من الحزب

عشية انعقاد المؤتمر الوطني العاشر .. حميد موسى: لا اصلاح من دون مغادرة منهج المحاصصة

في عشية انعقاد المؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي العراقي، التقت طريق الشعب الرفيق حميد مجيد موسى، سكرتير اللجنة المركزية للحزب، فكان الحوار الاتي:
 عشية انعقاد المؤتمر الوطني العاشر للحزب كيف تقرأون تطورات الاحداث في بلادنا؟ وكيف تحددون سمات المرحلة التي نمر بها؟
 المؤتمر محطة مهمة في مسار العمل الحزبي، واستحقاق نظامي لتأكيد شرعية سياسة الحزب، ولتفعيل العقل الجماعي في صياغتها وتنفيذها. وما نتوصل اليه اليوم من نتائج وتصورات وقرارات لا يمكن ان يكون معزولا ومنقطعا عن كامل الجهد الفكري- السياسي للحزب وممارساته في السنوات الاربع الماضية، بل ان هذه النتائج ستكون بمثابة تدقيق وتطوير لها، واغنائها بخلاصات التجربة العملية التي مر بها الحزب والشعب والبلد عموماً. فالبلد ما زال يغط في ازمة شاملة تشمل جميع مناحي الحياة، وهي ازمة مركبة بنيوية، متعددة الوجوه، تطول النظام برمته ومؤسسات الحكم المختلفة. وبهذا العمنى هي ليست ازمة عسكرية - فنية ادارية، بل اساساً ازمة سياسية - فكرية، اقتصادية – اجتماعية، وفي خلفيتها يكمن نظام المحاصصة الطائفية - الاثنية.
تواجهنا مهام وطنية وديمقراطية
نعم، الازمة لها مقدمات ترتبط بما ورثناه من تركة ثقيلة للنظام الصدامي الفاشي، وما افرزه من حروب وقمع وحصار، وهي ليست معزولة عن آثار الاحتلال وما جلب من تخريب للسيادة والاستقلال ولمؤسسات الدولة، وما ادخل من توجهات سياسية - اقتصادية مدمرة. كذلك هي ليست بمعزل عن عموم التدخلات الفجة للقوى الخارجية في الشؤون الداخلية العراقية. والازمة متفاعلة مع نمط التفكير اللاديمقراطي للقوى المتحكمة، المهيمنة على دفة السلطة. وقد أثمرت هي وخلفياتها ومكوناتها فشلاً ذريعاً وعجزاً بيّناً عن تحقيق ما كانت تصبو اليه جماهير شعبنا، من اقامة بديل ديمقراطي لعراق مدني اتحادي مستقل وموحد يكون نقيضاً للنظام المقبور.
ولهذا تواجهنا في المرحلة الراهنة مهام وطنية وديمقراطية، في اطار حالة انتقالية يستمر الصراع فيها تحت عنوان العملية السياسية، لوضع البلد على الطريق المفضي الى بناء عراق جديد، تُزال فيه منظومة المحاصصة الطائفية- الاثنية والتشوهات الحاصلة في قيم ومباديء الديمقراطية ومؤسساتها، ويحارَب فيه الفساد والمفسدون بجدية ومسؤولية عبر قضاء مستقل ونزيه، الى جانب بناء دولة المواطنة وتحقيق المصالحة الوطنية والوحدة الوطنية الحقيقية، في دولة اتحادية مؤهلة لاستكمال السيادة والاستقلال الوطنيين، وتتوفر فيها العدالة الاجتماعية وفرص استمتاع الشعب بثرواته الهائلة، واعادة بناء الاقتصاد الوطني عبر تنمية مستدامة هدفها الاساس الانسان العراقي، لضمان سعادته وتوفير فرص العيش اللائق والخدمات الضرورية له.
