اعمدة طريق الشعب

بين التجهيل والتغليس! / ياسر السالم

في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، أي بعد حوالي أربعة أشهر من انطلاق الحراك الاحتجاجي، دُعيت إلى مجلس النواب لمناقشة مسودة قانون تعده لجنة حقوق الإنسان، فأوقفني نائب من التحالف الوطني في صالة مبنى المجلس وسألني: صارلكم أسابيع تتظاهرون وما فهمنا شنو مطالبكم؟!
فأجبته مبتسماً: ما عدنه مطالب طالعين نتونس !
هكذا واجهت السلطة التظاهرات في أشهرها الأولى، بعدما رفع المحتجون سقف المطالب إلى إصلاح النظام: تجهيل المطالب..
رغم أن ورقة المطالب العشرة، التي أُعدت في حينها، سُلمت إلى الرئاسات الثلاث ونُشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام.
وعلى مدار عام كامل، توشك حركة الاحتجاج على اختتامه، منذ انطلاقتها في 31 تموز 2015، استخدمت السلطة بمؤسساتها الرئيسة التنفيذية والتشريعية، وبالطبع أحزاب السلطة، كل أشكال المراوغة والتسويف من أجل عدم الاستجابة لأي مطلب.
وبأسلوب (خطوة إلى الأمام.. خطوتان إلى الوراء) اتُخذت كل القرارات والإجراءات التي يسميها رئيس الوزراء وآخرون «إصلاحات».
والنتيجة كانت عكس ما تتمناها «جبهة المحاصصة»، بكل فصائلها السياسية وعلى اختلافات قادتها المتنفذين: توسع الغضب الشعبي بدلا من انحساره.
والآن.. نفذت ذخيرة التحايل لدى المتنفذين، لكن لم تنفُذ طاقة الحراك.
فدعوة مجلس الوزراء الأخيرة الى تأجيل التظاهرات، بحجة «عدم إرباك الوضع الأمني» و»تعطيل خطط التحرير».. أشبه باستخدام ذخيرة تالفة. فقد استخدمت هذه الحجة أيام تحرير تكريت وبيجي والفلوجة.
فليس تدليساً أن نقول: كانت التظاهرات دافعاً للحكومة لعمليات تحرير الأراضي من دنس داعش. وفيما الحكومة والبرلمان غير راغبين أو قل عاجزان عن تحقيق الإصلاحات السياسية، فأنها تبحث عن مهرب يبعدها عن ملاحقيها.. ولعل المهرب الأكثر واقعية هو الانشغال بمقاتلة داعش!
وهذا فعلٌ حسِنْ.. لكنه يوضع بشكل غريب مقابل الإصلاحات!
لذا، يبدو أنه لم يعد أمام قادة السلطة سوى «التغلّيس» والهرب إلى الأمام.. هذا قد يكون شعارهم القادم.
وبما أن الحديث عن ذخيرة التحايل يطول، أطرح أخيراً سؤالا على رئيس الوزراء:
إذا كانت القوات كلها منشغلة في جبهات القتال، وليس لديك ما يكفي منها لحماية التظاهرات، كما كنت تقول حين تطلب تأجيل التظاهرات، فمن أين جاءت كل هذه القوات لتنظم استعراضاً عسكرياً؟!
غلّسوا !