مثل هذه الظروف الجديدة شاع مصطلح "رأسمالية منفلتة " او "رأسمالية متوحشة"، ومنعا للالتباس لا بد من التذكير بان هذا النمط من الرأسمالية هو من حيث المحتوى، ومن حيث الجوهر نفس الرأسمالية التي تقوم على الاستغلال، ولكنها من حيث الاساليب والوسائل والتدابير على الصعيد الاقتصادي وعلى الصعيد السياسي رأسمالية متوحشة، على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ظهرت هذه الرأسمالية، وسميت بالمتوحشة، اي انها لا ترعوي ولا تحترم الاستمرار على الضمانات والمكاسب التي تحققت في مجتمعاتها، كما لا تتردد في اتخاذ اية إجراءات أو تدابير تتيح لها تعظيم استغلالها بغض النظر عن اية نتائج او اثار اجتماعية سلبية.

لقد تعمقت هذه الظاهرة مع تصاعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية بحيث تعاظم دور هذه الرأسمالية المتوحشة والتي لها مظاهر كثيرة، سواء على الصعيد الداخلي، او على صعيد العلاقة مع البلدان المختلفة، والاطراف الرأسمالية عموما، وطرحت صيغة ما سمي "الليبرالية الجديدة"، كمشروع فكري وليبرالي، والآن يمكن ملاحظة ان هناك عنوانا فرعيا لهذه الصيغة هو ما يسمى (نادي الشاي) الجمهوري الامريكي الذي يضم غلاة اليمين الرأسمالي ولهم مريدون ومناصرون ومقلدون ومستنسخون وببغاوات في البلدان الرأسمالية الاخرى.

من العام الى الخاص.. عن اي رأسمالية في العراق يجري الحديث اليوم؟

وإذا انتقلنا من العام الى الحديث بالملموس فانه يمكن القول ان هذا النهج وجد طريقه للعراق. فالذي قاد عملية غزو العراق واحتلاله وإسقاط نظام الدكتاتورية الفاشية، هو الحزب الجمهوري الأمريكي، الذي يتبنى بشكل حرفي الليبرالية الجديدة ومدرستها، ومن رموزها المسؤولين الامريكيين الكبار وزير الدفاع آنذاك، والطاقم الجمهوري الذي معه ومعهم صندوق النقد الدولي، الذين بشروا بهذا النهج، وتجلياته السياسية. فحينما جاؤوا الى العراق واسقطوا نظام صدام حسين، غير المأسوف عليه طبعا، وحتى لا ترتبك الصورة، ارادوا ان يشيعوا مدرستهم الليبرالية، لإقامة ليبراليتهم المتوحشة في العراق، بمعنى الغاء كل الضمانات والقوانين والقواعد التي كانت ترعى، بهذا الشكل أو ذاك، حقوق الشعب العراقي والطبقة العاملة والتي تحققت عبر نضالات طويلة ممهورة بالتضحيات الكبيرة وأرادوا تغييرها وتصفية قطاع الدولة، دفعة واحدة وبقرار واحد!! ومنذ (مجلس الحكم) طرحوا هذا الفكر، فتداعى العراقيون من مواقع ومنطلقات مختلفة الى التصدي، بهذا الشكل أو ذاك، الى هذا النهج. غير ان هذا النهج ورغم بقائه واعتباره المدرسة الاساسية التي ترغب في ان تأخذ طريقها الى الاقتصاد العراقي إلا انه واجه مقاومة واعية وغير واعية، علنية وغير علنية، مكشوفة ومستترة، لأنه نهج يتعارض مع الكثير من المصالح. وقد تجلت المسألة في العديد من المواقف منها الموقف من البطاقة التموينية، والخصخصة، وفي الصعوبات التي تجري أحياناً في تقليص التقاعد لبعض الشرائح الاجتماعية الفقيرة والكادحة ومحدودة الدخل، أو تقليص الخدمات. وهكذا فان المشروع الليبرالي الجديد يريد أن يحول كل المال والرأسمال الى ايدي بعض القوى والأفراد الذين يشكلون قاعدته، وبالمقابل يحرم الشعب من الخدمات العامة، بل حتى من الماء والكهرباء. ويصدح بعض رموز الليبرالية الجديدة قائلين: سلموها للقطاع الخاص ! ولكن السؤال: من أين أتى هؤلاء بالأموال؟ لا ندري، وأين تذهب؟ ايضا لا ندري؟

لقد اعطوا حتى الماء وحتى الطرق والسكن كذلك الى شركات، هذه الاجراءات تتعارض ليس مع الثقافة والعادات الشعبية، بل مع مصالح الملايين من أبناء الشعب وخصوصا الكادحين وذوي الدخل المحدود منهم، وهنا تقع الاشكالية. طبعا يمكن ملاحظة نشوء تناقضات وحتى خلافات بين المتنفذين، الذين تحكمهم المحاصصات الطائفية - الأثنية، طبعا ليس من اجل مصالح الناس بل ان التناقضات تدور حول توزيع الحصص بين المتحاصصين، هذه هي التناقضات العراقية، التي تتطلب ان نتابع تطورها بنباهة بحيث يمكن توظيفها لمصلحة الوطن، البلد، إذن، سائر باعتباره جزءا من المنظومة الرأسمالية، كما ان اقتصاد السوق يأخذ طريقه، ولكن ما يثير الانتباه انه لا توجد استراتيجية واضحة المعالم لدى القوى المتنفذة، فأي اقتصاد سوق يريده المتنفذون، انه لا يشير الى اين ستتجه الأمور، فلا يكون مقبولا الحديث بالعموميات بل لا بد من وضع الامور في اطار منظومة اجتماعية، في اطار توجه سياسي محدد.

هدف الليبرالية المتوحشة.. الخصخصة الكاملة وتحويل الدولة الى مجرد خفير

الموضوع كله مطروح ويجري حوله صراع، وبما ان القوى المتنفذة ليس لها وضوح بشان القضايا المشار اليها أعلاه لذا فان كل شيء هو موضع صراع، فهناك قسم من المتنفذين، ولهم كثير من الرموز في الادارة السياسية وفي أوساط المستشارين، يدفعون الأمور نحو الليبرالية المتوحشة، بمعناها المعروف وهو الخصخصة الكاملة بتحويل كل قطاع الدولة وبدون ضمانات أو ضوابط تحمي حقوق الشعب والشغيلة. وهكذا فان العراق الحالي لا يمكن رؤيته إلا في اطار منظومة رأسمالية بشقيها المتطور والمتخلف. بهذا المعنى تشكل البلدان التي ننتمي اليها جزءا من المنظومة الرأسمالية، اي الجزء المتخلف، الجزء "النامي"، الجزء المشوه التركيب والأحادي الجانب والتابع للسوق الرأسمالية.