نريد عراقا حرا مسالما
 ما هي البدائل التي شخصتها مشاريع وثائق المؤتمر لحالة البلد المأزومة الراهنة؟
 كما اشرنا في الجواب السابق، يكمن المدخل الصحيح الى اعادة بناء العراق ومنظومته السياسية- الاقتصادية في اصلاح وتغيير نظامه السياسي، والقضاء على منهج المحاصصة الطائفية – الاثنية، والتخلص من كل افرازاتها ونتائجها التي سممت الحياة الاجتماعية، وافسدت العلاقات بين ابناء الشعب الواحد، وتسببت في ابرز كارثة تتمثل في تمكن قوى الارهاب وداعش على وجه الخصوص من السيطرة على ما يقرب من ثلثي اراضي البلد. وعليه فان من يفكر ويعمل على استعادة كرامة الوطن والمواطنين، واعمار البلد ووضعه على الطريق الصحيح بعد ان خربه الارهابيون والفاسدون، عليه اولا ان يفكر في العوامل التي ساعدت داعش وحلفائه على تحقيق اهدافهم، وهي عوامل متشعبة ومترابطة ومتفاعلة، ولا يمكن التغاضي عنها ونحن نسعى الى دحر داعش والارهاب. فلا شك في الاهمية الكبرى للانجاز العسكري - الامني والانتصارات الكبيرة التي تحققها قواتنا المسلحة بمختلف صنوفها: جيش وشرطة اتحادية ومحلية وبيشمركة ومتطوعين في الحشد الشعبي ومقاومين من ابناء المناطق المغتصبة، وهي جميعا تستحق الفخر والاعتزاز، الا ان الانتصار في الحرب على داعش وحلفائه وفلولهم يتطلب جملة متكاملة من التدابير والاجراءات السياسية - الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي من شأن تطبيقها تجفيف روافد تغذية الارهاب عموما، والقضاء على تشكيلاته في العراق خصوصاً.
فهناك مستحقات عاجلة ترتبط اولا بضرورة اعتماد نهج جديد في تشكيل الحكومة، بعيدا عن المحاصصة وعلى اساس الكفاءة والنزاهة والاخلاص للوطن. وهناك حاجة الى قانون انتخابات عادل ومفوضية جديدة مستقلة وعادلة وتفعيل قانون الاحزاب، بما يؤمّن مجيء سلطة تشريعية تنسجم مع مطامح الشعب وتمثل مطالبه وتحقق اهدافه في بناء العراق الديمقراطي الحقيقي.
كما ان هناك حاجة الى قضاء متطور ومستقل حقاً وفعلاً ونزيه، بعيد عن الامراض التي علقت بالمنظومة السياسية، والتي عشنا تداعياتها سنوات طويلة. وكل هذا لا بد ان يأتي متوازياً مع بناء علاقات سياسية داخلية بين القوى والاحزاب السياسية، على اساس من الاحترام المتبادل والتعاون من اجل بناء الوطن على اساس المواطنة، بعيدا عن التهميش والاقصاء والتجاهل وانتهاك الحريات. فكل ابناء الوطن متساوون. وفي هذا الاطار لا بد من تغيير حقيقي في ادارة العلاقة بين الحكومة الاتحادية والاقليم، وبينها وبين المحافظات، والعمل بكل مسؤولية وعبر الحوار لتعزيز الفيدرالية واللامركزية الواسعة.
ويقتضي كل ذلك، ايضاً، وضع استراتيجية اقتصادية علمية، سداها ولحمتها خدمة الانسان العراقي وضمان العدالة في توزيع الثروات، بعيدا عن احتكارها لمصلحة فئات متسلطة وعناصر فاسدة ومافيات، ثبت افتقارها للحس الوطني وكرهها لحقوق الشعب وغرقها في الفساد والانانية.
ان البلد في حاجة الى تنمية حقيقية مستدامة تستثمر فيها جميع الموارد، والى تخطيط كفوء لاستثمار الامكانيات، ومتابعة جدية لانجاز ما يخطط له وفق برامج مدروسة، تعتمد التقدم العلمي ومنجزات التكنولوجيا.
وإذْ نتوجه الى بناء عراق ديمقراطي حر مسالم لا يشعر فيه المواطن بالتمييز، تبرز الحاجة الى تطوير برنامج متكامل لتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة، ومحاربة الفقر، ومعالجة ازمة النازحين والمهجرين وضحايا الارهاب، والتمييز الديني والطائفي، بما يخلق اجواء جديدة رحبة يشعر فيها كل مواطن بالاعتزاز والفخر بانتمائه الى العراق، وبكون حقوقه محترمة ومحفوظة، وغير مهددة باستهتار التعصب الديني او القومي او الطائفي او المليشياوي، او مهددة من جانب عناصر الجريمة المنظمة.
