اعمدة طريق الشعب

سنتان موصليتان / قيس قاسم العجرش

هل تعرفون ما هو أخطر من احتلال تنظيم داعش للموصل؟. الأخطر هو أن النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، (قبِلَ) بشكل ما وجود كيان مارق على الحضارة والمبادئ. وتعامل مع وجوده بشيء من الخبث ورعاية المصالح الذاتية وتحرّي المصالح السياسية قبل أن يستهدف بصراحة وبلا مواربة وجود هذا الكيان اللاانساني.
لقد اجتمعت دول العالم بقيادة الولايات المتحدة عام 1990 لطرد غزو الدكتاتور لدولة الكويت. ليس لأن الكويت مليئة بالنفط، أو لأنها دولة غنيّة(هذه أسباب غير كافية)، إنما السبب الأول هو أن النظام العالمي المُتعارف عليه والمُتفق عليه والمتوازن والذي كانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أهم ركائزه، هذا النظام لا يتحمّل أن يرى حماقات دكتاتور أهوّج وهو يغير قواعد التعامل الدولي، ويبتلع دولة موجودة في هذا النظام ولها مكانة مهمّة. كان السؤال المُلح على الدول العظمى ينحصر في التالي: كيف سيكون شكل العالم لو إننا سكتنا على ابتلاع صدام للكويت؟.
وهنا بدأت الولايات المتحدة، في عصر القطب الواحد ما بعد عام 1991، بدأت تروّج لـلحرب ضد(محور الشر)، وخلاصته أن هناك دولاً لا يجب على الأمم العظمى أن تلعب معها العاباً سياسية في مقابل علاقتها مع الدول العظمى الأخرى. يعني أن واشنطن لا تمانع بعلاقات ايران مع الصين مثلاً، لكنها لا ترضى بأن يكون هذا الملف (عظم سمك) في العلاقات الصينية الأميركية. ولن تقبل ان تبتلع ايران أيّاً من جيرانها. وفي مؤتمر بون 2001 حول افغانستان عرضت طهران المساعدة في استقرار أفغانستان، لكن واشنطن رفضت، فهي ترفض ان تستعين بدولة من محور الشر ضد محور شر آخر(حركة طالبان)، وهكذا.
الأمور كلها انشرخت مع ظهور داعش واحتلال الموصل. لم تتمكن الولايات المتحدة من منع ظهور غول شيطاني يكسر هيبة النظام العالمي بمعونة اقليمية واضحة من تركيا وغيرها. ووقفت تتفرج حائرة. ثم بدأت عولمة موازية تتمثل في دخول داعش الى سوق النفط وان كان بنسبٍ بسيطة، لكنها في النهاية تجارة وهناك مشترون دوليون. ورفضت واشنطن مرّة اخرى التعاون مع طهران في هذا الملف، لأنها لا تريد أن تسيء لعلاقاتها مع الخليج.
ووسط هذا البحر من المصالح، مرّت سنتان موصليّتان حزينتان جداً، يحاول خلالها العراقيون استعادة اراضيهم ألا ان ثمنها يرتفع يومياً بأسعار الدم. وهو ما لم يترك اي خيار آخر أمامهم....لا خيار إلا محاربة داعش.