فالسؤال اذا لا يدور حول الرأسمالية بشكل عام بل عن أية رأسمالية في بلادنا يجري الحديث؟ انها الرأسمالية المتوحشة التي تحرم الطبقة العاملة والكادحين عموما من الضمانات والضوابط والحقوق والحريات، وتطلق يد المستغِلين (بكسر الغين) والمستثمرين بأبشع الصور، لتصدير الارباح الى خارج البلد أو اكتنازها في مشاريع او صفقات مضاربة. هل نترك المجال لنهب قطاع الدولة بأبخس الاثمان وبدون اخلاقيات ونحرم الناس من حصولهم على الخدمات والتعليم والطبابة.. الخ وهم بأمس الحاجة اليها؟. الجواب: قطعا لا.

هذا الموقف الرافض هو الذي بلورناه في برنامج الحزب، وعرضناه بشكل تفصيلي وواضح في وثائق الحزب ومؤتمراته الوطنية. ماذا نريد وكيف نحقق هذا الذي نطمح اليه والمتمثل بإبعاد البلاد عن نهج الرأسمالية المتوحشة؟ طبعا هناك امكانيات كثيرة لتحقيق ذلك اذا ما أحسنا تحشيدها وتعبئتها عبر طرح سليم ومعلل، والتعاون مع كل القوى والأحزاب والتيارات المناهضة لليبرالية المتوحشة وبما يمكّن من بلورة رأي عام ضاغط ضد السياسيات الاقتصادية المعتمدة. لاحظوا مثلا: صدرت قوانين جيدة، لحماية المستهلك، ضد الاحتكار، من بينها قانون التعرفة الكمركية، ولكن مقاومة اصحاب المصالح الكبيرة كانت واضحة، وقد نجحوا في تعطيل هذه القوانين او تأجيل تنفيذها، لكنهم بالمقابل لم ينجحوا في الغاء البطاقة التموينية، علما ان هذه البطاقة اسالت لعاب كثير للبرجوازية التجارية الكبيرة المتنفذة، التي تسعى لأن تنفض الدولة يدها أو تسحب يدها عن هذه البطاقة كي تأخذها - اي البرجوازية التجارية - كجزء من العملية التجارية والاستيراد والتصدير ولتحقق ارباحاً طائلة، على حساب الشعب وقوته، هذا هو التناقض الموجود وهذا هو الصراع الدائر، فلذلك لا بد من تعبئة الناس بالوضوح حول مصالحها الفعلية، وإخراج الامور من دوامة الصراع الطائفي الذي يرهق الوعي الطبقي ليأخذ الصراع مضمونه المجتمعي الصحيح.

السؤال الثامن: منذ بداية تأسيسه، وفي إطار مهمته التنويرية، توجه الحزب الشيوعي العراقي، الى مختلف مكونات المجتمع ومن ضمنها المرأة ودعمه محاولاتها الدائمة لتغيير أوضاعها وإحقاق حقوقها في الحرية والعدالة والمساواة، وتحريرها من هيمنة التقاليد البالية. ومنذ بدايات التأسيس، ورغم كل الصعوبات، كان الحزب وسط معمعان النضال الطبقي والاجتماعي، يشارك النساء العراقيات كفاحهن ويربط بينه وبين كفاح شعبنا الوطني والديمقراطي العام.

وفي غمار المسيرة المتفانية قدمت المرأة العراقية المئات من النساء فداءً للقضية المشروعة للمرأة العراقية والشعب العراقي وللحزب الشيوعي العراقي.

وسؤالنا هو: كيف تنظرون، من خلال التجارب الملموسة، لدور الرفيقات الشيوعيات في الحزب؟ وما هو تقييمكم لسياسات الحزب بشأن المسألة النسائية والتكتيكات التي اعتمدها في هذا المجال؟ وكيف تنظرون الى الأشكال التنظيمية (في مراحل العمل السري وفي مراحل العلنية) التي اعتمدها الحزب الشيوعي العراقي للوصول الى النساء، وما هي باعتقادكم ابرز عناصر قوتها، والصعوبات والإخفاقات وأسبابها؟

 

- السؤال واسع جدا، أولا وحتى نعرف تدابير الحزب التنظيمية إزاء اشراك الرفيقات والنساء في العمل السياسي الحالي عموما والحزبي خصوصاً لا بد ان نبين الخلفية الفكرية لموقف الشيوعيين من المرأة، في مجتمع مثل المجتمع العراقي، مجتمع يسمى اقتصاديا متخلفا، يسمى اجتماعياً ناميا، محافظا. وحتى ننتهي من هذه المقولة اود الاشارة الى ان الشيوعيين ينظرون الى المرأة نظرة تقدير واحترام كإنسان، كبشر. ولكن المرأة، وعبر التاريخ، عانت اشد المعاناة من مختلف اشكال الاستغلال لصالح الفئات والطبقات المتنفذة، او السائدة في المجتمع، وللطبقات الاستغلالية. يعني انه وباستثناء عصر الامومة فقد تعرضت المرأة للاضطهاد ولم تشهد احتراماً حتى ولو ظهرت في بعض النماذج التاريخية نساء حاكمات وشخصيات مثقفة، متنفذة. نحن نتحدث هنا عن العام، ولا نتحدث عن الاستثناءات، فالمرأة كانت مضطهدة، وتكرس هذا الاضطهاد بصيغ مختلفة: تشريعية وقانونية وتقاليد وعادات، وأحيانا، حتى التشريعات التي تخص المرأة تحاول ان لا تكون بتلك الدرجة من الفجاجة، والفضاضة، ولكن العرف والتقاليد "الشعبية" عمقت الاضطهاد وبخست حقوق المرأة في الحياة الاجتماعية، الرجل يضطًهد، والمرأة تعاني من اضطهاد مزدوج ناجم عن العلاقات الاجتماعية السائدة. وحتى لا أطيل اشير الى ان مجتمعنا الحالي يعاني الآن من نفس هذه الأمراض.

لا تحرير للمجتمع من دون تحرير المرأة

لقد سعى الشيوعيون مبكرا ومنذ بداية الماركسية الى اعتبار قضية المرأة واحدة من القضايا الأساسية لتحرير المجتمع، مؤكدين انه لا تحرير للمجتمع من دون تحرير المرأة، فهذه مقولة ثابتة وواضحة، هل يمكن للمجتمع أن يتحرر بنصفه؟ وإبقاء النصف الثاني أسير تقاليد بالية، وممارسات قبيحة وشائنة؟ الجواب: لا، ومن هذا المنطلق فان تحرير المرأة هو، بالتالي، قضية لا تخص المرأة فقط، بل هي قضية وطنية مجتمعية عامة نعم، المرأة عليها وهي تعاني الاضطهاد المزدوج أن تعي حقوقها وأن تنظم نفسها وتنخرط في النضال السياسي العام، والاجتماعي الخاص، لتحرير نفسها، فالقضية اذن ليست قضية المرأة وحدها وإنما هي قضية الرجل ايضا. اذن نحن نطرح قضية تحرير المرأة باعتبارها قضية وطنية مجتمعية عامة يشترك فيها الرجل والمرأة رغم ان للمرأة مهمات اضافية، ولكن، اذا كانت بعض النساء يناصرن الرجل المضطهِد (بكسر الهاء) في استمرار اضطهاده فتلك مصيبة كبرى، وهذا الذي يحصل الآن في بعض اوساط المجتمع.