ولا بد من اعتماد سياسة خارجية وطنية بناءة تحمي مصالح الشعب، وتحفظ كرامة وحدود الوطن وتمنع اي تدخل خارجي في شؤونه الداخلية، وان تبنى علاقات العراق مع بقية الدول على اساس الاحترام وتبادل المنفعة ووفقاً لميثاق الامم المتحدة.
بسياسة وطنية حقيقية هذه ملامحها، نستطيع ان نخرج بلدنا من ازمته المستفحلة ونعيد له العافية والقدرة على اللحاق بالامم والدول المتطورة.
الديمقراطية ليست الانتخابات فقط
 المحتم الى ان المحاصصة هي اس البلايا، لكننا نرى الآن "اغتصاباً" لمواقع الدولة تحت غطاء "الاغلبية"؟
 للأسف نحن نعيش ازمة مفاهيم ومصطلحات، وكما قال الشاعر: " كل عن المعنى الصحيح محرف ". فالمحاصصة فُرضت بارادة المتنفذين وبتحريف لمعاني الدستور باعتبارها ديمقراطية وتوافق وتوازن..الخ. لكنها في الحقيقة تنسف جوهر معاني وقيم الديمقراطية، التي لا تقتصر على الانتخابات ونتائجها، وانما هي منظومة متكاملة من القيم والمثل والاخلاقيات، فضلا عن الآليات. فمن يحصل في الانتخابات على الاغلبية حتى ولو بطريقة مشروعة، وهو ما لم يحصل عندنا، عليه ان لا يتجبر ويتمادى، ولا يحتكر السلطة ويهمش الآخرين ويقصيهم حتى وان كانوا اقلية مؤقتة.
وهكذا شُوّه "التوازن"، ففي الوقت الذي فهمه الدستور باعتباره بديلاً لما كان سائداً في ظل النظام الدكتاتوري البائد من تمييز اجتماعي وقومي وديني وطائفي، تحول وفقاً لفهم المتسلطين على الحكم الى عملية تقاسم للغنائم والمكاسب.
المطلوب اذن ليس تكريس التشوه الذي لحق بالديمقراطية ومؤسساتها، وانما احياء روحها الحقيقية، وتخليصها مما علق بها من تشوهات ونواقص.
الاغلبية بذاتها اذا بنيت ضمن منظور متكامل للديمقراطية فهي امر طبيعي وسليم، ولكن ليس باعتبارها اغلبية طائفية. فالطوائف ليست حزباً. والاحزاب كلها لا يمثل احد منها كل ابناء الطائفة المعنية. وعليه فان معيار الديمقراطية الصحيحة هو الاغلبية السياسية التي تتوفر لحزب ما او كتلة او قائمة او تحالف، تبعاً لبرنامجه السياسي- الاجتماعي ولقناعة المواطنين به باعتبارهم مواطنين وليس كونهم ابناء طائفة يقفون ضد منتسبي طائفة اخرى، او قومية ضد ابناء قومية اخرى.
التغيير الحقيقي يفرض نفسه
 اشرتم الى الاصلاح والتغيير والحاجة اليهما. ما هو تصور الحزب لهما، ولسبل تحقيقهما؟
 كل ما سبق طرحه من اسباب للازمة العميقة التي نعاني منها، وفشل وعجز منظومة المحاصصة وادارتها السياسية عن انقاذ البلد مما هو فيه، يفرض اعتماد التغيير الحقيقي لاصلاح حال البلد ومنظومته المتكاملة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لقد طرحنا منذ زمن بعيد، مع بدايات ظهور ملامح الازمة، وتبنينا الدعوة الى مراجعة تقويمية - نقدية لمسار العملية السياسية، بهدف تخليصها من حالة الاعوجاج وتشذيبها من الممارسات الخاطئة والخطايا العديدة التي ارتكبت، وتشخيص ورسم الطريق المؤدي الى معالجة ثغراتها خدمة للشعب والوطن، ولبناء ديمقراطية حقيقية في عراق مستقل. لكن وللأسف صمّت القوى المنتفعة من حال السلطة المتردي آذانها، ولم تشأ اجراء مثل هذه العملية الجراحية الاجتماعية الضرورية. وحتى حين اضطرت تحت ضغط الواقع وحركة الجماهير الى اجراء بعض الاصلاحات الترقيعية، فانها لم تلبث ان تبخرت مع مرور الايام.
