اعمدة طريق الشعب

قيود على الأجازة الصحية .. تفضي الى الفساد! / د. سلام يوسف

التعليمات النافذة والتي يجب أن يطبقها ذوو العلاقة، تقول بالحصول على الاجازة الصحية كأحد أهم شروط مزاولة العمل في أي مرفق من مرافق المجتمع ذات الاستعمال والارتياد المشترك من قبل الناس(المطاعم، الفنادق، المسابح، الحمامات، محلات بيع المواد الغذائية، المخابز والأفران، القصابين، صالونات الحلاقة، الباعة الجوالين، معامل أنتاج المواد الغذائية والمرطبات والثلج ...الخ)، والتي يمكن أن تكون بؤرة لانتقال الجراثيم والملوثات مسببة عددا من الأمراض وأخطرها الأمراض الانتقالية كالكوليرا وحمى التايفوئيد والتهاب الكبد الفايروسي وحمى مالطا وغيرها والتي تنتقل وباستمرار بواسطة حاملي تلك الأمراض.
والاجازة الصحية تتطلب بناء المحلات والأفران بموجب مواصفات حددها القانون، إضافة الى إجراءات الفحص الطبي للعاملين في تلك المرافق والتي تشمل فحص الإدرار والخروج ومسحة الأنف وأشعة الصدر، وكذلك تقوم الجهة المسؤولة في الرقابة الصحية بإقامة دورات تثقيفية إرشادية توعوية لهؤلاء العاملين، يمنحون بعدها شهادة صحية وهي عبارة عن جواز مرور لهم للتعامل والتعاطي مع المواد الغذائية سواء في إعداد أو تحضير أو تقديم الطعام.
وهذه الإجازة التي تمنحها الرقابة الصحية يجب أن تتجدد كل سنة مع إعادة الفحص الطبي كل سنة أيضاً، سواء للقدماء أم للجدد من العاملين، وان مخالفة هذا الشرط تعد مخالفة يحاسب عليها القانون.
إن الاجازة الصحية هي بروتوكول رسمي يحمي به ذوو الشأن أنفسهم وكذلك يحمون به المجتمع، وهي بحق واجب وطني وانساني بامتياز.
وللأمانة نقول، أن المعنيين بالأمر وهم أصحاب العلاقة، ملتزمون بهذه التعليمات والضوابط، وكذلك فان الفرق الصحية من واجبها متابعة الشروط والظروف الصحية إضافة الى التأكد من تجديد الاجازة الصحية، ولكن ... ولكن، ما حصل في الآونة الأخيرة واستناداً الى قرارات عممتها أمانة مجلس الوزراء، فقد تم ربط منح أو تجديد الأجازة (1) بالهيأة العامة للضرائب(لغرض المحاسبة الضريبية من قبل صاحب العمل) و(2) بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية (لغرض إجراءات الضمان الاجتماعي للعاملين) وكذلك (3) بأمانة بغداد أو ما يقابلها في المحافظات (في حالة فتح المحل لأول مرة).
إن هذا الربط قد تسبب في عرقلة تجديد الاجازات الصحية لسببين، الأول التهرب الضريبي من قبل أصحاب العلاقة، والثاني الفترة الزمنية التي تحتاجها مراجعة الضريبة والضمان الاجتماعي رغم أهمية هذا الأجراء في ضمان حقوق العامل، وبالتالي حصل تأخير(لأشهر عدة) في منح الاجازة الصحية مما يعني فقدان بوصلة التعامل مع البؤر التي من الممكن ان تكون مصدراً للتلوث، ناهيك عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تحصل.
هذا من جانب ومن الجانب الأخر الذي يوازي السلبية الأولى، هو فتح منافذ جديدة للفساد، فالمساومات على أشدها في دوائر (حكومية) تفترس المواطن بشكل مباشر او بواسطة الطفيليين الذين ينتعشون وينشطرون الى أضعاف أعدادهم في مثل هذه الظروف، وقد جاءتهم هدية من السماء!
لقد أخطأت الجهات المسؤولة مرتين، الأولى حينما أحالت الجهات الرقابية الصحية الى جسر تعبر عليه الدوائر الأخرى وبعيداً عن مهامها الوطنية في خدمة صحة المجتمع، والثانية حينما اعتقدت خطأ بأنها تحاصر ذوي المهن المختلفة ضريبياً عن طريق الأجازة الصحية ولكن (إن كانت تعلم أو لا) فأنها قد أشرعت الأبواب في وجه الفساد والسمسرة والتفسخ والانحلال الخلقي الوظيفي.
إن الحل الأمثل وللمحافظة على حقوق كافة الأطراف هو (التخفيف) من شدّة هذا الأرتباط بأجراءات تسهّل الحصول على أجازة ممارسة المهنة، كإبراز وصل أو ما شابهه يثبت مراجعة صاحب الشأن أنه ماضٍ في معاملته مما يساعد الرقابة الصحية على منحه أجازة ممارسة العمل.