لقد انعكس هذا الموقف الانساني العلمي التقدمي للحزب الشيوعي العراقي من المرأة في برنامجه، وفي سياساته العملية، وسعى ايضا لكي يأخذ هذا البرنامج وهذه التوجهات السياسية والفكرية مداها الكامل ليس فقط في النضال في سبيل التشريعات العامة لضمان حقوق المرأة وإنما ايضا لترجمة ذلك في حركات ومنظمات. فشجع الشيوعيات وصديقات الشيوعيات للانخراط في منظمات المجتمع المدني وفي منظمات جماهيرية واسعة، لكي يبعثن الوعي وينشرن الافكار السليمة، الصحيحة ويساهمن في تعبئة النساء حول حقوقهن. ولهذا فقد ساهمت الشيوعيات مبكرا، رغم ظروفهن الاجتماعية القاسية، في مجموعة من المنتديات والجمعيات والمنظمات وصولاً الى تشكيل رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية، وكان للشيوعيات دور مجيد في قيادتها، كالمرحومة الدكتورة نزيهة الدليمي وكثيرات من الرفيقات اللواتي ساهمن وعملن وساندن الرفيقة نزيهة في هذا المشروع التنويري، سواء ممن رحلن او ممن ما زلن ينشطن في صفوف الحركة النسائية. والى جانب ذلك سعى الحزب الى تشجيع انتظام النساء في صفوفه، لقناعته أن التنظيم الحزبي يقدم الحلول الأكثر جذرية، والأكثر علمية، والأكثر اصالة لقضايا وحقوق المرأة، ولكن رغم مسعى الحزب وجهوده الاستثنائية إلا أنه، ككيان سياسي، لا يمكنه رؤية هذه الامور خارج اطار المجتمع العراقي وما يسوده من أوضاع، ومن تقاليد، فالموقف ضد المرأة حرم الحزب الشيوعي من انخراط قطاعات من النساء في صفوفه، كما ان هذا الموقف اشاع في الوسط النسائي التردد في الانخراط في العمل الوطني عموما والعمل الحزبي بشكل خاص لما يتطلبه ذلك من التزامات اضافة الى الضغوطات الاجتماعية، وهذه اشكالية كبرى. طبعاً لا استطيع أن انفي وليس صحيحاً التعتيم بأنه حتى بعض القوى والشخصيات وبعض الرفاق الشيوعيين لم يتبدل أو تتغير مواقفهم إزاء المرأة ونشاطها، عن النظرة الاجتماعية السائدة، وهذا ما يتجسد أحياناً بموقف متردد او سلبي من إشراك النساء في العمل السياسي.

وحتى نكون واقعيين، كان على الحزب وعلى قيادته وكادره الواعي ان يبذلوا جهدا استثنائيا لكي يقنع عموم الرفاق بالتعامل الايجابي السليم مع المرأة ومع انخراطها في صفوف الحزب وفي تسلم مراكز مسؤولة في العمل الحزبي عموما، وفي دفعها للنشاط في المنظمات الجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني، فهذه مهمة كانت وما زالت وستبقى مهمة ملحة خصوصا ونحن نعيش هذه الظروف الاجتماعية القائمة وما تحمله من تعقيدات اضافية.

صحيح اننا نلاحظ احيانا ان الامور السياسية تنعكس على اندفاع وحماس النساء في المساهمة في العمل السياسي، بل وأحياناً تمنعهن عن ذلك، خصوصا عند ازدياد نشاط القوى الظلامية وتفاقم الاجواء السياسية، وتفشي الاعمال الإرهابية، وتردي الاوضاع الأمنية، فهذه كلها عوامل تدفع النساء الى الانكماش، وهذا خارج إرادتنا وليس برغبتنا. طبعا نحن نسعى لتصليب الرفيقات، ولكن هذا الظرف الاجتماعي يجب اخذه بالاعتبار عند تحليل اسباب هذا الانكماش. وكما بينت التجربة فانه وعند تحسن الظروف نجد الاندفاع واضحا عند النساء للانخراط في العمل السياسي العام او في النشاط الحزبي خصوصا. ويعني ان لدينا تجارب ملموسة صعودا ونكوصا. ففي لحظة معينة نجد الاندفاع والقبول، وفي لحظة اخرى يلاحظ وجود انكماش وبروز سلبيات، لذلك نحن نسعى، من هذه الناحية، الى تكييف اشكال وصيغ عملنا التنظيمي ارتباطا بتطور الاوضاع ايجابا او سلبا. فأحيانا وحينما نجد ان الوضع مناسب نشكل الخلية المختلطة وهي ظاهرة صحية لتطوير المرأة، وعدم عزلها عن الرجل، ونجد في هذه الهيئات الاحترام والتقدير الكافي والعناية الرفاقية. ولكن في احيان أخرى، وبسبب ما يحصل من اوضاع سلبية، نضطر الى الابقاء على التنظيمات الخاصة النسائية، رغم اننا نعتقد ان صيغة التنظيم المختلط هي الأفضل. ولكن ما العمل؟ هل نفرط بالنساء الرفيقات؟ لا.. طبعا، احياناً ولتسهيل الأمر تفتح المقرات الحزبية للنشاطات العامة، ولكن حينما تدلهم الظروف نضطر ان نعفي الرفيقات من الوصول الى تلك المقرات، ونطلب عقد الاجتماعات في البيوت، حيث تتجمع النساء ولدينا الآن بعض التجارب في هذا المجال، فمحلية من محليات بغداد مثلا عقدت اخيرا وفي ظرف اسبوعين ثلاث ندوات في البيوت وبحضور جيد، لأنه يصعب حضور الرفيقات الى المقرات. وهكذا فنحن نراعي هذا الاوضاع ولا نفرض اشكالا لا يمكن تحقيقها او يصعب تحقيقها على ارض الواقع. طبعا وتجنبا لأي التباس نود التأكيد على اننا نسعى لتكريس الصيغ والأشكال الأكثر تقدماً، ولكن ليس افتعالاً، فحذار حذار من الافتعال، ومن الاصطناع، فهذا يثير ردود فعل سلبية عنيفة على المرأة وعلى حركة النساء وعلى مساهمتهن في عمل الحزب. ولهذا علينا ان نتعامل بمنتهى الدقة، والبراعة في اختيار الشكل التنظيمي المناسب.

تطوير الكادر النسوي لن يتحقق إلا بإناطة المسؤوليات بهن

بحكم وضع المرأة الاجتماعي وإمكانية تفرغها للعمل السياسي، تجد أحياناً عدم تقدير لإمكانياتها، من طرف بعض الرفاق، فلا تنتخب للمسؤوليات. وهذا العمل مؤذٍ للحزب ولمستقبله، ولنشاطه وسط النساء. فرغبة الحزب في تربية كادر ماثلة على الدوام، وطبيعي ان تربية الكادر عموما والنسوي منه - وهو موضوع حديثنا هنا- وتطوره لن تتحقق إلا بإناطة المسؤولية به وليس فقط عبر المحاضرات والقراءة بل وبالممارسة، وإعطاء المرأة الدور القيادي، فلذلك أصررنا على ان تكون هناك نسبة للنساء في كل المحليات، فحينما تعقد تلك المحليات مؤتمراتها اشترطنا ان تترك نسبة للنساء، وفي الاساسيات ان تترك نسبة للنساء في الحضور للمؤتمر وان تنتخب وان تعطى (كوتا) للرفيقات في اللجان المحلية أيضا، وفي لجان الأساسيات، هذا فضلا عن ان هذه القاعدة (الكوتا) اخذت طريقها الى المؤتمر الوطني التاسع للحزب (ايار 2012) وأيضا الى قيادة الحزب. والآن نستطيع ان نفتخر بأننا اخترنا في اللجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر المذكور خمس رفيقات اثبتن جدارة وأهلية.

