اعمدة طريق الشعب

نحو مراجعة جادة للسياسة الاستيرادية في العراق / ابراهيم المشهداني

خلال الفترة منذ التغيير في عام 2003 جرى اهمال حكومي واضح للسياسة الاستيرادية مما ادى الى حصول اختلال هيكلي في الميزان التجاري تاركا آثاره السلبية على عمليات التنمية الاقتصادية وحجم الاحتياطي النقدي ما يتطلب مراجعة جادة لهذه السياسة في الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العراق حاليا .
فالميزان التجاري في الادبيات الاقتصادية يمثل الفرق بين قيمة الواردات في بلد ما وفي وقت ما وبين قيمة الصادرات ،لذلك يعتبر هذا الميزان من المؤشرات الاقتصادية المهمة ليس فقط في قيمته المطلقة وانما في نوع مكوناته ويعد هذا النوع ايجابيا اذا كانت المواد الاولية الضرورية لعمليات الانتاج الجارية او نصف المصنعة هي المجسدة للاستيرادات . وتشير المعطيات المتوفرة الى ان الاستيرادات بعد التغيير في عام 2003 كانت مشبعة بالفوضى والارتباك ولم يكن للتخطيط والمتابعة الحكومية ومراقبتها اي وجود ما ادى الى خضوع السوق العراقية الى عملية اغراق فاعلة بسبب سياسة الانفتاح التي الزمت الحكومات العراقية المتعاقبة بانتهاجها بفعل ضغوطات اقتصادية وسياسية ، و ادى ذلك الى اشباع هذه السوق بكميات مفرطة من البضائع الرديئة ، يقابلها ضعف كبير في قيمة الصادرات اذا استثنينا صادرات البترول. وهذا متأت بالدرجة الاولى من اهمال القطاعات الانتاجية السلعية وتعرضها الى منافسة قوية من البضائع المستوردة ، وغياب الاجراءات الحمائية .
وتشير البيانات الاقتصادية المتاحة الى ان قيمة الاستيرادات للفترة من 2004 الى بداية 2011 ، بلغت 230 مليار دولار وهو رقم كبير جدا لبلد مثل العراق مما عزز من النزعة الاستهلاكية لدى المواطن وعرض الاقتصاد العراقي الذي يتصف بمناعة ضعيفة الى التأثر بالهزات الاقتصادية العالمية وغيرها من الامراض بما فيها ظاهرة التضخم ، وهذه السياسة تقف وراءها بالتأكيد منظومة تجارية مافيوية لها وجود مباشر في سلطة اتخاذ القرار او قريبة من اصحاب القرار .واستناد الى ما كشفه الدكتور مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء ، عن ان قيمة استيرادات العراق قد انخفضت بنسبة 20في المئة منذ عام 2014 ، بسبب انخفاض اسعار النفط وإتباع سياسة تقشفية قاسية ، اذا ما قيس بما سجل في عام 2013 بكونه اعلى معدل للاستيراد بلغت قيمته 75 مليار دولار، وحيث بلغت قيمة استيرادات القطاع الخاص بنحو 54 مليار دولار يقابله 21 مليار دولار للقطاع الحكومي وبذلك انخفض عموم الاستيراد بنسبة 30في المئة بعد عام 2013.
كل ذلك يستدعي من الحكومة العراقية مراجعة سياساتها السابقة بعيدا عن الموسمية ودخولها كمقرر اساسي في هذا الميدان تماشيا مع الظروف الصعبة التي تمر بها عملية التنمية الاقتصادية ، والعمل على وضع استراتيجية جديدة قائمة على دراسة علمية لواقع السوق وحاجاته الملموسة من البضائع ، وإتباع منظومة من الاجراءات نذكر منها ما يلي :
• تطبيق القوانين المنظمة للاستيراد ومنها قوانين التقييس والسيطرة النوعية وقانون حماية المنتجات الوطنية رقم 11 لسنة 2010 وقانون حماية المستهلك رقم 1 لسنة 2014 وقانون منع الاحتكار رقم 14 لسنة 2010 .
• العودة الى نظام منح اجازات الاستيراد ووضع حد للفوضى في استيراد البضائع في ضوء حاجة السوق وعوامل العرض والطلب وعلى ضوء البرنامج الاقتصادي للحكومي .
• توحيد الجهات المسئولة عن دخول البضائع والتنسيق بين الدوائر الكمركية من اجل كبح ظاهرة الفساد المتوطنة في هذه الدوائر تاريخيا .
• تطوير المنافذ الحدودية باستخدام نظام الشباك الواحد لإجراءات التخليص الكمركي مع اتباع اجراءات الربط الالكتروني لتوحيد التعليمات .
• التقيد بالروزنامة الزراعية التي تتحدد بموجبها الفترات التي يغلق فيها باب استيراد السلع الزراعية لأهم الفواكه والخضروات التي يحتاجها الطلب في السوق .