اعمدة طريق الشعب

ضرورة سيطرة الدولة على أسعار الدواء / محمد موزان الجعيفري

تعمل الصيدليات في العراق على عكس القاعدة الاقتصادية المعروفة «اذا زاد العرض انخفض السعر». فهي رغم كثرتها اليوم في الشوارع والاحياء، إلا ان اسعار الدواء مرتفعه وفي تصاعد مستمر، وعندما تسأل عن السبب تسمع الجواب دائما «الدولار وما أدراك ما سعره وتأثيره!».
في الايام الاخيرة أشعلت نار الدولار الحرائق في اسعار السلع، وخاصة الضرورية التي تمس حياة المواطن، ومنها الادوية التي تأخذ حصة كبيرة من الميزانيات الشهرية للكثير من العائلات، وتتقدم على ما سواها (الحصص) لأنها تتعلق ببقاء الانسان على قيد الحياة. ولن يتفاجأ المواطن حينما يجد تذبذبا في الأسعار، فقد اعتاد على هذا الأمر، لكن الغرابة ان تتوافق الزيادة مع الحراك السياسي بشان الاصلاح، الذي ينبغي ان يحسن الاوضاع، لا أن يدخل البلاد في أزمة سياسية تلقي بضلالها على سعر الدولار، الذي ينعكس على حياة المواطن، بعد ان تدهورت كثيرا بسبب انخفاض أسعار النفط. والمفارقة في الموضوع ان الأسعار تبقى مرتفعة، حتى بعد حل الازمة التي كانت وراء ذلك، وعودة الدولار إلى ما كان عليه.
واذا كانت الدولة لا تستطيع انتاج ما يسد حاجة المواطن من السلع الضرورية، وخاصة الدواء، فهل هي غير قادرة على مراقبة الاسعار وضبطها بشكل يحقق مصلحة البائع والمشتري؟ فلا يجوز ان تترك السوق في مهب رياح تقلبات الظروف السياسية والازمات وامزجة التجار وجشع البعض منهم، او عدم تقديره لقيمة ما يتعامل به من سلع لها تأثير كبير على المواطن. وهناك حاجات ضرورية تتعلق بالحياة لم يكن امام المواطن غير ان يشبعها ويذعن في تنفيذ رغبات من يتحكم بأوضاعه، وخاصة الغذاء والدواء. لذا من الضروري أن تتدخل الدولة في تنظيم حركة السوق وتأمين تلك السلع، وحماية المواطن. وقد تضطر في حالات معينة الى ان تفتح شركات خاصة لبيع سلع جيدة من مناشئ وشركات عالمية، وتغلق تلك الدكاكين اذا جاز التعبير، عندما تتغير الظروف.
ان ضمان صحة المواطن، من اولى مهمات الدول المتطورة، التي تشمل برعايتها بني الإنسان، حتى إن كانوا من غير مواطنيها، وتتحمل كل تكاليف علاج المواطن أو نسبة معينة منه، وتعده جزءا من الضمان الصحي والاجتماعي. واليوم لم يعد تدهور الامن وحده الذي يؤرق المواطن، بل اصبح المرض هاجسا آخر يقلقه ايضا، ليس خوفا على صحته «وما أغلاها» بل بسبب ارتفاع اسعار الادوية وتكاليف مراجعة المستشفيات واجور الاطباء التي هي في زيادة مستمرة، وتكاليف العمليات الجراحية الباهظة وملحقاتها من السونارات والتحليلات المرضية، فهل يستطيع المواطن تحملها؟
الدواء كالغذاء حاجة أساسية، وليست كمالية، والرعاية الصحية في مقدمة المهمات الانسانية للدول، التي يجب أن تؤمنها لكل من يعيش على أرضها، وان لم يكن من مواطنيها.
وعليه لا بد من سيطرة الدولة على أسعار الدواء وضبطها، ومتابعة مناشئ الأدوية، وتفعيل دور الرقابة الصحية.