طبعا نحن لا نعتبر، كما يحلو للبعض، ان يقول ان هذا مجرد تزويق أو ارضاء، أو افتعالا، أو "اسقاط فرض"، او (مودة) فهذا كله بعيد عن رؤية الحزب وموقفه من رفيقاته. بل نحن على قناعة بان الرفيقات يستحقن وجودهن في قيادة الحزب (والمستويات الاخرى طبعا) ويمارسن نشاطهن بنجاح ويمتلكن القدرة على التطور، وعلى التأهل لأداء المهمة بشكل أفضل، الآن، نعقد كونفرنسات وموسعات نسائية، وآخرها كان قبل ثلاث أسابيع، ضم كل نساء الكوادر في المحليات من أجل تلخيص خبرة الحزب وتجربته في هذا المجال أمامهن، وأيضا تنويرهم بالطرائق والأساليب الأكثر جدوى في قيادة الحركة النسائية سواء الحزبية او الجماهيرية.

المرأة الشيوعية العراقية اثبتت بطولة وجدارة سياسية وفكرية ومواقف جريئة وشجاعة

وبعد كل هذا لا بد من الاشارة الى ان المرأة الشيوعية العراقية اثبتت بطولة وجدارة سياسية وفكرية ومواقف جريئة وشجاعة في مواجهة الفاشية والدكتاتورية. لاحظوا كم من الرفيقات استشهدن تحت التعذيب وفي مقدمتهن الرفيقة عايدة ياسين (أم علي) عضو اللجنة المركزية للحزب، والرفيقة فوزية الحكيم ورفيقات أخريات، فريال، رجاء، والعشرات من أمثالهن ولكي لا تفوتني اسماء أخرى وهي كثيرة، فقد استشهدن جميعا كبطلات، قاومن، تحملن التعذيب، فداء للوطن والشعب والحزب. كما ساهمت الرفيقات في حركة الأنصار أيضاً ببطولة وجرأة، واستشهدن، عميدة عذيبي، وموناليزا، وكثيرات. والآن لاحظوا، واشدد هنا على ما ورد في القائمة الأخيرة التي حصلنا عليها بشأن الاعدامات خلال حقبة النظام الدكتاتوري المقبور وكم من النساء الرفيقات ضمت. هذه شهادة دامغة، تؤشر صمود الشيوعيات وجرأتهن في التحدي والدفاع عن الحزب وقضية الشعب، فإذن كن وما زلن وسيبقين مناضلات باسلات ومقتحمات للمخاطر، وسنواصل سعينا الثابت لتعزيز دورهن في الحزب وفي النشاط السياسي والاجتماعي العام، ولكن رغم ذلك كله فان الحاجة أكبر، والضرورة تقتضي أن لا نسعى وحدنا وفي حزبنا لتجسيد هذه الرغبة، وترجمة الحاجة الى تدريب وتأهيل النساء لكي يكنَّ في الصفوف الامامية قائدات، وإنما ايضاً يجب ان يكون لنا دورنا في الوسط الاجتماعي العراقي. ونحن من انصار الكوتا النسائية ونشيد بها، وعبرنا عن هذا الموقف في (مجلس الحكم)، وفي الدستور، وكذلك نريد ان تنتشر في كل المجالس التنفيذية، ونسعى لان لا يكون التمثيل شكليا، وإنما نسعى ونحث لكي تمارس المرأة العراقية دورها الحقيقي. علما اننا ننتقد الحكومة لأنه ليس فيها إلا امرأة واحدة. وهناك بعض المواقف السلبية من بينها ان لا تتسلم المرأة ادوارا في القضاء، أو في المواقع الاخرى. ومن جهة اخرى فنحن مع الحرص الدائم على أن نواصل عملا دؤوبا من اجل ضمان المشاركة الحقيقية للمرأة في الحياة السياسية العراقية، وفي حياة الحزب، وان نؤمن لها مستلزمات تحررها، الاجتماعي والاقتصادي من ربقة التقاليد والعادات الظلامية المقيتة المتخلفة، لتكون بمستوى العصر ومتطلبات الحياة المعاصرة.

السؤال التاسع: احد الاسس التي بنى عليها الحزب استراتيجيته وتكتيكاته الملموسة منذ تأسيسه يتمثل بالربط الجدلي بين الوطني والاممي. في اواخر الثمانينات وبداية التسعينات حصلت طائفة من التحولات والسريعة على صعيد عالمي، وفي مقدمتها أزمة النظام الاشتراكي وانهياره العاصف في الاتحاد السوفيتي السابق وبعض بلدان أوربا الشرقية والوسطى. ومنذ مؤتمره الخامس (1993) انفتحت الآفاق أمام الحزب لطرح الأسئلة الجوهرية التي تواجهه على الصُعد النظرية والسياسية والاقتصادية، ومواقفه واستراتيجيات عمله. وانطلاقا من ذلك فقد تم إخضاع العديد من الأفكار والمفاهيم، التي كانت تتمتع بقدر كبير من سطوة البداهة، الى مراجعة وتدقيق. وبهذا الصدد أشار التقرير السياسي والتنظيمي الصادر عن المؤتمر الوطني الخامس للحزب (1993) الى ما يأتي "على الصعيد الفكري: توجه حزبنا لفحص المقولات والمفاهيم النظرية انطلاقا من نبذ الاستنساخ والنقل الالي للتجارب، واستلهام المنهج الماركسي بمعاينة الواقع الموضوعي وتطوراته والواقع الملموس لنضال شعبنا ومشاكله وتقاليده وتراثه الثوري والاستفادة من التجربة العالمية".

والسؤال هنا يدور حول ما هي الدروس الكبرى التي استخلصها الحزب الشيوعي العراقي من تحليله النقدي لهذه التجارب ومدى انعكاس ذلك على الطروحات الكبرى الواردة في برنامجه وخطابه وممارساته الملموسة؟

 

- كي لا اكرر ما سمعتموه للتو فقد اشرت الى أهم الدروس. اننا نعتبر التجديد حاجة وضرورة موضوعية، انه ليس فعلا طارئا، أو استجابة لحاجة آنية، أو استنساخا لـ "مودة" حصلت في بدعة، بل باعتبار التجديد والمزيد من الدمقرطة، بإشراك المعنيين وهم أعضاء الحزب، في صياغة قرارات الحزب الرئيسية، كقانون أساسي في حياة الحزب، في برنامجه، وفي نظامه الداخلي، وفي صياغة سياساته وبناء خطابه. هذا هو الدرس الأكبر والمحصلة الأبرز في عملنا لترتبط بجملة من التجليات الملموسة، فتجربة الانهيار كانت كبيرة، مدوية، وذات معاني عميقة، لا يصح ان يبقى شيوعيا حقيقيا من يتنكر أو يتجاهل ضرورة الفحص والتدقيق لمآلات ما جرى، والبحث العميق في العوامل التي تسببت بما جرى.

