اعمدة طريق الشعب

كي لا تتكرر تجربة الصنم ! / محمد عبد الرحمن

في مثل هذه الايام قبل 13 عاما سقط الصنم ، وتحرر العراق من قبضة الدكتاتورية . فيوم 9 نيسان 2003 ، يوم فاصل . وقد عقدت الامال الكبيرة والعريضة على ما يليه . فهل خابت آمال العراقيين ؟
نعم، لم يتحقق بعد ما تطلع له العراقيون وتحملوا من اجله جور وظلم صدام وطغمته وعنجهيته وغطرسته ، بما سببته للعراق من تأخر فظيع وتخلف وحصار ، ومن سقوط الالاف في حروب عبثية لا ناقة لشعبنا فيها ولا جمل ، وتخريب طال المجتمع .
لم يكن مسار الاحداث بعيدا عن طريقة الخلاص من النظام المقبور ، عبر الحرب والاحتلال ، وتبني المحتلون ، ولا زالوا ، منهجا خاطئا يقوم على إبقاء العراق يبدو موحدا شكليا ، فيما هو هش وضعيف في تماسكه الداخلي ، ونعني بذلك منهج التوافق الذي هو في ترجمته العملية والفعلية محاصصة طائفية – اثنية ، واضعاف للمواطنة العراقية وتشجيع لكل النعرات والنزعات الفرعية والجزئية والعشائرية والمناطقية والاثنية التي تدفع بها الى الوراء ، في مسعى مقصود وواضح الاهداف ، ومن بينها الحؤول دون قيام تيار وطني عراقي عابر للطوائف والمكونات .
وزاد الطين بلة ان جميع الكتل المتنفذة ، وخاصة تلك التي يقول اصحابها انهم يمثلون طوائف وقوميات ومكونات، قد استمرؤوا هذا النهج وركنوا اليه ، ووجدوا فيه ظالتهم التي تديم لهم ما حصلوا ويحصلون عليه من مواقع ونفوذ واموال ، ومناصب لم تكن تراود البعض حتى في الاحلام ، فكيف يتنازل عنها ؟ وهؤلاء لا يخجلون من انتقاد هذا النهج ، وعلى رؤوس الاشهاد ، فيما هم يقاتلون من اجل ديمومته غير عابئين بما جلبه من دمار واذى ومآس وفساد .
و لا تكتمل قطعا صورة المشهد من دون الاشارة الى ان البعض قد ناصب التغيير العداء منذ الوهلة الاولى ، ولم يكتف بالمعارضة السياسية ، بل تجاوزها لاجئا الى العنف والارهاب ، وتأجيج المشاعر والنزعات والحساسيات الطائفية والتخندق العنصري والشوفيني . في حين اسهم سوء الادارة وقصر النظر ، والتفكير السطحي العقيم للعديد من الحكام وتغليبهم مصالحهم الذاتية الانانية الضيقة، والمكاسب السياسية والحزبية الضيقة ، في توسيع دائرة الاعاقة والكبح والتخريب من جانب هؤلاء المعادين التقليديين للعملية السياسية منذ انطلاقتها . وتطور الامر لاحقا ، بفعل عوامل عدة ، الى تمكين داعش الارهابي من احتلال ثلث اراضينا في هزيمة سياسية – عسكرية مدوية ، لا يخفى المسؤولون عنها الذين لا زالوا يصولون ويجولون ، ويريدون مواقع جديدة في نظام حكم المحاصصة .
على ان للتدخلات الخارجية ، الاقليمية والدولية ، دورها الكابح والمعرقل لنهوض مشروع وطني ديمقراطي حقيقي ، جامع وعابر للطوائف ،سداه ولحمته الوطن ومصالح الشعب وبناء الدولة وتحويلها من مشروع الى واقع . دولة تتسع للكل ، مبنية على اساس مدني ، ومؤسسي وقانوني . وقد عظم من دور هذه التدخلات الخارجية ، سلوك القوى المتنفذة المتصارعة ذاتها ، التي ركنت الى داعميها الخارجيين صاغرة طيعة ، منفذة لاجندتها ، وضاربة عرض الحائط بكل المواثيق التي وقعتها عشية الحرب على بلادنا قبل 13 سنة وقصف مدنه ، متجاهلة روح الدستور التي تلاعبت بها هذه الكتل كثيرا وكيفتها ، بتواطؤ مع البعض في القضاء ، بما يخدم سلطانها ونفوذها وادامة فسادها والتغطية على رموزه وابطاله . وإن ما كشف في الايام الاخيرة ، يؤشر حجم الغاطس من الفساد .
هل ضاعت فرص وهدرت اموال ؟ هذا في حكم المؤكد ، والمطلوب هو ان لا يتواصل هذا المسلسل المدمر ، وان يقطع الطريق على هذا النهج الفاشل ، وان لا يسمح بتغييب الناس منعهم من بلورة عوامل الاستنهاض بعناوين مختلفة . فالممارسة العملية ما زالت الى اليوم تقول ان الحكام ، ومن وراءهم ، سادرون في غيهم ، وهم بحاجة الى صفعة قوية مؤثرة ، لن تاتي الا من جموع تدرك في الصميم مصالحها وتنتفض على واقعها المر الذي ادامته الكتل المتنفذة ، ولا يبدو انها على استعداد للنزول عن بغلة مصالحها .
في 9 نيسان تخلصنا من صنم ، فيما ما زال امام جماهير شعبنا الخلاص ممن يسعى الى تكرار تجربة الصنم ، وان اختلفت العناوين والدوافع ، عبر الضغط الجماهيري المفضي الى الاصلاح والتغيير الحقيقيين .