من الحزب

بلاغ عن اعمال الفعالية الفكرية المركزية الخامسة التي عقدت ببغداد في 7/11/2014

الطائفية السياسية الى أين؟.. رهانات الواقع وخيارات المستقبل

بتاريخ07/11/2014، وبإشراف سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق حميد مجيد موسى (ابو داود)، وبحضور العديد من رفاق قيادة الحزب، وبمشاركة ما يقارب المئة رفيق ورفيقة، التأمت أعمال الفعالية الفكرية المركزية الخامسة التي عقدت تحت عنوان:

الطائفية السياسية الى أين؟.. رهانات الواقع وخيارات المستقبل

أُفتتحت جلسات الفعالية بكلمة قصيرة للرفيق د. صالح ياسر، الذي رحب باسم لجنة العمل الفكري المركزية (لعف)، بالرفيق (ابو داود) وببقية الرفاق من قيادة الحزب وبالمشاركين من الرفاق والرفيقات، متطلعا الى ان تساهم مشاركتهم في اضفاء الحيوية والجدية على اعمال الفعالية، والخروج بخلاصات ودروس تساهم في تحسين فهمنا لظاهرة معقدة ومركبة هي الطائفية السياسية، وذلك من منطلق ضرورة التعاطي مع المفاهيم (وهنا الطائفية السياسية نموذجا) بجدية اكبر تضمن الانكباب عليها، وتشريحها والتبصر في كل ابعادها وبناء معرفة صحيحة عنها. وأضاف أن هذه الفعالية الفكرية تنعقد والبلاد تمر في ظروف غاية في التعقيد وبمنعطف خطير وفي ذروة حادة من ذرى الاستقطاب السياسي، تطلبا للسلطة والثروة والنفوذ. وأن تنعقد هذه الندوة في هذا الوقت المأزوم للغاية والمتوتر للغاية، فهي بذلك تمثل تحديا للراهن وبارقة أمل مضيئة في حالك المرحلة. وعلى غرار فعالياتنا الاربع السابقة، نريد لفعاليتنا هذه أن تكون حلبة حوار رفاقي مسؤول تعكس تنوعنا الثري في اطار وحدة منهجنا المادي بجدليته وتاريخيته، من أجل تفكيك الخطاب الطائفي ونقد ممارساته الفعلية بحيث نتمكن، وعن وعي أصيل، من مواجهة المشروع الطائفي المحاصصي المدمر، لأننا ندرك اكثر من غيرِنا غاية الطائفيين ومن ورائهم في بناء الدولة الطائفية نقيض الدولة الديمقراطية العصرية.
وبعد ذلك قدم الرفيق (ابو داود) مداخلة ضافية مثنيا فيها في البداية على اهمية مواصلة تقليد عقد مثل هذه الفعاليات سنويا، مهنئا بانعقاد الفعالية بعد تحضيرات جادة استمرت لعدة شهور وبالاستفادة من تجربة ودروس الفعاليات الاربع السابقة، وتكللت بالنجاح في عقدها في الموعد المحدد وبحضور واسع نسبيا للمنظمات والرفاق في الداخل والخارج، وهذا مؤشر وتأكيد على التفهم الجيد لأهمية العمل الفكري بابعاده البحثية والتطبيقية. وبالمقابل اشاد الرفيق (ابو داود) بالاختيار الموفق لموضوعة الفعالية ومحاورها الاساسية واهمية استيعاب جوانبها لعمل الحزب الملموس في الظرف السياسي المعقد الراهن ولما يعانيه شعبنا وافاق تطور بلادنا ووطننا من عقبات وشرور هذا البلاء/الطائفية. واكد الرفيق على اننا نتطلع لتلخيص وتكثيف المناقشات وبلورتها على شكل خلاصات واستنتاجات تساعد الحزب ومنظماته ورفاقه في نضالهم على الجبهة الفكرية وهي جبهة هامة جدا في نضالنا.
ان الاوضاع الحالية وما وصلت اليه هي تجل وبرهان على عقم النهج الطائفي والتعصب الطائفي والتخندق الطائفي والاستقطاب على صعيد التفكير وكنهج سياسي وكممارسة عملية. واكد الرفيق (ابو داود) على ان الطائفية كانت ولا زالت اداة بيد القوى المتنفذة في صراعها من اجل السلطة والثروة والنفوذ والاستحواذ على صنع قرارات صياغة حاضر ومستقبل البلاد. فصراع المصالح هو المحفز لتوظيف المذهبية الطائفية لخدمة الاغراض السياسية.
