اعمدة طريق الشعب

رغم أنف القنفة ../ عبد السادة البصري

ما نشاهده ونسمعه من حراك ثقافي وإبداعي في البصرة شيءٌ مفرح جداً. فبين جلسة ثقافية وأخرى هناك ثالثة ، وبين معرض وآخر هناك معرض أيضا. وإذا استثنينا النشاط الأسبوعي لاتحاد أدباء البصرة ، وملتقى جيكور الثقافي ، وملتقى الأمل الابداعي ، والتجمع الثقافي الحديث ،وجمعية التشكيليين ، نجد أن هناك نشاطاً آخر يقوم به الشباب من فنانين مسرحيين وسينمائيين وشعراء ، إضافة إلى نشاطات منظمة البصرة للثقافة ونقابة الفنانين و جماعة آنو السينمائية وأنكيدو المسرحية.
قبل أيام أقامت نقابة الفنانين في البصرة ملتقى مسرحياً للشباب قدمت فيه ثلاثة عروض هي (أف ..أم ) و( تنقيط) و(كلاش) أبدع في تأليفها وإخراجها وتمثيلها شباب واعدون بحيث قدموا عروضاً تحاكي الواقع العراقي للشباب، برصدهم ما يحدث من تمزق وضياع وتخبط في حياتهم التي تكتنفها الأزمات العاصفة بالبلاد من فساد وأزمات مالية وأمنية ونزيف دم. تحدث هؤلاء الفتية عن معاناة الشباب العراقي وما يلاقيه من تحطم آمال ومستقبل مجهول إثر رؤيتهم مسؤولين لم يفكروا بالناس والبلاد بقدر تفكيرهم بمصالحهم وكراسيهم وقنفات قاعاتهم. حتى صرخ أحد الممثلين في إحدى المسرحيات قائلاً : « مَن لم يمت بالسيف .. ماتَ بقنفة «!، صرخة يائس لما شاهده من عدم اهتمام واكتراث بالوطن وأرواح الناس بقدر الاهتمام والتأسي الذي أبداه المسؤولون على قنفة، واعتبروها الهيبة الكبرى للبلاد والعباد متناسين نزيف الدم الذي لم ينقطع لحظة. فالإرهاب وعصابات داعش التي غزت بعض مدننا وقتلت وسبت وشردت الآلاف من أبنائنا ونسائنا وأطفالنا لم تهدد هيبة البلاد وتضعها في الوحل ، والفساد المالي والإداري الذي نخر وينخر بالاقتصاد والحياة العراقية لم يهدد هيبة الدولة ، والتجاوزات الأجنبية والعربية على بعض أراضينا والتدخل في شؤوننا لم تهدد هيبة الدولة ، وكأن ما جرى ويجري في وادٍ، وقنفة ليس لها أهمية في وادٍ آخر..، فهيبة الدولة وعنفوانها وكرامتها وكبرياؤها وحياة شعبها مرتبطة بهذه القنفة فقط!
لهذا صرخ الشباب المسرحي محوّراً البيت الشعري المعروف: مَن لم يمت بالسيف ..ماتَ بــ قنفة، بحيث صنع من وقفة المسؤولين عند القنفة وحديثهم عن هيبة الدولة من خلالها جملة تحمل رغم سخريتها كل وجع العراقيين .
الإبداع الثقافي والفني الذي يقدمه المثقفون من أدباء وفنانين في ظرف عصيبٍ جداً، هو صرخة وبصوت واحد في وجه الفساد والخراب بكل أشكاله.
رغم أنف القنفة وما لها وما عليها نصنع الحياة والجمال ونفتح نوافذ للنور والفرح في كل مكان.