والاصلاح ليس فقط ضرورة اخلاقية، وانما هو حتمية نضالية لن يستطيع العراق من دونها استعادة عافيته وبناء كيانه على اسس صحيحة. بل ان البلد سيواجه حتى لو تخلص من داعش خيارات واحتمالات لا تحمد عقباها. فالاصلاح الحقيقي لن يتحقق الا باعتماد نهج جديد، ومنظومة جديدة.
الصراع محتدم بين دعاة الاصلاح واعدائه
 وهل التغيير ممكن في ظل توازن القوى الراهن؟
 نعم، التغيير ممكن ومُلح واغلبية الشعب والكثير من العناصر السليمة في القوى السياسية الناشطة في الساحة السياسية، تصر وتعمل باستمرار لتحقيقه. لكن، وكما هو معروف، ان توازن القوى حالة متحركة، فالصراع محتدم بين الطامحين للاصلاح وهم لا يملكون الكثير من الادوات والامكانيات المالية والاعلامية، وبين اعداء الاصلاح المتمترسين خلف مواقع السلطة والمستحوذين عبر السحت الحرام على الاموال الطائلة والفضائيات، والدعم الخارجي المشبوه، بما يمكنهم من اعاقة اختمار وتبلور قدرات المطالبين بالاصلاح والتغيير. فالصراع متواصل والمعركة محتدمة بين الخير والشر، بين الشعب المدافع عن حقوقه وبين ناهبي قوته ومخربي بلده.
ان كل المقدمات تشير الى كون القوى المتحكمة غير قادرة على مواصلة النهج السابق ذاته، ولا تملك القدرة على اعادة العوامل نفسها التي ادت الى ما ادت اليه من اوضاع مأساوية في البلد. ومن ناحية اخرى سيواصل الواعون من ابناء الشعب والجماهير الواسعة نضالهم ضد الواقع السيء ولاستحصال حقوقهم. وثقتنا عميقة من ان شعبنا بممارساته الثورية وحركاته المطلبية ونشاطاته الاحتجاجية، وبضغطه المتواصل وتوسيع صفوف المحتجين وتنويع اساليبهم وتحسين تنظيمهم، سيتمكن من تعديل موازين القوى لصالح تشكيل القدرة الجماهيرية والتحالف الوطني الواسع، لاجبار المتنفذين على التخلي عن نهجهم المعرقل للتقدم والمشوه للديمقراطية والراعي للفساد والمهدد لاستقلال البلد ووحدته.
الحراك الجماهيري يعبر عن ارادة شعبنا
 اين تضعون الحراك الشعبي الجماهيري في اللوحة السياسية القائمة، وما هي آفاقه في رأيكم؟
 الحراك الجماهيري هو رد فعل موضوعي وحالة طبيعية غير منفصلة عن الاوضاع المتأزمة السيئة التي عاشها ويعيشها البلد.
انه موضع احترام واعتزاز، لانه يعبر عن ارادة شعبنا الحقيقية الطامحة الى بناء عراق جديد بكل ما يحمله هذا من معان صحيحة. وهو دليل تنامي ثقة الجماهير بنفسها وبدورها وبضرورة دفاعها المباشر عن حقوقها. فهي بذلك تغادر السلبية وتتحول تدريجياً الى الفعل الايجابي المؤثر والمنبثق من القناعة بان التغيير والاصلاح ليس منحة او هبة او مكرمة من حاكم، وانما هو عملية نضالية لانتزاع الحقوق من مغتصبيها. وقد عاني الشعب كثيرا وهو يصبر على الحكام الذين لم يرعووا. وان حملات الاحتجاج واسعة النطاق والمتواصلة بانتظام لاكثر من سنة واربعة اشهر، بنفس طويل وصبر ثوري وتطوير للوسائل والاساليب مع الحفاظ على سلمية التظاهر والاحتجاج وعدم الاستجابة لاستفزازات العناصر المتضررة من الاصلاح، اصحاب المصلحة في الحفاظ على المنظومة القديمة من الفاسدين ناهبي اموال الشعب، لتدلل على اصالة هذا الحراك وتؤشر قدرته على التواصل والاستمرار حتى تحقيق اهدافه.
