اعمدة طريق الشعب

حفرة العبودية / ياسر السالم

حتى وان كُنتَ أعمى، يمكنك أن ترى كيف ترمي السياسة الاقتصادية للحكومة الاتحادية بالعراق إلى هاوية العبودية.
فكل ما تعرفه هذه الحكومة هو طَرقِ أبواب العالم من أجل الحصول على مساعدات من هنا، وقروض مالية من هناك، لسد العجز المالي، حتى تجاوز حجم مديونيتنا الداخلية والخارجية ملبغ 90 مليار دولار. وهو رقم مرشح للزيادة في الأشهر القادمة.
يعتقد رئيس الوزراء أن تصريحه الأخير الذي أعلن فيه رفض شروط صندوق النقد الدولي، مقابل إقراض العراق مبلغ خمس مليارات دولار، كدفعة أولى من قرض كبير تبلغ قيمته 13 مليار دولار، يُعد تطمنياً للعراقيين. لذلك أطلق تصريحه بحماس واضح.
حسناً، ما زال علينا أن نشعر بالقلق. فرفض الشروط لا يعني سوى استمرار المفاوضات حولها، وربما قبولها لاحقاً تحت ضغط الأزمة المالية.
يعرف مقررو السياسة الاقتصادية، ان القبول باشتراطات صندوق النقد، تعني مزيداً من الضرائب وخصخصة واسعة النطاق واستقطاعات من الرواتب وغيرها من الإجراءات.. وهذا هو ما يحتاجه غضب العراقيين كي يتفجر. لذا سيكون القبول بتلك الشروط شديد المرارة.
ولأن تجرع المرارة أمر لابد منه كما يبدو، لجأت الحكومة إلى طاولة مفاوضات جديدة للحصول على قرض بريطاني هذه المرة، قيمته 13 مليار دولار كذلك. وإذا كان القرض البريطاني لا يتضمن شروطاً تقشفية، فأن نسبة فوائده عالية جداً.
ومع بقاء أسعار النفط متدنية، وقطاعات الاقتصاد الأخرى معطلة واستمرار تضخم النفقات، لن يتمكن العراق من تسديد هذه الديون الضخمة.. ومع تفشي الفساد، سيكون الأمر مستحيلاً حقاً !
وتصبح الاستحالة واقعاً، إذا ما علمنا أن مبالغ القروض تذهب إلى نفقات تشغيلية ومشاريع خدمية عطلها الفساد، لا إلى مشاريع استثمارية مربحة.
الجميع في مواقع القرار يعرفون ماذا تعني هذه السياسات: رهن البلد وثرواته للديون الخارجية على المدى البعيد.
في مسألة الديون الخارجية.. لا يتعلق الأمر بالأرقام الاقتصادية فقط. فثمة تبعية سياسية تنشأ مع القروض، تتحول لاحقاً إلى شكل من أشكال العبودية بين الدول.
فكثيرة هي الدول التي وقعت في هاوية الديون الخارجية: اليونان بديونها الثقيلة ليست بعيدة، ومثلها الأرجنتين المفلسة في الجهة الأخرى من العالم.
لكن أحداً لا يريد أن يستفيد من الدروس، لأنه مهتم بتمشية الأمور حتى موعد الانتخابات، بحجة تكاليف الحرب على الإرهاب وأزمة النازحين.
وحتى موعد الخلاص عسكرياً من داعش بعد تحرير الموصل، سيتحطم معنى الانتصار على صخرة الأزمة المالية !
هذه ليست صدفة مؤسفة، بل ضرورة بنيوية لنظام طائفي محاصصاتي غير قادر على لملمة نفسه.