جدل العوامل الداخلية والعوامل الخارجية

طبعا ليس كافيا اراحة النفس ودغدغة الذات عبر الحديث عن ان ما جرى كان مجرد مؤامرة، كما يحلو للبعض ممن يعتبرون حتى الآن ان ما جرى هو مؤامرة خارجية، وينسون هنا ان ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى في عام 1917 التي نهضت في تلك الظروف القاهرة، عانت تعديا عليها وتآمرا وتدخلَ اربعة عشر جيشا لكبار الدول الرأسمالية ولكنها مع ذلك قاومت وصمدت، رغم انها كانت تعاني من الجوع والحرمان والفقر وقلة الامكانيات والتكنولوجيا. اما بعد اكثر من سبعة عقود من قيامها تنهار التجربة ونقول ان ذلك كان نتيجة مؤامرة خارجية، فهذا تفسير سطحي وميكانيكي وجزئي. نعم، لا يمكن اهمال ان الخارج كان سببا من الأسباب، والتآمر الخارجي بما يعنيه من دعاية وإعلام وتشويش وتضليل وشراء ذمم وجواسيس .. الخ لعب أدوارا، ولكن الذي غذى هذا وأعطاه فرصة للتحقق ووفر له الأرضية الخصبة هو العوامل الداخلية بما تضمنته من الأخطاء الداخلية، والجمود العقائدي، والبيروقراطية، وعبادة الشخصية ..الخ. هذه منتجات، لأن التكلس وعدم التطوير النظري بما ينسجم مع حاجات تطور المجتمع الاشتراكي وتحويل المسألة الى مجرد قرارات فوقية، كانت تشير برغبوية وذاتية الى انتهاء بناء الاشتراكية، وان المجتمع قد تطور وها هو ينتقل الى الشيوعية! هذه كلها لم تكن لها أرضية متينة في الواقع، فهي التي ساعدت على ظهور ومهدت لانتعاش المفسدين والفاسدين والبيروقراطيين في داخل الحزب وفي المجتمع السوفيتي ومجتمعات الدول الاشتراكية الاخرى من سارقي المال العام، ومن الفاسدين اجتماعياً واخلاقياً ونفسياً، وان يتحولوا الى فئات خطيرة تدفع لانهيار المؤسسة، ولانطلاق الناس في معارضة نظامهم الحقيقي الذي يمثل مصالحهم. نعم الخارج فعل فعله، فقد اضعف وحاصر الاقتصاد السوفيتي، واقتصاد الدول الاشتراكية الأخرى، ومنع عنهم امكانيات تطور غير قليلة. لكن هذا وحده لا يكفي لتفسير هذه الظاهرة - الانهيار، فقد كان الداخل هو السبب الأساسي وعلينا ان نتعلم من هذا الدرس. فالعامل الداخلي هو العامل المقرر والأساس، ولكن هذا لا يعني تجاهل العوامل الخارجية التي قد تحصل في بعض البلدان وفي ظروف معينة ويمكن ان تتحول الى أمر حاسم، مثل ما فعل التدخل العسكري الخارجي من دور في التغيير في العراق.

الاصلاح كان ممكنا لو جاء في وقته.. والبريسترويكا جاءت متأخرة ولم تمتلك مشروعا ناضجا للتغيير،

حتى المراجعة التي حصلت باسم البريسترويكا، للأسف الشديد جاءت متأخرة أولا، ولم تأت متكاملة فالإحساس بالخطر حصل ولكن بشكل متأخر، بعد ان نحت الخطر جذوره ووجد له مرتكزات فاعلة، تفسد اي نهج نزيه ونظيف، أو أية نية صادقة. لقد جاء النهج غير متكامل لأنه اندفع في النقد وفي التهديم ولم يملك المشروع الناضج لإقامة بديل، وهذا اشاع الفوضى بالتلاعب وممارسة هذا السلوك في دولة جبارة كالاتحاد السوفيتي بما عليه من مسؤوليات داخلية وخارجية. كان المفروض أن يكون هناك نهج آخر وطريقة اخرى. فالإصلاح لم يكن غير ممكن، بل كان ممكناً لو حصل في وقته، ووفق رؤية متكاملة. فمع الهدم يبدأ البناء، ومع ازالة المتخلف يؤتى بالجديد السليم ولكانت المسألة اخذت منحى آخر.

لكن الأمور فلتت فقد انطلق "الجني" من قمقمه! ولم يعد من المكن اعادته، غير انه وللأسف الشديد نجد ان هناك الكثير من القادة الذين كان عليهم ان يساهموا، مع الطيبين والخيرين - وهم ليسوا قلة في المجتمع السوفيتي - انقلبوا ليقودوا عمليات الردة، ولنأخذ مثلا يلتسين وشيفرنادزة وعلييف ونزار باييف. فالنخر والفساد وصل الى القمة لذلك كان التغيير متأخراً والأصوات النظيفة لم تتمكن عندها من أن تؤسس لجبهة جديدة، جبهة انقاذ المجتمع السوفيتي من حالة الركود والتكلس، والبيروقراطية، والتخلف في السباق مع الرأسمالية العالمية، وقيادة المجتمع نحو المزيد من الانجاز والرقي على طريق بناء اشتراكية حقيقية.

نستفيد من تجارب الآخرين ولكن نتجنب الاستنساخ الآلي أو التقليد الممل

في كل الأحوال وبالقدر الذي يتعلق بحزبنا فقد اسسنا ايضا ضمن ما اسسنا منهجية سليمة في التعامل مع الفكر النظري المرشد لنا، مع الماركسية وتجاربها، فاعتبرنا ان نزعة الاستنساخ الآلي والتكرار والتقليد الممل لأفكار وممارسات ولتجارب اخرى دون الاخذ بنظر الاعتبار خصوصية الوضع العراقي، تؤدي الى اثار وتداعيات مضرة. ومن دون اهمال التجارب الاخرى ولكن من دون استنساخها، اكدنا ضرورة أخذ ملموسيات الوضع والظروف الملموسة بنظر الاعتبار دوما. والتأكيد على هذه المنهجية ضروري ومطلوب ذلك لأنه في فترات معينة تورطنا في تبني بعض التصورات غير المنسجمة مع ظروفنا المحلية. الآن لدينا تجربة ولدينا درس بليغ وعلينا ان ندرس أكثر وأكثر واقعنا العراقي وظروفنا الملموسة، ومتابعة التأثيرات الخارجية والإقليمية على بلادنا ومجتمعنا وتفاعلاتها مع الاوضاع الداخلية ومن دون التخلي طبعا عن خصوصياتنا ولكن بتفاعل لأننا لسنا بعيدين عن هذا التأثير المتبادل فنحن نؤثر وأيضا يؤثر علينا. ومن هنا اهمية وضرورة دراسة امور واقعنا الملموس والمسار التاريخي، باعتماد الجدل والمادية التاريخية التي تقول ان كل ظاهرة لها اصولها ولها ماضيها وتاريخها وحاضرها وان نأخذ ذلك كله ونضعه في الحسبان.