وبالمقابل توقف الرفيق (ابو داود) عند التطورات التي شهدتها البلاد في الاشهر الاخيرة، واجتياح داعش لمناطق من البلاد وما تركه ذلك من تداعيات على صعد مختلفة من بينها تصاعد النزعات الطائفية في المنطقة، وفي تغليف الصراع بين دولها على الهيمنة والنفوذ بالتعصب والشد الطائفي وما نعيشه من ظروف سياسية معقدة يتداخل فيها الاجتماعي/التاريخي والسياسي/الفكري (الروحي والثقافي) الداخلي بالاقليمي والدولي
واختتم الرفيق (ابو داود) حديثه مؤكدا على أهمية مثل هذه اللقاءات الفكرية وعلى الاختيار الصحيح لموضوعاتها ومحاورها، والاستفادة من نتائجها بما يعزز من دور رفاقنا ومنظمات حزبنا والارتقاء بنشاطها في توعية المواطنين بما يجري في البلاد وما تركه ويتركه نظام المحاصصات الطائفية - الاثنية من مخاطر على البلاد والمجتمع والتاكيد على ان البلاد تحتاج اليوم، في مواجهة كل التحديات، الى بديل عابر للطوائف، بديل ينسجم مع التقدم وبناء المجتمع المدني الديمقراطي.
وبعد انتهاء الجلسة الافتتاحية وطبقا لبرنامج عمل الفعالية الموزع سلفا، فقد توزع المشاركون على ثمانية ورش (وعلى جولتين) لدراسة ورقة العمل ومحاورها التي كانت قد عممت على المنظمات قبل أكثر من أربعة أشهر.
في المحور الاول الموسوم: الطائفية كإستراتيجية سياسية- لوازم صناعة الطائفية- الجذور التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للظاهرة، قدم المشاركون في هذه الورشة مقاربات معرفية فكرية للاشكالية والمفاهيم الضرورية لفهم الظاهرة الطائفية والطائفية السياسية واهمية التحقيب الصحيح لهذه الظاهرة والتمييز بين الطائفة كـ «هوية ثقافية»، وبينها كـ «هوية مسيّسة». فالهويات الدينية الجزئية قديمة أما تسييسها فظاهرة جديدة، ترتبط بمشكلات تطور الدولة الحديثة. هذا اضافة الى التمييز بين التعددية الدينية، أي انطواء المجتمع على تنوع ديني كبير، يتسم إلى حد أو آخر من الانسجام أو الصراع، وبين سيطرة إحدى هذه الفرق او الجماعات الدينية على مقاليد الأمور في السلطة أو على مواقع رئيسية منها في سبيل تأمين منافع استثنائية وخاصة لا يسمح بها القانون. واكدت المناقشات في المحور على أن أحد الأسباب الاساسية التي حالت دون فهم الطائفية وتجنب آثارها هو اختلاط مفهوم الطائفية نفسه وعدم ضبطه، مما أساء أيضا إلى فهمنا لها كظاهرة اجتماعية وسياسية وبناء تعريف واضح وصحيح لها أيضا.
وبالانتقال من العام الى الخاص، توصلت النقاشات في هذا المحور الى ان الازمة البنيوية الراهنة التي تعيشها بلادنا هي ليست أزمة طائفية كما يروج الى ذلك منظرو الطائفية السياسية. انها أي الطائفية السياسية- في جوهرها تعبير عن أزمة اجتماعية حقيقية ناجمة عن الاستراتيجيات التي اعتمدها النظام الديكتاتوري المقبور، واستراتيجيات الاحتلال التي سعى لتطبيقها بعد 2003 في بلادنا اضافة الى ممارسات وسياسات القوى المتنفذة التي راهنت على النظام المحاصصي الطائفي خيارا.
وفي المحور الثاني الموسوم: مسارات تحول المنظومة السياسية بعد احتلال العراق- الطائفية السياسية وإشكالية الديمقراطية التوافقية، تركزت النقاشات حول ما شهدته البلاد من تحولات في العراق بعد 2003 وما تركته من اثار على بنية النظام السياسي الذي تم بناءه على اساس تحاصصي. ولمواجهة تحديات التوزيع الجديد للقوى القائم على المحاصصات الطائفية - الاثنية اعتمدت «الديمقراطية التوافقية» باعتبارها احد الحلول خلال الفترة الانتقالية. واستنتجت بعض المناقشات داخل المحور هذا ان تطبيق مبدأ الديمقراطية التوافقية قد تكون له اشكاليات تمس بالمساواة وبمبدأ المواطنة الذي تقوم عليه الديمقراطية بمعناها المعروف. هذا مع العلم ان المناقشات في هذا المحور توقفت عند التجارب التاريخية للديمقراطية التوافقية باعتبارها احد أنواع الديمقراطيات، والمطبقة في بعض الدول (سويسرا، النمسا، هولندا، ماليزيا، جنوب إفريقيا، لبنان) والتي تتسم مجتمعاتها بالتعددية وذلك لتفادي إشكاليات التصارع والتناحر بين المكونات وتمثل حالة انتقالية.