لا مصالحة حقيقية من دون اصلاح حقيقي
 ازاء حالة الاستعصاء القائمة تطرح افكار من قبيل مشروع "التسوية التاريخية". فهل ان خروج البلاد من الازمة مرهون حقا بهذه التسوية بين "الشيعة والسنة" كما يقول اصحاب المشروع؟
 منذ فترة طويلة ونحن ندعو الى التخلص من منهج المحاصصة، اس البلاء، والذي كان الاساس لهذا التناحر والعراك السياسيين اللذين اثمرا كل المآسي التي نعيشها. فقد دعونا الى المصالحة الوطنية والمجتمعية، والى عقد مؤتمر وطني من اجل تقويم مسار العملية السياسية وتخليصها من عيوبها، واقترحنا الافكار العملية والمسؤولة لمعالجة ما يعانيه الوطن من مآس. لكن المتنفذين المنتفعين من نهج المحاصصة لم يسمعوا هذا النداء الوطني النزيه، واختاروا الاجتماعات الاحتفالية والمهرجانات الخطابية والكلام المعسول والمواثيق التي انتهكت قبل ان يجف حبرها، بديلا عن التوجه المسؤول لمعالجة هذه القضية الجدية.
واليوم والبلد مقبل على الكثير من الاستحقاقات بعد القضاء على داعش، ويواجه الكثير من المخاطر، يسعى الجميع، كل من موقعه السياسي والاجتماعي والطبقي، لتقديم رؤاه ومعالجاته لحالة البلد. وفي هذا الاطار نلحظ اصراراً عجيباً من جانب البعض، رغم كل ما وقع من دمار وخراب ومذابح وتبديد للاموال الطائلة، على ترقيع الحال وفق الاسس نفسها التي اثمرت الكوارث.
لا يمكن، في رأينا، بناء مصالحة وطنية مجتمعية حقيقية على اساس المحاصصة الطائفية - الاثنية وتقاسم المغانم والمكاسب والسلطة بين ممثلي " السنة" و"الشيعة". فهذه عودة الى ما مضى، وقد تكون اسوأ. بينما العالم يتطور، والحاجة الى التخلص من التجارب السيئة اصبحت اشد ضرورة و الحاحاً. لهذا نقول ان لا مصالحة حقيقية بدون اصلاح حقيقي، بدون مغادرة صادقة وجدية ومسؤولة لنهج المحاصصة.
المتنفذون جميعا يتحملون مسؤولية ازمة البلد
 هناك من يقول ان الحزب الشيوعي يجامل الاحزاب الاسلامية، لذلك لا يشير صراحة في مشاريعه الى فشل الاسلام السياسي، كما لا يتوقف كثيرا عند اخطاء القيادات الكردستانية؟
 هناك فرق كبير بين المجاملة والحديث الموضوعي البناء. فنحن لا نجامل ولا نقبل ان نقع في شراك المصطلحات والخطابات التي لا جدوى منها. لذا فنحن، وبناء على كل ما تقدم، نحمّل جميع الاطراف المتنفذة الحاكمة المعنية بادارة السلطة، سواء كانت من الاسلام السياسي الشيعي او السني او غيرهما، او من التحالف الكردستاني، مسؤولية ما آلت اليه اوضاع البلد من ازمة وفشل ذريع، ومن عجز عن ادارة البلد وعن وضعه على سكة التقدم والتطور. افلا يعني هذا اننا صريحين وواضحين بما فيه الكفاية، وباننا لم نتردد، ليس اليوم وانما منذ سنوات، في تأشير مسؤولية الاطراف اعلاه عما يجري في البلد؟ لقد سبق لنا ان عرضنا التحليلات وقدمنا البراهين واشرنا الحقائق التي تؤكد تلك المسؤولية، وطرحنا البدائل بحرص هادفين الى معالجة ازمة البلد. لكننا ونحن نتجنب تجزأة المسؤولية والقاءها على طرف دون غيره، لا ننسى بل ونؤشر بشكل صريح وواضح، حقيقة ان المسؤولية عما يجري في البلد هي في مستويات ودرجات. فمن يتصدر عملية اتخاذ القرار يتحمل المسؤولية الاولى، وهو هنا الاسلام السياسي المتمثل في التحالف الوطني باعتباره الجهة الحاكمة، وبالاخص ائتلاف دولة القانون وتحديداً رئيس الوزراء بحكم موقعه الدستوري. وهذا لا يعني اهمال مسؤولية الاطراف الاخرى كل على قدر دوره ومسؤوليته، وهذا يشمل قيادات الاحزاب الكردستانية ايضاً.
