اعمدة طريق الشعب

حذارِ من فِخاخ المعادين للإصلاح / مرتضى عبد الحميد

لم يكن الحراك الجماهيري المنطلق منذ نهاية تموز الماضي، مفاجئاً، أو مقطوع الجذور، بل أنها ممتدة عميقا في تاريخ العراق، الموغل في القدم، وفي التراث الثوري لشعبنا المضام، فانتفاضات العراقيين وهباتهم الجماهيرية لم يهدأ أوارها، ولم تنطفأ جمراتها على مدى عقود طويلة.
وفي العصر الحديث، كانت ثورة العشرين هي المبتدى، والقاطرة التي جعلت من رفض العراقيين للظلم والجور من أين أتى، حافزا لعدم السكوت، أو القبول بالأمر الواقع، وبالتالي استحالة ترويضهم حسب مشيئة الحاكم وجلاوزته.
وعندما بدأ الحراك، يثبت أقدامه في الحياة السياسية العراقية، ويصبح إحدى حقائقها وتجلياتها، بحيث لا يمكن تجاهله أو إنكاره، وتحول بمرور الوقت إلى بؤرة رئيسية من بؤر الاستقطاب الجماهيري، فاتحاً ذراعيه لاستقطاب قوى جديدة، ديمقراطية، وإسلامية معتدلة، ومستقلة، وعلى الأرضية التي انطلق منها، بشعاراته السلمية، المدنية، والوطنية، راح بندول الشر يتحرك يمينا وشمالا في نفوس المعادين للإصلاح والتغيير، دافعاً بهم إلى الاصطفاف سوية رغم خلافاتهم في كل شيء وان كان تافهاً، من اجل وأد هذا الوليد وهو في مهده، عن طريق الإشاعات والطعون التي ما أنزل الله بها من سلطان، من قبيل أن المتظاهرين والمعتصمين سيؤثرون سلباً على الجهد العسكري ضد «داعش» والإرهاب، ولا حقاً بأنهم بعثيون و» ان لم ينتموا «، ومندسون يجب لفظهم، والاقتصاص منهم.
لكن فألهم خاب وأملهم نضب، فتداولوا مجدداً بحرصٍ، لا يدانيه سوى حرصهم على توسيع جيوبهم، لتستوعب المزيد من السحت الحرام، بغية إجهاض حركة الاحتجاج، وهي المضمونة دستورياً، والمتفق عليها حتى من حراس الطائفية والهويات الفرعية الأخرى.
وقد تفتقت الأذهان الحبلى بالمكائد والخداع، عن خطة مفخخة يستطيعون بها استدراج المتظاهرين السلميين إلى دائرة العنف، خصوصاً بعد الدخول الثاني للبرلمان، والوصول إلى مكتب رئيس الوزراء، ليتطاير الرصاص المطاطي والحي، وليسقط شهيدان، ويصاب العشرات بجروح بعضها خطيرة، في رسالة بالغة السوء للمساهمين في الحراك الجماهيري.
ولهذا لم يكن بعض المتظاهرين موفقين يوم الثلاثاء الفائت ببيانهم المليء بكلمات تشمُّ منها رائحة التصعيد، وشعارات لا رصيد لها على أرض الواقع، مما يوفر الذريعة لأعداء الإصلاح، لكي يواصلوا نهجهم اللئيم في التصدي للحراك الجماهيري والسعي لقمعه والانتهاء منه بأقسى ما يستطيعون.
كما أن الأعمال المتهورة والبعيدة عن الديمقراطية، بعد الشباب عن رجل يزحف نحو التسعين والمتمثلة بمهاجمة مقرات الأحزاب وإغلاقها عنوة، والتي يبدو أنها تصفية حسابات بين الأحزاب الإسلامية ذاتها ستوفر فرصة أضافية للتضييق على المشاركين في الحراك الجماهيري.
ربما فات بعض الأخوة من مناضلي الحراك الجماهيري، أن استخدام العنف أو الانجرار وراء بعض المغامرين والعاطفيين، وحديثي العمل في السياسة، هو مقتل الحراك ونهايته، الأمر الذي يريده ويتمناه كل المعادين لعملية الإصلاح والتغيير، ليمارسوا «شجاعتهم» ضد المتظاهرين والمعتصمين العزل، وتكرار ما قاموا به في العشرين من مايس الماضي، وقد يخططون لما هو أسوأ منه.
ما يفرح وسط هذا الحزن المقيم بين ظهرانينا، أن أغلبية نشطاء الحراك، قد انتبهوا إلى هذه الفخاخ، وهم عازمون على إفشالها، بالمحافظة على سلمية حراكهم، ومدنيته، والسير به قدما إلى حيث يحققون أهدافهم النبيلة في أصلاح العملية السياسية، وكنس الفاسدين فيها، وما أكثرهم!