في حين تناول المحور الثالث التشكيلة السياسية، الاجتماعية-الاقتصادية، الثقافية الداعمة للطائفية السياسية، حيث انطلقت المناقشات من فرضية ان الصراع الدائر اليوم هو صراع بدائل لقوى اجتماعية متصارعة وليس معركة طوائف. وتوقفت المناقشات عند التحولات التي حصلت في فترة النظام الدكتاتوري في محاولة لفهم ما جرى وايضا ما تركته من اثار بعد 2003، اضافة الى تحديد سمات المرحلة الاخيرة وطبيعة التناقضات التي شهدتها وجوهر الازمة البنيوية المتعددة الصعد، من أجل فهم طبيعة النظام الراهن والاجابة على السؤال المهم وهو لماذا اتخذت التشكيلة التي تبلورت بعد 2003 هذا المسار الطائفي المحاصصي؟ أي محاولة تفكيك التشكيلة الداعمة للطائفية السياسية وتحديد جذورها وبناها المختلفة وتناقضاتها الفعلية وقواها المحركة.
وبالمقابل فقد تركز نشاط الورشة التي ناقشت المحور الرابع والمعنون: الوعي الوطني و «الوعي الطائفي»- وحدة أم صراع الاضطداد؟ على التمييز المنهجي بين الوعي الوطني (القائم على فكرة المواطنة) وبين «الوعي الطائفي» الذي هو «وعي» شكلي يقسم المجتمع، كما العالم، الى جملة طوائف متناقضة، فتلغي الطبقات، كما الصراع الاجتماعي- الطبقي، ليصبح الصراع الطائفي هو الصراع الوحيد، وتلتغي العقلانية السياسية لتعطي مكانها للاعقلانية مطلقة الصراح.
فكما معروف يبدأ «الوعي الطائفي»، بالطائفة النقيض، لا في وجودها الفعلي طبعا، بل كما صاغها الوعي الزائف، فيبدو الغاء الطائفة النقيض كما لو أنه المرجع الاساسي الذي يحدد الوعي الطائفي لأنها لا ترى الحل الا في التقاتل الطائفي، أي في انتصار طائفة وهزيمة اخرى.
بهذا المعنى لا يدور السؤال الاساسي، بالتأكيد، حول وصف أو توصيف «الوعي الطائفي» بل يجب أن يدور حول اسباب صعوده لان الجوهري فيه ليس معرفة «كيف» يتكون الوعي الطائفي، فهذا وصف خارجي للظاهرة. انما المطلوب هو معرفة «لماذا» تكّون هذا الوعي. وعندها يصل السؤال الى القوى الاجتماعية المسيطرة، التي تتكئ على جملة ادوات وشروط لصياغة وعي زائف، في سياق خطة معلومة خصوصا حين تجد هذه البنية تعضيدا دائما من مؤسسات كبرى تغذي الروح الطائفية على حساب فكرة المواطنة.
اما المحور الخامس الموسوم: البعد المحلي والبعد الإقليمي للطائفية، والمحور السابع الموسوم: تجارب من نظام الطائفية السياسية: لبنان وإيران... الخ، فانه وبسبب تشابه موضوعاتهما وتجنبا للتكرار فقد دمجا ليناقشا ضمن محور واحد. وقد توقفت مناقشات هذين المحورين عند البعدين المحلي والاقليمي ولكن في اطار وحدتهما الجدلية وتفاعلهما وتأثيرهما المتبادل. وابرزت المناقشات واقعة ان الصراع الطائفي برز بصورة ملفتة للنظر في الفترة الاخيرة في عدد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا منذ العام 2011 كمشكلة محلية ذات أبعاد إقليمية لا زالت تتوالى في التصاعد إلى مستقبل مجهول. ولا يحتاج الدارس إلى كثير من القرائن للبرهنة على الاحتدام الطائفي في العديد من البلدان.
