اعمدة طريق الشعب

مَتَاهَة الـ 28 !/ يوسف أبو الفوز

في بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، لم تهدأ الاصوات في مناقشة ومتابعة أخر التطورات في الازمة السياسية في البلاد. وكان الجميع متفقين على ان تشكيل حكومة كفاءات من ذوي النزاهة والاخلاص لقضية الوطن وللديمقراطية، ما هي الا خطوة اولى على طريق الاصلاح الشامل المطلوب. وكنت وجَلِيل نتداول أخر معلوماتنا حول قضية التحرك الجاري في الايام الأخيرة في الكونغرس الامريكي لاجل اصدار قانون يسمح بالملاحقة القضائية للمملكة العربية السعودية واتهامها بالتورط في الهجمات الارهابية التي شهدتها الولايات المتحدة الامريكية، في 11 ايلول 2001، في منهاتن ومقر وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون)، حيث سقط نتيجة هذه الاحداث 2973 ضحية و24 مفقودا، اضافة لالاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة.
هذا الامر دفع مسؤولين في العربية السعودية ــ كما تشير التقارير الصحفية ــ الى التلويح ببيع ما قيمته 750 مليار دولار من الاصول والاستثمارات السعودية في امريكا، وعزز توقعات المراقبين ببدء مرحلة جديدة من العلاقة بين الدولتين، تكون لغة الابتزاز هي السائدة فيها، ما تضمنه التقرير السنوي للخارجية الامريكية من اتهامات للحكومة السعودية بخرق مبادئ حقوق الانسان على عدة مستويات!
كان جَلِيل يبين ما يؤكده هذا من ان سياسات الدول تمليها مصالحها الستراتيجية وخططها للمدى البعيد فلا يوجد عندها حليف صديق ثابت. وكنت مهتما بما ذكرته وسائل الاعلام من ان اساس هذه الازمة، هو 28 صفحة سرية تم حجبها من تقرير اللجنة الخاصة بأحداث 11 ايلول، واطلع عليها الكونغرس مؤخرا. وتضمنت هذه الصفحات معلومات كافية عن تورط جهات في الحكومة السعودية بما في ذلك افراد من الاسرة الحاكمة.
كانت سُكينة تجلس قريبة منا، فقالت: ان صحت كل هذه التقارير، وحتى بعضها، فأن هذا الخلاف او العداء بين البلدين، بعد تحالف استراتيجي لحوالي ثمانية عقود، مكن العربية السعودية من ان تكون لاعبا مهما في احداث المنطقة، سواء في سوريا او اليمن او العراق، سيدخل المملكة في متاهة دفع التعويضات لذوي الضحايا، والتي ستكون باهظة بالنسبة إلى ميزانيتها ووضعها الاقتصادي والسياسي، ناهيكم عن الاضرار الاخرى.
سعل أَبُو سُكينة، ففهمنا انه كان يتابع احاديثنا فقال مباشرة لابنته: متاهة؟ تقولين متاهة؟ أي متاهة مع دولة نفطية غنية، يمكنها ببساطة ان تستجيب لسياسة الابتزاز وتفعل كل المطلوب منها لاجل ان تبقى داخل اللعبة ويحافظ الحاكمون على عروشهم؟ ان المتاهة الحقيقية يا أبنتي هي هنا، عندنا في بلادنا المنكوبة بداعش وماعش، حيث تجدين الفاسدين يحاولون حتى تزعم حركة الإصلاح لتسويفها وافراغها من محتواها. هنا المتاهة المرعبة حيث توجد في كل وزارة وكل مؤسسة 28 الف صفحة مفقودة لا يعرف بها الشعب!