اعمدة طريق الشعب

الكتلة العميقة! / ياسر السالم

بعيداً عن تنبؤات الإطاحة بوزير الدفاع في مجلس النواب يوم الثلاثاء المقبل، أو لملمة الأمور على طريقة «الصفقات»؛ ستبقى لقضية الملفات التي فجرها خالد العبيدي أخيراً، تداعياتها على المسرح السياسي في المدى القريب.
لقد شذّ استجواب العبيدي، عن طابع الاستجوابات السياسية للوزراء في البرلمان. فالوزير لم يكن يستند إلى دعم كتلته السياسية (متحدون)، بقدر ما كان يعول على مبدأ الهجوم على مستجوبيه كوسيلة للدفاع.
وكان واضحاً أنه اندفع إلى جلسة الاستجواب، مستفيداً من زخم الانتصارات على داعش وقرب عمليات تحرير الموصل، ومن احتجاجات الشارع التي ما زالت تبقي الضوء مسلطا على قضايا الفساد، فضلاً عن الدعم البيّن له من قبل رئيس الوزراء.
ولم يمض يومان على الاستجواب، وإعلان التحقيق من جانب القضاء، حتى بدأ التحرك السياسي يأخذ شكلاً مغايراً للاصطفاف الطائفي والإثني، الذي كنا نشهده في كل الاستجوابات السابقة.
فازدحمت الكواليس بالمتهمين والوسطاء، وذابت خطوط التحالفات الرسمية، حتى كشفت «الكتلة العميقة» عن وجودها تماماً، مستنفرة كامل نفوذها في كيان السلطة، للحيلولة دون انهيار صف الدومينو، إذا ما سقط حجر واحد!
والكتلة العميقة هذه، ليست تحالفاً سياسياً واضحاً، بل هي مجموعة تحالفات وقوى سياسية وشخصيات نافذة، ظلت تنهش في المال العام طيلة السنوات الماضية، حتى تكونت في ما بينها شبكة مصالح مترابطة.. إنها بتعبير آخر: كتلة الفساد.
لا تتشكل الكتلة العميقة وتبرز عضلاتها وسطوتها، إلا عندما ترى الخطر يداهم منطقتها. عدا ذلك، فأن قواها على مختلف مسمياتها ومراكزها، في حالة احتراب دائم لتعزيز المواقع وتحصيل الصفقات.
لذلك، ترى هذه الكتلة في نظام المحاصصة، نظاماً مثالياً لبقاء نفوذها وهيمنتها. وهي تعمل من مواقع عدة وبأشكال مختلفة، على حمايته وإدامته، بما يمنع تسلل قوى جديدة يصعب التعامل معها، وتشكيل قوة ردع لمن يتجاوز حدود الكتلة.
وإلا.. فما الذي جمع النجيفي والمطلك مع علاوي ومع المالكي حينما أعلن رئيس الوزراء حزمة الإصلاحات التي تراجع عنها لاحقاً؟ وما الذي جمع عالية نصيف وحنان الفتلاوي وحيدر الملا في خندق واحد، حينما أثار وزير الدفاع ملفات عقود التسليح؟
بالتأكيد، لا يجمع شتات هؤلاء المتخاصمين سوى بطاقة عضويتهم في الكتلة العميقة، التي تمسك السلطة وترفعها من قديمها، لتفرغ على الناس بؤسها كله.