وتوقفت المناقشات عن الاسباب الكامنة وراء ظاهرة الطائفية السياسية على الصعيدين المحلي والاقليمي واكدت على انها لا تنحصر في سبب واحد بل انها تضم مجموعة من العوامل المركبة:الاقتصادية-الاجتماعية-السياسية -الثقافية .. الخ من جهة، وببعديها المحلي والاقليمي مضافا لها تاثر العوامل الدولية الطابع، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الامبريالية الاخرى من جهة ثانية.
في حين توقفت اعمال الورشة التي ناقشت المحور السادس الموسوم: من المثقف العضوي الى «المثقف الطائفي» سيرورات التحول الثقافي في العراق بعد 2003 ومساراته، ل عند سيروات التحول الثقافي التي شهدتها بلادنا بعد 2003 وما تركته من اثار على الواقع وعلى الوعي وعلى شريحة المثقفين وما شهدته من استقطابات. وقدمت مقاربات متعددة لهذه السيرورات حاولت فهم ما جرى استنادا الى مفهوم «المثقف العضوي» للمفكر الماركسي الايطالي انطونيو غرامشي صاحب اطروحة «الهيمنة الثقافية». واعتبرت العديد من المداخلات ان «المثقف الطائفي» هو نتاج تراجعي من صورة المثقف العضوي الى التقليدي الذي يوظف اليات تفكيره في عملية الترويج لفكر الطبقات التقليدية حاملة المشاريع المناهضة للحداثة والديمقراطية وكيفية اعادة هينة القوى المتحاصصة.
وباعتبار ان حزبنا هو حزب التاريخ والراهن والمستقبل، وتجنبا لحصر المناقشات في اطر الراهن على أهميته فقد اولت الفعالية الفكرية المركزية الخامسة اهتماما خاصا للحوار حول المستقبل أيضا، حيث كرست لذلك المحور الثامن الموسوم: الافاق- كسر شوكة الطائفية السياسية عبر بناء بديل عابر للطوائف وخنادقها المتبادلة.
وانطلق المناقشات من ان الطائفية ليست ظاهرة حتمية، بل هي ظاهرة مرتبطة بظرفها التاريخي، وان البديل عنها هو بناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة العابرة للطائفية والاثنية. كما أن حامل مشروع الدولة المدنية الديمقراطية، هو التيار المدني الديمقراطي الأمر الذي يتطلب النضال على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.. الخ .
ولا شك ان تحقيق هذا البديل يحتاج الى أفق أوسع والى قوى جديدة وتحالفات عريضة تكون قادرة على احداث تغيير حقيقي في تناسب القوى الفعلي وليس اعادة انتاج النظام الراهن الذي اصبح عائقا امام بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية.
ومن جهة اخرى فقد اكدت المناقشات، في ختام الفعالية، على انه في ظروف النضال المجتمعي/الديمقراطي الذي يخوضه شعبنا بمختلف قطاعاته وطبقاته وفئاته وشرائحه الاجتماعية، تبرز الأهمية المحورية للعمل الجماهيري وضرورات المشاركة الواسعة في إطاره والتأثير على اتجاهاته الرئيسية، باعتباره أحد روافع النضال الأساسية، التي لن يكون بمقدور حزبنا أن يؤدي رسالته التاريخية، إلا إذا اعتمد بجدارة على الجماهير الشعبية واجتذبها الى النضال من منطلق الأهداف والمهمات والشعارات التي تنسجم مع المصالح والحاجات الحيوية لهذه الجماهير في اللحظة التاريخية الملموسة ولكن غير المقطوعة عن أفق المستقبل وخياراته الكبرى.
ان واحدة من مهماتنا الأساسية، سوية مع القوى المناضلة من اجل بديل وطني وديمقراطي، هي قطع الطريق على الطائفيين المتمترسين وراء خنادقهم المتبادلة. ومن هنا جرى التأكيد على أن الطائفية السياسية وما يرتبط بها من مشاريع لن تكون خيارنا تحت أية ظروف.
وبروح الحماسة والهمة العالية انهت الفعالية الفكرية المركزية الخامسة أعمالها على أنغام نشيد الحزب: سنمضي ... سنمضي الى ما نريد.... وطن حر وشعب سعيد ! الذي انشده جميع المشاركين والمشاركات مؤكدين على بذل الجهود لتوظيف ما توصلت اليه الفعالية من نتائج من أجل تعزيز وتنشيط العمل الفكري في عموم منظماتنا وترقيته ليكون بمستوى التحديات المتجددة دوما.