اعمدة طريق الشعب

لغة العالم / قيس قاسم العجرش

لم تلعب الثقافة اليابانية دور الباب المجاني المفتوح للعالم أبداً، منذ أن تأسست اليابان الحديثة والى يومنا هذا. وهي قلما أنجبت أسماء يمكن لها أن تتحدث بلغة الكون وتصل الى جميع الأمم بلا صعوبات. هذا يحدث على العكس من التكنولوجيا اليابانية التي تولّت الريادة منذ عقود في الحياة الألكترونية. حتى أنها ثبتت في الصناعة أعرافاً وتقاليد معيارية يابانية ينظر اليها العالم بالإحترام والإكبار دوما. وهو أمر غريب ومتناقض مع كل نظريات علم الاجتماع الحديثة، والتي تقول ان التكنولوجيا تحمل معها مؤثراتها الإجتماعية التي تفرضها. فكيف وصلت التكنولوجيا اليابانية دون أن تصل معها قواعد المجتمع الياباني؟ بل، كيف تنتقل التكنولوجيا بكل سهولة بينما تبقى الأعراف والتقاليد والتراث الياباني حبيسة في تلك الجزر القصيّة؟.
في الثمانينيات(حين كانت السيارات اليابانية تغزو كل زاوية من زوايا العالم) انتشرت أعمال الروائي الياباني (كوبو آبي)، وتلقفتها دور الترجمة والنشر وبيعت منها ملايين النسخ(امراة في الرمال، موعد سري) هي بعض رواياته. كذلك انتشرت في العقد الحالي اعمال الروائي(هاروكي موراكامي) بشكل مذهل. وبيعت ملايين النسخ من ترجمات رواياته التي وصلت حتى الآن الى 30 لغة.
وهناك عشرات الأسماء اليابانية، ما إن تترجم حتى تنتشر مثل الرياح، وتسافر عبر الأرض في أسابيع قليلة وربما في ايام. أين تكمن المشكلة إذن؟
في الحقيقة تكمن المشكلة في الآخرين وليس في اللغة اليابانية نفسها. الآخريين مازالوا يرون في اليابان شيئاً عجيباً، بدلاً من أن تكون في عيونهم أرض للنجاح. لقد حافظ اليابانيون على تقاليدهم في اللحظة التي انفجر فيها تقدمهم التكنولوجي وشبّ عن طوق المحليّ في مداه.
ومع هذا، كانت العقلية اليابانية تفكر في ثنائية التراث والحداثة من منظور الرفاه( الذي هو الهدف المفروغ منه لأي تنظيم اجتماعي أو تخطيط يدّعي التطور).
في الصين، افتتح كيسنجر أول زيارة له في السبعينيات بجملة :أجد نفسي الآن في ارض العجائب الصين الكبيرة والعظيمة؟ فما كان من مضيفه (وكان وقتها الزعيم الصيني زهو وان لاي)إلّا أن اقترح عليه ان يبدأ الحوار بشرح (لماذا تنظرون الى الصين على انها بلد العجائب)، لأن هناك مليار صيني يعيشون في الصين ولا يرون أية أعجوبة في حياتهم بهذا البلد!
الأمر ذاته ينطبق على اليابان. التي تحقق فيها التكنولوجيا منجزاتها بالتناغم مع التراث. فلا تناشز اجتماعي، ولا ازدواجية في الشخصية ولا صراع بين البداوة والحضارة! مع الذكر الطيب للراحل الكبير د.علي الوردي.