وحينما ندرس ممارستنا وواقعنا وتوازن القوى السائد نستطيع ان يكون استرشادنا النظري في موضعه الصحيح وفي طريقه السليم، فهو المساعد لإنارة تعقيدات الطريق، وتشابك الاحداث. هذه هي مهمة المرشد الفكري. ولكن ان نكون مجرد ببغاء نقلد ونكرر فقط ونستنسخ تجارب حصلت في بلدان وفي ظروف اخرى فهذا مضر للحركة الثورية العالمية الغنية بالتجارب. والإبداع يكمن في معرفة كيف يتعامل المناضلون بتلك الرحابة والمرونة مع الواقع وحركته ومستوى الوعي المجتمعي ليحققوا النجاح، وليس استنساخ تلك الاليات والطرائق والأساليب التي نمت على ارضية غير ارضيتهم، هذا هو الدرس الذي يجب ان نتباه ونصر على تمثله.

ولكن لا يجوز استصغار النظرية، والإطناب في الخصوصيات على حساب العام

وبالمقابل لا يجوز ان نقع في استصغار النظرية وتجارب الآخرين، لأنه وقعت في ذلك حركات وغالت وأطنبت في الخصوصيات على حساب العام. نعم توجد لدينا خصوصيات ولكن بالمقابل نحن جزء من هذا العالم. كما يجب ان لا ننكر وجود الخصوصيات ونعمل فقط بالعام الذي يصلح لبلدان أخرى، او يصلح لنا فقط في اطاره العام، المشترك مع الآخر. فهذه الحاجة، وهذه النوازع احياناً ما تفرض نفسها على هذه الحركة. اننا نؤكد، في هذا الصدد، على ضرورة ان يعي المهتمون، دع عنك رفاق الحزب و كل المخلصين، اهمية البحث العلمي والمعرفة الحقيقية لكل تاريخ الحركات السياسية دون افكار مسبقة وندعوهم الى ان يطلعوا على وثيقتنا الفكرية التي اقرها المؤتمر الوطني الثامن (ايار 2007) التي تلخص تجربة الحزب والتطورات التي جرت على الصعيد الفكري وعلى صعيد التجارب الاشتراكية الملموسة، والتي انعكست في برنامجه.

السؤال العاشر: لننتقل الى قضية أخرى، وهي أن الانتفاضات الشعبية التي شهدتها العديد من البلدان العربية في اوائل عام 2011، ترتبط شديد الارتباط بالنهج اللبرالي الجديد ومن راهنوا عليه وتطبيق وصفات المؤسسات المالية والنقدية الدولية. فهذا النهج، هو الذي أدى الى تعاظم الاستقطاب الاجتماعي ومفاقمة الفقر وتركز الثروة في أيدي حفنة قليلة على حساب تهميش قطاعات واسعة من المجتمع. وفي مثل هذه الأوضاع، حيث يتم إقصاء قطاعات واسعة من السكان من حقلي الإنتاج والاستهلاك، تصبح القوى الاجتماعية المقصاة قنابل اجتماعية موقوتة، وبذا لن تكون الانفجارات الشعبية ممكنة فحسب بل مؤكدة.

رغم ذلك كله لا ترغب القوى المتنفذة ولا صناع القرار في بلادنا في الاستفادة من تجارب التاريخ حتى القريبة منها. لذا نرى ان هؤلاء يناطحون حركة الواقع بإصرارهم على السير نحو الطريق الليبرالي الجديد رغم كل نتائجه المريرة. ويحاجج "منظرو" الخصخصة والتكييف الهيكلي على ان لا طريق امام بلادنا سوى "بناء اقتصاد مترابط متين يستند الى مبادئ السوق، تقوده ببراعة وإبداعية المؤسسات الخاصة". هل من تعليق لكم على هذه الموضوعات؟

 

 

- هذا الموضوع عالجناه في أكثر من مناسبة، دعوني هنا ان الخص الاتي: الربيع العربي بما نفهمه نحن هو انتفاضات الشعوب ضد الحكومات والأنظمة المستبدة والفاسدة، ومن اجل الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لقد تحقق الانتصار في كل من تونس ومصر، وتكمن اهمية هذا الانتصار في هذين البلدين باعتبارهما من تلك البلدان التي كانت تمثل النماذج الأكثر اهتماماً من قبل الليبرالية الجديدة في الولايات المتحدة والبلدان الاوربية، فقد كان البلدان يحظيان بالدعم والعناية ويقدمان كـ " نماذج ناجحة" في الانجاز وفي التطور والتحضر، وفق الوصفة الليبرالية الجديدة، هكذا كان الاعلام الغربي يقدمهما. لكن هذا "النموذج الليبرالي الجديد" هو الذي نفخ في صورة الرأسماليين المحليين وأتاح الفرصة لسراق المال العام وللطفيليين ان ينموا وان يقتنوا الخدمات الاستهلاكية، وكذلك الامر بالنسبة للفئات البيروقراطية والطفيلية، كان هذا كله يجري على حساب لقمة عيش ومستوى معيشة اكثرية كادحي تلك البلدان الذين ضاقوا ذرعاً بما عليها بلدانهم من مظاهر سلبية رغم التقدم الظاهري، المظهري، على هيئة فنادق كبيرة وسياحات متطورة، لكن هذا كله كان يجرى بمقابل بطالة واسعة، فقر مدقع، إدمان تخلف الخدمات الاجتماعية وانهيار للزراعة والصناعة المحلية، نتيجة انفتاح الأسواق الداخلية على مصراعيها. كل هذه المظاهر السلبية شكلت مقدمات لتفاقم التناقضات الاجتماعية وانفجارها متخذة شكل ردة فعل شعبية على هيئة انتفاضات عارمة اثمرت عن اسقاط النظام في العديد من البلدان العربية.

