اعمدة طريق الشعب

من " الخرمشة " الى التصدي الناجع / محمد عبد الرحمن

الهزات الارتدادية لجلسة مجلس النواب التي استجوب فيها وزير الدفاع خالد العبيدي، ما زالت تتفاعل وتزيح الستار عن مواقف مختلف القوى من الاستجواب العاصف ، ومن قضية محاربة الفساد بشكل عام .
ومن المؤكد ان حجم الفساد ليس في هذه المليوني دولار التي تحدث عنها العبيدي ، ولا في الصفقة التي قيل ان قيمتها تزيد عن ترليون دينار ، ولا في الفرق بين سعر " الهمر " الحقيقي والاخر الخيالي المحسوب مع الكوميشن كما قيل.
واستطرادا فان الفساد ليس محصورا في ما صرحت به المستجوبة ولا في ما قال به المستجوب. انه اوسع من هذا في وزارة الدفاع ذاتها، التي قالت تقارير هيئة النزاهة انها تاتي في مقدمة الوزارات التي يعشعش فيها الفساد . فماذا عن الصفقات الاخرى التي تخص هذه الوزارة، وقيل انها شابتها شبهات فساد منذ 2003 ؟ ومنها على سبيل المثال لا الحصر : الصفقة الصربية ، الصفقة التشيكية ، الصفقة الروسية ، اطعام الجيش ، كذلك قضية الفضائيين وفي اي جيب انتهت رواتبهم؟
على ان القاصي والداني يعرف جيدا ان الفساد مستشرٍ في كل مؤسسات الدولة ، ولا يمكن الحديث عن مؤسسة واحدة خالية منه، وهو يتجلى بصور واشكال عدة ، اضافة الى انه وجد موطئ قدم في المجتمع . اولم يعلن ذات مرة، مثلا، ان العديد من موظفي هيئة النزاهة يحملون شهادات مزورة ؟!
ولا يقتصر الامر على مؤسسات الدولة الاتحادية ، وزاراتٍ ومؤسسات ، مدنية وعسكرية ، بل هو يمتد الى المحافظات، حيث كشف الفساد والحديث عن ملفاته اصعب كثيرا بسبب عوامل عدة، منها نفوذ وتهديدات القوى السياسية المسلحة ، وتدخلات العشائر ، ونظام المحاصصة الفاعل الذي يقدم حمايته فورا وفي الحال !
والملفت في تاثير الاستجواب العاصف انه ايقظ المدعي العام العراقي من سباته، فحرك شكوى بحق من ذكر اسمه في استجواب العبيدي . وانه لامر جيد ان يتحرك الان لما فيه مصلحةعامة. ولكن يبقى السؤال: لماذا لم يستيقظ الا الان؟ ولماذا لم تحركه قضايا كبيرة ، قسم منها كاد ان يهدد مصير البلد ويضعه على كف عفريت: احتلال داعش للموصل وثلث اراضينا، قضية سبايكر ، ملف الرمادي؟ مرة اخرى: جيد هذا التحرك، لكنه يثير الكثير من الاسئلة عن انتقائيته؟
لا شك ان عاصفة الاستجواب لم تهدأ ، وتداعياتها المتوقعة لم تتحدد معالمها وحدودها بعد. فهل هذا الحدث الطاريء قد " خرمش " فعلا جدار منظومة الفساد المحكمة، وهل سيتم الوصول بالامر الى نهايته، فنرى المتهمين الفاسدين قابعين في السجن بناء على كلمة القضاء، وبعيدا عن الضغوط المحتملة؟ ام ستتدخل في الوقت المناسب منظومة " الحماية الواقية " التي تعمل (وهذا امتياز يسجل لها !) بغض النظر عن الدين والمذهب والقومية والتوجه السياسي للفاسد، ويخرج علينا القضاء ليقول بعدم كفاية الادلة، او ان تجري تسوية بين الدعوات المتقابلة على غرار قرار المحكمة الاتحادية بشأن جلستي مجلس النواب في يومي 14 و26 من شهر نيسان الماضي ؟!
ان القضاء مطالب بان يقول كلمته المنصفة في ما اعلن عنه من قضايا فساد وابتزاز وعرقلة لاداء وعمل وزارات الدولة ومؤسساتها ، بغض النظر عن هوية القائمين بذلك ، وان يكون محايدا ومهنيا ، وان عليه النظر في كل ملفات الفساد منذ 2003 لحد الان . كما ان الحكومة ورئيس الوزراء مطالبون بتسهيل هذه المهمة وعدم وضع العصي في عجلة مكافحة الفساد، التي كان يفترض ان تدور منذ زمن، وتحقق العدالة وتحمي المال العام وتقتص من الفاسدين والمفسدين وتبعدهم عن مواقع المسؤولية في مختلف المستويات.
والقناعة كبيرة بان يكون للحراك الشعبي دور في ادامة الضغط لكي تدور عجلة التصدي والمكافحة بسرعة تتناسب مع حجم الفساد الذي ابتليت به بلادنا ، كما الارهاب والمحاصصة المقيتة .