اعمدة طريق الشعب

ويتواصل السعي الحثيث الى التغيير المنشود / جاسم الحلفي

يطلق تعبير «الاستعصاء» على حال انسداد الحلول امام العملية السياسية قبل يوم 31 تموز 2015، جراء بلوغ ازمة نظام الحكم مستوى خطيراً من التأزم، في وقت تفرد فيه المتنفذون في اللعب بمصير الشعب العراقي. حيث كان صراع المصالح في ما بينهم على اشده، وصاحب ذلك تدهور في الوضع الامني وتراجع في الخدمات فيما تردى الوضع المعيشي الى حد مزرٍ دون رؤية حل ما في الأفق. رافق ذلك فقدان الامل في تحرك الشارع العراقي لـ يقول كلمته تجاه هذه الاوضاع الشاذة.
وفور اطلاق شباب البصرة شعلة حركة الاحتجاج بعفوية واضحة، وبعد تعامل السلطات المحلية معهم بكل قسوة، حين استخدمت ضدهم الرصاص الحي، فاستشهد الشاب منتظر الحلفي، وجرح آخرون، انتظمت حركة الاحتجاج في اغلب محافظات العراق، فاتحة كوة امل كبيرة في قدرة الشعب العراقي على تغيير بنية نظام المحاصصة واصلاح الاوضاع.
صحيح ان التغيير المنشود لم يتحقق، لكن المسعى اليه لم يجهض، والحماسة لمواصلة الاحتجاج حتى بلوغ النتائج المرضية لا زالت متقدة، وها ان الاشهر تمضي ولم تتلكأ حركة الاحتجاج في رفع مطالبها العادلة والممكنة التحقيق. وقد استطاعت ان توجه الغضب العارم المضطرم في القلوب في حركة سلمية، لم تجرها الاستفزارات وكل التشويهات الى العنف، بل تم ترسيخ الكفاح اللاعنفي ليشكل ظاهرة مهمة.
صحيح ان مطالب عديدة كان يمكن ان تتحقق، في وقت أبكر، لكن ذلك لم يحدث لاسباب عديدة من بينها تأخر حركة الاحتجاج في توحيد مطالبها وبلورة اهدافها وتنظيم نفسها. وصحيح ايضا ان الحركة لم تتمكن لغاية الان من اجتذاب قطاعات مهمة من الشعب العراقي الى ساحة الاحتجاج، خاصة المتضررون من سياسات المحاصصة والفساد. وصحيح ان ناشطي حركة الاحتجاج وقعوا في سياق كفاحهم في اخطاء ما كان لهم ان يقعوا فيها. لكن صحيح ايضا ان طغمة المحاصصة والفساد كانت من القوة بحيث تمترست في كل مفاصل النظام السياسي، وسعت الى تأبيد وجودها في السلطة مستخدمة من اجل ذلك كل الامكانيات والوسائل.
ذلك كله وغيره لم يمكن طبعاً ان يضع الغشاوة على العيون، فلا تعود ترى قدرة حركة الاحتجاج على رفع مستوى المعركة مع رموز المحاصصة والفساد. وفي مجرى ذلك تحققت نجاحات غير قليلة، بحيث لم يعد مقبولاً القول ان « حالة الاستعصاء هي المهيمنة « حيث لم يبق احد لم يتحدث عن ضرورات الاصلاح والتغيير، ووضعهما كأولوية وفي عداد المتطلبات للخروج من الازمة. واصبح الصراع اليوم لا يدور حول القدرة على فرض التغيير والاصلاح، بل حول اتجاه التغيير والاصلاح وعمقهما وشكلهما.
لقد نجحت حركة الاحتجاج، من بين ما نجحت فيه، في تغيير طبيعة الصراع، من صراع بين زعماء كتل متنفذة على السلطة والمال والجاه والنفوذ والصفقات، الى معركة يخوضها الرأي العراقي برمته ضد المحاصصة والفساد.
ويتوهم من يعتقد ان المتنفذين وقادة الكتل المتشبثين بالكراسي ، والذين استحوذوا على القرار السياسي وعلى مقدرات الشعب، ونهبوا مليارات الدولارات، يمكن أزاحتهم بسهولة، أو ان يسلموا ما نهبوه ببساطة. ومخطئ من يعتقد ان ملفات الفساد سيتم فتحها بيسر ومن دون مقاومة كبار الفاسدين.
كذلك واهم من يتصور ان التغيير يمكن ان يحصل عبر جلسة برلمان تقر فيها تعديلات وزارية وتبديلات في الحقائب. فالتغيير هو رؤية ومشروع يبدأ بترسيخ المواطنة في بنية النظام. والتغيير لا يتم والفاسدون طلقاء احرار ولم تسترجع منهم الاموال العامة التي نهبوها. والتغيير لا يعني شيئاً للمواطن اذا لم يتلمس تحسناً في الخدمات، بدءاً بتوفير الامن والاستقرار، والكهرباء، المجاري، الماء، الطبابة، التعليم، كذلك العيش الكريم، والضمان الاجتماعي، والتقاعد الذي يحفظ الكرامة.
وإذ لم يتحقق شيء من هذا لغاية الآن، فان حركة الاحتجاج - موضوعيا وذاتيا - سائرة في كفاحها السلمي، مصرة على رفع مطالبه ومواصلة انشطتها المتنوعة، غير مبالية بالحملات التي يشنها رموز الطائفية والفساد ضدها.