اعمدة طريق الشعب

مسؤولية الحراك الجماهيري كبرت الان / محمد عبد الرحمن

ما يحصل من تطورات سياسية يثير القلق، وهناك مخاوف جدية من ان تُدفع مسالة الاصلاح الى الوراء وسط سوء ادارة وصراخ وهيجان وتشبث بالمصالح والمواقع . فهل حراك النواب الاخير يصب في مجرى المطالبة العامة بالاصلاح والتغيير والخلاص من المحاصصة ؟ هذا ما نأمله ونريده، رغم ان من يبادر الى الحراك داخل مجلس النواب ، هم مجموعة غير متجانسة من النواب ، ولأفرادها دوافعهم المختلفة. فالى جانب من وقف وساند المتظاهرين والمعتصمين في حراكهم ومطالبهم، يعتصم ايضاً من عارض التظاهرات وقمعها في سنة 2011 . كذلك انكر الحق في الاعتصام في 2016، وعده غير قانوني قائلاً ان الدستور لم ينبس بكلمة واحدة عن الاعتصام ، وانه بالنسبة له من الحرام والكبائر ، واذا به يشارك بحماس في اعتصام النواب!
على ان اعتصام النواب لا يجب ان يؤخذ بجريرة البعض الذين طالب المتظاهرون والمعتصمون باحالتهم الى القضاء، جراء ما اثير ضدهم وما اعترفوا به هم من تلقيهم للرشى ، وجراء الفشل الذي رافق البعض منهم عند توليه مسؤولية الوظيفة العامة. فحراك النواب ليس بمعزل عن كل ما آلت اليه الامور في بلدنا من تعقيد، جراء المماطلة والتسويف والاستهتار بمطالب الناس، والتشبث بالمحاصصة حتى وان احترق البلد . وهو قد احترق فعلا في حزيران 2014 ، وما زال ابطال الهزيمة العسكرية والامنية يصولون ويجولون، واصبحوا الآن بقدرة قادر من المحرضين والداعين الى الاعتصام والاصلاح!
نعم نشهد خلطا رهيبا في الاوراق. لكن ما خرج الناس من اجله في 2011 ، وتواصل في تموز 2015 ، فيه من الوضوح ما يوجب التمسك به ومواصلته ، وكل زيادة عليه في سياقه ووجهته ستكون اضافة لا بد من الترحيب بها . فالتظاهرات ولاحقا الاعتصامات قالت بالاصلاح السياسي والقضائي ، ومحاربة الفساد ، وتوفير الخدمات والعيش اللائق للمواطنين ، وهي مطالب لا زالت قائمة وتنتظر من يبادر الى وضع خارطة طريق لملاقاتها والعمل على تنفيذها .
ان من الواجب الهمس بآذان القوى المتشبثة بالمحاصصة والطائفية السياسية ، ومسمياتها المهذبة الاخرى، بان الامور سارت بغير ما تريد وتشتهي، وقد تدفقت مياه جديدة الى مسار العملية السياسية ، وعليها التعامل بواقعية ان هي حقا كما تدعي تريد مصلحة الوطن ، لا مصالح احزابها وكتلها السياسية ، المغلفة والمسوقة الى الناس على انها مصلحة الطائفة او المذهب او المكون او القومية . فالاصرار على التمسك بما هو فاشل ، هو الفشل بعينه ، وهو اسهام في دفع الامور الى نقطة اللاعودة ، ودفع مسارات الاحداث وتطوراتها نحو أسوأ الاحتمالات ، بما يصاحبها من فراغ كبير ، في وقت تخوض فيه بلادنا حربها الوطنية ضد الارهاب وداعش.
ولا شك ان ادارة مجمل العملية ، ومسارات الاصلاح ، والتجاوب مع مطالب المتظاهرين والمعتصمين ، عليه الكثير من الملاحظات الجدية. فلا يمكن ان يتحقق اختراق في اتجاه الاصلاح في ظل التردد والتوجس من اتخاذ اجراءات مستحقة ، لا خيار فيها ، بل ان البطء في ذلك هو موت سريري لكل فكرة اصلاحية. وتتحمل مسؤولية ذلك الرئاسات الثلاث بحكم مواقعها ومسؤوليتها الدستورية ، وفي المقدمة رئاسة الوزراء .
تقول التجربة ان الاصلاح الشامل لم يعد خيارا ، بل هو ضرورة للعبور ببلادنا الى شاطيء الامان والاستقرار وفتح فضاءات جديدة لتطورها اللاحق، وان اي تلكؤ في ذلك سيزيد الامور تعقيدا ، كما هو حاصل لحد الان . ما يوجب الكف عن الهروب الى امام وعن قيام كل جهة بالقاء تبعات ما يحصل على الآخرين.
ان المتحاصصين المتنفذين هم المسؤولون عن وضع بلادنا في هذا المأزق، وهم من يتوجب ان يتوجه اليهم اللوم والعتب والادانة والعزل، وافشال مراميهم المعارضة للاصلاح الحقيقي، وهو مطلب الناس وما تعول عليه لملاقاة طموحاتها وتطلعاتها .
في هذه اللحظات الحساسة يتوجب ايضا ، ان تكون بوصلة الاحتجاجات والحراك الجماهيري في اتجاه تحقيق ذلك ، والحذر كل الحذر، من تفتيت جهد المتظاهرين والمعتصمين وبعثرته ، ومما يمكن ان يلجا اليه اعداء الاصلاح من اثارة للحساسيات وتضخيم للاخطاء وحرف للشعارات والهبوط بها الى مستوى « فش الخواطر « والتنفيس ،وتجيير الحراك لصالح هذا الطرف او ذاك . فمسؤولية الحراك الجماهيري قد كبرت في ظل التطورات الراهنة ، ما يوجب الحفاظ عليه وتطويره وتنويع اشكال تجليه.