لا بد من تفعيل قانون الاحزاب
 تكاد التحضيرات لعقد المؤتمر العاشر تبلغ ذروتها في الوقت الذي يقوم فيه الحزب باجراءات التسجيل بناء على قانون الاحزاب السياسية. الى اين وصلت هذه الاجراءات، ومتى تتوقعون ان تنتهي ويتم تسجيل الحزب رسمياً؟
 رغم ان انعقاد مؤتمر الحزب الوطني العاشر هو استحقاق نظامي، ولا يرتبط بشكل مباشر بقانون الاحزاب، الا انه توافق زمنياً مع عملية تسجيل الحزب. نحن عملنا كثيرا كحزب من اجل اقرار قانون احزاب عادل وديمقراطي، ورغم تحفظاتنا على بعض ما ورد في القانون الذي اصبح نافذا الآن، من تقييدات واحكام غير ضرورية، الا اننا تعاملنا معه بشفافية وايجابية. كما سعينا الى ان نكون من المبادرين الاوائل لتسجيل الحزب رسمياً، بهدف تفعيل تطبيق القانون من ناحية، ولحث الآخرين على التسجيل ثانياً، ولوضعه موضع التنفيذ والتطبيق الفعلي ثالثاً.
مع نهاية السنة الماضية قدمنا الطلب الاول، وعشنا كل التعقيدات والصعوبات التي تحف بتطبيق هذا القانون. وفي اعتقادنا ان الامر ليس مجرد اشكاليات ادارية وفنية، وانما هو رغبات سياسية ترى في المماطلة امرا مرغوبا فيه، كي يتمكن المتنفذون من تجاوز استحقاقات الانتخابات القادمة، قبل تطبيق القانون وما يفرضه من التزامات وضوابط، ليبقوا لانفسهم حرية التصرف كما فعلوا ابان الانتخابات السابقة.
في ملاحظاتنا حول نص قانون الاحزاب شددنا على ضرورة ابعاده عن الروتين والتعقيد، وعلى تجاوز كل القضايا الشكلية التي لا تنسجم مع الديمقراطية وروحها. لكن ومع الاسف الشديد، نسمع كل يوم مطالب جديدة من شأنها ان تطيل امد تفعيل القانون.
لقد استكملنا كحزب كل متطلبات الحصول على الاجازة، ويفترض ان تصدر رسميا في الايام القريبة القادمة، والامر الاهم طبعا هو سلامة تطبيق القانون كجزء من منظومة الاصلاح المطلوبة.
نريد انتخابات في اجواء صحية ووفق قانون عادل
 انتخابات مجالس المحافظات ومجلس النواب على الابواب، فكيف يستعد الحزب لها، وهل من تصور للكيفية التي سيشارك الحزب بها، وعن التحالفات الانتخابية الممكنة؟
 الانتخابات استحقاق دستوري ونحن مبدئياً مع اجرائها، والاهم بالنسبة لنا هو توفير الاجواء والمستلزمات الطبيعية لتنفيذها، من تعديل للقانون الجائر لانتخاب مجلس النواب والذي ردت المحكمة الاتحادية بعض مواده، واعادة تشكيل للمفوضية، الى تفعيل قانون الاحزاب وضمان الاشراف الدولي الفعال على اجراء الانتخابات، فضلاً عما يجب توفيره من اجواء سياسية مناسبة لاجرائها بمشاركة اوسع جماهير الشعب.
وفي شأن ما يطرح الآن من اقتراحات للتأجيل او دمج انتخابات مجالس المحافظات مع انتخابات مجلس النواب، نرى ان الاهم هو ضمان اجراء الانتخابات بنزاهة وعلى وفق قانون عادل. اما وضع موعد اجرائها نهبا للنوايا والالاعيب السياسية من قبل القوى المتنفذة، فهذا مؤشر سلبي يعكس اصرار تلك القوى على عدم اجراء الانتخابات بنزاهة وعدالة.
من جانب آخر نحن نسعى مبدئياً الى تشكيل تحالف مدني ديمقراطي واسع، لعل من المبكر تسمية اطرافه وعناصره. لكن الاساس هو ان يتم الاتفاق على برنامج واضح والتزامات صريحة، تأخذ من التجربة السابقة دروساً صحيحة وبما يؤمن استمرار التحالف في الدفاع عن مصالح ناخبيه ومراعاة الالتزام امام مختلف اطرافه.
