اعمدة طريق الشعب

ستراتيجية منتصف الطريق والطموح الشعبي / مرتضى عبد الحميد

لله درّكم ايها العراقيون، فمصائبكم لا تأتي فرادى وانما بالجملة، رغم انكم الأذكى بين العرب، وتتربعون بجدارة في الموقع (19) عالمياً في ميدان الذكاء الانساني، كما اقرته واعترفت به منظمات ومعاهد بحوث عالمية مرموقة، ولأكثر من مرة، ولديكم من اسباب الغنى ما يعد فاحشاً بالمعايير الموضوعية والعالمية. كما لديكم عمق حضاري تتباهى به البشرية، وينساه المتسلطون على رقابكم، والخائضون حتى رؤوسهم في مستنقع الحزبية الضيقة والطائفية والعرقية، فأي قدر يناصبكم العداء؟ وأي حظٍ يلبس ثوب الجفاء؟
بيد ان الحياة لها قوانينها الصارمة، وللتاريخ سطوته وبالتالي فان شعباً في مثل هذه المواصفات لن تستطيع ان تقهره أية قوة على الارض وسيظل متشبهاً بطائر العنقاء الذي ينهض من تحت الرماد، ليعيد اكتشاف نفسه من جديد، ويبني بلده من جديد على اسس المحبة والتسامح والحياة الحرة الكريمة، كما هو شأنه في كل حقب التاريخ السود التي مرت به.
لم يعد التزييف والتجهيل المتعمد نافعاً، ولا حرف انتباه الناس اتجاه الهويات المتشظية باعتبارها الحصن المنيع للقوى السياسية والكتل المتنفذة، مدركين ان فاقد الشيء لا يعطيه. وبالتالي لا تستطيع هذه القوى المتحكمة بالرقاب وبالاذناب، ان تقدم شيئاً للعراقيين، غير هذه الطبخة المسمومة التي اوصلت العراق شعباً ووطناً الى الحضيض.
ان الوعي السياسي والمجتمعي بطيء التكوين بفعل قواعده وقوانينه الداخلية، لكنه يشبه بذرة القمح عندما تتوفر لها عوامل النمو، وتشرئب نحو الشمس، سرعان ما تعتلي سطح الارض، وتطرح ثمارها لمن يحصدون. وهذا هو حال شعبنا وجماهيرنا، التي انطلقت في تظاهراتها الواسعة، وفي حراكها الجماهيري المتنوع منذ ثمانية اشهر ويزيد، دون ان يفت في عضدها الصعود والنزول في عدد المتظاهرين، ودون ان تتمكن منها خيبة الامل حيال انسحاب من دعمها وساندها واشترك معها، سواء بالنصيحة والموقف او بشكل مباشر، واضاف لحراكها اضافة نوعية. لكنهم مع الأسف الشديد توقفوا في منتصف الطريق لغايات لا يعرفها الا اصحابها، تاركين الناس الذين وثقوا بهم في حيرة من امرهم، وعلامات الاستغراب تجلل نظراتهم.
ان الوعي المجتمعي الذي اطلقه الحراك الجماهيري له بعد مستقبلي زاهر، وهذا الرأي تشاطرنا فيه المرجعية ايضاً، لأن اسباب الحراك الشعبي والانتفاضة الجماهيرية ما زالت قائمة، ولا بد ان تتجدد وتتسع الى ان تحقق اهدافها كاملة غير منقوصة.
اما المتنفذون، الذين يضحكون الآن (في عبّهم) لأنهم استطاعوا ان يطيلوا حبل الكذب ويخلطوا الاوراق ويمارسوا التسويف والمماطلة، وعدم الاستجابة لمطالب ملايين العراقيين، يساعدهم في ذلك الربابنة الاقليميون والدوليون، فلا عاصم لهم من غضب الشعب، إذا لم يستجيبوا لطموحاته، ويحسنوا التعامل معه، عبر الخروج اولا وقبل كل شيء من مستنقع المحاصصة الطائفية- الاثنية الآسن، الذي سيفضي ان عاجلاً او آجلاً الى القضاء على الارهاب وعلى وجهه الثاني الفساد، وإرغام حيتانه وضفادعه على الانصياع إلى حكم الشعب، وتحقيق ما يصبو اليه من رغد العيش والمستقبل الواعد.