المآلات التي اتخذتها الانتفاضات يجب ان لا تغطي على دروسها الكبري

يبدو ان البعض لا يريد الاستفادة من التجربة ومن دروس التاريخ، فالمآلات التي حصلت والمصائر التي اتخذتها هذه الانتفاضات يجب ان لا تلغي، ولا تغطي على الدروس الكبري التي نجمت عن تلك الانتفاضات، وفي مقدمتها ان الشعوب ثارت من اجل كرامتها وحريتها، ورغبتها في الاصلاح والتغيير، ان الذي يتجاهل هذا الدرس سيقع في مطبات كبيرة، وسيعاقب أشد من السابق، طبعا الذين تضرروا من انتفاضات الشعوب، وهؤلاء كثر طبعا، لم ولن يرتاحوا للنتائج التي حصلت. فهناك المتضررون المحليون الذين رأوا ان المواجهة المكشوفة المباشرة عديمة الجدوى، فسعوا لاحتواء هذه الظاهرة/ الانتفاضة بمختلف الوسائل، أما الذين كانوا يرعون البلدان التي شهدت الانتفاضات، كالولايات المتحدة والبلدان الاوربية فقد ارادوا ايضا احتواء تلك الانتفاضات، والمتابع لتطور الاحداث سيلاحظ ان هؤلاء وقفوا موقفاً سلبياً في البداية، ولكن وبعد ان رأوا ان المناطحة والمعاندة غير ممكنة لجأوا الى التغيير في الاسلوب والتكتيك بهدف احتواء الانتفاضات، ولذلك حاولوا أن يتضامنوا ويتحالفوا مع بعض ممن التحقوا متأخرا بتلك الانتفاضات، بهدف السيطرة عليها، وإلا ما الذي دفع الولايات المتحدة للبحث، هنا وهناك، عن حلفاء في بعض قوى الاسلام السياسي، ما المناسبة؟ ما هو المشترك بينهم؟ يرون ان هؤلاء يضمون معتدلين وسيطبقون ويحاربون المتطرفين، هذا تلاعب في المفاهيم والألفاظ، لقد عمل الامريكان على دعم الإخوان المسلمين في مصر وتبنيهم باعتبارهم قوة منظمة و"معتدلة"، وهكذا ادى صعود الاخوان المسلمين الى السلطة الى تنامي ظاهرة النكوص عن مطالب الثورة وتكريس ذلك. وهكذا أقام الاخوان استبداداً من نوع جديد ليحل محل استبداد نظام مبارك. ولكن برغم مما بذله الاخوان من جهود لـ "اسلمة المجتمع" إلا انهم فشلوا في ذلك لأن الحراك الثوري كان عارما وهيمنت قوى الانتفاضة على الشارع وبالتالي لم تتح الفرصة للحكام الجدد المستبدين، الذين تحالفوا مع اعداء الانتفاضة، الى الهيمنة وتنفيذ مشروعهم. يصف الاخوان المسلمون من انتفض عليهم بأنهم فلول نظام مبارك ولكن الفلول كانت مع الاخوان. لنتجاوز فلول مبارك .. فهؤلاء ذابوا وتواروا خجلا وانهزاما، لكن السؤال هو كم من هؤلاء التحقوا بالاخوان؟ كم اندسوا بين صفوف الاخوان؟ كم من المصالح الاقتصادية للفلول استفاد منها الاخوان، ووظفوها لصالحهم وجعلوا منها شركات يشار لها بالبنان؟ انها اسئلة كثيرة.

ومن جانب اخر حاول الاسلاميون في تونس فرض هيمنتهم وتطبيق مشروعهم، غير ان الجماهير وعت الحقيقة وانتفضت مرة اخرى وما زال المسار هناك صعبا، على اية حال لقد سقط الإخوان، والآن انفتح طريق جديد لإقامة حكومة وبدأ المصريون يتحضرون لانتخابات جديدة بعد ان توصلت القوى السياسية هناك الى دستور اكثر تقدماً من الدستور الذي وضعه مرسي وجماعته، أما الدستور التونسي فكان أفضل مما كنا نتصور سابقا ان يضعه حزب النهضة لوحده مع حلفائه.

لقد ادت المسارات التي دشنتها الانتفاضات الشعبية الى ان تفتح آفاقا، ولكن مع ذلك يجب ان نكون واقعيين ونقرأ جيدا تناسبات القوى، فالمسألة ليست بالسلاسة والسهولة المتصورة عند البعض. فالصراع سيبقى قائماً وستبقى القوى المتضررة حريصة على وضع العصي في عجلة مطالب الثوار والمناضلين من اجل التغيير الحقيقي، لعرقلتها ودفعها بالاتجاه غير الصحيح، وكلما وعينا هذه الحقيقة كلما كنا قادرين على بلورة استنتاجات صحيحة عن الحراك والانتفاضات الشعبية، ومن المؤكد ان التقدم لا يمكن أن يدوم إلا في ادامة التصدي لما يجري من صراع من موقع الواعي والمدرك والمنظم، ومن لا يدرك ذلك سوف يعاني مطبات كثيرة.

ومن جهة اخرى يجب ان لا نستغرق في جدل يضع الثورة بمواجهة الانتفاضة فهذه الاخيرة لا تتناقض مع الثورة وهي مدخلها وبدايتها وعلى طريقها، فالثورة بالمعنى الماركسي تعني تغيرا جذريا في المجتمع بانتقاله من تشكيلة اجتماعية الى أخرى في حين ان الانتفاضة - ان احسنت ادارتها - يمكن ان لا تؤدي فقط الى تغيرات في البناء الفوقي بل توفر الفرص لتغيير ميزان القوى الطبقي السائد في المجتمع. أما وأنه يجري الشروع في الخطوات الاولى للثورة، وتتم الاطاحة بالمستبدين، فهذا وحده لا يتيح لنا الحق في القول ان الثورة قد تحققت.

لا يكفي فقط اسقاط النظام بل لا بد من برنامج مرشد وقيادة منظمة

هذا يرجعنا الى سؤال جوهري: لماذا انتكست الانتفاضة؟ الانتفاضة كانت عارمة، لكن وللأسف الشديد بقيت الحركات والقوى والجماهير، التي شاركت فيها، من دون مرشد برنامجي وبدون قيادة منظمة، فليس صحيحاً القول انه كانت هناك قيادة منظمة. هكذا اذن فان غياب الوضوح والبرنامج العلمي/ المستقبلي كان عاملا اساسيا من عوامل ضعف قدرة الانتفاضات على تنفيذ اهدافها وبما مكن قوى الردة والامبريالية والمتربصين المتصيدين من اقتناص ثمار التغيير واحتواء هذه الانتفاضات.

هذا هو الذي اضاع المسيرة وهو الذي مهد للمتسلقين الطريق للصعود، وبالمناسبة هؤلاء كانوا منظمين ولهم حضور في الشارع، للأسف شارك الكثير من الثوريين والبسطاء في اندفاعات غير مدروسة، وغير محسوبة، وجعلوها اسماء ومسميات، ولكن لو بحثت عنها لوجدت أن هناك اصابع خبيثة كانت وراءها او سعت لدفعها. لقد اراد هؤلاء ان يضعوا الشباب مقابل المناضلين، الذين جاؤوا الى الساحات.. ووضعوا النساء مقابل الرجال، في محاولة لتفريغ الثورة من محتواها وجعل الامر كما لو انه صراع بين الاجيال المنتفضة. فمن المعلوم أن الانتفاضات لم ولن تنجح إلا بتضافر طاقة الشباب وخبرة الشيوخ، كما انها لن تنجح إلا بتوحيد جهد النساء مع الرجال، وبوجود برنامج واحد واضح المعالم.