علاقاتنا تحكمها اجواء الثقة والتعاون والعمل المشترك
 آلية العلاقة مع الرفاق في الحزب الشيوعي الكردستاني هي اليوم موضع نقاش، ماذا عن الناضج في هذا الشأن؟
 ستبقى علاقتنا برفاقنا في الحزب الشيوعي الكردستاني محكومة بأواصر التاريخ المشترك والروح الاممية والنضال الموحد من اجل مصالح الشعب والشغيلة. وسنطور في مؤتمرنا المقبل آليات لتحقيق ذلك تبعا لتطورات الواقع الاداري والسياسي في الدولة العراقية، وبالارتباط مع احكام قانون الاحزاب الجديد، حيث ستقوم اللجنتان المركزيتان للشيوعي العراقي والشيوعي الكردستاني بوضع الآليات الكفيلة بتعزيز الثقة والتعاون والعمل المشترك، واستلهام دروس التجربة السابقة وتجاوز الثغرات التي واجهتها.
لا نسعى الى البهرجة واللهاث وراء الموضة
 كيف تتوقعون ان يجد التجديد والديمقراطية طريقهما الى اروقة المؤتمر الوطني العاشر؟
 الديمقراطية والتجديد قانون اساسي في حياة الحزب، فلا يمكن للحزب الا ان يرتقي الى مستوى تطورات الواقع الاجتماعي والسياسي في البلد والعالم، والا ان يلاحق هذه التطورات ويسعى الى تغيير واقعه لكي يكون مواكباً لروح العصر ومتطلباته الجديدة.
وسيكون مؤتمرنا الوطني العاشر محطة اخرى على هذا النهج. وسيشهد المؤتمر الذي بدأ التحضير له بنفس جديد، عبر اشراك واسع للرفاق والجماهير في صياغة وتدقيق وثائقه في مناقشة علنية ضمن الممكن المتاح، وبروح الرغبة الصادقة في تفعيل العقل الجماعي، نقول: سيشهد اولا تطوير وتدقيق خطابه السياسي بما ينسجم مع التطورات الحاصلة في البلد، ومتطلبات اساليب النضال الجديدة التي اعتمدها. كما سيجري اغناء وتطوير رؤى الحزب لبرنامجه، وتطوير وتدقيق نظامه الداخلي بما يؤصل الديمقراطية ويستلهم التجربة العملية التي عاشها الحزب ويعيشها في ظل الظروف القائمة في البلد. وهذا يعني تدقيق شعاراته واغناء طروحاته الفكرية، فضلا عن تطوير اساليب عمله وصياغة آليات جديدة تضمن فعالية هيكله استجابة للظروف الجديدة. وسيعمل الحزب وفقا للتقاليد الراسخة منذ مؤتمره الخامس عام 1993 على تجديد قيادته ورفدها بالدماء الجديدة، وسيحتفظ في هذا المؤتمر بالصيغة التحفيزية لمشاركة النساء والشباب وحثهم على المشاركة في قيادته عبر الكوتا. وسيتم ذلك كله بمسؤولية وبدراسة حصيفة، بعيدا عن البهرجة ونزعة الاستنساخ واللهاث وراء المودة.
طموح الشيوعيين لا حدود له
. وكلمة اخيرة ؟
لقد استكملنا التحضيرات لعقد المؤتمر الوطني العاشر وتفصلنا ايام قلائل عن موعد انعقاده، وكلنا ثقة بان المندوبين سيبررون ثقة رفاقهم الذين انتخبوهم بحرية وبملء ارادتهم، وان يشمروا عن سواعد الجد وينجزوا الفعالية بافضل النتائج، مقتدين بقيم الحزب وبضوابطه التنظيمية وبروح المسؤولية الشيوعية.
ان التفاؤل هو السائد، وقد انجزنا الكثير في السنوات الاربع الماضية وواجهنا صعوبات موضوعية غير قليلة، وعانينا من نواقص قابلة للمعالجة. لكن المنجز لا يلبي طموحنا، الذي لا حدود له.
والامل كل الامل في ان يحقق المؤتمر مهامه بفضل الحرص الشيوعي، والتفاف رفاق الحزب ودعمهم واسنادهم لتوجهاته، عبر تحويلها الى ممارسة فعلية، كذلك باسناد اصدقاء الحزب وجماهير الشعب.
وهذا هو ما يدفعنا الى التفاؤل والثقة بنجاح المؤتمر.