لقد قال هؤلاء أن الانتفاضات هي انتفاضات شباب رغم انهم لا يؤمنون بالشباب بل يفرحون بمشاركة الشباب غير الواعي فقط، ويسعون بالمقابل الى عزل الشباب عن المناضلين الذين جربتهم الأحداث، لكي يبنوا جدارا بين الحكمة والحماس الثوري وهما مكونان اساسيان لنجاح أي حراك أو انتفاضة. ان هذا التسفيه لحقيقة الحاجة لتضافر جهود " الشيوخ " والشباب وهم جميعا يعانون من الاضطهاد والتهميش، كان يستهدف شق الصفوف لعرقلة الانتفاضات وعدم اخذها المسار الصحيح. لذا لا بد من الحذر من هذه الأفكار، والانتباه الى محاولات النفخ في الشباب والسعي لعزلهم وعزل حركاتهم عن الجماهير العمالية وعموم الشغيلة والفئات الكادحة، وزرع الذاتية والأنانية والغرور في أوساطهم لتمزيق صفوفهم وتفتيت تماسكهم، وإضعاف وحدتهم مع قوى الاحزاب والقوى المنظمة.

لقد سقط حكم مبارك وحكم بن علي وغيرهما وانتهى الامر الى غير رجعة، ولكن السؤال: ماذا بعد ذلك؟ ما هو برنامج التغيير؟ وما هي معاييره؟ لم يكن هناك برنامج كامل للبناء، وبالتالي سرقت الثورة. هكذا اذن هناك حاجة مهمة الى وضوح وبرنامج والى من يقود الحراك وينظمه، لذلك فان الافكار والشعارات التي طرحت من قبيل لا للأحزاب انما كانت تعبر عن نفاق وغش. وإذا لم توجد الاحزاب فلن يكون هناك تنظيم ولن يكون ممكنا صياغة شعارات لتحشيد الجماهير، عندها لن تستطيع الانتفاضات ان تواصل خطواتها.

حذار من تقديس العفوية

اذا ونحن نسعى للاستفادة من كل الدروس، تدفعنا الملاحظات اعلاه للتحذير من تقديس العفوية واستخدامها لتصفية حسابات مع الاحزاب العريقة التي عانت ما عانت من اضطهاد في الحقب التي سبقت الانتفاضات، حيث ينسى البعض أو يتناسى أنها - اي الأحزاب - كانت عرضة للقمع والاضطهاد من قبل القوى الحاكمة، لقد اراد انصار اضفاء العفوية على الانتفاضات القول أنها - أي العفوية - هي الضرورية، وان الاحزاب "التقليدية" غير جديرة بالبقاء وليست ضرورية، ولكن وبالتجربة الملموسة، ظهر ان العفوية كانت شرا واضحا على مآلات الحراك الثوري، لذلك لا بد ان نستلهم هذه الدروس وان يجري السعي الحثيث لبناء تحالفات تضم الاحزاب والقوى المعنية بالتغيير الحقيقي ومنهم الشباب طبعا وليس اعادة انتاج انظمة القمع والاستبداد بصيغ جديدة.

اعتقد ان الشعوب العربية وشعوب المنطقة ما زالت تواجه مهمات ملحة وعليها توحيد جهدها للنهوض ومواصلة المسير على هدى ما انتجته الانتفاضات. فالربيع العربي، (وهو في الواقع تعبير مجازي وليس من العلمي التعويل على هذه التسمية كتوصيف نهائي للظاهرة لان فيها ايحاء بالموسمية خصوصا اذا ما ارتبطت بـ "الخريف")، لن ينتهي، كأي ثورة، كأي انتفاضة. فكل حراك ثوري بحاجة الى ان لا نعتبره منجزا ذا لحظة، وقع وانتهى، بل انه عملية تتواصل وتستمر، وهذا يتطلب ان نرعى هذا الحراك ونحسن ادارته كي يصل الى مآلاته واهدافه النهائية.

مع ذلك أقول ونحن نتابع ما جرى في العديد من البلدان العربية، بضرورة ان نستخلص درسا مهما هو ان لا نكرر ما سبق لغيرنا ممن حظوا برعاية الامريكان وعناية الاوربيين ودعمهم ان فشلوا فيه واستثاروا شعوبهم ضدهم.

إن هذا الذي نراه اليوم في بلادنا لا يختلف في الواقع عما يجري في بلدان اخرى لكن هناك خصوصيات وأشكال تجلٍ له ترتبط بالظروف المحلية العراقية، فالمتنفذون في بلادنا تمادوا في غيهم ولا يبدون استعدادا للتخلص مما كان سببا في النكوص وترشيد العملية السياسية وتخليصها من العلل التي تعاني منها، وبما يمكن من بناء عراق ديمقراطي اتحادي، إن هذا الصراع اصبح واضحا وصريحا وهو صراع طبقي اجتماعي . فهناك فئات تريد الاستفادة من التغيير لتعزيز مواقعها والاستحواذ على الثروة والنفوذ ولرسم معالم مستقبل العراق وفق مقاساتها.

وإذا شخصنا بأن ما يجري عندنا في العراق هو صراع طبقي اجتماعي يأخذ شكله الملموس وفقا لطبيعة المتصارعين العراقيين، فان هؤلاء لا يكتفون بالصراع مع المستغَلين (بفتح الغين) بل ان هذا الصراع يتم ايضا داخل طبقة المستغِلين (بكسر الغين) ذاتها، داخل الطبقة المهيمنة مستغلين في ذلك الطائفية والاثنية لتعزيز مواقعهم، ان هذا الصراع بين المتنفذين يؤدي الى مزالق ومخاطر، لذا فعلى حسن معرفة هذه القضايا نستطيع ان نرسم سياسة صائبة منطلقة من ترتيب صحيح لتناقضات المرحلة.

ولمواجهة كل التحديات فان المطلوب اليوم اعتماد نهج جديد، إستراتيجية اقتصادية، سياسية، ثقافية، تستلهم تجربة العراقيين والتجربة العالمية، لوضع العراق على الطريق الصحيح. التجربة الملموسة تشير الى ان الخصخصة والليبرالية لم تنجح في الكثير من البلدان، وليس في بلدان العالم الثالث بل حتى في بلدان اخرى رأسمالية متطورة، فقد قادت الى كوارث في بعضها. فلماذا لا نبحث عن التجارب الناجحة ونستفيد من دروسها؟ أي تلك التي توازن بين مصالح الفئات والطبقات ذات المصلحة في هذه المرحلة، ونؤمن مشاركة الجميع من موقع المسؤولية عن تطور المجتمع. الإشكال الرئيسي يكمن في السياسات المعتمدة التي لا تعرف ما تريد. فلو كان هناك استعداد ومنهاج فكري وتصور اقتصادي او سياسي - اجتماعي واضح وعقلاني لأمكن حل مشاكل البلد في اطار تحالف وطني، يستند الى وحدة وطنية، وإنهاء عملية المحاصصة والخصام والتنافس اللامشروع حول السلطة والثروة والنفوذ، ونزعة الكسب السريع، والاستقواء بالمليشيات، والاعتماد على القوى الخارجية، وتعريض الوطن لاحتمالات لا تحمد عقباها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أجرى الحوار الزميلان: جمعة هاشم وإبراهيم الخياط

الثقافة الجديدة

العدد 364- 365 آذار 2014